البرماويون .. وحساب الأرباح والخسائر !
باديء ذي بدء فإنني أستسمح السادة المحاسبين القانونيين والمحللين الماليين ، على إستعارة الجملة الأخيرة في العنوان المدرج بعاليه ، من قاموس مصطلحاتهم ، لأنهم أصحاب الإمتياز الحصري في إستخدامها كيفما شاؤوا وأنما شاؤوا ، بحكم التخصص والإختصاص . ولعلي بذلك قد برأت ذمتى تماماً أمام السيد المراقب ومساعده ، من أن يقال عني أنني من هواة النسخ واللصق في المنتدى .
في الأصل أن حساب الأرباح والخسائر هو عملية مراجعة شاملة ووافية ، دأبت الشركات والمشرعات التجارية أو المنشأت ذات الطابع الإقتصادي ، على إجراءها بصورة روتينية بنهاية كل سنة ، لمجمل وتفاصيل أنشطتها ، وذلك لمعرفة النتائج والعائد المالي المتحقق من خلال أداءها في تلك الفترة . وبإعتبار أن العملية لا تعدو كونها مراجعة شاملة بهدف تقويم الوضع برمته ، فإنه يمكنها أن تنسحب على بقية النشاطات البشرية الأخرى التي تتضمن في ثناياها تكلفة إجتماعية أوإقتصادية . وبما أن هجرة البرماويين إلى المملكة العربية السعودية وإستقرارهم فيها منذ عقود ، كانت لها تكلفة إجتماعة وإقتصادية عالية و بل باهضة الثمن وفي نفس الوقت كان لها جوانب مضيئة ومشرقة ، إنعكس بعضها على واقع حياتنا المعاصرة بصورة إيجابية ، من هنا فإنه بإمكاننا أن نخضعها لمراجعة شاملة وفق منطق ( حساب الأرباح والخسائر ) وكيف لا .. أنها رحلة أجيال عبرعقود من الزمن .
في الأصل أن حساب الأرباح والخسائر هو عملية مراجعة شاملة ووافية ، دأبت الشركات والمشرعات التجارية أو المنشأت ذات الطابع الإقتصادي ، على إجراءها بصورة روتينية بنهاية كل سنة ، لمجمل وتفاصيل أنشطتها ، وذلك لمعرفة النتائج والعائد المالي المتحقق من خلال أداءها في تلك الفترة . وبإعتبار أن العملية لا تعدو كونها مراجعة شاملة بهدف تقويم الوضع برمته ، فإنه يمكنها أن تنسحب على بقية النشاطات البشرية الأخرى التي تتضمن في ثناياها تكلفة إجتماعية أوإقتصادية . وبما أن هجرة البرماويين إلى المملكة العربية السعودية وإستقرارهم فيها منذ عقود ، كانت لها تكلفة إجتماعة وإقتصادية عالية و بل باهضة الثمن وفي نفس الوقت كان لها جوانب مضيئة ومشرقة ، إنعكس بعضها على واقع حياتنا المعاصرة بصورة إيجابية ، من هنا فإنه بإمكاننا أن نخضعها لمراجعة شاملة وفق منطق ( حساب الأرباح والخسائر ) وكيف لا .. أنها رحلة أجيال عبرعقود من الزمن .
القصة من البداية
وبالرغم مما يعتقد بصورة مؤكدة أن وصول البرماويين الروهنجيا إلى الديار المقدسة لم ينقطع منذ أن دخل الإسلام في منطقة أراكان في القرن السابع الميلادي ، وذلك بهدف تأدية شعيرة فريضة الحج أسوة بغيرهم من المسلمين في شتى بقاع الأرض الذين تربط الأراضي المقدسة معهم بعلاقة عضوية أبدية ، إلا أنه ليس هنالك أي مرجع تاريخي ثابت ومسجل يمكن إعتباره نقطة البداية لإنطلاقة هجرة المسلمين الروهنجيا إلى الأراضي المقدسة بقصد الإستيطان والإستقرار فيها ، لأن العملية بحد ذاتها في البداية لم تكن مخططاً لها بقدر ما هي رغبات فردية تخضع لظروف كل شخص حينما يتخذ قرار الرحيل أوالهجرة إلى جوار الكعبة المشرفة طمعاً في الأجر والثواب ، وبخاصة خلال تلك الفترة التي كان يسودها السلم والإستقرار في ربوع أراكان والتي يسميها أسلافنا بـ ( شانتير زبانة ) ، وخير مثال لذلك أولئك الأشخاص الذين هاجروا إلى مكة في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى ، وقد تكون أعدادهم قليلة جداً ، بالإضافة إلى أن أبناءهم وذرياتهم الآن قد ذابوا تماماً في المجتمع المكي لدرجة بات من الصعوبة بمكان تحديد ومعرفة العوائل والأسر التي أمت مكة خلال تلك الفترة ، ولكن هناك مؤشرات إيجابية في هذا الصدد لا نريد أن ننبش فيها بمزيد من تسليط الأضواء عليها إحتراماً لخصوصيات الناس ، بيد أن الوضع قد تغير في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى ، إذ أحدثت هذه الحرب صدمة كبيرة في أوساط شعوب الأرض قاطبة ، لأنها ولأول مرة في التاريخ البشري تندلع حرب ذات الطابع العالمي ويستخدم فيها تقنيات العصر من قبيل الطائرات والدبابات والصواريخ التي لم تكن مألوفة خارج نطاق القارة الأوربية (ومنها أميركا بطبيعة الحال) ، مما دب الرعب والخوف في المجتمعات البشرية كافة بلا إستثناء و بخاصة في المجتمعات النائية التي لم يصلها بعد مد النهضة المدنية الحديثة ، وكانت تفتقر إلى جسور التواصل الحضاري مع المجتمعات الأخرى ، ومنها مجتمعنا بالتأكيد ، مما وجدت بيئة صالحة لترويج بعض الأساطير والإشاعات ، وإستدلاً على ذلك فإنه سبق لي مرة أن سألت والدي رحمه الله ، عن الأسباب التي حملت عمي روشن على عبد المجيد للهجرة إلى مكة وذلك بالرغم من أن العائلة كانت تتمتع بوضع مادي ممتاز وبل كانت تنعم بخيرات وفيرة في البلاد ، بإعتبار أن عمي من أوائل البرماويين الذين إستوطنوا مكة إن لم يكن أولهم على الإطلاق حيث وصل إليها عام 1935م ، فأجابني والدي رحمه الله بقوله : أنه خلال تلك الفترة كانت هناك إشاعة تداول بين عوام الناس على نطاق واسع مفادها ، أن القيامة قد إقتربت أو قابت قوسين أو أدنى ، وبتعبير ثقافتنا الدارجة ( قيامت داكي أتشي ) ، الأمر الذي حمل كثيرين على النزوح تجاه مكة المكرمة بهدف الإستحماء بترابها المقدس وأجوائها الإيمانية ترقباً و إستعداداً لوقوع القيامة ، وبما أن الرحلة إلى مكة لم تكن سهلة في تلك الفترة بل كانت محفوفة بالمخاطر وتتسم في غاية من المشقة ، فإنه وصلها من وصلها ، وأما من لم يحالفه الحظ بسب الوضع المادي فأعاد أدراج رحلته من منتصف الطريق، كان ذلك يشكل طلائع المهاجرين الذين مهدوا الطريق لغيرهم من البرماويين الروهنجيا للهجرة إلى مكة بقصد الإستيطان ، وخاصة لأولئك المهاجرين الذين نزحوا لا حقاً بعيد مذبحة عام 1942م ، على أثر الإضطرابات العرقية التي شهدتها منطقة أراكان إبان الحرب العالمية الثانية ، حيث تشكلت عملية النزوح آنذاك طابع الفرار الجماعي وكانت ممنهجة أكثر من ذي قبل. وعلى الرغم من أن الهجرة إلى مكة أصبحت أكثر صعوبة ومشقة بعيد الحرب العالمية الثانية بسبب رسم الحدود بين الدول التي كانت منضوية تحت حكم التاج البريطاني في شبه القارة الهندية ، فإن وتيرة نزوح البرماويين إستمرت بحدة وقوة خلال سنوات الخمسينات والستينات الميلادية من القرن الماضي ، ويعزي الأمر لسببين هامين أولهما : إضطهاد البوذيين الذين سيطروا على مقاليد الحكم في أراكان على إثر إستقلال بورما عن بريطانية عام 1948م ، وثانيهما : بروز عصابات ( فوريكا) في المجتمع الأراكاني الذين عاثوا فساداً ورعباً و عبثوا بأمن المواطنين في منطقة ما يو بأراكان ردحاً من الزمن على مدى عدد من العقود ، لدرجة قد يكون حجم الظلم الذي مورس من قبل ( فوريكا ) بحق الروهنجيا يفوق كماً ونوعاً من ظلم البوذيين الجاثمين على صدورهم في مرحلة من المراحل ، لإشتماله على أبشع الجرائم من قبيل إغتصاب الحرائر و سلب الأموال بصورة واسعة النطاق ، مما كانت عصابات ( فوريكا ) تشكل عامل ضغط أساس لحمل الروهنجيا على الهجرة من وطنهم فترة من الزمن . ولمن لا يعرف ( فوريكا ) : أنهم مجاميع من العصابات المارقة من بني جلدتنا تسلحوا بما خلفته الحرب العالمية الثانية من السلاح والعتاد العسكري ، وكانوا يدعون بأنفسهم أنهم مجاهدون ، إلا أنهم في حقيقة الأمر لم يكونوا سوى قطاع طرق ، لأنهم كانوا لا يملكون أية رؤى أو تصور إيجابي حيال أوضاع شعبنا الذي كان يواجه مصيراً مجهولاً أنذاك لسبب أنهم في الأغلب كانوا يتشكلون من عناصر فاسدة وجاهلة لأبسط أمور الدين والدنيا ، فضلاً عن مقدرتهم على تبني أي مشروع هادف .
الجدير بالذكر أن المهاجرين البرماويين الذين أتوا مكة خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بالتحديد كانوا أشد الناس تكبداً للمعاناة والمشقة خلال رحلة أسفارهم ، بسبب عدم حيازتهم لأية أوراق ثبوتية تمكنهم من إجتياز الحدود السياسية الحديثة الإنشاء فيما بين الدول ، مما إضطروا إلى التنقل والارتحال بالتخفي إما مشيئاً على الأقدام أو بواسطة الوسائل البدائية عابرين الصحاري والفيافي لمسافات تمتد لآلاف الأميال .
الجدير بالذكر أن المهاجرين البرماويين الذين أتوا مكة خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بالتحديد كانوا أشد الناس تكبداً للمعاناة والمشقة خلال رحلة أسفارهم ، بسبب عدم حيازتهم لأية أوراق ثبوتية تمكنهم من إجتياز الحدود السياسية الحديثة الإنشاء فيما بين الدول ، مما إضطروا إلى التنقل والارتحال بالتخفي إما مشيئاً على الأقدام أو بواسطة الوسائل البدائية عابرين الصحاري والفيافي لمسافات تمتد لآلاف الأميال .
وبقدوم تلك الموجات المتلاحقة من المهاجرين البرماويين إلى الديار المقدسة ، ترسخت في أذهان المجتمع الروهنجي بأراكان ثقافة الهجرة إلى مكة بصورة أكبر من ذي قبل ، مما شكل الدافع الأقوى لهجرة المزيد منهم إليها ، وخاصة في أعقاب كارثتي التشريد الجماعي اللتين تعرض لهما أبناء الروهنجيا على أيدي عصابات نظام رانجون في عامي 1978م و1992م من القرن الماضي ، حينما تم تشريد ما يزيد عن نصف مليون مواطن روهنجي من ديارهم في أراكان إلى دولة بنجلاديش المجاورة . وهاتان الكارثتان وتداعيات أزمتهما الإنسانية ما زالت تلقي بظلالهما على أوضاع أبناء الجالية البرماوية في كل مكان وبخاصة في داخل أراكان وفي المناطق الحدودية المتاخمة مع بنجلاديش حيث مازالت تتواجد أعداد كبيرة من أبناء الروهنجيا كلاجئيين في ظروف إنسانية بالغة السوء . وعلى الرغم من أن معظم هؤلاء المشردين قد عادوا إلى بيوتهم طوعاً أو كرهاً ، ليبدءوا فصولاً جديدة من المعاناة في وطنهم ، إلا أنه ومن حسن الحظ قد تمكنت أعداد منهم من الوصول إلى المملكة العربية السعودية ، وذلك بمساعدة ومعاونة أقاربهم ومعارفهم الذين سبقوهم بالهجرة إليها ، وذلك على مدى العقود الثلاثة الماضية ، والملفت هنا أن الذين قدموا خلال هذه الفترة أتوا بوثائق سفر رسمية وإن كانت غير صحيحة ، بالإضافة إلى ذلك أنهم قدموا عبر رحلات جوية ، مما لم يتكبدوا عناءً يذكر بخلاف من سبقوهم .
ونحن الآن على عتبة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، حيث نلاحظ أن وتيرة هجرة البرماويين إلى المملكة العربية السعودية قد خفت إلى حد كبير وإن لم تتوقف بالكلية ، ويعزى السبب إلى المستجدات الدولية الراهنة التي بات المواطن الروهنجي يدرك بعض تعقيداتها ، كما أن العديد منهم قد غيروا وجهات هجرتهم إلى أماكن أخرى من العالم ، وخاصة بعد إهتمام المجتمع الدولي بإعادة توطين مجاميع منهم في الدول الغربية ، وهكذا نجد أن الجالية الروهنجية قد توزعت في كثير من دول العالم ، فإلى جانب الدول التقليدية لتواجدها ، أضيفت دول أخرى إلى قائمة الدول التي تتواجد فيها الجالية البرماوية الروهنجية الآن مثل : اليابان ، ونيوزلندة ، وأستراليا ، والمملكة المتحدة ، إيرلندة ، والدنمرك ، والنرويج ، والسويد ، وفنلندة ، وألمانيا ، وسويسرا ، وكندا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك بفضل جهود المفوضية العليا لشؤون اللاجئيين لإعادة توطين أعداد منهم في تلك الدول لتشكل مشهد اًجديداً لتواجد الجالية الروهنجية على مستوى العالم .
إلا أن المملكة العربية السعودية تظل بلا منازع المكان الأبرز والأهم على الإطلاق لتواجد أبناء الجالية البرماوية المقيمة في الخارج لوزنهم العددي أولاً ومن ثم لإعتبارات إقتصادية وإجتماعية وثقافية ثانياً ، وقبل ذلك كله لما يحظى أبناء هذه الجالية من إهتمام خاص من لدن قادة المملكة العربية السعودية بإحتضانهم ورعايتهم لهم منذ عقود ، مما سوف نسلط الأضواء على أوضاع هذه الجالية بصورة أساسية ، وذلك عبر عدد من الحلقات التحليلية المبنية على الإجتهاد الشخصي في قادم الأيام بمشيئة الله تعالى .
ونحن الآن على عتبة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ، حيث نلاحظ أن وتيرة هجرة البرماويين إلى المملكة العربية السعودية قد خفت إلى حد كبير وإن لم تتوقف بالكلية ، ويعزى السبب إلى المستجدات الدولية الراهنة التي بات المواطن الروهنجي يدرك بعض تعقيداتها ، كما أن العديد منهم قد غيروا وجهات هجرتهم إلى أماكن أخرى من العالم ، وخاصة بعد إهتمام المجتمع الدولي بإعادة توطين مجاميع منهم في الدول الغربية ، وهكذا نجد أن الجالية الروهنجية قد توزعت في كثير من دول العالم ، فإلى جانب الدول التقليدية لتواجدها ، أضيفت دول أخرى إلى قائمة الدول التي تتواجد فيها الجالية البرماوية الروهنجية الآن مثل : اليابان ، ونيوزلندة ، وأستراليا ، والمملكة المتحدة ، إيرلندة ، والدنمرك ، والنرويج ، والسويد ، وفنلندة ، وألمانيا ، وسويسرا ، وكندا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك بفضل جهود المفوضية العليا لشؤون اللاجئيين لإعادة توطين أعداد منهم في تلك الدول لتشكل مشهد اًجديداً لتواجد الجالية الروهنجية على مستوى العالم .
إلا أن المملكة العربية السعودية تظل بلا منازع المكان الأبرز والأهم على الإطلاق لتواجد أبناء الجالية البرماوية المقيمة في الخارج لوزنهم العددي أولاً ومن ثم لإعتبارات إقتصادية وإجتماعية وثقافية ثانياً ، وقبل ذلك كله لما يحظى أبناء هذه الجالية من إهتمام خاص من لدن قادة المملكة العربية السعودية بإحتضانهم ورعايتهم لهم منذ عقود ، مما سوف نسلط الأضواء على أوضاع هذه الجالية بصورة أساسية ، وذلك عبر عدد من الحلقات التحليلية المبنية على الإجتهاد الشخصي في قادم الأيام بمشيئة الله تعالى .
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : البرماويون .. وحساب الأرباح والخسائر ! ( 1 )
|
المصدر : .: روائع المنتدى :.
