أبو هيثم الشاكر
مراقب سابق
ليلة في المدرسة الليلة
لم يدُرْ بخلدي أنني سأكون يوما بين أصحاب أبي وجدي في المقاعد الدراسية، ولكن لما رغب والدي في نقلي من المدرسة الخيرية إلى الحكومية لم يجد طريقا لتحقيق رغبته سوى تلك الحياة البرزخية التي أجبرت على عيشها وأنا حيّ أُرزَق.
حيث لم يكن من الممكن بتاتا القبول في التعليم النظامي بشهادات التعليم الخيري، ولكن التعليم الليلي قد يقبل بتلك الشهادات إذن فليكن العبور إلى التعليم الحكومي عبر التعليم الليلي.
بدأت الدراسة وإذا الفصل مكتظ بأصحاب التكاسي من الطراز القديم (carseda80) فلا والله ما منهم من أحد يفرق بين الألف والواحد، وبدهيّ أن أكون بينهم الفيلسوف الأوحد، فما إن بدأت الأسئلة والمشاركات حتى كدت أصبح قبلة علمهم التي تضرب إليها أعناق المطيّ، وقد وجدوا في شخصي عالمهم الفاضل الرباني الباذنجاني، فلا تسألوني عن شعوري وأنا أتلقى عبارات الثناء والإعجاب التي تنهال عليّ من أولئك الأميين.
جاء الاختبار الفصلي، وكلّ قد تسلّم ورقته للإجابة، ولا شكّ أن الجميع حريصون على الجلوس حولي لعلّ الواحد منهم يظفر بغفلة من المعلّم ليلقي نظرة خاطفة إلى ورقة العلامة الفهامة فيظفر بإجابة تطير منها ألباب هيئة التدريس قاطبة، وأما أنا ففي خلوة مع ربّي أناجيه وأسأله التيسير، انتهى الجميع من الاختبار وسلّموا أوراقهم للمعلّم، فأما من كان حولي فقد خرج من الفصل وهو مطمئن كل الاطمئنان من إجاباته، وأما من كتب الله له حرمان الجلوس بقربي فهو يندب حظه التعس، ولا أشك أنه عازم على شرّ في الاختبارات القادمة.
في اليوم التالي: دخل المدرس وقد استشاط غضبا، لا يدري ما يصنع، وفي سَورة غضب نادى بأسماء مجموعة من الدارسين واستوقفهم وأنا منهم، ووجّه إلينا تهمة الغش في الامتحان، وأخذ يُرغي ويزبد ويوعد ويتوعّد، فحلفت له بأغلظ الأيمان وبالطلاق والعتاق أنني لم أنقل حرفا واحدا من أحد، وكيف يصدّقني وإجابات الجميع كأنها منتسخة.
فمن منهم الناقل ومن منهم المنقول منه؟ وهل تم النقل منه بمعاونته أو بغفلة منه؟ أسئلة تدور في ذهن المعلّم.
تعلمون جميعا أن علم الجريمة يقول: إن المجرم لا بدّ أن يترك أثرا عن شخصه في مسرح الجريمة.
هذا ما حدث، فكما قلت سابقا إن معظمهم لا يفرّق بين الواحد والألف، فهل استطاعوا قراءة ما نقلوه مني أصلا؟ أو كان نقلهم مجرّد رسم لصور الكلمات، وهل علم هذا الناقل المغفّل أن اسمي كان ضمن ما نقله من ورقتي؟
وهكذا انكشف الأمر حيث وجد اسمي في أوراق بعضهم، إي والله أقول ذلك بدون مبالغة.
فحينئذ تنفست الصعداء إذْ خرج صكّ براءتي، وأما أولئك فماذا يصنع المدرّس بتلاميذ بلغوا من الكبر عتيا، منهم مَن هو في سن المدرس ومنهم من هو أكبر منه وقليل منهم من هو في سن أبنائه كأمثالي.
ولم يجد سوى أن يُعرض عنهم ولسان حاله يقول: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
اسم الموضوع : ليلة في مدرسة ليلية
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.
