فتى أراكان
, مراقب قسم ساحة الرأي
[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('http://www.burma-ksa.com/vb/backgrounds/15.gif');"][cell="filter:;"][align=center](1)
وسمته بـ "الفنّان المزعج" ! وبه حفظت رقمه في جوالي ، وبه يظهر على شاشته كلما اتصل بي :
- الفنان المزعج يتصل بك !
لا لشيء سوى أنه كان يكثر من الاتصال بي ، يسألني عن كلمة أو جملة : كيف يكتبها؟ ما إعرابها؟ ما الصحيح فيها؟ .. أيام كنا نعمل معاً بروح الفريق الواحد في إعداد وتنظيم
(مسابقة القرآن الكريم تلاوة وحفظاً)
ضمن مسابقات المدارس الخيرية البرماوية بمكة .
كان يعمل ليلاً ونهاراً في المدرسة أو في البيت لأجل المسابقة ، يضع التصاميم المتقنة للوحات والاستمارات والبطاقات وجميع أوراق المسابقة وما يتعلق بها ؛ وكان لذلك لا يتورّع عن الاتصال بي في أي وقت من ليل أو نهار ؛ فربما اتصل بي في حر الظهيرة وأنا على فراشي أقيل ، وربما اتصل بعد منتصف الليل وأنا على فراشي نائماً أغط في نوم عميق !
وما كنت - يعلم الله لأنزعج من ذلك ؛ لأني إنما أعمل في هذه المسابقة لله لا للمدرسة ، وأسخّر وقتي وعلمي وفكري للقرآن لا للمسابقة ، كما فعل ذلك معي كل زملائي في المدرسة على تفاوت بينهم في ذلك ، فكان من نتيجة ذلك العمل المثمر المبارك إن شاء الله أن ظفر زميلنا
(الأستاذ عثمان سيد)
مدرس التربية الفنية بشرف ذلك اللقب الجميل المثير في الوقت نفسه ! أداعبه به وأمازحه ..
الجميل فيه أنه "فنّان" ، ومن الذي يتذوق الفن ولا يعجب به ولا يطرب له؟! والمثير فيه أنه "مزعج" ؛ إذ كيف يكون فناناً ويكون في الوقت نفسه مزعجاً؟! أوليس الفن في حقيقته أن يسري في روحه الهدوء والتنظيم ، والترتيب والتنسيق؟! فكيف جاز له الجمع بين الضدين ، وجمع في لقبه بين النقيضين؟!
المثير في الأمر أكثر أن المتخرجين في المدرسة من المرحلة المتوسطة حين أكرموا معلميهم في حفل تخرجهم دعاه داعيهم (أعني : المتخرجين) على مسمع من الجميع في المدرسة لاستلام شهادته بقوله صائحاً :
- الفنان المزعج !!! الأستاذ .. عثمان سيد ..
وما كاد يسمعها منه حتى التفت إليّ يبحث عني وهو في طريقه لاستلام شهادته وأنا أبتسم له في وجهه بهدوء ؛ بينما انفجر زملاؤه من حوله ضاحكين يتمايلون ، يكادون يسقطون ؛ لولا حرصهم على بقية هيبة يظهرون بها أمام طلابهم قبل أن يستفحل أمرهم ..
هو فنان وأنا كاتب ؛ فما الذي يجمع بيني وبينه؟ ما القاسم المشترك بيننا؟
هو أني أستمتع بما يبدعه من رسوم وتصاميم وأتذوّقه .. وإن كنت لا أجيد الرسم والتصميم ، وأنه يستمتع بما أحبّره من صحف وأنشئه من مقال .. وإن كان لا يحسن الكتابة والإنشاء ، فكأن كل واحد منا يكمل الشطر الناقص عند الآخر بالفن الذي يهواه ويبدع فيه . وكذلك تلتقي أسرة الفنون ويتآزر أصحابها ، ويسند بعضهم بعضاً في تقدمها وتطويرها .
* * *
(2)
أذكر أنه جاءني يوماً يطلب إليّ أن أضع شعاراً لمسابقة تجرى بين الفصول في المدرسة في تزيينها وتجميلها ، يزمع الإعلان عنها بين طلابها بعنوان/ (فصلي أجمل!) ؛ فجلست وحيداً أنشئ ما يطلب ؛ فإذا بي أكتب .. على لسان طالب :
فصلي أنظفْ :
- مرآةٌ تلمعْ !
فصلي أجملْ :
- بستانُ زهورْ !
فصلي أزكى :
- باقةُ ريحانْ !
فصلي أغلى :
- صندوقُ هديةْ !
افتحْ وانظرْ :
- ماذا فيهِ؟
افتحْ واحذرْ ؛
لا تتطايرْ !
- أهي فراشة؟
ما أجملها !
وفراشاتٌ ..
متلوِّنةٌ !
تأكلُ تشربْ ..
تعبثُ تصخبْ ..
تقفزُ تلعبْ ..
لا تتوقّفْ !
بل لا تتعبْ ..
- ليستْ إلا ..
أنا وصحابي !
- هم زملائي ..
في الصندوقِ !!!
فلما عاد إليّ بعد حين يريد أن يعرف ما فعلت ؛ دفعت إليه بما كتبت ؛ فهاله الأمر وقال :
- ما كل هذا؟
قلت له بهدوء كمن يسخر :
- شعارك الذي طلبت !
ثم كتبت له الشعار من بعد : (نظِّفني وزيِّني! وبفوزك أسعدني!) .
* * *
(3)
ماذا كان مصيري ومصيره في المدرسة بعد كل تلك الجهود والإخلاص والتفاني والسهر؟ أن تستغني عنا في أول فرصة تلوح لها ! وعدت إلى بيتي بعد أربع سنين قضيتها في التدريس بخفّيْ حنين ! لأنا تجرّأنا وقلنا كلمة الحق ولم تأخذنا في الله لومة لائم !
إخواني المعلمين في المدارس الخيرية :
خذوها من مجرب ! نصيحة لوجه الله ! إياكم والبروز والتفوق في العمل ، طالما أنكم في هذه المدارس ! إياكم وإبراز المواهب والإبداع ! كونوا مغمورين خاملين عاديين على الدوام ؛ إذا ما أردتم الاستمرار في هذه المدارس ؛ لأنكم ببروزكم ولفتِ الأنظار إليكم .. تخيفون مدراءكم على كراسيهم الدوّارة ! تدفعونهم دفعاً لأن يتحسّسوها بأيديهم من تحت أفخاذهم ! إياكم ومحاولة التغيير والإصلاح ! لا تنسوا أنكم في المدارس الخيرية ! تذكروا ألف مرة هذا الشعار المرفوع في وجوهكم قبل أن تفكروا لحظة في الانتقاد والمناقشة : لا تعترض فتنطرد ! فإن أبيتم إلا أن تفعلوا ، وآنستم من أنفسكم الجرأة على الاعتراض ؛ فلتوطِّنوا أنفسكم على مواجهة مصيركم بشجاعة ..
أساتذتي المدراء في المدارس الخيرية :
يعلم الله أني أحبكم في الله ، وأني أشفق عليكم من حساب الله . لأنتم مسؤولون عند الله .. عن رعيتكم في مدارسكم من عباد الله . أطلقوا سواعد الإبداع عند شبابنا ، مكِّنوهم من تنفيذ أفكارهم وإبداعاتهم ، فجِّروا طاقات الجالية في أطفالها وصبيانها ، أطلقوا العنان لخيالاتهم ، أحدثوا ثورة مزمجرة في أساليب التربية وطرق التدريس ، مستقبلنا في أيديكم : في أيدي أبنائنا من طلابكم ، يصنعونه لنا بصناعتكم لهم . اللهَ اللهَ في مستقبل جاليتكم !
هأنذا جالس وحدي في بيتي ، ليس معي أو حولي أحد من طلبتي ، أحنّ إلى تلك الأيام وأسترجع ذكرياتي ، أتوق إلى اتصال من زميلي "الفنان المزعج" ولا يأتي . ما عاد يزعجني ولا عاد يتصل بي لأمازحه كعادتي ؛ فأكتب إليه في لحظة أسيفة من حياتي :
ليتك تزعجْ !
فنّك يبهجْ !
قلبي يلهجْ ..
بك يا "مزعجْ" !
أزعِجْ دوماً ..
لا تتحرّجْ !
أبدِعْ رسماً ..
كي نتفرّجْ !
وانشرْ عبقاً ..
مثل العوسجْ !
واخلطْ لوناً ..
كيما تمزجْ !
اصنعْ عملاً ..
فوق المنتَجْ !
يسحرُ ، يغري ..
هل يتبرّجْ؟!
فارحمْ واعطفْ ..
يا ذا المزعجْ !
إنا بشرٌ ..
لا نتبرمجْ !
لسنا نقوى ..
هذا البهرجْ ![/align][/cell][/tabletext][/align]
وسمته بـ "الفنّان المزعج" ! وبه حفظت رقمه في جوالي ، وبه يظهر على شاشته كلما اتصل بي :
- الفنان المزعج يتصل بك !
لا لشيء سوى أنه كان يكثر من الاتصال بي ، يسألني عن كلمة أو جملة : كيف يكتبها؟ ما إعرابها؟ ما الصحيح فيها؟ .. أيام كنا نعمل معاً بروح الفريق الواحد في إعداد وتنظيم
(مسابقة القرآن الكريم تلاوة وحفظاً)
ضمن مسابقات المدارس الخيرية البرماوية بمكة .
كان يعمل ليلاً ونهاراً في المدرسة أو في البيت لأجل المسابقة ، يضع التصاميم المتقنة للوحات والاستمارات والبطاقات وجميع أوراق المسابقة وما يتعلق بها ؛ وكان لذلك لا يتورّع عن الاتصال بي في أي وقت من ليل أو نهار ؛ فربما اتصل بي في حر الظهيرة وأنا على فراشي أقيل ، وربما اتصل بعد منتصف الليل وأنا على فراشي نائماً أغط في نوم عميق !
وما كنت - يعلم الله لأنزعج من ذلك ؛ لأني إنما أعمل في هذه المسابقة لله لا للمدرسة ، وأسخّر وقتي وعلمي وفكري للقرآن لا للمسابقة ، كما فعل ذلك معي كل زملائي في المدرسة على تفاوت بينهم في ذلك ، فكان من نتيجة ذلك العمل المثمر المبارك إن شاء الله أن ظفر زميلنا
(الأستاذ عثمان سيد)
مدرس التربية الفنية بشرف ذلك اللقب الجميل المثير في الوقت نفسه ! أداعبه به وأمازحه ..
الجميل فيه أنه "فنّان" ، ومن الذي يتذوق الفن ولا يعجب به ولا يطرب له؟! والمثير فيه أنه "مزعج" ؛ إذ كيف يكون فناناً ويكون في الوقت نفسه مزعجاً؟! أوليس الفن في حقيقته أن يسري في روحه الهدوء والتنظيم ، والترتيب والتنسيق؟! فكيف جاز له الجمع بين الضدين ، وجمع في لقبه بين النقيضين؟!
المثير في الأمر أكثر أن المتخرجين في المدرسة من المرحلة المتوسطة حين أكرموا معلميهم في حفل تخرجهم دعاه داعيهم (أعني : المتخرجين) على مسمع من الجميع في المدرسة لاستلام شهادته بقوله صائحاً :
- الفنان المزعج !!! الأستاذ .. عثمان سيد ..
وما كاد يسمعها منه حتى التفت إليّ يبحث عني وهو في طريقه لاستلام شهادته وأنا أبتسم له في وجهه بهدوء ؛ بينما انفجر زملاؤه من حوله ضاحكين يتمايلون ، يكادون يسقطون ؛ لولا حرصهم على بقية هيبة يظهرون بها أمام طلابهم قبل أن يستفحل أمرهم ..
هو فنان وأنا كاتب ؛ فما الذي يجمع بيني وبينه؟ ما القاسم المشترك بيننا؟
هو أني أستمتع بما يبدعه من رسوم وتصاميم وأتذوّقه .. وإن كنت لا أجيد الرسم والتصميم ، وأنه يستمتع بما أحبّره من صحف وأنشئه من مقال .. وإن كان لا يحسن الكتابة والإنشاء ، فكأن كل واحد منا يكمل الشطر الناقص عند الآخر بالفن الذي يهواه ويبدع فيه . وكذلك تلتقي أسرة الفنون ويتآزر أصحابها ، ويسند بعضهم بعضاً في تقدمها وتطويرها .
* * *
(2)
أذكر أنه جاءني يوماً يطلب إليّ أن أضع شعاراً لمسابقة تجرى بين الفصول في المدرسة في تزيينها وتجميلها ، يزمع الإعلان عنها بين طلابها بعنوان/ (فصلي أجمل!) ؛ فجلست وحيداً أنشئ ما يطلب ؛ فإذا بي أكتب .. على لسان طالب :
فصلي أنظفْ :
- مرآةٌ تلمعْ !
فصلي أجملْ :
- بستانُ زهورْ !
فصلي أزكى :
- باقةُ ريحانْ !
فصلي أغلى :
- صندوقُ هديةْ !
افتحْ وانظرْ :
- ماذا فيهِ؟
افتحْ واحذرْ ؛
لا تتطايرْ !
- أهي فراشة؟
ما أجملها !
وفراشاتٌ ..
متلوِّنةٌ !
تأكلُ تشربْ ..
تعبثُ تصخبْ ..
تقفزُ تلعبْ ..
لا تتوقّفْ !
بل لا تتعبْ ..
- ليستْ إلا ..
أنا وصحابي !
- هم زملائي ..
في الصندوقِ !!!
فلما عاد إليّ بعد حين يريد أن يعرف ما فعلت ؛ دفعت إليه بما كتبت ؛ فهاله الأمر وقال :
- ما كل هذا؟
قلت له بهدوء كمن يسخر :
- شعارك الذي طلبت !
ثم كتبت له الشعار من بعد : (نظِّفني وزيِّني! وبفوزك أسعدني!) .
* * *
(3)
ماذا كان مصيري ومصيره في المدرسة بعد كل تلك الجهود والإخلاص والتفاني والسهر؟ أن تستغني عنا في أول فرصة تلوح لها ! وعدت إلى بيتي بعد أربع سنين قضيتها في التدريس بخفّيْ حنين ! لأنا تجرّأنا وقلنا كلمة الحق ولم تأخذنا في الله لومة لائم !
إخواني المعلمين في المدارس الخيرية :
خذوها من مجرب ! نصيحة لوجه الله ! إياكم والبروز والتفوق في العمل ، طالما أنكم في هذه المدارس ! إياكم وإبراز المواهب والإبداع ! كونوا مغمورين خاملين عاديين على الدوام ؛ إذا ما أردتم الاستمرار في هذه المدارس ؛ لأنكم ببروزكم ولفتِ الأنظار إليكم .. تخيفون مدراءكم على كراسيهم الدوّارة ! تدفعونهم دفعاً لأن يتحسّسوها بأيديهم من تحت أفخاذهم ! إياكم ومحاولة التغيير والإصلاح ! لا تنسوا أنكم في المدارس الخيرية ! تذكروا ألف مرة هذا الشعار المرفوع في وجوهكم قبل أن تفكروا لحظة في الانتقاد والمناقشة : لا تعترض فتنطرد ! فإن أبيتم إلا أن تفعلوا ، وآنستم من أنفسكم الجرأة على الاعتراض ؛ فلتوطِّنوا أنفسكم على مواجهة مصيركم بشجاعة ..
أساتذتي المدراء في المدارس الخيرية :
يعلم الله أني أحبكم في الله ، وأني أشفق عليكم من حساب الله . لأنتم مسؤولون عند الله .. عن رعيتكم في مدارسكم من عباد الله . أطلقوا سواعد الإبداع عند شبابنا ، مكِّنوهم من تنفيذ أفكارهم وإبداعاتهم ، فجِّروا طاقات الجالية في أطفالها وصبيانها ، أطلقوا العنان لخيالاتهم ، أحدثوا ثورة مزمجرة في أساليب التربية وطرق التدريس ، مستقبلنا في أيديكم : في أيدي أبنائنا من طلابكم ، يصنعونه لنا بصناعتكم لهم . اللهَ اللهَ في مستقبل جاليتكم !
هأنذا جالس وحدي في بيتي ، ليس معي أو حولي أحد من طلبتي ، أحنّ إلى تلك الأيام وأسترجع ذكرياتي ، أتوق إلى اتصال من زميلي "الفنان المزعج" ولا يأتي . ما عاد يزعجني ولا عاد يتصل بي لأمازحه كعادتي ؛ فأكتب إليه في لحظة أسيفة من حياتي :
ليتك تزعجْ !
فنّك يبهجْ !
قلبي يلهجْ ..
بك يا "مزعجْ" !
أزعِجْ دوماً ..
لا تتحرّجْ !
أبدِعْ رسماً ..
كي نتفرّجْ !
وانشرْ عبقاً ..
مثل العوسجْ !
واخلطْ لوناً ..
كيما تمزجْ !
اصنعْ عملاً ..
فوق المنتَجْ !
يسحرُ ، يغري ..
هل يتبرّجْ؟!
فارحمْ واعطفْ ..
يا ذا المزعجْ !
إنا بشرٌ ..
لا نتبرمجْ !
لسنا نقوى ..
هذا البهرجْ ![/align][/cell][/tabletext][/align]
اسم الموضوع : من ذكرياتي .. مع زميلي الفنان .. الأستاذ عثمان !
|
المصدر : .: مدارسنا الخيرية :.