عدت لأدلي بدلوي بعد أن ضحكت مدة من الزمن تناسب مقدار قلمك الساخر الرائع، بل أنت الرائع يا أباهيثم، وأحيّ فيك روح الدعابة والمرح والفكاهة مع علم نافع وأدب جم وخلق رفيع.
أقول : إن أفضل من كتب في هذا الموضوع وعالج مشكلة سرعة القذف على حد تعبيرك :
شيخان فاضلان أحدهما:
العالم الجليل العلامة الذي فقدته الأمة قبل فترة، إنه الشيخ الفاضل بكر أبو زيد رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، في كتابين، هما :
(التعالم وأثره على الفكر والكتاب)، و(حلية طالب العلم) .
وثانيهما: الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن معلا اللويحق حفظه الله ورعاه في كتابه :
(قواعد في التعامل مع العلماء).
وأنصح كل طالب علم أن يقرأ هذه الكتب الثلاثة لما فيها من ذكرٍ لآداب طالب العلم، وتوجيهات وتوصيات عظيمة له، وكيفية التعامل مع العلماء.
وأنقل لكم نصا من كتاب حلية طالب العلم من الفصل السابع :
يقول العلامة بكر أبو زيد رحمه الله :
الفصل السابع
المحاذير
حلم اليقظة:
إياك و(حلم اليقظة)، ومنه بأن تدعي العلم لما لم تعلم، أو إتقان ما لم تتقن، فإن فعلت، فهو حجاب كثيف عن العلم.
احذر أن تكون "أبا شبر"
فقد قيل: العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول، تكبر، ومن دخل في الشبر الثانى تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه ما يعلم.
التصدر قبل التأهل:
احذر التصدر قبل التأهل، هو آفة في العلم والعمل.
وقد قيل: من تصدر قبل أوانه، فقد تصدى لهوانه.
التنمر بالعلم:
احذر ما يتسلى به المفلسون من العلم، يراجع مسألة أو مسألتين، فإذا كان في مجلس فيه من يشار إليه، أثار البحث فيهما، ليظهر علمه! وكم في هذا من سوءة، أقلها أن يعلم أن الناس يعلمون حقيقته.
وقد بينت هذه مع أخوات لها في كتاب "التعالم"، والحمد لله رب العالمين.
تحبير الكاغد :
كما يكون الحذر من التأليف الخالي من الإبداع في مقاصد التأليف الثمانية، والذي نهايته "تحبير الكاغد" فالحذر من الاشتغال بالتصنيف قبل استكمال أدواته، واكتمال أهليتك، والنضوج على يد أشياخك، فإنك تسجل به عاراً وتبدى به شناراً.
أما الاشتغال بالتأليف النافع لمن قامت أهليته، واستكمل أدواته، وتعددت معرافه، وتمرس به بحثا ومراجعة ومطالعة وجرداً لمطولاته، وحفظاً لمختصراته، واستذكاراً لمسائله، فهو من أفضل ما يقوم به النبلاء من الفضلاء.
ولا تنس قول الخطيب:
"من صنف، فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس".
موقفك من وهم من سبقك :
إذا ظفرت بوهم لعالم، فلا تفرح به للحط منه، ولكن افرح به لتصحيح المسألة فقط، فإن المنصف يكاد يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام لا سيما المكثرين منهم.
وما يشغب بهذا ويفرح به للتنقص، إلا متعالم "يريد أن يطب زكاما فيحدث به جذاما".
نعم، يبنه على خطأ أو وهم وقع لإمام غمر في بحر علمه وفضله، لكن لا يثير الرهج عليه بالتنقص منه والحط عليه فيغتر به من هو مثله.
دفع الشبهات :
لا تجعل قلبك كالسفنجه تتلقى ما يرد عليها، فاجتنب إثارة الشبه وإيرادها على نفسك أو غيرك، فالشبه خطافة، والقلوب ضعيفة، وأكثر ما يلقيها حمالة الحطب - المبتدعة - فتوقهم.
احذر اللحن :
ابتعد عن اللحن في اللفظ والكتب، فإن عدم اللحن جلالة، وصفاء ذوق ووقوف على ملاح المعاني لسلامة المباني:
فعن عمر رضي الله عنه أنه قال:
"تعلموا العربية؛ فإنها تزيد في المروءة".
وقد ورد عن جماعة من السلف أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحن.
وأسند الخطيب عن الرحبي قال:
"سمعت بعض أصحابنا يقول: إذا كتب لحان، فكتب عن اللحان لحان آخر؛ صار الحديث بالفارسية"!
وأنشد المبرد :
النحو يبسط من لسان الألكن
... ... ... ... ... ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن
فإذا أردت من العلوم أجلها
... ... ... ... ... ... فأجلها منها مقيم الألسن
الإجهاض الفكري :
احذر (الإجهاض الفكري)؛ بإخراج الفكرة قبل نضوجها.
الإسرائيليات الجديدة
احذر الإسرائيليات الجديدة في نفثات المستشرقين؛ من يهود ونصارى؛ فهي أشد نكاية وأعظم خطراً من الإسرائيليات القديمة؛ فإن هذه قد وضح أمرها ببيان النبي صلى الله عليه وسلم الموقف منها، ونشر العلماء القول فيها، أما الجديدة المتسربة إلى الفكر الإسلامي في أعقاب الثورة الحضارية واتصال العالم بعضه ببعض، وكبح المد الإسلامي؛ فهي شر محض، وبلاء متدفق، وقد أخذت بعض المسلمين عنها سنة، وخفض الجناح لها آخرون، فاحذر أن تقع فيها. وفي الله المسلمين شرها.
احذر الجدل البيزنطي
أي الجدل العقيم، أو الضئيل، فقد كان البيزنطيون يتحاورون في جنس الملائكة والعدو على أبواب بلدتهم حتى داهمهم.
وهكذا الجدل الضئيل يصد عن السبيل.
وهدي السلف: الكف عن كثرة الخصام والجدال، وأن التوسع فيه من قلة الورع؛ كما قال الحسن إذ سمع قوماً يتجادلون:
"هؤلاء ملوا العبادة، وخف عليهم القول، وقل ورعهم، فتكلموا"