ذكريات برماوي مع الغربة الروحية في شهر رمضان

[المشتاق]

العين بعد فراقها الوطنا ........... لا ساكناً ألفت ولا سكناً ​

حينما تشعر في حياتك بالغربة الوجدانية أو العاطفية بسب تواجدك في مكان ما، قد يكون جانباً من جوانب الحياة في ذلك المكان عزاءً لك للتخفيف من حدة المعاناة والألم ، ولكن عندما تشعر بالغربة الروحية، فحينئذٍ لا يمكن لأي شيء في هذه الأرض أن يعوضك ، حتى ولو كنت تعيش في جنة من جنانها ، وهذا الذي صار معي بالضبط في رمضان بإحدى السنوات الماضية ، فإلى تفاصيل الحدث .....
​

قبل سنتين تقريباً من الآن سبق أن ساقني القدر إلى مدينة أوربية ، حيث يشكل المسلمون أقلية ضئيلة جداً تكاد لا تذكر مقارنة بسكانها البالغ تعداده نصف مليون نسمة ، مما تنعدم فيها مظاهر الحياة الإسلامية بصورة شبه تامة ، بخلاف المدن الأوربية الكبيرة الأخرى مثل لندن وباريس وفرانكفورت وغيرها من المدن ذات التواجد الإسلامي الملحوظ . وبينما أنا في هذه المدينة إذ أدركني شهر رمضان المبارك، ولأن المدينة تخلو من المظاهر الإسلامية كما أسلفت ، فإنني لم ألحظ أي فرق في إيقاع وتيرة الحياة ونمط أداءها ، مما تملكني شعور غريب وإحساس لم أعاهده من قبل ، وبل الأسواء من ذلك أنه مع مرور الأيام أصبت بالإحباط والغربة القاتلة ، وخاصة إننا تربينا منذ الصغر على إستقبال شهر رمضان المبارك بشيء من الإحتفالية والإنسياق الإجتماعي بطقوس معينة إستعداداً له ، حيث تتم إعادة برمجة معظم أوجه الحياة الإجتماعية والمدنية بصورة كلية ،وذلك مراعاة لظروف الشهر الفضيل ، مما تفضي على إيقاع الحياة والنشاط البشري نكهة إضافية مميزة ، نستطيع أن نسميها بـ( نكهة رمضان ) التي يشتاق إليها الكل وخاصة من يجاورالحرمين الشريفين ، لما لهما من عبق وخصوصية لا يعرفها إلا من عاش في كنفهما .

وبما أن شهر رمضان المبارك شهر الصيام والقرآن ، فإنني إفتقدت الأجواء الإيمانية المفعمة بنفحات القرآن وروحانيته . ومما زاد من حدة معاناتي وشعوري بالغربة والوحشة أنني من سوء الحظ لا أملك مصحفاً أقرأ فيه ، لأن مصحف ( الجيب ) الذي إعتدت أن أحمله في سفرياتي قد تركته في مكان لا يمكنني الوصول إليه . لذا بدأت أبحث عن مصحف بديل لأقتنيه سواء بالشراء أو بالإستعارة ، ولكن للأسف ذهب كثير من الوقت والجهد سدى و دون أن أعثر على ضالتي وخاصة أنه لا توجد في المدينة أية مكتبة تبيع الكتب العربية ، ناهيك عن المصحف ، ومن ثم وفي أحد الأيام ومن حسن الصدف تعرفت على أخٍ مسلمٍ وهو من الأشخاص الذين يهتمون بأمر المسلمين في تلك المدينة ـ جزاه الله خيراً ـ وأثناء حديثي معه ذكرت له بأنني في حاجة إلى مصحف لأقرأ فيه ، طالباً منه أن يعينني في الحصول على نسخة من المصحف الشريف سواء بالشراء أو بالإستعارة ، وأضفت له إن تطلب الأمر دفع مبلغ غير معتاد مقابله فأنا مستعد لذلك ، غير أن الرجل قال لي : أنه يعرف عائلة لديها نسختان من القرآن الكريم ، وهي ليست في حاجة إلا لنسخة واحدة ، وذلك نظراً لعدم وجود من يقرأها ، وأردف قائلاً أنه سوف يحاول أن يحضرها لي في أقرب وقت ، مما فرحت له فرحاً شديداً ، وبالفعل في اليوم التالي حضر الأخ وأتى بالمصحف وتركه في بيتي ، وحينما عدت له مساءً وجدته ، وبمجرد أن وقع نظري على المصحف شعرت بالإرتياح والإنشراح ، ومما زاد من فرحتى وأثلج صدري أيضاً ، أنه ذلك المصحف الشريف الذي تعودنا أن نحمله ونقرأ فيه دائماً ، الذي ذاع صيته في الآفاق وعرفه القاصي والداني بغلافه المميز ولونه الأخضر والمطبوع على ورق ( الكوشيه ) الفاخرة في نسخة أنيقة ، ألا وهو ( مصحف المدينة النبوية ) المطبوع في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة . حينئذٍ شكرت الله كثيراً على أن يسر لي في الحصول على نسخة من المصحف الشريف على الرغم من كل الصعوبات المحيطة ، وإزاء هذا لم أملك إلا أن أقول أنه جاء مصداقاً لقوله تعالى : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
​

وذكرني هذا الموقف، أنه إذا كان هنالك من يستحق أن يتوجه إليه بالشكر والعرفان بعد الله سبحانه وتعالى من أجل هذا المصحف الشريف وما لقيه من إنتشار واسع حول العالم ، فهم قادة المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله الذي ألهمه الله لإنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة ضمن ما حفل عهده الزاهر بكثير من إنجازات حضارية عملاقة وخاصة على الصعيد الإسلامي ، ليسد حاجة أبناء الأمة الإسلامية قاطبة ، ومن ثم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه ، الذي حمل الأمانة من أخيه إستمراراً لأداء رسالتها العظيمة إذ ينفق من أجلها بسخاء مئات الملايين من الريالات سنوياً ، وأن هذا الصرح الفريد من نوعه والوحيد على مستوي العالم الذي لا مثيل له في أي مكان أخر ، يبرز بصورة ناصعة وجه المملكة الإسلامي المشرق على الصعيد العالمي ، حيث تمت طباعة مئات الملايين من النسخ من هذا المصحف الشريف و وزعت على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مجاناً وذلك منذ أن دشن في عام 1405هـ ، ومازال مستمراً في عطاءه ولله الحمد ، واليوم لا يكاد يخلو بيت من بيوت المسلمين في كل أنحاء المعمورة إلا وبه نسخة من هذا المصحف الشريف ، وهؤلاء الملايين الذين يقرؤونه ليل نهار تلهج ألسنتهم بالدعاء لهم بأن يثيبهم على هذا العمل الإسلامي الجليل ونحن منهم بالتأكيد يا أبناء الجالية البرماوية في المملكة العربية السعودية ، لأننا ـ كما تذكرون بعضكم ـ كيف كنا نعاني سابقاً وقبل تشغيل هذا المجمع من عدم توفر مصحف مناسب للحفظ وحتى في مكة المكرمة ، لذلك كان مطلبنا دائماً عندما نجد أحداً يسافر إلى باكستان أن يحضر لنا ذلك المصحف الذي كنا نسميه بـ ( أبوصفحة ) من إنتاج تاج كمبني لميتيد كراتشي . واليوم لقد إنتفت هذه الحاجة ولله الحمد بوجود هذا المجمع المبارك وللأبد ، وصار المصحف الشريف في متناول الجميع وهذا بحد ذاته نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى علينا نحن أبناء الأمة الإسلامية بفضل ما أقدمت عليه حكومة المملكة العربية السعودية ، وإزاء هذا فإننا لا نملك إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى المولى سبحانه وتعالى سائلين أن يجعل عطاء هذا الصرح الإسلامي عطاءً مستمراً ، كما نسأله سبحانه أن يجزل الثواب والأجر لقادة المملكة العربية السعودية الملهمين الذين تبنوا هذا المشروع الجبار وينفقون من أجله كل غال ونفيس ، وهو نعم المولى ونعم المجيب .
​

والآن أترككم مع جولة في هذه المدينة وبعض ضواحيها عبر عدسة الكاميرا ـ من تصويري ـ إذ تعتبر هذه المدينة الأوربية من أجمل المدن في العالم لطبيعتها الساحرة ومناظرها الخلابة بالإضافة إلى أهلها الهادئين والمسالمين ولكنها للأسف تفتقر إلى مظاهر الحياة الإسلامية وخاصة لجهة توافر المساجد والجوامع لقلة الوجود الإسلامي فيها ، وفي الواقع أن مثل هذه الأماكن تعد من الأراضي الخصبة للدعوة إلى الله ، ولكن من يقوم بها في ظل تشرذم المسلمين اليوم !!!!
​

[/CENTER]

 

[هيمو_]

بارك الله فيك

يعطيك العافية

 

[لحظة فراق]

أحسن الله إليكم ..
وبارك الله فيكم...

اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة ..
وأزمنة مديدة ..
ونحن في صحة وعافية ...
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
اللهم تقبل منا الصيام والقيام..