* تم إرسال هذه الرسالة إلى الصفحي مشكوراً
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
متأكد بأن بريدك الالكتروني امتلأ عن بكرة أبيه من رسائل الجالية البرماوية تشكرك على نبل أخلاقك .ولا أعرف بالتأكيد مضمون تلك الرسائل ، لكني أحب أن أبوح لك بما لدي في هذه القضية ، ربما حتى أبيّن لك ما قد يخفي عليك أو أزيدك علماً إلى علم .
في البداية دعنا نعرف ماهو تعريف المواطنة وفق المنظور الشرعي واللغوي ؟ إن المواطنة يا أستاذي القدير هي استيطان الأرض والمكان ومن هنا جيئ بمُصطلح الوطن بغض النظر عن العرق والأصول . فالأرض هي كلها وطن لبني آدم ، منها خلقوا ومنها سيخرجون يوم الدين .
مسميات الدول والحدود ماهي إلا قوانين وضعية وضعها الغرب حتى يتم تشتيت المسلمين وإغفالهم عن قوله تعالى : " إنما المؤمنون إخوة " وهو ما نالوه حقاً من تلك التقسيمات الحدودية . فنجد أن الشعوب أصبحت تتعصب لإنتماءها الأرضي قبل أن تفكر بأن الكل سواسية وأن الأرض هي للجميع !
فالمواطن السعودي الآن ، بات لا يفكر إلا في أن الوافد ( مع التحفظ على هذا المسمى : فأجيال جالية استوطنت المملكة لأكثر من 60 عاماً ليسوا بوافدين ) يُقاسمه رزقه بل ويحاربه عليه !
مرة أخرى يقع المواطن ( تحت المسمى التغريبي الذي فرّق المسلمين إلى شعوب فأصبح هناك مواطن ومقيم ووافد ) في فخ نسيان مرجعه الأصلي القرآن الكريم في قوله تعالى : " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " .
إن الرزق يا أخي تكفل به الله عز وجل لمخلوقاته ، فلو كان لك رزقٌ في أي مكان على وجه المعمورة لجاء إليك طواعية أو كراهية أو لذهبت أنت إليه ، فلن يُقاسمك فيه أحدٌ مُطلقاُ ما دام هو مقدرٌ لك .
لنراجع قليلاً ردود القرّاء المعارضين لمقالك ، نجد من يقول أن المملكة ليست بجمعية خيرية حتى تتكفل بأبناء وأجيال البرماويين ! أرأيت يا أستاذي ؟
فعلاً نجح أولئك الغرب في تشتيت المسلم عن دينه ، فأصبح وقوف المسلم بجواره أخيه في محنته مذلّة للطرف الآخر ، وكأن رسول الله لم يقل يوماً : " مثل المؤمنين في توادهم وترحمهم وتعاطفهم كمثلا الجسد الواحد ، اذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي " أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
هناك أيضاً من ساوى بين القضية البرماوية أو لنقل الأراكانية ( فأراكان هي المملكة المسلمة ، وبورما هي الدولة البوذية ولا نريد أن ننسب البرماويون إلى دولة بوذية ) وبين القضية الفلسطينية ، وقال بأنه لا ينبغي أن يتم منح البرماويون الجنسية السعودية تماماً كالفلسطينيين حتى لا ندع المجال لليهود في احتلال الأرض وننسى القضية بعد أن يُهاجر كل فلسطيني من فلسطين .
برأيي لا وجه شبه بين القضيتين ، ففلسطين شئنا أم أبينا هي بلاد إسلامية قبل أن تكون فلسطينية او عربية ، فمسرى رسولنا الكريم لا يمكن أن يساوم عليه المسلمون ، وأولى القبلتين وثالث الحرمين كيف لنا أن نتركها
بين أيدي اليهود ؟ بينما هناك في بورما لا يوجد إلا تماثيل بوذا ، وبقاءنا في تلك البلاد لا يأتي إلا بسوء لنا كمسلمين ، وكما يعلم المسلمون وعلمائهم ، الهجرة واجبة من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين على كل من لم يستطع إظهار دينه في المكان الذي يقيم فيه .
إن من يجهل معاناة المسلمين في بورما يلقي بالكلمات جزافاً دون أن يعي خطورة ما يتفوه بها ، فالإقامة في بلد ينكل بالمسلمين ويسب نسائهم وذراريهم ويدمر مساجدهم ويحرمهم من أبسط مقومات الحياة ، غير ممكنة إطلاقاً . بل ومن يضمن للأركانيين دينهم في حال تم تعذيبهم كما حصل سابقاً ، وهل يُحمّل من طالب بإبعادهم وزرهم يوم الدين ، فقط فقط لكي لا يُقاسموهم رزقهم كما يدعون !
إن المملكة العربية السعودية وبحكم وجود الحرمين الشريفين بها يحتم عليها أن تكون قدوة للمسلمين أجمعين ، فإليها تتجه القلوب والحناجر ، وإليها تهتف جموع المسلمين من كل مكان . فتخيل ( لا سمح الله ) لو حصل وأن دخلت المملكة في حرب ما مع اليهود او أي جهة عادية ، هل تتوقع بأن المسلمين بغض النظر عن جنسياتهم سيسكتون ؟ أم أن نخوة الدين والدفاع عن أطهر المقدسات الإسلامية ستحرك الأمة جميعها للدفاع عن هذه البلاد ؟
فيجب أن يُحب المرء لأخيه المسلم ما يُحب لنفسه ، ويا أسفاه على تلك التربية النبوية التي نرددها بأفواهنا ولا نطبقها بأفعالنا !!
ابتُلي الأركانيون ابتلاءً عظيماً ، كما ابتلي بنو اسرائيل في عهد موسى من تنكيل وتعذيب وسبي وقتل ، فوصف الله تعالى ذلك بقوله : "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين" . تماماً كما حصل مع الأركانيين في بلاد البوذيين ، فالقتل والذبح والسبي وكل شيئ حصل لهم .
نعود لموضوع الوطن وفق المنظور الشرعي الآن ، نجد أن الخلفاء الراشدين بل ورسولنا الكريم ساوى بين المواطنين جميعاً حتى مع اختلاف الانتماء الديني ، فلليهود في المدينة حقوق وواجبات ولم يجليهم عليه الصلاة والسلام إلا بعد أن نقضوا العهد .. وكذلك عمر بن الخطاب وقصة اليهودي المسن الذي صرف له كيس أرز ، ومن وضع الجزية عن المسنين والنساء والمرضى والأطفال .
جالية أقامت منذ تأسيس البلاد ، لم تنل حقها لليوم في المواطنة ولو كانت هذه الجالية أقامت في بلدٍ كافر لك أن تتخيل وضعهم بعد 60 عاماً من هجرتهم إليها ! بل ونجد اليوم من يُطالب بإبعادها قسراً لجرم ارتكبه غيرهم ، ومرة أخرى نحث انفسنا على الاقتداء بالرسول ولا نطبق مع الأسف الشديد ، أليس النبي الكريم أجلى اليهود من المدينة كل قبيلة منهم لجرمهم لا لجرم غيرهم !
ومن يقول بأن ينبغي أن يُرحل البرماويون إلى بنغلاديش ، فلك أن تتصور دولة يفوق سكانها 150 مليون نسمة وبمساحة لا تتسع ربما لأكثر من 700 ألف ، كيف لهم ان تستقبلهم ؟ ثم لنسأل انفسنا سؤالاً : أنت ابن هذه البلد تقطن في مدينة ما ، لو انتقلت قسراً للعيش في مدينة أخرى هل ستشعر بالغربة أم لا ؟ جاوب نفسك بصدق وستعرف الإجابة بالتأكيد .
كيف لأجيال جالية لم يروا يوماً أرضاً غير أرض المملكة أن يغادروا كراهية لبلد جديد ومجتمع جديد ، لغة جديدة وحياة اجتماعية مغايرة تماماً .. والمشكلة أنها للأبد ، ليس كما المدن بإمكانك العودة لمسقط رأسك .
إذا كانت الدولة تنتهج نهجاً يُعد من ( سياسات دول ) فلا نُطالبها بأكثر من منح الأراكانيين حق الإقامة الدائمة ، او كمواطنين ولو من الدرجة العاشرة ! والتضييق على المسلمين وإجبارهم على الرحيل لبلاد الكفار والله إنه لذنب عظيم !
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين .
اسم الموضوع : تعقيب على مقالة البرماويون
|
المصدر : .: أخبارنا العامة :.