[ رَصيفٌ مُشتّتْ ] ! ..

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة
إنضم
20 يونيو 2009
المشاركات
188
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
المدينة المنورة !
"
"
بـ خطواتٍ بطيئةٍ متثاقلة بدأ مشوار السّيرُ الصّامت على رصيفٍ طويلٍ جداً ..
أمام بيتهِ الذي بات مقراً لـ النومِ لا أكثر ..
فـ الأجواء الصاخبة هناك والتّصادمات اليومية وتدخّل جدّته في كل تفاصيل حياتهِ ..
حتى في طريقةِ النومِ واللبس .. وفي طريقة المشيِ والتّحدث والكتابة ..
جعلت العلاقة بينه وبين بيته وسكانه رسميّة لأبعد الحدود ..
كـ عادته كان يرتدي الأسود، فهو من عشّاقِ هذا اللون، لـ حبّهِ لـ الليل وصفائه وهدوءه ..
ولأن هذا اللون قد احتلّ كل مساحاتِ حياته وذكرياتهِ وبات يهدّد في استيطان المستقبل ! ..
بعد أن ضم كفّيهِ ووضعها خلفه تنهّد بعمقٍ اهتز الأشجارُ حوله، فـ كانت بـ مثابةِ صفّارة البداية ..
بدأ بالسّير إلى المجهولِ دون تحديد خط النّهاية .. قرّر أ يكون أخرس الصوت ثرثار التفكير ..
لـ يجاري أصداء الصّمتِ والسكون من حوله .. فـ تلك المنطقة لا يسكنها الكثيرُ من البشر سوى الفراغ والهواء ..
" " "
استرجعَ الذّاكرة وبدأ بالبحثِ في رمادِ الذّكريات ووجد بقايا من طفولة .. لمسها بـ إحساسه ..
وصار يرتشفُ تلك اللحظات .. تنفس بـ عمقٍ وابتسم، ربما هي اللحظات الوحيدة المحفّزة لـ الابتسامة ..
تذكّر جنونه وهو يُحطّم ألعاب إخوته .. ولعبهُ لـ الكرة داخل البيت حيثُ لم يُبقي زجاجاً أو مرآةً في البيت ..
الا وكُسر جرّاء ركلاته لـ الكرة التي تشبه ركلات [ الكابتن ماجد ] ـ على حد زعمه ـ
تذكّر درّاجته الهوائية الصغيرة .. ولن ينسى سقطاته على الإسفلت في بدايات تعلّم القيادة ..
مع كل هذا الضجيج البريء في طفولته إلى أن والدته كانت تقول له : كنت الأهدأ بين أقرانك ..
تنفّس مرةً أخرى ولكن بـ عمقٍ شديد .. وبدأ يسير بـ وضع قدمه في منتصف المربعِ في الرصيف ..
مع محاولة عدّ المربعات .. لكن شرودهُ في أفكارهِ وذكرياتهِ تُفشلُ تلك المحاولات ..
تذكّر مدرستهُ وبكاؤه في الصباحِ الأول وسرعان ما تحوّل البكاءُ إلى ركض ولعب وفرح ..
خصوصاً بعد توزيع الحلوى والعصيرات ..
فجأةً لمح في صفحات ذكريات الدراسة أنه لم يتنازل عن الامتياز طوال فترة دراسته ! ..
فـ تمتم بـ صوتٍ يكادُ أن يُسمع [ أي والله صح ] .. ربما لأنه لم يُكافأ ممن حوله مكافأةً يجعلهُ ..
يتذكّرُ انجازاته الدّراسية .. لا يُهم فقد تعوّد أن يُصفّق لـ نفسه .. ويّشُدّ من أزر نفسه ..
ويناقشُ نفسه ويحاورها ويستشيرها ويداعبها ويحضنها ! ..
بعد أن تعمّق في هذا التفكير رفع رأسه ونظر ! لم يجد أي مخلوقٍ بـ جواره يسمعُ له ..
في وقتٍ هو في أمسِّ الحاجة لـ [ الفضفضة ] .. نزلت دمعتين ساخنتين على خديه ! ..
شعر بـ غربة مؤلمة ووحدة لاذعة جعله يتوقّف عن السّير / والتفكير ..
صار يسمعُ صدى أنفاسه الحزينة .. وتلك الدمعتين سقطت على الرّصيف ..
بعدها نظر لـ الخلف .. لقد قطع مسافةً كبيرة من غير أن يشعر / أو حتى يصل لـ النهاية ..
فهمّ بـ العودةِ من حيثُ أتى فـ الجو بدأ يميلُ إلى البرودة ..
وبـ صمتٍ وهدوء وعلى نفس الرّصيف بدأت خطواتهُ تتّجهُ إلى البداية ومن ثم إلى منزله ....
 

عبده درويش

Active member
إنضم
28 يونيو 2009
المشاركات
2,400
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
مكة
0569944524-b4898c58ee.gif
 
أعلى