من ذكرياتي مع شيخنا ابن جبرين رحمه الله

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة
إنضم
3 مايو 2009
المشاركات
2,543
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
حاليا في الرياض
هذه مقالة كتبها والدي( ليث ابن قرناس حفظه الله )من بعض ذكرياته عن شيخنا ابن جبرين رحمه الله وهي جزء من كتاب ضخم وآسف أنه حفظه الله قد صرف النظر عن إخراجه ..




عندما رحل شيخنا تعبت تعبا شديدا
وصالت علي أوجاعي وزارتني زوارت قد قطعتني فأردتني
نعم رحل أبو محمد لكنه والله في سويداء القلب متربع
أبومحمد ابن جبرين بطل همام أسد ضرغام قوي في الحق لين في حقه تواضع من غير تكلف وسمت من غير تصنع وأدب جم ومحبة قذفها الله في قلوب العباد
لا أزال أذكر كلماته وعباراته حركاته وسكناته لحظه ونظره
مشيه وسرعته أتذكر عظامه ورقتها وسنه وكبرها .

يالله
جسم هزيل ما أن يدخل حتى ينقلب ذاك المجلس إليه وما إن يتكلم حتى يصرف الحاضرون قلوبهم إليه
شيخنا رحمك الله
إني أتذكر والله عندما جادلته في مسألة تصورتها تصور غر وأنا صغير ثم أدركت كنهها وأنا كبير
جادلته فوالله ما كهر ولا نهر بل تبسم وإلي نظر فقال : لا ألزمك ورأيك متبع
يا الله ابن الإثني عشر ربيعا نظر إلى نفسه نظرة عالم وابن الأربعين نظر نظرة مشفق عارف
إن لم يكن هذا تواضع فما التواضع إذا ؟
هو ابن جبرين وكفى
إن دعوته أجاب وإن مرضت زار وإن علم بوفاة صلى وشيع
أخوتي ..
سيرة أبي محمد عطرة فاح شذاها وطاب ريحها فأحذت من جلس بجوارها أو قرب منها
دعوت الشيخ يوما لداري فأجاب وكان الحاضرون قلة من أحبابي أعرف أن شيخنا يستأنس بهم
فما إن دخل ذاك النحيل إلا ويقبل مهرولا على حبيب قلبه وزميل دراسته ومحنته إنه شيخنا البراك تعارك الإثنان عراك المحب كل يريد تقبيل رأس الآخر فأصلحنا بينهما بالعوض والعوض قبلة ...
في ذاك المجلس فرحت وبكيت وعجبت ..
فرحت
بلم الشمل وإفراح شيخي وإسعاد الحاضرين .

وبكيت
عندما رأيت شيخنا رحمه الله لا يستطيع البلع حتى أنه يجد مشقة في أكل الجريش .

وعجبت
أن الشيخ كانت عنده فتاوى للموقع فأنتهى منها وأجاب الدعوة ثم ذهب لمسجد عتيقة لكلمة والصلاة على الجنائز وبعدها عنده درس
فيا من وهبه الجلد هب لنا جلدا وطاعة وإخلاصا
أما عن عبادة أبي محمد فلا تسل
فلا أدل على العبادة من هذه الدروس التي تعقد تقطع والله ظهر الجلد فكيف بالشيخ الكبير .

ويعجبك في أبي محمد مع ما ذكر ذاكرة قوية وحفظ متمكن وفهم ثاقب

أما الحفظ :
فقد رأيته يَسْمَعُ أول مسألة يقرأها الطالب فيغط شيخنا في نومة هانئة حتى ينتهي القارئ ثم يبدأ في الشرح مرتبا المسائل متسلسلا فيها .
أما الذاكرة
فإنه يتذكر طلابه ولو بعد سنين من عدم الرؤية وفي هذا عتبه على من يكون منه قريب ولا يراه شيخنا إلا في السنة وقد لا يراه فترة طويلة متواصلة وهذه والله من القطيعة وإن كنت بها متلبسا
ويعلم من حضر دروسه مع أن شيخنا يحضر عنده المئات بل أقول الآلاف .

وفهمه :
تدل عليه اختياراته المشهورة وآراؤه المبثوثة .


دعابة الشيخ وأنسه
مما أذكره أنه مشهور عندنا اللقب فيكون شهرة الرجل وقد يطغى على اسمه وشيخنا قريب لي عارف باسمي جدي الأعلى ولقبه فرأيته مرة في مناسبة فقال لي : أأسميك ابن عبدالله أم ابن كذا
فقلت : سم ياشيخنا ما تشاء وما أنت إليه مطمئن فضحك ودعا ثم التفت إلى الداعي وقال ألا تعرف (وذكر لقب جدي)
فقال : لا إنما أعرف أنه ابن عبدالله فضحك شيخنا ومن معه وقال : هو جد من أجداه سمي به لكذا
فصار تارة يسميني به وتارة بكنيتي وقد طرد هذه التسمية على أبناءي أصلحهم الله
ولشيخنا رحمه الله دعابة على السجية منها أنه كان عندي مناسبة فدعوته فأردت أخذه بسيارتي فقال : لا أخشى أن لا تردني كما هي عادتك بل سآخذ سائقي يذهب بي فضحكت وقلت لك ما أردت لكن نمشي الآن
ألا رحمك الله أبا محمد .

جلد الشيخ وعبادته

للشيخ في مجال التدريس جلد عجيب وقصة أخرى
درسه في الفجر لا أطيقه وأنا الشاب فكيف به هو وهو مسن إنها الهمة
وليعلم القاري أن لشيخنا مجالس كثيرة قد جاوزت الثلاثين وقد حدثني بعض الإخوان ممن حصر الكتب بالمكرر في مدينة الرياض بقرابة سبع وخمسين كتابا
لشيخنا مع الصدقة مواقف :

دخلت الحرم المكي قبيل الفجر ورأيت الشيخ متلثما أو أنه وضع شماغه ويده عليه نسيت
وهو يتصدق على الفقراء وعمال ابن لادن وقد عرفته بحدبه ومشيته التي لا تخفى علي أبدا
فأردت أن أسلم عليه فقلت إن سلمت عليه قد يحزن ثم يستحلفني ألا أخبر فلأدعه بعد الصلاة .
هذا الموقف أثر بي كثيرا وأعلم أن هذا
دأب الشيخ رحمه الله

تواضع من غير تكلف

ومن مواقفي معه رحمه الله أني دعوته وكان عندي من الأماجد كثر كشيخنا ابن قعود رحمه الله والبراك وابن حميد رحمهم الله وحفظ شيخنا البراك وغيرهم ومجموعة كبيرة من طلاب العلم
فأبي شيخنا أن يجلس في صدر المجلس وكان له ما أراد
ذاك المجلس كأني أنظر إليه الآن بعد سنين أكل عليها الدهر وشرب لأعلم أني عن قريب بهم لاحق فاللهم بعفوك ومغفرتك تجاوز عنا
شيخنا وطلابه وأقرباه

سأضرب هنا مثالا واحد فقط في أحد الأثنينيات وفي صبيحة ذاك اليوم ودعنا جدتي رحمها الله بعد معاناة طويلة وحيث أنها رحمها الله مشهورة على نطاق أهل منطقتنا عموما فما هالني إلا وشيخنا وهي أكبر منه سنا يتقدم المصلين ثم يتوجه إلى المقبرة مع أن عنده درس بل قد رأيته يحثو التراب على قبرها رحمها الله
ثم أتانى في البيت يعزي فيها بل أقول والله إن له أثر في ثبات أهلي عندما عزاهم .

وهذا فعله مع كثير من طلابه رحمه الله .
 
إنضم
3 مايو 2009
المشاركات
2,543
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
حاليا في الرياض
من مشاهداتي مع الشيخ في آخر حياته

انقطعت عن دروس شيخنا فترة ليست بهينة لانشغالي وضيق الوقت
ثم إني حضرت دروسا متقطعة رأيت فيها تفلت حفظ شيخنا بالنسبة لسابق عهده وإلا فهو أثبت مني حفظا وضبطا وكنت أعلم أنه به ضغطا عاليا ومرض بالقلب وغيرها أضف عسر البلع وثقل الكلام عليه ومشقته
وقد سقط في منبر الجمعة مغشيا عليه إما خانتني الذاكرة مرتين وسقط في أحد دروسه في طيبة
هذه المشاهد جعلتني أحس بقرب منية شيخنا ثم رأيت حرصه على بناء الوقف لدروسه ومكتبه فزاد ظني إلى اليقين كنت أنظر إليه نظر المودع وأعلم أنه عن قريب مودعي
ثم أتى مرضه الأخير فقلت لبعض خاصتي إني لأراه وفاته فتشمتو بي وقالوا أين أنت عن حسن الفأل
قلت : هذا ما عندي وأراه واقع والعلم عند الله
دخل شيخنا المستشفى فصرت والله أكره مروري بمسجد الراجحي لما رأيته نوره ذهب
بل صرت لا آتى بيته أبدا مع أني كنت عنده يوميا تقريبا
رأيت لشيخنا إعلان لدرسه فاتصلت بالإخوان لأستطلع الأمر فوجدته فأل مشوبا بيأس فعلمت تدني صحته ودخلت مرة على الدرس فوالله لقد تكدر خاطري مما سمعت
كان شيخنا يعد بقية الدورات في العصر ويدعه لطلابه أما هذا العام فالمغرب فقط للشيخ والباقي لطلابه .

كيف وصلني النبأ

قبل أيام من نبأ وفاة الشيخ بل من وفاة أبي محمد عبدالعزيز الوهيبي رحمه الله وأنا مصاب بالتهاب شديد في الكلى وكان يتعبني ليلا ونهارا فآل معه وضعي ملخبطا وجدولي كذلك بل دروسي قد أوقفتها وصرت أجمع وأصلي بالبيت
في يوم الاثنين 20/7 ما نمت وصدري منقبض وأخبرتي زوجتي وبني بحدوث أمر في هذا اليوم
فنمت من التعب قرابة التاسعة صباحا وفي هذا رحمة ربي بي ..
قمت صليت الظهر مبكرا وعاودت بحمد الله جوالاتي على الصامت فنمت وقمت قريبا من العصر لأجد جوالاتي ملئت بالرسائل والإتصالات هذا يستفسر وذاك يتأكد وآخر يعزي فحمدت الله وأنا الآن أعجب من تجلدي بالصبر خرجت فتوضأت ثم صليت دعوت له في تلك الصلاة ما أسأل الله أن يقبله
قمت بإقفال جوالاتي لأسلم وخلوت بنفسي أستذكر
يوم وفاة شيخنا ابن باز ثم ابن عثيمين ثم شيخنا بكر أبو زيد ثم ها هو شيخنا يلحق بركابهم
مرت علي دقائقي مع الشيخ يوما بيوم ولحظة بلحظة
كنت قبل وفاة شيخنا بثلاتة أشهر ونيفا مع أخي أبي محمد عبدالعزيز الوهيبي رحمه الله نتذاكر التزاكي فسألني عنها فقلت : عن نفسي لم آخذ شيئا بل لم أطلب أبدا فقال لي : حتى الشيخ ؟! قلت : نعم فعجب مني وقال عجب أمرك أبا عبد الله
قلت أبا محمد وهل تراني جننت إذ أقول لمشائخنا زكوا تلميذكم وعددوا فضائله !
ثم لتعلم أن صاحب الحق هو من يخرج نفسه وأنا بحمد الله يعرفني كثير وما زادني ولا نقص ثلم الناس مني ما دمت لا أتكلم إلا بما أعتقد ولا أعتقد إلا بالدليل والبرهان .
توفي شيخنا وأعلم أن المكتب قد زاد حماسه وكثر تعبه فشيخنا ترك تراث عظيما فأربأ بأبناءه أن يكونوا كبعض الناس الذين أماتوا علم والدهم .

قد صليت على شيخي صلاة الغائب إذ أن التعب غلب وقد عزيت ذويه مهاتفة وأبناءي نيابة عني
مكثت بعد وفاة شيخنا أكثر من يومين لم أنم وأنى لي المنام وحبيبي مسجى ووساده اللبن .


اللهم اغفر لشيخنا وأعلي نزله وانفع بعلمه وارفع درجته واجمعنا به ومن نحب في جناتك جنات النعيم
لك الحمد يا رب حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال
 
أعلى