فتى أراكان
, مراقب قسم ساحة الرأي
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]هل القراءة ممتعة؟[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
بعد صدور كتابي (متعة الكتابة) قابلت صديقًا تربطني به علاقة جيدة, فقال لي: "توقعت منك أن تكتب في القراءة لا الكتابة, لمعرفتي باهتمامك بالكتاب وحبك للمطالعة" قلت له: "أقدّر جيدًا ما تقول ولكن القراءة موضوع كتب فيه الكثيرون, ولو قمت بزيارة لأحد المكتبات وطلبت من أحد موظفيها أن يخرج لك قائمة بأسماء الكتب التي تناولت القراءة لخرج لك بمجموعة من العناوين العديدة والمتنوعة".
لا أكتم سرًا بأن حديث الأستاذ قد ترك أثرًا في الخاطر حول ما يمكنني التحدث فيه حول القراءة، وحيث إني أحاول جاهدًا أن لا أكرر ما ذكره غيري, فسأتعرض لها من كونها متعة ولذة فكرية وذهنية وكيفية وصولنا جميعًا إلى هذه الدرجة من الاستمتاع.
أعمار.. وخبرات
لعلكم سمعتم أو قرأتم أن من بين ما قيل في القراءة أنها "تختصر لك الزمن", وقيل أيضًا إن "القارئ عبر المطالعة يتصفح عقول الرجال", وغير ذلك من الحكم التي تصف روعة المطالعة, وقد صدقوا في ذلك أيما صدق, أما اختصار الزمن فإن الإنسان في حياته قد تمر عليه ظروف يدرك من خلالها أنه مقبل على مرحلة زمنية معينة لها أحكامها وظروفها الخاصة, فالشاب الأعزب حين يعقد قرانه على فتاة يصبح بعد فترة من ثلاث إلى أربع سنوات رب أسرة وأبًا لأطفال, وهي مرحلة تختلف تمامًا في الشعور والمسئوليات أو المتطلبات عما كان عليه حال عزوبيته, هذا الشاب يمكن له أن يعيش تلك المرحلة بكل ظروفها وتفاصيلها مما يكون عليه أحوال أرباب الأسر وما ينبغي عليه أن يكون عبر القراءة في الكتب التي تناولت الأسرة وتنشئتها وكيفية الوصول بها وبأفرادها إلى بر الأمان على مختلف الأصعدة وشتى المستويات.
أما ما يتعلق بالقراءة بوصفها أداة تعيننا على تصفح عقول الرجال فيبدو ذلك في العلم الذي تعتبر القراءة فيه أولى وأهم بواباته لترى كيف تناقله أهله عبر القرون وتوارثته الأجيال جيلاً بعد جيل؛ فهذا فقيه وذاك محدث وهنا مفسر وهناك لغوي، وكل واحد من هؤلاء صنف في علمه وبابه علومًا شتى ومعارف جمة، وبالتالي فإن القارئ بقراءاته ومطالعاته عبر تلك المؤلفات والمصنفات قد أضاف عقولاً إلى عقله وأفكارًا إلى فكره.
إن مما يوصف به القراء مما يبين عظمتهم وما يمتلكونه - من قوة معرفية - أنهم دائمًا في سباق مع زمنهم وعصرهم، ولعلنا نسمع من يصف فلانًا بأنه ذو عقل كبير أو عقله أكبر من سنه، والسبب في ذلك قطعًا هو القراءة.
إن العديد ممن لا يقرئون يمارسون في العادة أنشطة متباينة بغرض التسلية والمتعة وإمضاء وقت الفراغ وربما للتعلم، فزيارة الأصدقاء واصطحابهم في المنتزهات أو السفر إلى أماكن مختلفة أو متابعة البرامج عبر الفضائيات أو ممارسة الرياضات المتنوعة في النوادي وغيرها, سيترك حتمًا أثره ومنافعه ومضاره بحسب ما واجه أو تفاعل هذا الإنسان, وسيظل ذلك راسخًا في مخيلته مما يشكل مركب الخبرة التي تميز فردًا عن غيره من أبناء المجتمع, أما القارئ فإنه يحصل له من المتعة والفائدة ضعف ما حصّله هؤلاء من غير القراء, فقد يجلس مع الأصدقاء وهو يقرأ كتابًا في العلاقات والتعامل مع الناس، وقد يسافر هنا وهناك وحقيبة سفره لا تخلو من كتاب يقرؤه, في الشعوب وعاداتها، وقد يتناول طعامه في مكان متميز ويقرأ كتابًا في الصحة والغذاء.. يتابع برامجه المفضلة في القنوات ويقرأ كتبًا في الإعلام.. يمارس رياضته المفضلة ويقرأ في التربية البدنية وتمارين الأيروبيك أو اليوغا ونحوها.
أرأيتم ذلك الكم الهائل من المعلومات والمعارف والخبرات التي اكتسبها هذا القارئ المطلع علميًّا وعمليًّا دون غيره من الناس؟ فإذا أدركنا ذلك ووعيناه كان السؤال الأهم هو: كيف لي أن أصبح من أهل القراءة والمطالعة؟
القراءة .. نعمة
لابد أن تدرك جيدًا أن القراءة والمطالعة بقصد التعلم والمعرفة هي نعمة من نعم الله عليك وفضل أولاك إياه, قال تعالى: ((...وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما))(النساء:113). فإن وافقتني في ذلك فإن النعمة حتى تدوم لا بدّ لنا من شكرها، كما في قوله: ((لئن شكرتم لأزيدنكم)) (سورة إبراهيم:7). وشكر النعمة لا يقتصر على تلفظك بـ"الحمد لله", بل لا بد من أن تؤدي حق الله عليك من الطاعة والعبادة وانتهاج سبيل المتقين, هذا السبيل هو كفيل بتعليم الله لك. تأمل قوله تعالى: ((واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم))(البقرة:282), ويقول الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" تعليقًا على هذه الآية: "وعد من الله بأن من اتقاه علمه, أي يجعل في قلبه نورًا يفهم به ما يلقى إليه, وقد يجعل الله في قلبه ابتداءً فرقانًا أي فيصلاً يفصل به بين الحق والباطل, ومنه قوله تعالى في سورة الأنفال: ((يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)) والله أعلم". انتهى كلامه رحمه الله.
الدعاء.. لمزيد من القراءة
أشرنا إلى أن دوام النعمة مقرون بشكرها، وطريق شكرها هو العبادة، ومن العبادات التي غفل عنها كثير من الناس عبادة الدعاء، وفي الحديث: «الدعاء هو العبادة», والله سبحانه وتعالى يقول: ((..ادعوني أستجب لكم..)) (سورة غافر:60), لذا فإن من يدعو الله ويتضرع إليه بأن يوفقه ويفتح عليه بطلب العلم والقراءة أو الكتابة وتخصيص ذلك بالنافع والمثمر وأن تكون خالصة له جل وعلا سيلحظ أثر ذلك لا محالة.
وكونك خصصت دعاءك بما ينفع ويثمر حتى لا تقع فريسة لكل غث وهراء تم نشره هنا وهناك تحت ذريعة العلم والمعرفة، بل إنك بذلك تختصر على نفسك المسافة الزمنية التي تسهم في تشكيل خبرة معرفية ملؤها النفع والنضوج, ألست ترى حولك من الناس وربما سمعت وشاهدت بعضهم ممن أفنى شبابه وأضاع سنين عمره فيما لا طائل من ورائه, وربما نال حسرة وندامة يوم القيامة، عياذاً بالله. وأذكر في هذا الصدد قصة تبيّن أثر الدعاء في اكتساب حب القراءة, حدثنا بها أحد طلبة العلم ومن عُرف بنهمه لقراءة الكتب، حيث يقول عن نفسه: "أدركت بعد الالتزام أهمية طلب العلم, وأنه من الطرق الموصلة إلى الجنة, ومعلوم أنه لا طلب بغير قراءة, وهنا تكمن مشكلتي؛ فأنا من أشد النافرين من المطالعة في الكتب ولا أطيق القراءة بتاتًا, فاحترت في ذلك حتى قررت أن أذهب لأداء العمرة وأدعو الله لهذا الغرض، وفعلاً سافرت وشربت من زمزم حتى تضلعت وأنا أدعو الله أن يرزقني حب القراءة, ويفتح عليّ فيها وألححت في الدعاء ثم عدت لبلدي وإذا بي التهم الكتب التهاما والفضل لله وحده".
التدرج في القراءة
الاهتمام بمبدأ التدرج، وأعني به أن تبدأ من البسيط من الكتب والعلوم ثم الانتقال والتوسع شيئًا فشيئًا في الكتب الأعلى مستوى, سواء بكثرة عدد صفحاتها أو أفكارها وفقراتها, وهذا المبدأ (التدرج) معلوم عند أهل العلم، وقلما تجد من لا يوصي به, والجميل فيه أنك ستلحظ مدى تقدمك في القراءة والاطلاع عبر سرعة تصفحك لكتاب ما، فالمعلومات إن كانت جديدة عليك سترى بطئًا في قراءتك، وإن كانت المعلومات سبق وأن مرت بك ستكون دافعًا لك في سرعة قراءتها وتصفحها حتى تنهي الكتاب في فترة وجيزة مقارنة بوقتٍ سابق، أما الأمر الآخر المتعلق بالتدرج فهو التدرج بالوقت، وهو ما جربته على الكثيرين وما زلت أوصي به المتدربين.
كيف تصبح قارئًا محترفًا؟
اقرأ من عشر إلى خمس عشرة دقيقة في الأسبوع الأول, وليكن في النهار, ثم زدها خمس دقائق الأسبوع الثاني وزدها خمسًا أخرى في الثالث, وزدها خمسًا غيرها في الرابع, ليصبح المجموع ثلاثون دقيقة, ثم استمر في ذلك دون انقطاع، و في الأسبوع الخامس افعل كما فعلت في الأسبوع الأول، ولتكن القراءة هذه المرة مساءً، مع استمرار قراءتك خلال الثلاثين دقيقة نهارًا، وفي الأسبوع الثامن أي في غضون شهرين من قيامك بهذا التمرين صرت ممن يقرأ ساعة في اليوم، وهو إنجاز كبير للمبتدئ, ستظهر آثاره عليك في فترة وجيزة. وأرى أنك تستحق المكافأة من نفسك لنفسك بالكيفية التي تلائمك, بل إني أبشر القارئ الذي يصل إلى هذا المستوى بأن القادم من الأيام سيكون أفضل من سابقه؛ حيث سيمضي الساعات ولا يجد غضاضة في ذلك -خاصة في أيام الإجازات- وهو بين أحضان الكتب، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
صالح الشمري
بعد صدور كتابي (متعة الكتابة) قابلت صديقًا تربطني به علاقة جيدة, فقال لي: "توقعت منك أن تكتب في القراءة لا الكتابة, لمعرفتي باهتمامك بالكتاب وحبك للمطالعة" قلت له: "أقدّر جيدًا ما تقول ولكن القراءة موضوع كتب فيه الكثيرون, ولو قمت بزيارة لأحد المكتبات وطلبت من أحد موظفيها أن يخرج لك قائمة بأسماء الكتب التي تناولت القراءة لخرج لك بمجموعة من العناوين العديدة والمتنوعة".
لا أكتم سرًا بأن حديث الأستاذ قد ترك أثرًا في الخاطر حول ما يمكنني التحدث فيه حول القراءة، وحيث إني أحاول جاهدًا أن لا أكرر ما ذكره غيري, فسأتعرض لها من كونها متعة ولذة فكرية وذهنية وكيفية وصولنا جميعًا إلى هذه الدرجة من الاستمتاع.
أعمار.. وخبرات
لعلكم سمعتم أو قرأتم أن من بين ما قيل في القراءة أنها "تختصر لك الزمن", وقيل أيضًا إن "القارئ عبر المطالعة يتصفح عقول الرجال", وغير ذلك من الحكم التي تصف روعة المطالعة, وقد صدقوا في ذلك أيما صدق, أما اختصار الزمن فإن الإنسان في حياته قد تمر عليه ظروف يدرك من خلالها أنه مقبل على مرحلة زمنية معينة لها أحكامها وظروفها الخاصة, فالشاب الأعزب حين يعقد قرانه على فتاة يصبح بعد فترة من ثلاث إلى أربع سنوات رب أسرة وأبًا لأطفال, وهي مرحلة تختلف تمامًا في الشعور والمسئوليات أو المتطلبات عما كان عليه حال عزوبيته, هذا الشاب يمكن له أن يعيش تلك المرحلة بكل ظروفها وتفاصيلها مما يكون عليه أحوال أرباب الأسر وما ينبغي عليه أن يكون عبر القراءة في الكتب التي تناولت الأسرة وتنشئتها وكيفية الوصول بها وبأفرادها إلى بر الأمان على مختلف الأصعدة وشتى المستويات.
أما ما يتعلق بالقراءة بوصفها أداة تعيننا على تصفح عقول الرجال فيبدو ذلك في العلم الذي تعتبر القراءة فيه أولى وأهم بواباته لترى كيف تناقله أهله عبر القرون وتوارثته الأجيال جيلاً بعد جيل؛ فهذا فقيه وذاك محدث وهنا مفسر وهناك لغوي، وكل واحد من هؤلاء صنف في علمه وبابه علومًا شتى ومعارف جمة، وبالتالي فإن القارئ بقراءاته ومطالعاته عبر تلك المؤلفات والمصنفات قد أضاف عقولاً إلى عقله وأفكارًا إلى فكره.
إن مما يوصف به القراء مما يبين عظمتهم وما يمتلكونه - من قوة معرفية - أنهم دائمًا في سباق مع زمنهم وعصرهم، ولعلنا نسمع من يصف فلانًا بأنه ذو عقل كبير أو عقله أكبر من سنه، والسبب في ذلك قطعًا هو القراءة.
إن العديد ممن لا يقرئون يمارسون في العادة أنشطة متباينة بغرض التسلية والمتعة وإمضاء وقت الفراغ وربما للتعلم، فزيارة الأصدقاء واصطحابهم في المنتزهات أو السفر إلى أماكن مختلفة أو متابعة البرامج عبر الفضائيات أو ممارسة الرياضات المتنوعة في النوادي وغيرها, سيترك حتمًا أثره ومنافعه ومضاره بحسب ما واجه أو تفاعل هذا الإنسان, وسيظل ذلك راسخًا في مخيلته مما يشكل مركب الخبرة التي تميز فردًا عن غيره من أبناء المجتمع, أما القارئ فإنه يحصل له من المتعة والفائدة ضعف ما حصّله هؤلاء من غير القراء, فقد يجلس مع الأصدقاء وهو يقرأ كتابًا في العلاقات والتعامل مع الناس، وقد يسافر هنا وهناك وحقيبة سفره لا تخلو من كتاب يقرؤه, في الشعوب وعاداتها، وقد يتناول طعامه في مكان متميز ويقرأ كتابًا في الصحة والغذاء.. يتابع برامجه المفضلة في القنوات ويقرأ كتبًا في الإعلام.. يمارس رياضته المفضلة ويقرأ في التربية البدنية وتمارين الأيروبيك أو اليوغا ونحوها.
أرأيتم ذلك الكم الهائل من المعلومات والمعارف والخبرات التي اكتسبها هذا القارئ المطلع علميًّا وعمليًّا دون غيره من الناس؟ فإذا أدركنا ذلك ووعيناه كان السؤال الأهم هو: كيف لي أن أصبح من أهل القراءة والمطالعة؟
القراءة .. نعمة
لابد أن تدرك جيدًا أن القراءة والمطالعة بقصد التعلم والمعرفة هي نعمة من نعم الله عليك وفضل أولاك إياه, قال تعالى: ((...وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما))(النساء:113). فإن وافقتني في ذلك فإن النعمة حتى تدوم لا بدّ لنا من شكرها، كما في قوله: ((لئن شكرتم لأزيدنكم)) (سورة إبراهيم:7). وشكر النعمة لا يقتصر على تلفظك بـ"الحمد لله", بل لا بد من أن تؤدي حق الله عليك من الطاعة والعبادة وانتهاج سبيل المتقين, هذا السبيل هو كفيل بتعليم الله لك. تأمل قوله تعالى: ((واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم))(البقرة:282), ويقول الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" تعليقًا على هذه الآية: "وعد من الله بأن من اتقاه علمه, أي يجعل في قلبه نورًا يفهم به ما يلقى إليه, وقد يجعل الله في قلبه ابتداءً فرقانًا أي فيصلاً يفصل به بين الحق والباطل, ومنه قوله تعالى في سورة الأنفال: ((يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)) والله أعلم". انتهى كلامه رحمه الله.
الدعاء.. لمزيد من القراءة
أشرنا إلى أن دوام النعمة مقرون بشكرها، وطريق شكرها هو العبادة، ومن العبادات التي غفل عنها كثير من الناس عبادة الدعاء، وفي الحديث: «الدعاء هو العبادة», والله سبحانه وتعالى يقول: ((..ادعوني أستجب لكم..)) (سورة غافر:60), لذا فإن من يدعو الله ويتضرع إليه بأن يوفقه ويفتح عليه بطلب العلم والقراءة أو الكتابة وتخصيص ذلك بالنافع والمثمر وأن تكون خالصة له جل وعلا سيلحظ أثر ذلك لا محالة.
وكونك خصصت دعاءك بما ينفع ويثمر حتى لا تقع فريسة لكل غث وهراء تم نشره هنا وهناك تحت ذريعة العلم والمعرفة، بل إنك بذلك تختصر على نفسك المسافة الزمنية التي تسهم في تشكيل خبرة معرفية ملؤها النفع والنضوج, ألست ترى حولك من الناس وربما سمعت وشاهدت بعضهم ممن أفنى شبابه وأضاع سنين عمره فيما لا طائل من ورائه, وربما نال حسرة وندامة يوم القيامة، عياذاً بالله. وأذكر في هذا الصدد قصة تبيّن أثر الدعاء في اكتساب حب القراءة, حدثنا بها أحد طلبة العلم ومن عُرف بنهمه لقراءة الكتب، حيث يقول عن نفسه: "أدركت بعد الالتزام أهمية طلب العلم, وأنه من الطرق الموصلة إلى الجنة, ومعلوم أنه لا طلب بغير قراءة, وهنا تكمن مشكلتي؛ فأنا من أشد النافرين من المطالعة في الكتب ولا أطيق القراءة بتاتًا, فاحترت في ذلك حتى قررت أن أذهب لأداء العمرة وأدعو الله لهذا الغرض، وفعلاً سافرت وشربت من زمزم حتى تضلعت وأنا أدعو الله أن يرزقني حب القراءة, ويفتح عليّ فيها وألححت في الدعاء ثم عدت لبلدي وإذا بي التهم الكتب التهاما والفضل لله وحده".
التدرج في القراءة
الاهتمام بمبدأ التدرج، وأعني به أن تبدأ من البسيط من الكتب والعلوم ثم الانتقال والتوسع شيئًا فشيئًا في الكتب الأعلى مستوى, سواء بكثرة عدد صفحاتها أو أفكارها وفقراتها, وهذا المبدأ (التدرج) معلوم عند أهل العلم، وقلما تجد من لا يوصي به, والجميل فيه أنك ستلحظ مدى تقدمك في القراءة والاطلاع عبر سرعة تصفحك لكتاب ما، فالمعلومات إن كانت جديدة عليك سترى بطئًا في قراءتك، وإن كانت المعلومات سبق وأن مرت بك ستكون دافعًا لك في سرعة قراءتها وتصفحها حتى تنهي الكتاب في فترة وجيزة مقارنة بوقتٍ سابق، أما الأمر الآخر المتعلق بالتدرج فهو التدرج بالوقت، وهو ما جربته على الكثيرين وما زلت أوصي به المتدربين.
كيف تصبح قارئًا محترفًا؟
اقرأ من عشر إلى خمس عشرة دقيقة في الأسبوع الأول, وليكن في النهار, ثم زدها خمس دقائق الأسبوع الثاني وزدها خمسًا أخرى في الثالث, وزدها خمسًا غيرها في الرابع, ليصبح المجموع ثلاثون دقيقة, ثم استمر في ذلك دون انقطاع، و في الأسبوع الخامس افعل كما فعلت في الأسبوع الأول، ولتكن القراءة هذه المرة مساءً، مع استمرار قراءتك خلال الثلاثين دقيقة نهارًا، وفي الأسبوع الثامن أي في غضون شهرين من قيامك بهذا التمرين صرت ممن يقرأ ساعة في اليوم، وهو إنجاز كبير للمبتدئ, ستظهر آثاره عليك في فترة وجيزة. وأرى أنك تستحق المكافأة من نفسك لنفسك بالكيفية التي تلائمك, بل إني أبشر القارئ الذي يصل إلى هذا المستوى بأن القادم من الأيام سيكون أفضل من سابقه؛ حيث سيمضي الساعات ولا يجد غضاضة في ذلك -خاصة في أيام الإجازات- وهو بين أحضان الكتب، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : مقال جديد لمؤلف (متعة الكتابة ) !!!
|
المصدر : .: خير جليس :.

