عرقي حبر وجلدي ورق ..!!
بقلم : احمد حسن الزعبي
طوى عامل رسالته المكتوبة بخط مرتجف، ادخلها في مغلّف قديم..ثم وضعها في صندوق بريد من غير طوابع..ومضى الى عمله في يوم عيده.
**
المرسل: عامل
المرسل اليه: الحكومة
كل عام وانتم بخير ؛ أنا لم أعتد على التهاني مثلكم لذا اسمحوا لي ان هنأتكم بعيدي ونسيت نفسي فأنا مذ ولدت أذكركم وأنسى نفسي ، أدعي لكم بطول العمر وأنسى نفسي ، أنفّذ المطلوب منّي وأنسى نفسي، أفرح لبقائكم، لثرائكم، لقصوركم، لسلالاتكم، وأنسى نفسي.
لا عليكم يبدو أني حقّاً نسيت نفسي ،هدفي من هذه الرسالة المكتوبة بحبر العرق ، فقط لأذكّركم أنّي ما زلت كما تمنيتموني..أصحو باكراً مثل السنونو ، أحمل أدواتي بصمت ، أمضي بصمت ،أحب وطني بصمت ، أعمل بصمت،أمرض بصمت ، أجوع بصمت، أتألم بصمت، أعود الى البيت بصمت، أنجب بصمت....وأن متّ أن أموت بصمت أيضا.
أحمل أولادي على ظهري على طوّافة الحياة ، من تشبّث بالعيش نجا ، ومن سقط مات ، أنا يا سادة لا أستطيع الانحناءة لألتقط أي منهم ، فلي ظهر واحد وعندي عشرة أفواه.. صدقوني ، أتسلّى بكلامكم أحياناً وقت المساء، مثل أغنية قديمة ، أو مسرحية معادة ..سامحوني يجب أن أخبركم ، أحياناً تنثني فوق شفتي ابتسامة بطيئة مؤلمة كانثناءة حديد التسليح..أسمعكم تقولون أن لي حقوقاً لا أعرفها ،ما أروعكم!!! حتى لو عرفتها فلن آخذها.. فلماذا أزعجكم اذن؟َ!.
بصراحة بودي أن اركض اليكم وأرمي نفسي على طاولتكم ، او أدس نفسي بين أوراق البريد، أنا رسالة تعب فعرقي حبر وجلدي ورق..أدور حول الرغيف مثل ثور الساقية دونما توقف ، ومع كل هذا ..لم أقطع جدول أعمالكم يوماً بشكوى،ولم أنغّص صباحكم بمطالبة، لم أشارك باعتصام، ولم أقف دقيقة حداد،كلما رأيتكم تطوفون بالميدان..ابتعدت فلا أريد من رائحتي التي تثير العطاس،أن تسبب لكم الغثيان..شهيقي رضا وزفيري "عيش الأولاد"..سريري اسمنت..وغطاءي رغيف..أتنفّس حاجتي ، وآكل حاجتي ..لا أسطو ولا أبطر..عيني على لقمتي ، ولقمتي تملأ عيني ..ولا أطمع من هذا الوطن سوى قبر يواريني عن الأنظار، كما ووريت عنكم في الحياة.. في الختام ، أعدكم أن أبقى - كما أنا- مسدوداً في الصمت مجبولاً في العجزِ . فقط مقابل ان ترفعوا أيديكم قليلاً عن خبزي.
*ملاحظة أعرف ان رسالتي من غير طوابع..لذا فقد كتبت وأنا مرتاح البال أنها لن تصلكم أبداً.
التوقيع : عامل
بقلم : احمد حسن الزعبي
طوى عامل رسالته المكتوبة بخط مرتجف، ادخلها في مغلّف قديم..ثم وضعها في صندوق بريد من غير طوابع..ومضى الى عمله في يوم عيده.
**
المرسل: عامل
المرسل اليه: الحكومة
كل عام وانتم بخير ؛ أنا لم أعتد على التهاني مثلكم لذا اسمحوا لي ان هنأتكم بعيدي ونسيت نفسي فأنا مذ ولدت أذكركم وأنسى نفسي ، أدعي لكم بطول العمر وأنسى نفسي ، أنفّذ المطلوب منّي وأنسى نفسي، أفرح لبقائكم، لثرائكم، لقصوركم، لسلالاتكم، وأنسى نفسي.
لا عليكم يبدو أني حقّاً نسيت نفسي ،هدفي من هذه الرسالة المكتوبة بحبر العرق ، فقط لأذكّركم أنّي ما زلت كما تمنيتموني..أصحو باكراً مثل السنونو ، أحمل أدواتي بصمت ، أمضي بصمت ،أحب وطني بصمت ، أعمل بصمت،أمرض بصمت ، أجوع بصمت، أتألم بصمت، أعود الى البيت بصمت، أنجب بصمت....وأن متّ أن أموت بصمت أيضا.
أحمل أولادي على ظهري على طوّافة الحياة ، من تشبّث بالعيش نجا ، ومن سقط مات ، أنا يا سادة لا أستطيع الانحناءة لألتقط أي منهم ، فلي ظهر واحد وعندي عشرة أفواه.. صدقوني ، أتسلّى بكلامكم أحياناً وقت المساء، مثل أغنية قديمة ، أو مسرحية معادة ..سامحوني يجب أن أخبركم ، أحياناً تنثني فوق شفتي ابتسامة بطيئة مؤلمة كانثناءة حديد التسليح..أسمعكم تقولون أن لي حقوقاً لا أعرفها ،ما أروعكم!!! حتى لو عرفتها فلن آخذها.. فلماذا أزعجكم اذن؟َ!.
بصراحة بودي أن اركض اليكم وأرمي نفسي على طاولتكم ، او أدس نفسي بين أوراق البريد، أنا رسالة تعب فعرقي حبر وجلدي ورق..أدور حول الرغيف مثل ثور الساقية دونما توقف ، ومع كل هذا ..لم أقطع جدول أعمالكم يوماً بشكوى،ولم أنغّص صباحكم بمطالبة، لم أشارك باعتصام، ولم أقف دقيقة حداد،كلما رأيتكم تطوفون بالميدان..ابتعدت فلا أريد من رائحتي التي تثير العطاس،أن تسبب لكم الغثيان..شهيقي رضا وزفيري "عيش الأولاد"..سريري اسمنت..وغطاءي رغيف..أتنفّس حاجتي ، وآكل حاجتي ..لا أسطو ولا أبطر..عيني على لقمتي ، ولقمتي تملأ عيني ..ولا أطمع من هذا الوطن سوى قبر يواريني عن الأنظار، كما ووريت عنكم في الحياة.. في الختام ، أعدكم أن أبقى - كما أنا- مسدوداً في الصمت مجبولاً في العجزِ . فقط مقابل ان ترفعوا أيديكم قليلاً عن خبزي.
*ملاحظة أعرف ان رسالتي من غير طوابع..لذا فقد كتبت وأنا مرتاح البال أنها لن تصلكم أبداً.
التوقيع : عامل
اسم الموضوع : في عيد العمال: [ عرقي حبر وجلدي ورق]
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.
