البِسَّة تاكل عيالها ......

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة
إنضم
23 مايو 2009
المشاركات
157
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
المدينة المنورة
يعرف عن احد الشعوب العربية انهم شعب يموت في النكتة وخفة الدم واللغة الشعبية السلسة البسيطة

وانهم مشهورون بامثالهم - الشعبية منها خصوصا - التي دائما ما تناسب الموقف بكلمات قليلة ومعبرة.

ومن هذه الامثلة الشعبية المشهورة عن هذا الشعب العربي المسلم العريق مثل يقول :

البِسَّة تكل عيالها .

ومعنى المثل ان البسة اي القطة تأكل ابناءها ، وهي حقيقة علمية ثابتة ان القطة يمكن ان تأكل ابناءها

في اي لحظة سواء في حالة الغضب او الحزن او الجوع او حتى فقط لمجرد التسلية لا اكثر ولا اقل .


وللاسف الشديد ، ان الهذا الشعب الطيب و (الغلبان) كما يعبرون عن انفسهم يرى هذا الشعب ان المثل

المقصود يعبر عن حالهم فعلا وبصورة محزنة ومؤلمة بسبب ما يعانونه في حياتهم على ايدي المسئولين.

ويستدلون على ذلك بكثير من الاحداث التي تصنف ضمن الفواجع والكوارث من ذلك على سبيل المثال

لا الحصر ان كثير من ابناء هذا الشعب قد مات او اصيب او فقد عائله في حوادث وكوارث عديدة مثل

حادث العبارة الشهيرة التي غرق فيها اكثر من الف شخص دفعة واحدة وتركوا في عرض البحر يعانون

صنوف العذاب والوان الالم لاكثر من عشر ساعات دون ان يتحرك احد من المسئولين في الدولة لانقاذهم

او حتى السؤال عنهم وبعد ان قدر الله لهؤلاء المفجوعين في ذويهم من آباء وابناء ونساء مسنين

ان يخسروا ويفقدوا اعزاءهم ، لم يجدوا من يحاسب من تسبب في تلك الكارثة او حتى يعوض المنكوبين

باي شئ ، وذلك لان صاحب العبارة مسئول كبير في الدولة ولا يستطيع احد يسائله او حتى يقترب منه.


وكما هو الحال في البحر كان الامر في البر حيث احترق اكثر من ثلاثمائة انسان داخل احد القطارات

بسبب اهمال كبير من مسئولي السكك الحديدية وعدم اهتمامهم بصيانة تلك القطارات التي بلغ عمر

بعض تلك القطارات - ومنها طبعا القطار المذكور- تجاوز عمرها الخمسين سنة اي منتهية الصلاحية.

وقد وصل الاهمال بهؤلاء المسئولين في القطارات ان وصل بهم الحال لدرجة مخزية حينما سقطت دورة

المياة في احد القطارات من القطار وهو يسير وفي داخل دورة الميارة امرأة مسكينة لا حول لها ولا قوة

ودُهِسَتْ تحت عجلات القطار دون ان ينتبه احد واكمل القطار طريقه واكملت المرأة طريقها الى الآخرة.


ايضا وصل الحال بهؤلاء المسئولين ان يقع جبل كامل فوق رؤس سكان يقطنون احد المناطق المشهورة

جدا في عاصمة هذه البلاد وقتل المئات واصيب الآلاف غير من فقدوا مساكنهم ولم يجدوا ما يأويهم

ومع ذلك تركوا من قبل المسئولين في تلك الدولة الا من بعض الوجبات الغذائية التي جادت بها قريحتهم.


اذن فالمثل هنا مناسب تماما لحال ذلك الشعب مع المسئولين في تلك الدولة وكأن هذا قدرهم ونصيبهم.


لكن لنعود الى بلادنا المملكة العربية السعودية ولحكومتها والمسئولين فيها وكيف واجهوا مصائرهم .


قبل ايام حلت بمدينة جدة العزيزة جدا على قلوبنا فاجعة وكارثة انسانية تركت الكثير من الالم والحزن

في نفوس كل اهل هذه البلاد وشعبها مما حل باخوانهم من نكبة سالت معها الكثير من الدموع وحتى الدماء.

لقد حلت بمدينة جدة واهلها كارثة تمثلت في امطار غزيرة هطلت بصورة مستمرة لاكثر من عشر ساعات

ادت الى حصول سيول كبيرة وعظيمة اتت على احياء كاملة جرفت في طريقها كل ما صادف من البشر

والدواب والشجر والحجر والمباني وحتى الكباري بما كان عليها من سيارات وغيرها وكأنه فيضان.


فاصبحت جدة وكأنها خرجت من حرب ، فقد طفت الجثث على سطح الماء على مرأى ومسمع من الجميع

وطفت معها على سطح الارض الكثير مما كان مخبوءا، وعلى رأي المصريين :

انكشف المستور وبان المستخبي .

فقد كشفت سيول جدة مع ما تبعها من دمار وهلاك للانفس والثمرات كشفت ان هناك امر غير طبيعي

ومع انتشار رائحة الجثث الطافية انتشرت روائح اخرى غير مطمئنة او على رأي المصريين :

فيه ريحة ما تطَّمِّنْش في الموضوع .

اي ان هناك رائحة غير مُطَمْئِنَة في الموضوع ، نعم كانت هناك رائحة فساد وتواطؤ ملأت الاجواء.


هذا الفساد تمثل في عدم وجود نظام تصريف للمياه في جدة سواء كانت مياه امطار وسيول او حتى

مياه الصرف الصحي ، وحتى ان وجد نظام للصرف الصحي فهو غير كافٍ ولا مؤهل لمدينة مثل جدة.


تخيلوا ، جدة بجلالة قدرها ومكانتها العظيمة وتطورها العمراني وبهرجتها وما تمثله من نموذج للمدينة

العصرية ، ليس فيها نظام لتصريف مياه الامطار والسيول بحيث تغرق مع اول هبّة امطار هطلت عليها

ومعها غرق المسئولون في جدة في (شِبْرْ مَيَّة) كما يقول المصريون عمن لا يعرف كيف يتصرف.


الحقائق تقول وبالادلة والوثائق ان امانة مدينة جدة صُرِفَتْ لها اعتمادات مالية خلال الفترة من

1980م الى 2008م اي على مدى ثلاثين عاما تقريبا اكثر من خمسة وخمسين مليار ريال سعودي.

تخيلوا مثل هذا الرقم الهائل الذي يصعب علينا حتى ان نطقه او حتى مجرد التفكير فيه لضخامته .

طيب ، اين ذهبت هذه الاموال وطوال هذه الفترة المذكورة ؟

اين هي المشاريع والخدمات التي صرفت عليها هذه الاموال وما هي المنجزات التي يمكن ان تعكسها

مثل هذه الارقام من الاموال و (الفلوس المتلتلة) على ارض الواقع بحيث يمكننا ان نصدق المسئولين ؟

ان مليارا واحدا من هذه المليارات التي طارت مثل العصافير كانت ستقدم لجدة ولاكبر من جدة نظام

تصريف مياه على احدث الانظمة والمستويات والمقاييس ومعايير الجودة العالمية المعروفة والمعتمدة.


او حتى قل مليارين او ثلاثة ، لكن المهم ان يكون هناك عمل وجهد ونتيجة يمكن ان نركن اليها .


انني هنا اتحدث كشخص بسيط لديه شئ من الخبرة البسيطة في هذه المواضيع بحكم تخصصي المهني.


فما حدث لا يمكن ان يمر مرور الكرام ، فقد اظهرت الفاجعة والنكبة كم ان المظاهر خداعة والصورة

الجميلة كانت مجرد ديكور خارجي تخفي وراءها اشياء لم تكن ظاهرة غطى عليها اناس لا نعلم سرهم

ولكن الامور وضحت تماما بعد هذه الكارثة المفجعة التي حلت والارواح التي ازهقت والانفس المكلومة

والقلوب الموجوعة التي فقدت اعزاءها وفقدت المأوى والمسكن واصبحت في غمضة عين بلا مأوى

ولا معين الارض فراشهم والسماء لحافهم ووجدوا انفسهم في الشارع ومنهم اطفال ونساء وشيوخ.


ان الكارثة اظهرت ان جدة ببهرجتها ومبانيها الشاهقة وابراجها العالية ، لم تكن الا واجهة تخفي

وراءها الكثير من الالم والظلم والمهانة للبسطاء من اهلها الطيبين بسبب فساد وتواطؤ المسئولين.


فشمال جدة غير جنوبها لمن يعرف جدة جيدا وقد سكنت بها فترة اثناء عملي هناك لاكثر من عامين .

فشمال جدة بما فيها من حضارة ورقي وتطور عمراني ، صورة عكسية لما في جنوبها من احياء

عشوائية وبيوت بنيت على شفا جرف هار مثل بيت العنكبوت وان اضعف البيوت لبيت العنكبوت.


تلك الاحياء التي ظلت منسية وسقطت من ذاكرة المسئولين في جدة والقائمين عليها ولم تدخل في

حساباتهم ضمن اي تخطيط او تنظيم او حتى مجرد ايصال الخدمات اليها بحيث تصلح لسكن البشر.

تلك الاحياء والبيوت التي قامت وبنيت على مجاري السيول وممرات المياه دون حسب او رقيب .


اين كان المسئولون قبل ان تقع الكارثة وقد كانت هذه البيوت والاحياء بساكنيها منذ عشرات السنين

ولنكن دقيقن اكثر ، اين كان المسئولون منذ ثلاثين عاما صرفت فيها خمسين مليار ريال دون ان

ينال هذه الاحياء ولا يكون من حظ ساكنيها شئ من هذه المليارات التي صرفت وطارت مثل العصافير ؟


ثم اين طارت هذه العصافير ، اقصد المليارات من الريالات واين استقرت وكيف تم التصرف فيها ؟


هذه الاسئلة وغيرها كانت لا بد ان تطرح منذ زمن بعيد ، ولقد اسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي.

نعم ، لقد اسمعت لو ناديت حيا من احياء جدة المنسية والمتروكة والمهملة باهلها من قبل المسئولين.


وهنا ، كان لا بد من وقفة ومساءلة ومحابة لكل من تسبب في تلك الكارثة والفاجعة ، فجاءت المحاسبة

والمساءلة ، وممن ؟

لقد جاءت المساءلة والمحاسبة من قبل من يجلس على رأس هرم الدولة وكبير الاسرة في هذه البلاد

جاءت المساءلة والمحاسبة من قبل ولي الامر ومن ملك المملكة العربية السعودية :


خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله



نعم ، باعتباره المسئول الاول عن كل يعيش في هذه البلاد من مواطنين ومقيمين ووافدين ، وكما قال

جلالته حفظه ورعاه :

ان امن المواطن والمقيم امانة في اعناقنا .


كان جلالته هو من بادر الى نجدة المنكوبين ، بيده الحانية مسح دموع المنكوبين ، وبيده الضاربة

طالب بمحاسبة ومساءلة كل من تسبب في الكارثة ، كائنا من كان مهما كان منصبه سابقا او حاليا.


لقد امر جلالته بصرف تعويض مالي بقيمة مليون ريال سعودي لكل من فقد عزيزا في هذه الكارثة

سواء كان مواطنا او مقيما وامر كذلك بايواء كل المنكوبين في سكن مناسب وعلى نفقة الدولة

اضافة الى تقديم كل انواع المساعدة لهم ماديا ومعنويا ومصاريف يومية لكل فرد في كل اسرة .


نعم ، هكذا يكون الحساب وهكذا يكون الحنان ، المسح بيد من حرير ، والضرب بيد من حديد.



ختاما ، اقول :

البِسَّة تاكل عيالها ، والاسد يحن على عياله
رحم الله من رحل في هذه الكارثة المفجعة واحسن الله عزاء المنكوبين واعان الله كل من تضرر.


دمتم .
 
التعديل الأخير:
أعلى