الأسيف
مراقب عام
"
"
صعدت مرّة منصة الحفل لألقي كلمة .. قالوا بصوتٍ واحدْ : انزل فلم تزل رضيعاً ..
أرادوا مرّة أن يخرجوا رحلة .. فلم أُرَشّح ، سألتهم : ولم ؟ أجابوا بنبرة موحّدة : لا يجوز لعازب أن يختلط بالمتزوجين !
كتبتُ مقالة .. مضمونها : الدعوة إلى الاتحاد ونبذ الفرقة .. قالوا : دعْ عنكَ هذا ، فلا شأن للصغار في أمور الكبار ..
شاركت مرّة بمداخلة قصيرَة في مشكلة من بين آلاف المشكلات في الجاليَة .. فرُميتُ بتفاهة فكري وصغر عقلي وحداثة سنّي !
ظهر اسمي مرّة في ورقة تشبه صحيفة سيّارة من بين أسماء المعدّين .. فاستشاط أحد الكبار غضباً ، واستطار عقله فرَقاً ، وقال أمام مجمعٍ من الناس ( في لحظة ظهرت صورته الباطنة مع شيء من حقيقة حظوظ النفس ) : لم أوردتم اسم هذا الطفل ( مشيراً إلى اسمي ) ، وغفلتم اسم من أتعب جسده نهاراً ، وأرق عينه ليلاً !
نظرية ( أنت صغير ) نظرية ليست عادلة .. بل هي جائرة فاشلة ..
فالعلوم والمعارف لا تُقاس بالأشبَار ، ولا بعظم الأجسَام ؛ كمَا يظنون !
وصغر السن ليس بمانع من استقطاب الفضائل ، وتحمّل الرسائل ..
وإلا فليقلّب أحدنا صفحات التاريخ فإنهُ سيجدُ آلاف النماذج لرجال ظهرت عبقريتهم ، وكفايتهم للقيام بأعمال جليلة وهم في أوائل عهد شبيبتهم ..
فقد ولّى النبيّ صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد مكة وهو في سن الحادية والعشرين وفي مكة مشيخة قريش ، وكانَ يدعو ابن عبّاس في المعضلات والمشكلات ، ويُجلسه بين الأشيَاخ وهو دُون سنّ العشرين ، وولّى معاذ بن جبَل على اليمن وهو أيضاً دون سنّ العشرين ، وكذلك ولّى أسامة بن زيد إمارة جيش وفيه من الصحابة أمثال الشيخين ، وسنّ أسامة يومئذ تسعَ عشرةَ سنَة !
يقولُ البُحتري :
لا تنظرنّ إلى الفيّاض من صغرٍ **** في السنّ وانظر إلى المجد الذي شادا
إنّ النجُوم نجوم الأفق أصغرها **** في العين أذهبها في الجو إصعَـادا
إنّ هذه النظرية التي يحملها كثيرٌ من كبارنَا وورثوها كابراً عن كابر ، ورضعتها الأجيال تلو الأجيال لصفقة خاسرة لا تزن جَناح بعوضة ، وفكرة بدائية لا تستقيم ولا تجول في المدار الواسع من الحيَاة ، حتى خلقت لنا هذه النظرية عقولاً تقدّر فتخطئ ، وتدَبّر فتبطئ ، فيبخسون الحقوق ، ويرتكبون العقوق ، ولا يعطون للشاب اليافع نصيبه من الاحترام والتشجيع ؛ مما تركنَا غرباء عن عصرنا وأهل عصرنا ..إنّ النجُوم نجوم الأفق أصغرها **** في العين أذهبها في الجو إصعَـادا
قال الله جل الله في شأن نبيه يحيى عليه السلام ( وءاتيناه الحكم صبياً .. ! )
وقال في أهلِ الكهف ( إنهم فتية آمنوا بربهم .. )
ومن لا يَعرفُ هارون الرّشيد .. ذلكم الخليفة الذي ملأ الدنيا عدلاً وإنصافاً ، وامتلأت كتب التاريخ بمآثره الحميدة ؛ تولى الخلافة وهو في سنّ الحادية والعشرين !
بل من لا يعرف الملك الملقب بالسلطان العادل الذي تولى الملك وهو في التاسعة عشرة ، إنه عظيم شباب الملوك : ( ملك شاه بن ألب أرسلان ) !
والله حرامٌ علينَا أن نرضى للجيل القادم من أبناء الأمة الأركانية بما لم نرضَ به لأنفسنا ، وأن نقلدّهم هذه الأسلحة المسمومة ، وتلك النظريات التي تحث على تثبيط الشباب الناشيء وقطع عروق حَماسه للمعالي ، وأن نجرّعهم هذا الحنظل الذي تجرّعناه ، وأنْ نلوّث نفوسهم البريئة بهذه المخلفات والقاذورات التي ابتلانا بها الأمم البدائية ..
أيتها الأمة الأرَكانية :
إنّ الواجب على وليّ أمر الشاب ومدرسه ، وموجهه ، ومسؤوله : أن يُشعرَه بأنّ بلوغ الفتى المنزلة المحمودة في السيادة وهو في مقتبل العمر ليس بالأمر المتعذر أو المتعسّر وليستنهض هممه ويشدد من عزيمته لكي يستطيع أن يتولى أموراً جليلة القدر عظيمة الشأن في المستقبل ، بدلاً من تحطيمه ونعتهِ بالصغر ، وإعطائه شحنات من إبر التفرق المهلك ، والأنانية الكاذبة ، والغرور المُدلي ، والتنكّر للشاب ، والخضوع للكبير وإن كان فاجراً .. !
( إنّ في الشباب من يبلغ في حصافة العقل وحسن التدبير ، المنزلة الكافية لأن يُلقى على عاتقه ما يُلقى على عواتق الكهُول أو الشيوخ من عظائم الأمور .. )
قال المتنبي :
فمَا الحداثة من حلمٍ بمانعَة **** قد يُوجد الحلم في الشبّان والشيب !
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : نظرية ( أنت صغير ) .. المنتشرة بين مثقفي المجتمع !
|
المصدر : .: روائع المنتدى :.

