الأسيف
مراقب عام
[font="]مرّ الأسيف بموقفٍ عصيب يومَ أن نظر إلى الحياةِ بمنظارٍ أسود ، وتعجل بكتابةِ تلكَ المقالة المعنونةِ بـالمستقبل البائسِ ، فاستحالت الدنيا في عينيهِ أظلم من الدجى ، وأضيق من سمِّ الخياط ، فمَاتَ الأملُ في نفسهِ وذهنهِ قبلَ مَوتِ أعضَائهِ ، ورأى أن التصرفّ بالواقعِ والتكيف معهُ كانَ عصيّ العلاج ، أبيّ المراسِ ؛ لا لأنهُ مسجونٌ هنَاكَ .. بلْ لأنهُ قدْ سجَنَ نفسَهُ بتصَوُرهِ أنْ لا فائدَةَ منَ الإصلاحِ والعمَلِ ، ولا رجَاءَ في الخلْقِ ، ولا مستقبلَ عندَ الناسِ هنَا !![/font][font="][/font]
[font="]فعمدَ البحث عن العلاج إلى أقوى ما يكونُ لديه من الأدوية المتنوعةِ كمَا يفعل الطبيب بالأمراض المستعصية في البدن ، فتمثلَ بالمريض العليل وعرضَ علتهُ على المُختصينَ ليختارَ له الدواء المناسب ؛ فكانَ كمَا توقع ..[/font]
[font="]فامتلجتِ المُهَجُ ، برَوَائعِ الحُجَجِ ، بدَأ في وصفِ العلاجِ الأخ : صَلاح بن عبدالشّكور .. مروراً بالأختِ : أم سلمَان .. إلى أن انتهَى المطَاف بجدّ البرمَاويين ، فمَا قرأَ مشَاركاتهم إلا ومَرْجُ الشكّ عندَهُ في خُمُود ، وَهَرْجُ الرّيبِ في رُكُود ، فحمَدَ ربّهُ على ذلكَ ، وصرَفَ فكرهُ عن الوسَاوِسِ ..[/font]
[font="] [/font]
[font="]فواصلَ المواظبة على التدبيرِ والتفكير وكثرة الإمعانِ وتَكرارِ النظرِ في الحياة ، وقرّر أن يلبسَ نظارةً أخرى تعكس الأضواء وتغيّر المشاهد ..[/font]
[font="]فتغيرت نظرته في حينهَا ، وأصبح يرى الوجود جميلاً ، ليس كمَا كانَ يُشاهدُهُ بالأولِ ليلاً مظلماً ..[/font][font="][/font]
[font="]ليتهُ لبسهَا من قبل ليرَى ذلكَ الجوهر البعيد .. الذي يجب ألا يغيب عنهُ ..[/font]
[font="]ذلكَ لأنّ الحياة إنمَا تنيرُ بهِ ، وبدونهِ تظلمُ ويضيقُ بهَا المرءُ ذرعاً ..[/font]
[font="]إنهُ الأمل .. ونشرُ روحِ الأملِ والتفاؤلُ في الحياة ..[/font]
[font="] [/font]
[font="]حينمَا امتلكَ الأسيفُ تلكَ الرؤية الجميلة .. تحوّل كوخهُ الذي يعيشُ فيهِ على المخططِ الموهومِ فوق أعالي جبال مكةَ إلى كونٍ مُنير ، وفضاءٍ واسعٍ ..[/font]
[font="]وتحولت الصحراء المُجدية أمامهُ ريَاضاً مزهرَةً .. [/font]
[font="]وتحوّل الزقاق الذي تربى حولهُ دوحةً غنّاء ..[/font][font="][/font]
[font="]في حينِ تضايقَ المتشَائم بالحيَاةِ ، وغَدَتِ الحيَاةُ أمامَ عينيهِ سجناً مُظلماً حالكاً ، مهمَا كانَ غَنيّاً مترفاً ..[/font]
[font="] [/font]
[font="]لقد تأملتُ إلى ما يحدثُ في دُنيا الناس .. في واقعِ قومنَا وبني جلدتنَا ..[/font]
[font="]ربمَا واقعنَا ليسَ بالواقعِ الجميلِ الآن ..[/font]
[font="]وربمَا لو نُقارن إلى ما كنّا عليهِ في يومٍ من الأيّام ، وما آلَ بنَا الحالُ في هذهِ الأيامْ ، لوَجدنَا الفَارق ![/font]
[font="] [/font]
[font="]ملكنَا هذهِ الدنيَا قرُوناً ** وأقطعهَا جدُودٌ خالدونا[/font]
[font="]وسطّرنَا صحَائف من ضيَاءٍ ** فما نسيَ الزمَانُ ولا نَسينا[/font]
[font="]ومَا فتئ الزمانُ يدورُ حتى ** مضى بالمجْدِ قومٌ آخرونا[/font]
[font="]وآلمني وآلمَ كلَّ حُرٍّ ** سؤالُ الدهرِ أينَ المصلحونَا ؟[/font][font="][/font]
[font="] [/font]
[font="]فهذَا الواقعُ بلا ريبٍ لا يستمرّ ، نجدهُ قد تغيّر ويتغيّر ..[/font]
[font="]واقعُنا قبل سنواتٍ ، وقبلَ عقودٍ .. ليس بواقعنا الآن ..[/font]
[font="]قبل قرنٍ من الزمَان .. كانَ الاستعمارُ البريطاني على أراكان ..[/font]
[font="]وبعدهَا استقلال بورمَا ..[/font]
[font="]وبدَأت معاناةُ ومآسي المسلمين ..[/font]
[font="]بعدها ألغيتْ جنسيةُ المواطنةِ ، ثم إجبارٌ على الهجرةِ الجماعيةِ إلى الدولِ المُجاورةِ ، عقبَ ذلكَ الأوضاعُ السيئة في مُخيماتِ اللاجئين ، ثمّ هدمُ المساجدِ وتحويلهَا إلى مراقصَ وحانات ، إثرَ ذلكَ التميّز العُنصري في كلّ المجالاتِ ، ثمّ الخطةُ الجديدة التي أعدتهَا الحكومةُ العسكريةُ لتنقيصِ نسبةِ المسلمين ، ثم انتهاكاتُ قوات حرسِ الحدودِ الخاصةِ ، ثمّ .. ثمّ ..
[/font]
[font="][/font][font="][/font]
[font="]بعدَمَا (( تفَرقنَا في جهَاتِ المهَارِبِ ، واعتصَمْنا بالأنهارِ والمسَارِبِ ، حَتى صِرنَا مُهَاجرِي الليلِ والنهَارِ ، إلى أنحَاءِ الأقطَارِ ، وَقطعنَا الفيَافْي والبحَار بأقدامِ الفرارِ ..[/font][font="][/font]
[font="].. [/font][font="]بعدَ تلكَ القصةِ الطويلةِ العريضَة التي تصَرفَتْ بهَا خُطوبٌ تتلُو خُطوبَاً ، وَشوَائبٌ تَدَعُ الوِلدَانَ شِيباً[/font][font="][/font]
[font="]أخبرُونيْ مَن آوتنَا وَضمّتنَا إلى صَدرِهَا ؟؟! [/font][font="].. [/font][font="]من أغدقَتْ علينَا نِعمَها وَأظلتنَا بِظلّ كرَمِهَا ، وآنسَتنَا بتَعَرُفِ مَبَادِئهَا وَشِيمِهَا ؟؟!![/font]
[font="] [/font][font="][/font]
[font="]مَن كانتِ الأمّ لهذهِ الجاليةِ اليتيمةِ ؟ [/font][font="].. [/font][font="]مَن أعْطتنَا حَنانَها ودِفئهَا ؟ [/font][font="][/font]
[font="] [/font][font="] [/font][font="]أليسَتْ هيَ أرضُ التوحِيدِ والمجد التليدِ والنهج الرشيدِ ؟؟ [/font][font="] [/font]
[font="]أليسَتْ هيَ أرضُ الإنسَانِ والإيمانِ والقُرآنِ ؟!؟! )) [/font][font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="]أوَلسْنَا نحنُ الآن في رغَدٍ من العيشِ ، نسكنُ في قصُورٍ عاجيَةٍ ، بالنسبَةِ إلى ما ذُقنَا بهِ من مَرارةِ التشَردِ والنفُورِ في أرَكانَ بالأمسِ ..[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="]هَا قد قَيّدتُ خيَالي ، لئلا يجمَعَ بي في أوديَةِ الهمُومِ مرّةً أخرى ، فحَاولتُ جَاهدَاً أن أفكّرَ في النعَمِ والمواهب التي منّ اللهُ بهَا علينَا ، وقد أدركتُ الخطَأ الذي ارتكبتهُ بالأمس وهوَ : أنّي قدْ شَغَلتُ نفسي وَفكرِي بالمستقبل وهو في الحقيقةِ مجهولٌ ، والاهتمَامُ بالمجهُولِ والاشتغالُ بهِ ليسَ من شأنِ المرْءِ العَاقلِ ، فكانَ الحقُّ : أنّي عَجَزتُ عنْ مُوَاجهَةِ الحاضِرِ ، فتشَاءمتُ بالغدِ والأمسِ ، وأهملتُ اليومْ ..[/font]
[font="]إنّ رَبّاً كفَاكَ مَا كانَ بالأمْسِ **** سَيَكفيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ ..[/font]
[font="] [/font]
[font="]بهَذا قاربَ موضُوعي للانتهَاء ، الذي أردتُ من خِلالهِ أن لا ندعَ لليَأسِ منفذَاً ، وأن نتَمسكَ ونتَشَبّثَ بخيطِ الأملِ وحبلِ التفاؤلِ ، رغمَ كلّ الخُطُوب والمحَنِ ، وإن ادلهمّتِ الصعَاب ..[/font]
[font="] [/font]
[font="]وهنَا سؤالٌ خَارجيٌ يترددُ في أذهانِ الكثيرِ منّا ، أطرحهُ كي يتنَاسَق الموضوعُ معَ قسمهِ ، ألا وهُوَ :[/font]
[font="]هلْ إقَامةُ البرماويينَ هنَا .. معَ وُجُودِ بعضِ العقَبَات ، مُقَابل حفَاظِهم لعقيدتهمْ ومبَادئهمُ الإسلاميّة ، خيرٌ من خروجهمْ إلى بلادٍ أجنبيّةٍ لا يأمنُ الإنسَانُ فيهَا الفتنَةُ في دينهِ وأسُسِهِ - معَ الأملِ في ذلكَ - ، بالمقَابلِ زَوَالُ تلكَ المُنَغّصَات والعوَارضِ التي كانت توَاجههُم هنَاك ؟؟!![/font]
[font="] [/font]
[font="][/font]
[font="]
[/font]
[font="] [/font]
اسم الموضوع : ما أضيق العيش .. لولا فسحة الأمل !
|
المصدر : .: ساحة الرأي :.
