عطا الله نور
مستشار المنتدى
هاني نقشبندي
قصة عامر
عامر هو صديق قديم يكبرني بعام واحد، ولد في نفس المدينة التي ولدت فيها أنا وفي نفس الشهر تقريبا. تفرقنا ثم اجتمعنا مرة أخرى في الثانوية العامة. حصل هو على امتياز من القسم العلمي وحصلت أنا على مقبول في القسم الأدبي. واصلت تعليمي في الجامعة، وبقي عامر لعامين يبحث عن جامعة تؤويه. كان يحب الطب، ولم يجد أمامه سوى جامعات موسكو. انقطعت أخباره إلى أن سمعت بحصوله على جائزة رفيعة المستوى من ألمانيا بعد أن اكتشف شيئا له علاقة بالخريطة الوراثية للإنسان. وهو يعد اليوم واحدا من كبار علماء الجينات الإنسانية في العالم، تفخر به وتستضيفه الجامعات والمحافل الدولية.
لكن، لماذا لم يتمكن عامر من مواصلة تعليمه الجامعي في السعودية؟
لأنه لم يكن سعوديا، رغم أنه ولد ونشأ وشرب ثقافة البلد منذ تفتحت عيناه على الدنيا.
لست أعلم عدد سكان السعودية على وجه الدقة، وقد سمعت أكثر من رقم متناقض، فتارة هو 16 مليون إنسان، وتارة يتخطى العشرين. وهنا أسأل: كم هو عدد المواطنين من هذا الرقم؟
السؤال الأهم هو كم عدد الوطنيين؟
ذلك أن هناك فرقا بين الوطنية والمواطنة، ونحن إذا افترضنا أن كل مواطن هو وطني مخلص، فلست أعتقد أن كل من هو غير مواطن تنقصه الوطنية السعودية.
هناك من يعيش هنا منذ أربعة أو خمسة عقود، أي أننا نتحدث عن جيل أو جيلين لا يعرف غير السعودية وطنا ولا يحب سواها رغم هذا لا يزال يعامل معاملة الوافدين.
الانتماء لوطن لا يتحقق بالجنسية فقط، إذ كثيرا ما تحلى الناس بجنسية بلد لا يدينون له بالولاء، والعكس بالعكس.
عندما نستبعد هذه الفئة من إعطائها هوية وطنية، فنحن نفقد الكثير من العقول والإمكانات. فبخلاف عامر، هناك المهندسون والعلماء والرياضيون الذين يحول دون بقائهم في السعودية استثناؤهم من جنسيتها رغم أنهم قضوا حياتهم كلها فيها.
الوطن شاسع فيه الكثير من الخيرات. وأقول ذلك لمن يعتقد أن البطالة ستزداد أو أن نصيب الفرد سيتضاءل من ثروات البلاد إن وزعت على عدد أكبر مما هو عليه الآن. تلك نظرة خاطئة اقتصاديا وعمليا. فالسعودية تخطط لتنويع مصادر الدخل، واستراتيجية حكيمة كهذه تحتاج إلى تنوع في العقول أيضا.
أعرف أن هناك قائمة تحدد بالنقاط من يستحق الجنسية ولا يستحقها، لكني أعتقد أنه يجب إعادة النظر في تلك النقاط كي نستفيد من فئة، بل فئات كثيرة، لا تعرف غير السعودية وطنا وانتماء وثقافة طوال حياتها.
nakshabandih@yahoo.com
عكاظ
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100122/Con20100122328294.htm
اسم الموضوع : مقالة رائعة: قصة عامر
|
المصدر : .: حديث الإعلام :.