توضيح: السفسطائية كما تشير أغلب الكتب هو مذهب فكري-فلسفي نشأ في اليونان إبان نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس في بلاد الإغريق (اليونان حالياً)، بعد انحسار حكم الأوليغارشية (الأقلية) وظهور طبقة حاكمة جديدة ديمقراطية تمثل الشعب، ومن معاني السفسطة: التلاعب بالالفاظ لطمس الحقائق والاجابة على السؤال بسؤال أو بإجابات بعيدة موهمة (راجع سماحة العلامة ويكيبديا )
وبعد هذا التوضيح قال ابن اللذينا قدس الله أسراره:
البيع والشراء باب للتعرف على الأشخاص والطبائع والأخلاق، ولذا كثيراً ما يستأنس ابن اللذينا بالأثر الوارد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أن رجلاً شهد عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشهادة فقال له لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم أنا أعرفه قال بأي شيء تعرفه قال بالعدالة والفضل فقال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا قال: فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع؟ قال: لا قال فرفيقك في السفر الذي يستدل على مكارم الأخلاق قال: لا قال لست تعرفه ثم قال لرجل ائت بمن يعرفك .
فالتعامل بالبيع والشراء يسفر عن أخلاق الرجال، والباعة والتجار من أكثر الناس تلاعباً بالألفاظ والعبارات وبالقيم النبيلة إلا من رحم الله، وجولة واحدة في أي سوق من الأسواق تجعلك تتيقن أنّ معظم الباعة من فئة "كل شيء تمام" فلو سألت عن أي سلعة وقلت له: أريد الأصلي قال خذ هذا ولو كان هذا البائع يعمل في محل "أبو ريالين" ومن سابع المستحيلات أن يقول لك "لا يوجد عندي الأصلي" في الأعم الأغلب، فأي بضاعة في دكّانه فهي أصلية يابانية بمعنى آخر: "لعب على المكشوف" والطريف في الأمر أن بعض هؤلاء الباعة "شين وقوي عين" ولديه مناعة ضد الكسيفة أو الفضيحة من كثرة ما يتلاعب ويكذب على الزبائن من الرجال والنساء والأطفال "وأخص بالذكر النساء لأسباب معروفة" فبإمكانه أن يحلف لك سبع مرات أو تسع مرات أو "حسب الطلب" على القبلة أو على غير القبلة أن هذه السلعة أو تلك في متجره الـ "أبو ريالاين" يابانية الصنع من الطراز الأول والدرجة الأولى بينما تقرأ بالخط العريض أسفل السلعة "Made in China" وإذا تجرأت وأشرت له بأنه صيني حسب ما هو مكتوب فيجيبك مباشرة: "هذا تجميع صيني فقط" ولو كانت السلعة "لفة سفرة طعام" .. ومن أقبح ألاعيبهم أنهم يقولون للمشتري: "خذ وإذا ما نفع رجّعلي" أي أعده إليّ ولو كانت هذه السلعة "سندوتش بالبيض، بالله كيف أعيد السندوتش بعد أن دخل إلى معدتي هل أعيده قيئاً ؟!
يحاول ابن اللذينا دائماً أن لا تنطلي عليه أكاذيب وألاعيب هؤلاء الباعة فيجري معهم بعض الحوارات الطريفة فيسألهم عن مصدر بعض السلع وأماكن صنعها وجودتها ونحو هذا الكلام، قبل عدة أشهر حصل لي موقف طريف مع أحد باعة الأحذية فعندما سألته عن صنف من الأحذية بدأ هذا البائع يسرد السيرة الحسنة والمواقف الجليلة والإنجازات العظيمة والمناقب المباركة لهذا النوع من الحذاء كعادة الباعة، وكان مما قال: "أنا بنفسي أستخدم هذا النوع من الحذاء منذ سنتين وأشار إلى حذائه رافعاً رجله بتلقائية مضحكة، ضحكت في نفسي وسألته سؤلاً ماكراً: "يعني ما يتقطّع بسرعة" قال: "أقولك سنتين معايه" توكلت على الله ودفعت له المبلغ وأخذت الحذاء فرحاً مسروراً "لأتجنتل" به من الغد فوضعته على رجلي وبدا جميلاً أنيقاً ..
وبعد قرابة الثلاثة أشهر بدأت تظهر تجاعيد الزمن وخرائط الإدريسي على هذا الحذاء وكل مرة تقع عيني على ثلمة أو تجعيدة جديدة من هذا الحذاء أتذكر قصة "السنتين" وأسرح في الدعاية المضللة التي عملها لي هذا البائع حتى أقنعني بكامل إرادتي وقواي العقلية لشرائه وقبل أن تُجهِز قدماي الشريفتين على هذا الحذاء مررت بالصدفة على نفس البائع لشراء حذاء آخر ووجدت فرصة مناسبة لكي أذكره بقصة "السنتين" والسيرة العطرة والمناقب الجليلة للحذاء الذي باعه إياي قبل مدة "طبعاً مرور ابن اللذينا لم يكن أبداً لإرجاع هذا الحذاء واستبداله بآخر" ولكن مجرد حوار عابر وتساؤل في محله .. كانت الدهشة قوية بالنسبة لي حينما نظر هذا البائع إلى حذائي وقال: "شكلك تمشي كثير" هكذا بكل ارتياح، نظرت إليه ووجهه ينضح بالجدية في الكلام فقلت له مازحاً وقد افترّت شفتاي عن ابتسامة ثلاثية الأبعاد: وهل ظننت أني اشتريت الحذاء لكي أضعه وسادة على سريري؟؟! انتهى الحوار بابتسامة مقابلة وحذاء جديد ودعاية جديدة لكنها أقل بريقاً من الحذاء الأول ... أبقى الله حذائي في قدمي دهوراً ..
ابن اللذينا
اسم الموضوع : حوار سفسطي مع بائع أحذية !!
|
المصدر : .: ساحة الرأي :.
