البرماويون .. وحساب الأرباح والخسائر! (2)
وعلى الرغم من أن الدعوة إلى القومية والتعصب من أجلها أمر مرفوض وفقاً لقيم الدين ، إلا أن التعبير عن الإنتماء إلى العرق والقومية أمرمبررله ومقبول لأنه أمر فطري ، ولا غضاضة في أن يترجم ذلك الإنتماء بصورة عفوية من خلال سلوكياتنا وأفعالنا وأقوالنا . وحيث أن معظم أفراد أبناء الجالية البرماوية أصبحوا فاقدي الهوية القومية إن لم يكن كلهم وفقاً لهذا المعيار ، فإنهم يعانون صعوبات في التعبير عن الإنتماء الوطني، لذلك قل ما نجد من البرماويين من يعبر عن إنتمائه إلى وطنه لأنه في الواقع لا يشعر بالإنتماء الحقيقي إليه ، مما أصبح سمة بارزة لشخصية المواطن البرماوي في المهجر أينما كان وخيرشاهد على ذلك ، ظاهرة (.....؟) ومن على شاكلته التي تظهر في هذا المنتدى من وقت لأخر.
فقدان الثقافة وأدوات التواصل الحضاري مع غيرهم : أن هوية أي شعب هي ثقافته ، ومن هنا لا يوجد على هذه البسيطة شعب إلا ولديه ثقافته المستقلة ، سواءً كبر هذا الشعب أم صغر ، لأن الثقافة مكون أساسي لشخصية الفرد وهي التي تضفي عليه صفة الأصالة والتجذر الإجتماعي والإثني من خلال الكيان الذي يتبوأ فيه أرضاً ومجتمعاً ، وهي التي تختزل كافة المورثات الشعبية لهذا الشعب أو ذاك ، وفي نفس الوقت هي بمثابة المرأة العاكسة له . ومن هنا نستطيع أن نقول أن الثقافة : هي كلمة جامعة تدخل فيها العادات والتقاليد والمعرفة والفنون وأساليب وطرق العيش والبقاء والدين واللغة ، وما إلى هنالك من الأمور الكثيرة التي يكتسبها الإنسان من أجل ( التكيف ) إستمراراً للحياة وتواصلاً للبقاء في بيئته المحلية ، غير أن اللغة تظل أهم ملامح الثقافة ، لأنها تحوي الثقافة وتجسدها على الواقع الفعلي بصورة ملموسة ومرئية .
وللغة عادة مشهدان ، أحدهما منطوق والأخر مكتوب ، فالأول وظيفته إحاطة وإحتواء الثقافة في إطار الحوار الإجتماعي ، والثاني وظيفته تنمية هذه الثقافة وتطويرها بواسطة عملية الرصد والتدوين المستمرين ، ومن ثم توريثها وتوصيلها للأجيال القادمة ، بالإضافة إلى ذلك أنه يقوم بوظيفة في غاية من الأهمية ، ألا وهي صياغة وإيجاد أسس وأدوات التواصل الحضاري مع الشركاء الأخرين صناع الحضارة البشرية في هذا العالم الذي أصبح اليوم ( قرية كونية صغيرة ) أعني بذلك وسائل الإتصال الجماهيري بمختلف صورها والتي يعبرعنها بـ ( الميديا) في هذا العصر .
وحيث أن الشعب الروهنجي لم يستطع كتابة لغته حتى الآن لأسباب معروفة فإنه تبعاً لذلك باتت ثقافته تعاني من ( الإعاقة الجسدية الجزئية) إن صح التعبير ، مما أصبح أبناءه عالةً على الثقافات الأخرى أينما كانوا . وهذا الذي نشاهده من واقع تواجد أبناء الجالية البرماوية في كثير من الدول وبخاصة في تلك الدول التي تتميز بالكثافة العدية بهم ، مثل بنجلاديش وباكستان والمملكة العربية السعودية ، وحتى داخل أراكان نفسها فإن الوضع لا يختلف كثيراً عما سواها . لذلك نجد صراعاً ثقافياً بالغ الضراوة بين أطياف المجتمع ـ وإن كان مستتراً ـ ومن أبرز أعراض ذلك الصراع هو النفورالحاصل بين االطبقة المتعلمة من أبناء الجالية في أماكن مختلفة ، إذ تجد الفرد الذي عاش ودرس في باكستان مثلاً يقلل من شأن الشخص الذي عاش ودرس في المملكة العربية السعودية ، والعكس صحيح ، والحال ينطبق على من عاش ودرس في بنجلاديش أيضاً بنفس الصورة والطريقة ، كما أن المشهد في داخل أراكان غير مختلف عما ذكرنا آنفاً ، إذ ينظر ( الماستر ) إلى ( المولوي ) بنظرة دونية ويقلل من أهميته والعكس صحيح لإختلاف مشارب الثقافة لكلا الطرفين . من شأنه شيد الكثير من الحواجز النفسية بين النخب المتعلة في الجالية البرماوية ، وفي المحصلة إنعدمت لغة الحوار وأرضية التفاهم بينهم بصورة شبه كلية ، مما بقيت دور النخب المتعلة في المجمتمع محدودا للغاية . كما أن الحراك الإجتماعي الذي يجري بين تلك النخب هنا وهناك بين الفينة وأخرى ، لا يعدو كونه ظاهرة مؤقتة ، وفي جزر معزولة وهو أشبه ما يكون بـ ( حوار الطرشان ) لأن القاعدة العريضة من أبناء الروهنجيا وبخاصة من بقي من كبار السن أعني جيل من عاش في البلاد أوعامة الناس ، إما تكون مهمشة أو مغيبة عنه تماماً .
وللتوضيح ، أن إستنهال الفرد من الثقافات الأخرى بحد ذاته ليست مشكلة ، بل هو أمر محمود و مطلوب بإلحاح شديد لأنه غناء وثراء ، فحينما المواطن السعودي أو المواطن الباكستاني مثلاً يتجه ليستنهل من الثقافة الأمريكية فإنه يستند أساساً إلى ثقافته القومية وما يكتسب من تلك الثقافة ما هي إلا إضافة إلى رصيد ثقافته الأصلية ليثريها ، غير أن الوضع مع أبناء الجالية البرماوية يختلف تماماً عما ذكرنا آنفاً ، لأنهم حينما يتجهون للإستنهال من الثقافات الأخرى فإنهم إبتداءً يعانون من الحرمان الثقافي القومي ، وبالتالي يجب عليه أن يبقى رهن الغربة الثقافية طوال حياته ، وهنا تكمن المشكلة ، وتعرفون لماذا ؟ لأن الإنسان حينما يفكر للإبداع ،فإنه يفكر بلغة أمه ، وحتى الجنين في بطن أمه فحينما يبكي فإنه يبكي بلغة أمه وفقاً لأحدث إكتشاف طبي مؤثق .
وللمعلومية : أنه وطبقاً لأهل التخصص ، فإن الإنسان يستطيع التعبير بواسطة لغته ما نسبته 7% فقط من المشاعر والأحاسيس والعواطف والإنفعالات ، بينما ستظل ما نسبته 93% من الأحاسيس دفينة وكامنه في شعوره الداخلي ، ونحن في الحالة الروهنجية ، إذا فقدنا أحد جناحي اللغة فماذا عسانا نستطيع أن نعبر بلغتنا ؟ سؤال يفرض نفسه بحجم المشكلة التي نعاني منها .
وللحديث بقية .....
الثمن الذي دفعه البرمايون على الصعيدين
الإجتماعي والإقتصادي بفقدهم الإنتماء الوطني
الإجتماعي والإقتصادي بفقدهم الإنتماء الوطني
أن التضحيات الجسيمة التي قدمها البرماويون الروهنجيا عبر عقود من الزمن بهجرتهم عن الوطن كان لها ثمن باهض التكلفة الذي تجسد على شكل خسائر إجتماعية وإقتصادية متراكمة ، مما كان له سيئ الأثر في واقع حال جيل اليوم ، الذي بات ملموساً ومدركاً لدى الجميع من خلال معايشتهم لتفاصيل إيقاع الحياة المعاصرة والتي في معظم فصولها معقدة للغاية وبخاصة في هذه الأيام العصبية ، ولما كانت تلك الخسائر تركزت في الأساس على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي وفق ما أشرنا إليه سابقاً ، فإننا نورد فيما يلي أهم أوجه تلك الخسائر التي طالت المجالين الإجتماعي والإقتصادي والتي من شأنها أصبحت سمة وملامح بارزة للشخصية البرماوية ( أعني المواطن الروهنجي ).
أولاً : الخسائرالتي لحقت بأبناء الجالية البرماوية على الصعيد الإجتماعي :
فقدان الهوية وضعف الإنتماء الوطني : إن المواطنة هي علاقة تعاقدية بين الفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه من خلال المؤسسات التي تتشكل منها منظومة الدولة ونظرية الحكومة ، ومن هنا فإن لكل من طرفي تلك العلاقة التعاقدية حقوق وواجبات ، وإذا فقد الإنسان هويته القومية وإنتماءه الوطني ، أصبح مجرداً من كافة حقوقه الوطنية ، وعلى الأثر هو بدوره يتنصل من أبسط وجباته تجاهه ، لأنه يصبح على حل من تلك العلاقة الإجتماعية . وحيث أن رعاية الدولة لمواطنيها بمنزلة رعاية الأب لأبنائه ، فإن حرمان الفرد من رعاية وطنه له يجعله في حكم اليتيم ، وهو أصدق وصف ينطبق على حال أبناء الجالية البرماوية في كثير من الدول .
وعلى الرغم من أن الدعوة إلى القومية والتعصب من أجلها أمر مرفوض وفقاً لقيم الدين ، إلا أن التعبير عن الإنتماء إلى العرق والقومية أمرمبررله ومقبول لأنه أمر فطري ، ولا غضاضة في أن يترجم ذلك الإنتماء بصورة عفوية من خلال سلوكياتنا وأفعالنا وأقوالنا . وحيث أن معظم أفراد أبناء الجالية البرماوية أصبحوا فاقدي الهوية القومية إن لم يكن كلهم وفقاً لهذا المعيار ، فإنهم يعانون صعوبات في التعبير عن الإنتماء الوطني، لذلك قل ما نجد من البرماويين من يعبر عن إنتمائه إلى وطنه لأنه في الواقع لا يشعر بالإنتماء الحقيقي إليه ، مما أصبح سمة بارزة لشخصية المواطن البرماوي في المهجر أينما كان وخيرشاهد على ذلك ، ظاهرة (.....؟) ومن على شاكلته التي تظهر في هذا المنتدى من وقت لأخر.
فقدان الثقافة وأدوات التواصل الحضاري مع غيرهم : أن هوية أي شعب هي ثقافته ، ومن هنا لا يوجد على هذه البسيطة شعب إلا ولديه ثقافته المستقلة ، سواءً كبر هذا الشعب أم صغر ، لأن الثقافة مكون أساسي لشخصية الفرد وهي التي تضفي عليه صفة الأصالة والتجذر الإجتماعي والإثني من خلال الكيان الذي يتبوأ فيه أرضاً ومجتمعاً ، وهي التي تختزل كافة المورثات الشعبية لهذا الشعب أو ذاك ، وفي نفس الوقت هي بمثابة المرأة العاكسة له . ومن هنا نستطيع أن نقول أن الثقافة : هي كلمة جامعة تدخل فيها العادات والتقاليد والمعرفة والفنون وأساليب وطرق العيش والبقاء والدين واللغة ، وما إلى هنالك من الأمور الكثيرة التي يكتسبها الإنسان من أجل ( التكيف ) إستمراراً للحياة وتواصلاً للبقاء في بيئته المحلية ، غير أن اللغة تظل أهم ملامح الثقافة ، لأنها تحوي الثقافة وتجسدها على الواقع الفعلي بصورة ملموسة ومرئية .
وللغة عادة مشهدان ، أحدهما منطوق والأخر مكتوب ، فالأول وظيفته إحاطة وإحتواء الثقافة في إطار الحوار الإجتماعي ، والثاني وظيفته تنمية هذه الثقافة وتطويرها بواسطة عملية الرصد والتدوين المستمرين ، ومن ثم توريثها وتوصيلها للأجيال القادمة ، بالإضافة إلى ذلك أنه يقوم بوظيفة في غاية من الأهمية ، ألا وهي صياغة وإيجاد أسس وأدوات التواصل الحضاري مع الشركاء الأخرين صناع الحضارة البشرية في هذا العالم الذي أصبح اليوم ( قرية كونية صغيرة ) أعني بذلك وسائل الإتصال الجماهيري بمختلف صورها والتي يعبرعنها بـ ( الميديا) في هذا العصر .
وحيث أن الشعب الروهنجي لم يستطع كتابة لغته حتى الآن لأسباب معروفة فإنه تبعاً لذلك باتت ثقافته تعاني من ( الإعاقة الجسدية الجزئية) إن صح التعبير ، مما أصبح أبناءه عالةً على الثقافات الأخرى أينما كانوا . وهذا الذي نشاهده من واقع تواجد أبناء الجالية البرماوية في كثير من الدول وبخاصة في تلك الدول التي تتميز بالكثافة العدية بهم ، مثل بنجلاديش وباكستان والمملكة العربية السعودية ، وحتى داخل أراكان نفسها فإن الوضع لا يختلف كثيراً عما سواها . لذلك نجد صراعاً ثقافياً بالغ الضراوة بين أطياف المجتمع ـ وإن كان مستتراً ـ ومن أبرز أعراض ذلك الصراع هو النفورالحاصل بين االطبقة المتعلمة من أبناء الجالية في أماكن مختلفة ، إذ تجد الفرد الذي عاش ودرس في باكستان مثلاً يقلل من شأن الشخص الذي عاش ودرس في المملكة العربية السعودية ، والعكس صحيح ، والحال ينطبق على من عاش ودرس في بنجلاديش أيضاً بنفس الصورة والطريقة ، كما أن المشهد في داخل أراكان غير مختلف عما ذكرنا آنفاً ، إذ ينظر ( الماستر ) إلى ( المولوي ) بنظرة دونية ويقلل من أهميته والعكس صحيح لإختلاف مشارب الثقافة لكلا الطرفين . من شأنه شيد الكثير من الحواجز النفسية بين النخب المتعلة في الجالية البرماوية ، وفي المحصلة إنعدمت لغة الحوار وأرضية التفاهم بينهم بصورة شبه كلية ، مما بقيت دور النخب المتعلة في المجمتمع محدودا للغاية . كما أن الحراك الإجتماعي الذي يجري بين تلك النخب هنا وهناك بين الفينة وأخرى ، لا يعدو كونه ظاهرة مؤقتة ، وفي جزر معزولة وهو أشبه ما يكون بـ ( حوار الطرشان ) لأن القاعدة العريضة من أبناء الروهنجيا وبخاصة من بقي من كبار السن أعني جيل من عاش في البلاد أوعامة الناس ، إما تكون مهمشة أو مغيبة عنه تماماً .
وللتوضيح ، أن إستنهال الفرد من الثقافات الأخرى بحد ذاته ليست مشكلة ، بل هو أمر محمود و مطلوب بإلحاح شديد لأنه غناء وثراء ، فحينما المواطن السعودي أو المواطن الباكستاني مثلاً يتجه ليستنهل من الثقافة الأمريكية فإنه يستند أساساً إلى ثقافته القومية وما يكتسب من تلك الثقافة ما هي إلا إضافة إلى رصيد ثقافته الأصلية ليثريها ، غير أن الوضع مع أبناء الجالية البرماوية يختلف تماماً عما ذكرنا آنفاً ، لأنهم حينما يتجهون للإستنهال من الثقافات الأخرى فإنهم إبتداءً يعانون من الحرمان الثقافي القومي ، وبالتالي يجب عليه أن يبقى رهن الغربة الثقافية طوال حياته ، وهنا تكمن المشكلة ، وتعرفون لماذا ؟ لأن الإنسان حينما يفكر للإبداع ،فإنه يفكر بلغة أمه ، وحتى الجنين في بطن أمه فحينما يبكي فإنه يبكي بلغة أمه وفقاً لأحدث إكتشاف طبي مؤثق .
وللمعلومية : أنه وطبقاً لأهل التخصص ، فإن الإنسان يستطيع التعبير بواسطة لغته ما نسبته 7% فقط من المشاعر والأحاسيس والعواطف والإنفعالات ، بينما ستظل ما نسبته 93% من الأحاسيس دفينة وكامنه في شعوره الداخلي ، ونحن في الحالة الروهنجية ، إذا فقدنا أحد جناحي اللغة فماذا عسانا نستطيع أن نعبر بلغتنا ؟ سؤال يفرض نفسه بحجم المشكلة التي نعاني منها .
عاشق الحرمين
اسم الموضوع : البرماويون .. وحساب الأرباح والخسائر ! (2)
|
المصدر : .: ساحة الرأي :.

