ذيل حق ولا رأس باطل

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة

أبو هيثم الشاكر

مراقب سابق
إنضم
26 أبريل 2009
المشاركات
786
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
مكة المكرمة


بينما أنا جالس أرتب مكتبي المتواضع، الذي عليه كل شيء إلا مكانا للقراءة والكتابة فلا يوجد، ولا أدري كيف أصبح مكتبا، مهما يكن من أمر ففي أثناء العمل عثرت على قصاصة بها دعوة كانت قد وُجّهت إليّ للانضمام إلى مشروع دعوي نشاطاته عمت الدنيا، وبقي أن نسمع عن دعاته أنهم قد يرافقون غزاة الفضاء، أما الأرض فلم يبق بها مكان لم يشهد لهم نشاطا.
وبعد أن تسلّمت الدعوة التي اشتملت على الكثير من الإغراء بأن يتاح لي تبوّؤُ المقامات العالية، والمنازل الرفيعة في الدنيا قبل الآخرة، وفي المقابل فقد اشتملت الدعوة على الرثاء لحالي المزري الذي أعيشه حسب قولها، فلا منبر يتاح لي صعوده لكلمة، ولا أُدْعى إلى المنصة في المحافل، فأحسن حظي أن أجد في المحفل مكانا يكفيني للوقوف، وأما الجلوس فقدر زائد على حقي، فضلا عن مجاورة عِلية القوم لأحظى ببعض ما يطوف به عليهم ولدان غير مخلدين من العصيرات والمعجنات وغير ذلك.
وقد أجّلت الرد عليها ريثما أفكّر في مضمون دعوته ووسائله.
وبعد طول بحث خرجت بالقناعات التالية عن هذا المشروع:
مضمون دعوته: دعوة الناس إلى تعديل السلوك، والإكثار من الذكر ونوافل العبادات، والزهد في الدنيا.
الوسائل: القراءة في أحاديث الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال، والخروج للدعوة مُدَدا معلومة.
فقلت: ما أجمله من مضمون وما أحسنها من وسيلة، ولكن بقي عليّ أن أعرف ما عمر هذا المشروع وما أبرز إنجازاته، وهنا أصِبتُ بصدمة لم تزل آثارها عالقة في ذهني:
أما عمر المشروع فلا يقل عن سبعين سنة، وأما إنجازاته في خلال هذه الفترة فستتضح من خلال الحوار التالي بيني وبين أحد أمراء هذا المشروع الدعوي الضخم:
الكاتب: كم لك في إمارة الجماعة؟
أمير الجماعة: أكثر من عشرين عاما.
الكاتب: ماذا كنت تعلّم الناس خلال هذه الفترة؟
الأمير:الصلاة والذكر وفضائل الأعمال.
الكاتب: هل تلتزمون جميعا بالصلوات في أوقاتها، وبقية الواجبات؟
الأمير: هذا الأمر من أوجب الواجبات عندنا.
الكاتب: هذا الكتاب المؤلف بالأردية ما اسمه وما سرّ عنايتكم به؟
الأمير: اسمه (تبليغي نصاب) ونعتني به لأنه أُلّف في ترغيب الناس في فضائل الأعمال.
استعرت منه الكتاب واجتمعت ببعض أهل العلم لدراسته، فكانت المفاجأة التالية:
1-استشهاد المؤلف على حصول بركات العمل الصالح بقصص ووقائع تنطوي على الشرك الأكبر من الاستغاثة بغير الله واعتقاد تصرف الأولياء في الكون بعد مماتهم، وغير ذلك.
2-أن المؤلف أوردها على سبيل الترغيب لا الإنكار.
3-أن خلاصة الكتاب دعوة إلى الطرق الصوفية البدعية.
فقررت أن أجتمع ببعض دعاة هذا المشروع مع ثلة من أهل العلم، فكان لي ذلك، وفيه سألتهم:
أليس التوحيد أول واجب على العبيد؟ فما نصيبه من مشروعكم؟ فقال: إنما ندعو إلى التوحيد المشركين، وأما أتباعنا فمن أهل (لا إله إلا الله)، فلا يهمهم أمر التوحيد.
فقلت: سبحان الله! ألا يجوز أن يقع الموحّد في الشرك الأكبر إذا جهل التوحيد، وماذا يفيده طول قيامه وكثرة صيامه وذكره وهو متلبس بالشرك الأكبر المحبط لعمله كلّه؟
كيف تدعون الناس إلى الله ولا تُوَعّونهم بأهمية صحة العقيدة حتى تسلم الأعمال من الحبوط؟
سبعون سنة عمر مشروعكم، من المسئول عن الذين ماتوا من أتباعكم قُوّاما صُوّاما ولكنهم كانوا يعتقدون أن الوليّ المقبور يشفي المريض ويقضي الحاجة ويكشف الكربات، وربّما حمله اعتقاده هذا على سؤال المقبور حاجته، وصرف الدعاء له دون الله؟
إنما الناصح المخلص من دلك على المصلحة وحذّرك مما يفسدها وعلمك ما تحافظ به عليها.
فوالله لا خير في دعوة لا تعطي التوحيد الأولوية المطلقة.
وبعد هذا كله قلت:
[font=ae_ostorah](لَأن أكون ذيلا في الحقّ أحبُّ إليّ من أن أكون رأسا في الباطل)
[/font]​

 
اسم الموضوع : ذيل حق ولا رأس باطل | المصدر : .: أشتات وشذرات :.
أعلى