ابو وجدان البرماوي
New member
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى - :
[ ثبت لحرم مكة من الخصائص أشياء كثيرة :
منها : ما سبق في حديث أبي هريرة ، وهو تحريم القتال فيها ، فالقتال في مكة محرم بالنص والإجماع إلا ما كان قتالا عن دفاع فإنه يحل ولو في جوف الكعبة ، ودليل ذلك قوله تعالى : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ).
أما القتال ابتداء فإنه لا يحل لأنه إنما أحل للرسول -صلى الله عليه وسلم- ساعة من نهار ثم عاد التحريم إلى يوم القيامة.
س _ هل يشارك حرم المدينة حرم مكة في ذلك ؟
الجواب : لا يشاركه في ذلك ، لأن حرم المدينة لم يحرم فيه القتال ، فلو قدر أن أهل المدينة استحقوا أن يقاتلوا لترك أمر يجب القتال على فعله ،فإنهم يقاتلون ، بخلاف أهل مكة .
ثانيا: تحريم قطع شجر مكة وحش حشيشها ، ويستثنى من ذلك شيء واحد وهو الإذخر فهل حرم المدينة كذلك ؟
الجواب : نعم يحرم أخذ شجره وقطعه إلا ما دعت الحاجة إليه كالحشيش للعلف ، وقطع الأشجار للحرث و السواني وشبهها ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في ذلك ، وكأن هذا الترخيص يشبه الترخيص في الإذخر لأهل مكة ، لأنهم يحتاجونه للبيوت والقبور والقيون ، فأهل المدينة أصحاب حرث وماشية ، فرخص لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحتشوا الحشيش للعلف ، وأن يتخذوا من الأشجار أخشابا للسواني وشبهها .
ثالثا : تحريم صيده ، فهل حرم المدينة كذلك ؟
الجواب : نعم يحرم صيد حرم المدينة ، ولكن يفرق بينه وبين حرم مكة من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول : أنه لا جزاء فيه وصيد حرم مكة فيه الجزاء ، وجزاء صيد حرم مكة كجزاء صيد محرم : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) الآية
أما حرم المدينة فليس فيه جزاء ، فلو قتله الإنسان كان آثما ولكن لا جزاء فيه.
وقال بعض العلماء بل فيه الجزاء ، ولكنه ليس كجزاء صيد مكة ، بل جزاؤه ( أخذ سلب القاتل يعني ثياب القاتل تؤخذ ، ويؤخذ منه أيضا آلة الصيد التي صاد بها ، ولكن القول الذي عليه الجمهور : أنه ليس فيه جزاء ، وأن أخذ السلب من باب العقوبة والتعزير ، وليس من باب الجزاء ، وذلك لأنه لا يماثل الصيد ، ولو كان جزاء له لكان مماثلا له، فهو من باب العقوبة التي إذا رأى الإمام أن يفعلها فعلها وإلا فلا .
الوجه الثاني : أن صيد المدينة إذا أدخله الإنسان إليها لايلزمه إطلاقه ، يعني لو أدخلت صيدا إلى حرم المدينة لم يلزمك إطلاقه ، بل لك أن تبقيه في يدك وأن تذبحه وتأكله .
أما حرم مكة فإنك إذا أدخلت إليه صيدا وجب عليك إطلاقه على المذهب ، والقول الثاني في حرم مكة أنه لا يلزمك إطلاقه ، بل هو في ملكك ، وبناء على هذا القول لا يكون بينهما فرق وهو الصحيح . والدليل على جواز إبقاء ملك الصيد في حرم المدينة ، حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قصة الصبي الذي كان له نغير يلعب به ، فمات فاغتم الصبي لذلك ؛ فقال له الرسول - صلى الله علية وسلم مسليا- : (يا أبا عمير ما فعل النغير) ، وهذا دليل على أنه يجوز أن يبقى الصيد في يد الإنسان ؛ على أن بعض العلماء يقول: إن هذا كان قبل التحريم ، لأن تحريم المدينة كان بعد خيبر ، ولكن لا يثبت النسخ بالاحتمال.
الوجه الثالث : إذا قتل الصيد في مكة فإنه يحرم أكله ، كما لو قتله المحرم أما في المدينة فلا يحرم لكن عليه إثم .
فالفروق بين صيد مكة وصيد المدينة ثلاثة .
رابعا: أن في قطع شجره وحشيشه المحرمِ قطعُهُ الجزاء : الحشيش بالقيمة ، والشجرة الصغيرة بشاة ، وما فوقها ببقرة ، هذا على المشهور من المذهب ، فهل حرم المدينة كذلك ؟
الجواب : لا ، فليس فيه جزاء .
والصحيح أنه لا جزاء في الشجر والحشيش لا في مكة ولا في المدينة وإنما فيه الإثم فقط .
خامسا : تحريم دخوله بغير إحرام إما مطلقا ، وإما في حق من أراد النسك أو من يؤدي الواجب ، أما حرم المدينة فلا إحرام فيه ، بل لو أحرم الإنسان لكان مبتدعا يُنهي عن ذلك .
سادسا : تحريم دخوله من الكافر والمشرك ، فلا يجوز أن يقرب المشركون المسجد الحرام ، بخلاف المدينة فإنه يجوز أن يدخلها الكافر ، وقد مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي في نفس المدينة.
سابعا: إجماع العلماء على تحريم صيده وشجره ، وأما حرم المدينة فخالف في ذلك أبو حنيفة وقال: إن صيده وشجره ليس بحرام ؛ ولكن الجمهور على خلاف قوله ، ولاشك أن قوله في هذا ضعيف جدا ، وأن الصواب المقطوع به أن شجره وصيده حرام ، كما ثبت ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهناك خصائص أخرى يختص بها المسجد الحرام ، وقد ذكرها المصنفون الذين صنفوا في تاريخ المسجد الحرام ]اهـ من شرح كتاب الحج من بلوغ المرام(مذكرة عندي) .
وقال رحمه الله تعالى - :
[ إذا قال قائل : أيما أفضل المجاورة في مكة ، أو المجاورة في المدينة ؟
اختلف في هذا أهل العلم ، فمنهم من قال : إن المجاورة في مكة أفضل ، لأن مكة أفضل من المدينة ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال وهو في الحزوراء في مكة : ( إنك لأحب البقاع إلى الله ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت ) ، وأما ما يرويه بعض الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في مكة : ( أحب البقاع إلى الله ) وفي المدينة : ( أحب البقاع إلى ) ، فهذا غير صحيح .
وقال بعض أهل العلم : إن المجاورة في المدينة أفضل ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حثّ على السكنى فيها ، وقال : ( المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ).
وقال بعض أهل العلم : المجاورة في مكان يقوى فيه إيمانه ، وتكثر فيه تقواه أفضل في أي مكان . وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - ، وقال : إذا فرضنا أن الإنسان في مكة يضعف إيمانه وتقواه ، ويقل نفعه فليخرج كما فعل الصحابة رضي الله عنهم ذهبوا إلى الشام والعراق ومصر يلتمسون ما هو أفضل ، وأنفع للعباد ، وسكنوا هناك ، وصاروا يعلمون الناس ، وتركوا المدينة ومكة .
وهذا القول أصح ، لكن لو فرضنا أن الإنسان يتساوى عنده البقاء في مكان وفي مكة والمدينة ، قلنا في مكة والمدينة أفضل من غيرهما بلا شك ، أما المفاضلة بالنسبة للمجاورة بين مكة والمدينة ، فهذا عندي محل توقف ]اهـ
شرح البلوغ الحج .(مذكرة).
منقول
اسم الموضوع : الفروق بين مكة والمدينة في الخصائص - ابن عثيمين
|
المصدر : .: زاد المسلم :.


