سيرة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الجزء الأول

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
375
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
مكة الحبيبة

سيرة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
هو سماحة الشيخ الإمام العلامة المجدد عبد العزيز بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز.
ولد في الرياض في ذي الحجة سنة 1330هـ، وكان بصيراً في أول طلبه للعلم_كما يقول_.
ويقول: ثم أصابني المرض في عيني عام 1346هـ فضعف بصري بسبب ذلك ثم ذهب بالكلية في مستهل محرم من عام 1350هـ والحمد لله على ذلك.
وأسأل الله_جل وعلا_أن يعوضني البصيرة في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، كما وعد بذلك_سبحانه_على لسان نبيه محمد"كما أسأله_سبحانه_أن يجعل العاقبة حميدة في الدنيا والأخرى.
ويقول×: وقد بدأت الدراسة منذ الصغر، فحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ على يدي الشيخ عبدالله بن مفيريج×ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض، ومن أعلامهم:
1_ الشيخ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب_رحمهم الله_.
2_ الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قاضي الرياض_رحمهم الله_.
3_ الشيخ سعد بن حمد بن عتيق×قاضي الرياض.
4_ الشيخ حمد بن فارس وكيل بيت المال بالرياض×.
5_ الشيخ سعد وقاص البخاري من علماء مكة المكرمة أخذت عنه علم التجويد في عام 1355هـ، حيث كنت أتردد على الشيخ سعد في دكانه مدة شهرين، آخذ عنه علم التجويد.
6_ سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ×وقد لزمت حلقاته صباحاً ومساءً، وحضرت كل ما يقرأ عليه، ثم قرأت عليه جميع المواد التي درستها في الحديث والعقيدة، والفقه، والنحو، والفرائض، وقرأت عليه شيئاً كثيراً في التفسير، والتاريخ، والسيرة النبوية نحواً من عشر سنوات وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية ابتداءً من سنة 1347هـ إلى سنة 1357هـ حيث رشحت للقضاء من قبل سماحته.
عناية سماحة الشيخ بمظهره
كان سماحة الشيخ×يعتني بمظهره بلا إسراف، ولا مخيلة، فهو يعتني بنظافة بدنه، وقص شاربه، ويتعاهد نفسه بالطيب كثيراً، بل كان يستعمله كل يوم، ويدار بخور العود في مجلسه أكثر من مرة، وإلا فلا أقل من أن يدار مرة واحدة.
وكان يلبس مشلحة_بشته_في صَلاته، وزياراته، وذهابه إلى عمله.
وكان ثوبه يعلو كعبه بنحو أربعة أصابع؛ فهو يرى أن نزول الثوب، أو السراويل، أو المشلح أسفل الكعبين منكر محرم سواء كان ذلك للخيلاء أو لغير الخيلاء.
ويقول: إن الإسبال حرام؛ فإن كان للخيلاء فهو أشد تحريماً.
وفي يوم من الأيام لبس سماحته مشلحاً جديداً، وكان ذلك المشلح على خلاف ما كان عليه سماحة الشيخ، حيث كان المشلح نازلاً عن الكعبين، ولم يكن سماحته يعلم بذلك.
فقال له شخص: يا سماحة الشيخ مشلحك هذا نازل عن الكعبين، ولا أدري هل تغير رأيكم في وجوب رفعه ؟
فما كان من سماحة الشيخ إلا أن خلعه ورماه، وقال لي: اذهب به إلى من يرفعه.
وصادف أن كان سماحته في ذلك الوقت في مكة في آخر رمضان، فجاء إلى الرياض وليس عليه مشلح.
وكان يتعاهد لحيته بالحناء، ويرى تغيير الشيب، وحرمةَ تغييره بالسواد.
وكان×قليل شعر العارضين، أما الذقن ففيه شعيرات طويلة ملتف بعضها على بعض.
وقيل له ذات مرة: لو سرحتها بمشط ؟
فقال: أخشى أن يسقط منها شيء.
وهو يرى حرمة حلق اللحية أو تقصيرها، وكذا ما نبت على الخدين.
أما ما نبت تحت الذقن، وفي الرقبة فلا يرى مانعاً من حلقه.
من أبرز الصفات الخلقية لسماحة الإمام×
تفرد سماحة الإمام عبدالعزيز×بصفات عديدة لا تكاد تجتمع في رجل واحد إلا في القليل النادر، ومن أبرز تلك الصفات ما يلي:
1_ الإخلاص لله_ولا نزكي على الله أحداً_فهو لا يبتغي بعمله حمداً من أحد ولا جزاءً، ولا شكوراً.
2_ التواضع الجم، مع مكانته العالية، ومنزلته العلمية.
3_ الحلم العجيب الذي يصل فيه إلى حد لايصدقه إلا من رآه عليه.
4_ الجلد، والتحمل، والطاقة العجيبة حتى مع كبر سنه.
5_ الأدب المتناهي، والذوق المرهف.
6_ الكرم والسخاء الذي لا يدانيه فيه أحد في زمانه فيما أعلم، وذلك في شتى أنواع الكرم والسخاء، سواء بالمال أو بالوقت، أو الراحة، أو العلم، أو الإحسان، أو الشفاعات، أو العفو، أو الخُلُق، ونحو ذلك.
7_ السكينة العجيبة التي تغشاه، وتغشى مجلسه، ومن يخالطه.
8_ الذاكرة القوية التي تزيد مع تقدمه في السن.
9_ الهمة العالية، والعزيمة القوية التي لا تستصعب شيئاً، ولا يهولها أمر من الأمور.
10_ العدل في الأحكام سواء مع المخالفين، أو الموافقين.
11_ الثبات على المبدأ، وعلى الحق.
12_ سعة الأفق.
13_ بُعْد النظر.
14_ التجدد؛ فهو_دائماً_يتجدد، ويواكب الأحداث، ويحسن التعامل مع المتغيرات.
15_ الثقة العظيمة بالله_جل وعل_.
16_ الزهد بالدنيا، سواء بالمال أو الجاه، أو المنصب، أو الثناء، أو غير ذلك.
17_ الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها، فلا يكاد يعلم سنة ثابتة إلا عمل بها.
18_ بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا.
19_ الصبر بأنواعه المتعددة من صبر على الناس، وصبر على المرض، وصبر على تحمل الأعباء إلى غير ذلك.
20_ المراعاة التامة لأدب الحديث، والمجلس، ونحوها من الآداب.
21_ الوفاء المنقطع النظير لمشايخه، وأصدقائه، ومعارفه.
22_ صلة الأرحام.
23_ القيام بحقوق الجيران.
24_ عفة اللسان.
25_ لم أسمعه أو أسمع عنه أنه مدح نفسه، أو انتقص أحداً، أو عاب طعاماً، أو استكثر شيئاً قدمه للناس، أو نهر خادماً.
26_ وكان لا يقبل الخبر إلا من ثقة.
27_ يحسن الظن بالناس.
28_ قليل الكلام، كثير الصمت.
29_ كثير الذكر والدعاء.
30_ لا يرفع صوته بالضحك.
31_ كثير البكاء إذا سمع القرآن، أو قرئ عليه سيرة لأحد العلماء، أو شيء يتعلق بتعظيم القرآن أو السنة.
32_ يقبل الهدية، ويكافئ عليها.
33_ يحب المساكين، ويحنو عليهم، ويتلذذ بالأكل معهم.
34_ يحافظ على الوقت أشد المحافظة.
35_ يشجع على الخير، ويحض عليه.
36_ لا يحسد أحداً على نعمة ساقها الله إليه.
37_ لا يحقد على أحد بل يقابل الإساءة بالإحسان.
38_ معتدل في مأكله ومشربه.
39_ دقيق في المواعيد.
40_ كان متفائلاً، ومحباً للفأل.
الأعمال التي تولاها سماحة الشيخ
أول عمل تولاه سماحة الشيخ×هو القضاء؛ حيث عين قاضياً في مدينة الدلم عام 1357هـ واستمر فيه إلى عام 1371هـ.
وكان طيلة تلك المدة يقوم بإمامة الناس، وخطبة الجمعة، وإلقاء الدروس في الليل والنهار، والإصلاح بين الناس، وتفقد أحوالهم، ويقوم باستقبال الوفود، والزائرين، وطلاب العلم، ويعنى بالفقراء والمحتاجين.
كما كان×يولي اهتمامه مصالح الناس في كل ما يهمهم، ويكتب إلى المسؤولين في كل ما يراه ضرورياً لإصلاح المنطقة، فيجد لديهم من التجاوب ما يحقق رغبته الخيرة في الإصلاح العام.
وقد تتلمذ على يديه في تلك الفترة جمع غفير من العلماء، والقضاة؛ فمنهم معالي الشيخ راشد بن صالح بن خنين الرئيس العام لتعليم البنات سابقاً، وعضو هيئة كبار العلماء، والمستشار في الديوان الملكي.
ومنهم فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن حسن بن قعود عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء سابقاً.
ومنهم فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الكنهل، وقد تولى القضاء في عدة أماكن.
ومنهم فضيلة الشيخ عبداللطيف بن شديد×وقد تولى القضاء في عدة أماكن.
ومنهم فضيلة الشيخ سعيد بن عبدالله بن عياش رئيس محكمة خميس مشيط سابقاً.
ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن جلال، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدلم.
ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن هليل، ومنهم الشيخ صالح بن حسين العراقي×ومنهم الشيخ محمد الحسن الفلسطيني×.
ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وغيرهم كثير يصعب حصرهم سواءٌ من كان داخل البلاد أو خارجها.
وفي عام 1371هـ انتقل سماحته إلى التدريس في المعهد العلمي في الرياض، ثم انتقل إلى كلية الشريعة واستمر فيها إلى عام 1381هـ.
وكان في تلك الفترة يؤم المصلين في جامع الإمام تركي بن عبدالله×ويقوم بإلقاء الدروس في المسجد، وفي بيته، ويلقي المحاضرات الكثيرة، والكلمات المتنوعة في المناسبات.
وفي عام 1381هـ انتقل إلى المدينة النبوية؛ ليعمل نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية وهو سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×.
وكان في المدينة يلقي الدروس في المسجد النبوي بين المغرب والعشاء عدا ليلة الثلاثاء.
وكان يلقي المحاضرات، والكلمات، ويكتب في الصحف والمجلات، ويلتقي كثيراً بالطلاب.
وفي عام 1390هـ صدر الأمر الملكي بتعيينة رئيساً للجامعة الإسلامية.
وفي 14/10/1395هـ انتقل إلى الرياض وعين رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برتبة وزير.
وفي تلك الفترة تولى إمامة جامع الإمام تركي بن عبدالله، واستمر فيه حتى هدم الجامع المذكور، وبعدما أعيد بناؤه من جديد كتب سماحته لولاة الأمور مقترحاً عليهم أن يعين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ إماما للمسجد المذكور.
كما كان في الوقت نفسه رئيساً لمجالس رابطة العالم الإسلامي، ورئيساً للمجمع الفقهي، والمجلس الأعلى العالمي للمساجد، والمجلس التأسيسي للرابطة.
وفي عام 1414هـ صدر الأمر السامي بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة، ورئيساً لهيئة كبار العلماء، ورئىساً للّجنة الدائمة، ورئيساً لرابطة العالم الإسلامي.
ومن أعماله أيضاً، أنه كان رئيساً لدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة التي تأسست عام 1352هـ بأمر من الملك عبدالعزيز×.
وهذه الدار مدرسة أهلية تقوم على تبرعات أهل الخير، ويدرس فيها المئات من أنحاء الدنيا، وقبل أكثر من ثلاثين سنة من وفاة سماحته وهو يرعاها، ويجمع لها الأموال من المحسنين ويدفع أجرتها، ويصرف رواتب مدرسيها وطلابها وموظفيها وجميع ما تحتاج إليه.
والدار المذكورة لها مجلس أعلى كان يرأسه سماحة الشيخ×.
وأخيراً بني للدار بناية خاصة بها كافية للدراسة والسكن، وصدر لها أوقاف كثيرة تقوم بحاجتها.
والفضل بعد الله إلى من أسسها، ثم إلى سماحة الشيخ الذي كان يتعاهدها ويرعاها.
وقد نفع الله بهذه الدار كثيراً، فهي تضم القسم المتوسط، والثانوي، والقسم العالي، وقد استفاد منها خلق كثير، صار منهم الأئمة والدعاة، وسيأتي مزيد حديث عنها.
مؤلفات سماحة الشيخ وآثاره العلمية
لقد ترك الشيخ×مؤلفات علمية كثيرة، يصعب حصرها، واستقصاؤها؛ فمنها المكتوب، ومنها المسموع، ومنها المطبوع، ومنها الذي لم يطبع، ومنها ما يشترك به مع غيره ككثير من الفتاوى، إلى غير ذلك من مؤلفاته وآثاره.
 

ابن ذكير

New member
إنضم
25 أبريل 2009
المشاركات
9,055
مستوى التفاعل
8
النقاط
0
الإقامة
مكة المكرمة
572-Thansk.gif


على النقل المفيد..يا..الهمـــام الأركاني..
بس ياريت لو ذكرت المصدر لكان أفضل..
ومشكور وماقصرت..
 
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
375
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
مكة الحبيبة
أولا أشكركم على المرور
ثانيا المصدر هو أحد طلبة العلم نزل سير العلماء في موقع بناء الفكر فمن هناك جلبت لكم هذه السير
والله من وراء القصد
 
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
375
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
مكة الحبيبة
سيرة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله الجزء الثاني

مؤلفات سماحة الشيخ وآثاره العلمية
لقد ترك الشيخ×مؤلفات علمية كثيرة، يصعب حصرها، واستقصاؤها؛ فمنها المكتوب، ومنها المسموع، ومنها المطبوع، ومنها الذي لم يطبع، ومنها ما يشترك به مع غيره ككثير من الفتاوى، إلى غير ذلك من مؤلفاته وآثاره.
وإليك أيها القارئ الكريم طرفاً من ذلك:
1_ الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، وهو من أوائل مؤلفاته بل ربما كان أولها كان أولها، ولعل الطبعة الأولى من هذا الكتاب كانت عام 1358هـ.
2_ التحقيق والغيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة=توضيح المناسك+.
وهو_كما يقول سماحة الشيخ_أهمها، وأنفعها، وقد جمعه في عام 1363هـ لما كان قاضياً في الخرج، ثم زاده، وبسطه بعد ذلك، وطبع طبعات كثيرة لا تكاد تحصى، وترجم إلى لغات عديدة، وكثيراً ما كان يُقرأ على سماحته، فيضيف إليه، ويحذف منه ويقول: ما أضعف العبد!
3_ التحذير من البدع، ويشتمل على اربع مقالات: حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد.
4_ رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
5_ العقيدة الصحيحة وما يضادها.
6_ وجوب العمل بسنة الرسول"وكفر من أنكرها.
7_ الدعوة إلى الله، وأخلاق الدعاة.
8_ حكم السفور والحجاب، ونكاح الشغار.
9_ وجوب تحكيم شرع الله، ونبذ ما يخالفه.
10_ نقد القومية العربية.
11_ الجواب المفيد، في حكم التصوير.
12_ الشيخ محمد بن عبدالوهاب، دعوته، وسيرته.
13_ ثلاث رسائل في الصلاة:
أ ) كيفية صلاة النبي ".
ب ) وجوب أداء الصلاة في جماعة.
جـ ) أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع.
14_ حكم الإسلام، في من طعن في القرآن، أو في رسول الله".
15_ حاشية مفيدة، على فتح الباري؛ وصل فيها إلى كتاب الحج؛ وفي آخر أيام سماحته عهد إلى تلميذ صاحب الفضيلة الشيخ علي بن عبدالعزيز الشبل إكمال ما شرع به سماحته من التعليق على المواضع التي تحتاج إلى تعليق في العقيدة، فأكملها الشيخ علي_حفظه الله_ وكان سماحة الشيخ قد خصص للشيخ علي وقتاً يقرأ عليه ما انتهى من تعليقه.
وبعد وفاة سماحة الشيخ خرج ذلك الكتاب.
16_ رسالة الأدلة النقلية والحسية، على جريان الشمس وسكون الأرض، وإمكان الصعود إلى الكواكب.
17_ إقامة البراهين، على حكم من استغاث بغير الله، أو صدق الكهنة والعرافين.
18_ الجهاد في سبيل الله.
19_ الدروس المهمة لعامة الأمة.
20_ فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
21_ وجوب لزوم السنة، والحذر من البدعة.
22_ تحفة الإخوان، بأجوبة مهمة تتعلق باركان الإسلام.
23_ تحفة الأخيار، ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار.
24_ مجموع فتاوى ومقالات، جمع الدكتور محمد بن سعد الشويعر، وقد خرج منها 18 مجلداً.
25_ ما هكذا تعظم الآثار.
26_ فتاوى نور على الدرب.
27_ كتاب الطلاق.
28_ كتاب الحج؛ وقد خرج منه مجلدان، جمع الشيخ د. عبدالله الطيار، والشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز.
29_ الرد على بعض الكُتَّاب في إباحة حلق اللحى.
30_ فتاوى اللجنة الدائمة بالاشتراك مع أعضاء اللجنة وقد خرج منه 17 مجلداً كبيراً، والبقية قيد الطبع.
31_ الفتاوى الكثيرة، التي كانت تنشر في المجلات والصحف، كمجلة الجامعة الإسلامية، والمجلة العربية، ومجلة الدعوة.
32_ الفتاوى الخاصة المكتوبة، التي نشر بعضها، ولم ينشر بعضها الآخر.
33_ تعليقات على كتاب: بلوغ المرام لابن حجر. لم يطبع.
34_ التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الصحيحة والحسان. لم يطبع.
36_ هناك تعليقات كثيرة جداً، على كثير من الكتب. ومكتبة سماحته مليئة بمثل هذا، وقلما يقرأ عليه كتاب إلا ويقرأ عليه.
37_ هناك العديد من الفتاوى الخاصة المكتوبة لأشخاص معينين.
38_ هناك العديد من الإملاءات في الدروس العامة لدى أكثر الطلبة.
39_ الأشرطة المسجلة في شرح المتون العلمية.
40_ الأشرطة المسجلة للمحاضرات العامة.
41_ الأشرطة المسجلة للبرامج الإذاعية، وقد علمتُ أن الأشرطة الخاصة ببرنامج نور على الدرب قد بلغت ستمائة وسبعة وأربعين شريطاً، هذا ما وجد منها.
42_ الأشؤطة المسجلة في التعليق على المحاضرات والندوات.
هذه بعض آثاره العلمية، أما آثاره وأجوبته المنثورة، أو التي يلقيها في المجالس العامة والخاصة_ فلا يمكن حصرها؛ إذ لا يخلو مجلس أو مائدة، أو مناسبة يحضرها سماحته؛ إلا ويلقى فيها العديد من الأسئلة، ويكون فيها من الفوائد العلمية ما لا يمكن حصره.
النظام اليومي لسماحة الشيخ
يقوم سماحة الشيخ×قبل الفجر بساعة تقريباً؛ لأداء صلاة التهجد؛ حيث يصلي إحدى عشرة ركعة كلها خشوع، وتضرع، ودعاء كثير، وكان يكثر في ذلك الوقت من الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء للمسلمين وولاة أمورهم، ويختم بالاستغفار.
وبعد أذان الفجر أو قبله يذهب إلى المسجد بسكينة ووقار وذل لله، فإذا خرج من المنزل قال الدعاء المأثور، ثم إذا وصل المسجد قدم رجله اليمنى، ودعا بما ورد، ثم صلى السنة الراتبة، وأكثر من الأدعية، ثم يؤدي صلاة الفجر، وبعدها يأتي بالأذكار الواردة بعد الصلاة، ثم يمكث طويلاً لورده اليومي من الأدعية والأذكار الصباحية.
وبعد ذلك يبدأ الدرس المعتاد الذي ربما زاد وقته على ثلاث ساعات؛ حيث تُقرأ عليه الكتب المتعددة المتنوعة، وبعد ذلك يجيب على الأسئلة الكثيرة بكل عناية ودقة، ثم ينصرف بعد ذلك إلى منزله.
وإذا لم يكن عنده درس انصرف إلى منزله بعد أن يأتي بورده اليومي الصباحي.
ثم يجلس في المنزل ما يقارب الساعتين؛ حيث تعرض عليه بعض المعاملات المهمة، أو تقرأ عليه بعض الكتب أو البحوث، وفي ذلك الوقت_أيضاً_يقوم سماحته بالنفث والرقية في بعض أواني المياه، أو قوارير الزيت، أو العسل التي أتى بها أصحابها؛ ليقرأ فيها سماحته.
وبعد ذلك يتوجه سماحته إلى داخل منزله، لأخذ قسط من الراحة، وقد يجلس على سريره دون نوم_كما يقول ذلك هو_.
وبعد الساعة الثامنة ينهض، ويتهيأ للإفطار ثم يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يتوجه إلى المكتب بسكينة وعزيمة وهمة.
وفور ركوبه السيارة تُعْرَض عليه بعض القضايا، أو تقرأ عليه بعض الكتب، وإذا وصل المكتب وتَرَجَّل ماشياً عرضت عليه_أيضاً_بعض الكتابات، أو القضايا إلى أن يصل إلى مكتبه.
وإذا استقر في مكتبه واصل القيام بالأعمال العظيمة التي لا يقوم بها الجماعة الكثيرة من الرجال الأقوياء الأشداء؛ حيث تعرض عليه القضايا، ويستقبل الوفود، ويجيب على السائلين، ويؤدي الأعمال المنوطة به في المكتب، ويأتيه المطلقون إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره، مما سيرد ذكره بعد قليل.
وهكذا يستمر عمله إلى الساعة الثانية والنصف أو بعدها بقليل، حيث يكون آخر من يخرج من العمل.
وبعد ذلك يتوجه إلى منزله، وفي الطريق إلى المنزل يُواصَل عَرْضُ القضايا أو قراءة الكتب عليه، وكثيراً ما كان يستمع إلى أخبار الثانية والنصف ظهراً عبر المذياع وهو في الطريق إلى منزله.
وإذا لم يكن معه من يقرأ عليه قطع الطريق بالذكر، وقراءة القرآن.
وإذا وصل إلى منزله وجد الجموع الغفيرة من الأجناس المتعددة ومن ذوي الحاجات المتنوعة بانتظاره؛ فهم ما بين مستفت ومُسَلِّمٍ، ومطلِّق، وطالب حاجة، وفقير، ومسؤول، وزائر من قريب أو بعيد.
وبعد أن يصل إليهم يلقي السلام عليهم، ويدعوهم إلى تناول طعام الغداء على مائدته، ثم يقوم الحاضرون إلى الغداء، ويجلس سماحته بينهم يتناول طعام الغداء، ويباسطهم، ويسأل عن أحوالهم، ويجيب عن أسئلتهم، وإذا انتهى من الغداء تأنى قليلاً؛ كيلا يعجلهم، وإذا قام قال: كلٌّ براحته، لا تعجلوا.
وإذا قام لغسل يديه بدأت الأسئلة، تلقى عليه وهو في الطريق إلى المغسلة، ومن بعدها يعود إلى المجلس.
وإذا كان الوقت متأخراً ووقت صلاة العصر قد اقترب توضأ، وتابع المؤذن، ثم توجه إلى المسجد.
وإذا كان في الوقت متسع رجع إلى المجلس، وتناول الشاي مع الضيوف، وتطيب معهم، ثم توجه إلى داخل المنزل قليلاً، ثم يخرج وقت أذان العصر.
وبعد ذلك يتوجه إلى المسجد ويؤدي الصلاة، وبعد ذلك يقرأ الإمام ما تيسر من كتاب رياض الصالحين للنووي، أو الوابل الصيب لابن القيم، أو كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو غيرها من الكتب، ثم يشرع سماحته بشرح ما قرئ، ثم توجه إليه الأسئلة، فيجيب عليها، ثم يرجع إلى منزله؛ لأخذ بعض الراحة، وفي الطريق إلى المنزل يجيب على ما تيسر من أسئلة الجموع الغفيرة المحيطة به.
وقبل المغرب يتوضأ سماحته، ويذهب لصلاة المغرب، وبعد الصلاة يأتي للمنزل، ويؤدي السنة الراتبة، ثم يجلس للناس جلسته المعتادة إذا لم يكن لديه محاضرة، أو تعليق على ندوة.
وفي مجلسه المعتاد يؤدي من الأعمال العظيمة ما قد لا يخطر على بال كما سيأتي بيان ذلك في صفة مجلسه.
وإذا أُذِّن بصلاة العشاء تابع المؤذن ثم قام للصلاة، وترك جميع الأعمال، وإذا دخل المسجد، وأدى تحية المسجد بدأ الإمام يقرأ بعض الأحاديث، ثم يشرع سماحة الشيخ في شرحها، وإيضاحها، ثم تنهال عليه الأسئلة بعد ذلك، فيجيب على ما تيسر منها.
وبعد صلاة العشاء يعود إلى منزله إذا لم يكن لديه موعد خارج المنزل أو محاضرة، أو إجابة دعوة خاصة، أو وليمة زواج، أو زيارة مريض، أو نحو ذلك.
وإذا رجع للمنزل جلس لقراءة بعض المعاملات عليه، أو راجع بعض الكتب، وربما كان لديه اجتماع أو أكثر داخل المنزل، وربما كان لديه ضيوف، وربما كان لديه موعد تسجيل إذاعي، أو محاضرة يلقيها عبر الهاتف لأناس خارج المملكة.
وبعد ذلك يتناول طعام العشاء مع ضيوفه، وموظفي مكتب المنزل، ومن حضر عموماً.
وبعد تناول العشاء؛ يعود لإكمال ما شرع فيه من عمل قبل العشاء، أو يكمل الجلوس مع ضيوفه، أو يجلس لقراءة بعض الكتب، أو إنهاء بعض المعاملات حتى ساعة متأخرة؛ إما الحادية عشرة أو الثانية عشرة، ثم ينصرف بعد ذلك إلى داخل منزله، ويمشي على قدميه مدة نصف ساعة تقريباً، ثم يأوي إلى فراشه.
وهكذا كان يقضي سحابة يومه في عمل وهمة ونشاط وأنسٍ يسري منه إلى من حوله


هيبة سماحة الشيخ
لقد عرف عن سماحة الشيخ الحلم، والتواضع، والعطف , والشفقة، والبساطة، وحب الخير، ولين العريكة؛ فلم يكن يعنف أحداً، ولم يكن يقابل الإساءة بالإساءة بل يعفو، ويصفح، ويقابل الإساءة بالإحسان، ولم أسمع منه طيلة ست عشرة سنة كلمة تُعاب.
بل كان دأبه الرفق، والرحمة بالناس، وبمن يعملون معه.
ومع ذلك كله فإن لسماحة الشيخ هيبةً عظيمةً في قلوب الناس، سواءً كانوا من المراجعين، أو ممن يعملون مع سماحته.
ولقد رأيت كثيراً ممن لهم المكانة الكبرى عند سماحة الشيخ، أو من لهم وجاهة بين الناس_إذا حضروا عند سماحته حصل عندهم تلعثم، وارتباك.
يُبجَّل إجلالاً ويُكْبَر هيبةً
أصيل الحجا فيه تقىً وتواضع
إذا ارتد صمتاً فالرؤوس نواكسٌ==وإن قال فالأعناق صُوْرٌ خواضع
وفي بعض الأحيان يأمر سماحته بالاتصال على شخص ما، وربما كان ذلك الشخص كبيراً، أو ذا مكانة في الناس، فإذا قيل له: إن سماحة الشيخ يرغب في مجيئك إليه في وقت كذا وكذا_ظهر عليه الارتباك وبدا ذلك من خلال نبرات صوته، وأخذ يقول: ماذا يريد مني سماحة الشيخ ؟ ويحاول أن يعرف السبب في ذلك.
وقد يأتي إلى سماحة الشيخ بعض الناس ممن طَبْعُهُ الغلظة، والقسوة، والجفاء؛ لحاجة ما، فإذا رأى سماحةَ الشيخ تباعد عنه، وطلب من أحد الكاتبين أن يعرض موضوعه على سماحة الشيخ؛ فإذا قلنا له تقدم للشيخ، قال: لا أستطيع مواجهته.
ولقد رأيت بعضهم إذا قدم إلى سماحته قال: أنتم بمنزلة والدي، وأعد إشارتكم أمراً، ومجيئي إليكم شرفاً.
وماذا يكون من سماحة الشيخ إلا إبداء نصيحة، أو ملحوظة، أو تذكير بأمر ما، كل ذلك بأسلوب لطيف، يصحبه التقدير، والرحمة والمحبة، وتنزيل الناس منازلهم.
ومن كلماته في ذلك: بلغنا عنكم كذا وكذا، ولا يخفى عليكم أن الحكم كذا وكذا، والله_سبحانه وتعالى_يقول: كذا وكذا، والرسول"يقول: كذا وكذا، والمؤمل فيكم الخير، وعدم الرضا بما يحصل، إن كان منكراً، أو خطأ.
ثم يدعو سماحته له ويقول: نسأل الله لكم الإعانة والتوفيق، وصلاح النية، والعمل، وأن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، وأنصار الحق.
وهذه الكلمات لها أبلغ الأثر في نفوس الناس.
بل إن هيبته لم تكن لِتَقْتَصِرَ على من هو بعيد عن سماحته، بل إن الذين يعملون معه، ويرونه صباح مساء يهابونه، ويحسبون له ألف حساب، فيقومون بالعمل كما ينبغي، ولا يتكلمون عنده إلا بعد تحري الصواب، وملائمة الكلام للمقام مع ما كان منه من السماحة_كما مر_.
وأذكر أن رجلاً قدم من الاتحاد السوفيتي بعد تفكك الشيوعية، فلما دخل على سماحة الشيخ سأل عنه، فقلت له: ها هو سماحة الشيخ سَلِّم عليه، فتردد قليلاً، فقلت له: أقدم، وسلم، سماحة الشيخ من أيسر الناس، فقال: لا أجرؤ على السلام عليه، فحاولت به مراراً حتى سلم على سماحته.
 
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
375
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
مكة الحبيبة
الجزء الثالث من سيرة العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله

سماحة الشيخ في أيامه الأخيرة
في أواخر شهر شعبان عام 1419هـ وبالتحديد في 26/8/1419هـ قال لي سماحة الشيخ: أنا منذ فترة وأنا أشعر بألم هنا، وأشار إلى ما تحت التجويف الصدري.
ويقول: لقد صبرت عليه لعله يزول، ولكنه استمر معي.
فقلت لسماحته: يا سماحة الشيخ ! مثلكم لا يُعلَّم؛ فَلَيْتَكُمْ أخذتم بالأسباب.
ومنذ ذلك اليوم بدأ يراجع المستشفى التخصصي في الرياض.
وفي شهر رمضان كان يعاني من الآلام عند الأكل والشرب، وفي بعض الأيام كان يعاني من الآلام إذا جاء وقت الإفطار، فكان لا يستطيع بلع الطعام، ويلاقي من ذلك تعباً عظيماً، ويحصل معه تقيؤ؛ فيضطر إلى الدخول إلى منزله.
وإذا أُذِّن بالعشاء خرج للصلاة وكأنه لم يصب بشيء قط؛ فيذهب إلى المسجد، ويستمع للحديث الذي يقرأ عليه، ثم يقوم بالتعليق على ما يسمع، ويجيب على أسئلة السائلين، ويؤدي صلاة العشاء، والتراويح، ثم يرجع إلى منزله، ويجلس مجلسه المعتاد، ويستقبل الناس على اختلاف طبقاتهم، وحاجاتهم، ويمضي الساعتين أو الثلاث وهو لم يأكل إلا القليل من الطعام.
وفي آخر الشهر لم يكن يتناول إلا بعض السوائل، ومع ذلك لم يتغير شيء من عادته، فعمله في النهار وبعد الفجر، وبعد المغرب، وبعد العشاء هو هو.
وبعد رمضان كان لا يتناول أي طعام، ومع ذلك لم يتغير شيء من عنايته بضيوفه؛ فكان إذا قدم من العمل في الساعة الثانية والنصف ظهراً يمر بالمجلس الذي يضم عشرات الضيوف، فيسلم عليهم، ويدعوهم إلى مكان الطعام، فإذا أخذوا أماكنهم قال لهم: تفضلوا، وسامحوني أنا عندي بعض الحمية، ويدخل بيته.
ولما علم خادم الحرمين الشريفين بما حصل لسماحته اتصل به، واطمأن عليه.
وكذلك صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كان حريصاً على سماحة الشيخ، ولقد عرض عليه مراراً أن يسافر للخارج للعلاج، ولكن سماحته لم ينشرح صدره للسفر.
ثم إن سموه_حفظه الله_أمر بإحضار عدد من الأطباء من خارج المملكة للكشف على سماحته، وَوَصْفِ العلاج المناسب له، فتم اختيار اثنين من الأطباء المختصين من أمريكا، واثنين من بلجيكا ولما اجتمعوا، وفحصوا حالة الشيخ أوصوا بِكَيِّ المريء، فصار الشيخ يتردد إلى المستشفى إذا خرج من درس الفجر في الساعة السابعة والنصف فيأخذ جلسة طبية، ثم يعود إلى بيته، ثم يذهب إلى عمله في الرئاسة.
ولم يتأخر في تلك الأيام يوماً واحداً عن الدوام، واستمر على هذه الحال مدة؛ فكانت الاتصالات لا تنقطع في الداخل والخارج تسأل عن صحة سماحته، وكان كبار المسؤولين يقومون بزيارته، والسؤال عنه، وكان العلماء يتوافدون عليه، وكان سماحة المفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله آل الشيخ يأتي لزيارة الشيخ عبدالعزيز بن باز×فيقوم بالنفث عليه، ويبكي تأثراً لحاله.
وأذكر أن المرض اشتد به في يوم جمعة من شهر شوال عام 1419هـ، لما كان في الرياض، فكان يعاني معاناة شديدة، وقد تقيأ في ذلك اليوم، ولم يستطع الصلاة مع الناس لا الجمعة، ولا العصر، ولا المغرب، ولا العشاء؛ فرأوا نقله إلى المستشفى، فجاءه المحبون له، ومن بينهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ_حفظه الله_فقال لهم: أبشركم حالتي مستقرة، والأمر يسير، وسأذهب إلى المستشفى وسأعود بإذن الله.
ثم ذهب إلى المستشفى وهو في حال من الإعياء، والألم، والإرهاق، فعملوا له منظاراً، وأعطوه بعض المغذيات، والعلاجات، فاستقرت حالته.
ولما اتَّصَلْتُ ببعض المرافقين له، وسألتهم عن حالته، قالوا: إنه بخير، ولكنه يحب أن تُقرأ عليه المعاملات أو الكتب، فقام أحد المرافقين له بالقراءة، فقرأ قدراً لا بأس به، ثم ناموا، فلما جاء وقت التهجد قام سماحته على عادته، فصلى ما شاء الله أن يصلي إلى أن حان وقت أذان الفجر، فصلى الفجر بمن معه، ثم استقبلهم بوجهه وألقى عليهم كلمة، ثم أتى بالأذكار كاملة.
وبعد ذلك سأل الأخ صلاح أمين المكتب ة: ماذا معك يا صلاح ؟ قال: معي فتح الباري، وفتح المجيد.
فقال له: سمِّ الله، اقرأ، فقرأ عليه إلى حوالي السابعة والنصف.
ثم ذهبت إلى المستشفى؛ لأطمئن على سماحته في الساعة الثامنة والنصف.
فلما دخلت على سماحته_وكنت أظنه نائماً_وجدته جالساً على كرسي يقرأ القرآن، فسلمت عليه فرد السلام، وقال: ماذا معك ؟ فقلت: معي معاملات كثيرة، ومعي الجزء الثاني عشر من فتاوى اللجنة الدائمة حيث صدر حديثاً من المطابع، فقرأت عليه معاملة طويلة تتكون من اثنتي عشرة صفحة، ثم بدأت بكتاب فتاوى اللجنة فقرأت عليه أربعين صفحة، فجاء ابنه عبدالله فبدأ يكمل القراءة إلى أن بلغ الصفحة الخمسين.
ثم جاء بعد ذلك الأطباء؛ ليطمئنوا على صحة سماحته، وقالوا له: لقد تحسنت حالتك ولله الحمد، فقال: إذاً ماذا ننتظر ؟ ألا تأذنون لي بالخروج ؟ قالوا: لا بأس، فخرجنا من المستشفى، فقال له ابنه أحمد سنتجه يا والدي إلى المنزل إن شاء الله، فقال سماحته: بل إلى المكتب، فقال له أحمد: إذاً ننتظركم بعد الظهر مباشرةً للغداء، قال: بل نأتيكم في الموعد المعروف، أي في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، أي بعد نهاية الدوام.
وهكذا استمرت صحة الشيخ تتدنى حتى شهر ذي القعدة؛ حيث أوصى الأطباء بأن يبقى في المستشفى عدة أيام، ولكنه لم يوافق؛ إذ كان قلبه متعلقاً بالحج، وكان عازماً عليه؛ مما حدا بالأطباء إلى أن يكثروا الإلحاح عليه، وعلى أبنائه ليقنعوه بترك الحج ذلك العام؛ حفاظاً على صحته.
كما أن الأمير عبدالله نصحه بترك الحج؛ رأفة بحاله.
وبعد إلحاح شديد طويل وافق على ترك الحج ذلك العام، ووجه نائبه سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بأن يقوم مقامه بالحج، ولما وصل الخبر إلى سماحة نائبه بكى، وتأثر أيما تأثر.
وهكذا عدل سماحته عن الحج، والأسى يعتصر قلبه، وكان يقول: الله المستعان سبع وأربعون سنة متتابعة لم أترك الحج.
وليس هذا عدد حججه، بل هذا عدد حججه المتتابعة، أما عددها جميعاً فتبلغ اثنتين وخمسين حجة.
وفي 22/12/1419هـ توجه سماحته إلى مكة، وأدى العمرة، ومكث في مكة إلى نهاية ذي الحجة، ثم ذهب إلى الطائف.
وفي آخر ليلة قضاها في الرياض جاء الناس إليه أفواجاً تلو أفواج للسلام عليه، وتوديعه؛ حيث جاء المئات من المسلِّمين والمودعين، وقد حَسَبْتُ مَنْ ضَمَّهم المجلس في آن واحد وإذا هم ثمانون شخصاً قد امتلأت بهم المقاعد، وجلسوا على الأرض، والذين خرجوا قبلهم أكثر منهم.
=تدني صحة سماحة الشيخ+
ولما وصل إلى الطائف بدأت صحته بالتدني، ولكن همته، وعزيمته، ونشاطه، وعمله، ومزاجه وتفكيره وذاكرته، وعنايته بضيوفه، كل ذلك لم يتغير منه شيء مع أنه يعاني أشد المعاناة، ومع أنه كان في رمضان لا يستطيع أن يتناول إلا تمرة أو تمرتين في اليوم، وبعد رمضان لم يكن يتناول إلا سوائل قليلة جداً من حليب، أو شوربة أو ما شاكل ذلك، وهكذا في شوال.
أما في ذي القعدة وذي الحجة والمحرم فلم يكن يتناول إلا السوائل، بل لم يكن يتناول في اليوم إلا كأس حليب صغيراً، حتى التمر الذي كان أحب الطعام إليه_كما يقول_لم يكن يستطيع تناوله؛ فلم يكن يتناول إلا كأساً صغيراً من الحليب، وكان يشربه بتَكَرُّهٍ، وإذا كثر الإلحاح عليه شرب ثانياً على مضض؛ لأنه كان يعاني من جرَّاء الشرب، ويظهر عليه التأثر إذا تناول ثانياً، وربما تقيأه، وكان يؤتى له بعصير الجزر، فكان لا يستطيع أن يتناول إلا ربع الكأس، واستمر على تلك الحال حتى فارق الحياة.
ومع هذا كله فإن عمل سماحته هو هو.
=آخر دروسه التي ألقاها+
ولما وصلنا إلى الطائف عزم سماحته على البدء بإلقاء دروسه المعتادة؛ فقلت له؛ رأفة بحاله: إن كثيراً من الطلاب والمدرسين الذين يحضرون دورسكم مشغولون هذه الأيام بالامتحانات، ويرغبون أن تؤجلوا الدروس؛ لتعم الفائدة.
فقال×: الدرس سيبدأ يوم الاثنين الآتي في أول شهر الله المحرم، والذي يحضر حياه الله، ولن نتوقف؛ فبدأت دروسه، واستمر في إلقائها ولم يكن يأتي من الدرس إلا بعد ساعتين من بدايته.
=آخر درس ألقاه+
وآخر درس ألقاه كان في يوم الاثنين 17/1/1420هـ، وقد استمر في الدرس حتى الساعة الثامنة صباحاً أي أن مدة الدرس استمرت قريباً من ثلاث ساعات.
وأذكر أنه سألني بعد الدرس عن الساعة فقلت: الساعة الآن الثامنة، فقال: تأكد لعلها السابعة؛ فقلت: بل هي الثامنة يا سماحة الشيخ، فقال: ما ظننت أنها ثمان، القراء كثيرون، والوقت يمضي دون أن ندري؛ فهذا آخر درس ألقاه×.
=آخر يوم في الدوام+
أما الدوام الرسمي فكان مستمراً فيه إلى يوم الثلاثاء 18/1/1420هـ وذلك لما كان في الطائف؛ فذلك آخر يوم في دوامه الرسمي.
=بقية أيامه الأخيرة+
أما بقية أيامه فاستمر فيها يستقبل الناس، ويقوم بأعماله الأخرى كعادته، وفي يوم الأربعاء 19/1/1420هـ صلى الفجر مع الجماعة، وبعد الصلاة جلست معه لعرض بعض المعاملات، وعرض عليه الشيخ عبدالرحمن بن عتيق ثلاث معاملات، ثم التفت إليَّ فبدأت أقرأ مما كان معي، فقال: أحس بالتعب وأريد الراحة، وكان مرهقاً جداً؛ فلما أمسكت بيده لأدخله داخل المنزل قال: ما أضعف العبد؛ ما كنت أظن أن الإنسان يصل إلى هذا الحد.
ولم يخرج من بيته ذلك اليوم لا للعمل، ولا للمسجد.
ولما كان يوم الخميس 20/1/1420هـ حضر ابناه عبدالرحمن وأحمد، ونقلاه إلى مستشفى الهدا بالطائف، وفي المستشفى أجري له اللازم من المغذيات والأدوية، ولكن الألم يشتد عليه، ومع ذلك فنحن موظفي مكتب البيت وغيرنا مرافقون له في المستشفى، ومعنا معاملاتنا، وأوراقنا والمعاملات ترسل إليه_أيضاً_من مكتب الرئاسة، ويأتيه معالي الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز، ومعالي الدكتور محمد الشويعر، والدكتور عبدالله الحكمي والشيخ محمد بن راشد؛ لعرض ما عندهم.
وتقرأ المعاملات عليه عبر الهاتف من طريق فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حمود الزيد، والمستفتون عبر الهاتف لا يتوقفون عن الأسئلة.
والزوار من أمراء، وعلماء، وأعيان، ووجهاء، وعامة لا يحصون.
وسماحة الشيخ يستقبلهم بكل ترحاب، وتهلل وفرح، وسعة بال، واستمر على تلك الحال إلى يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ.
( ملحوظات عجيبة على سماحة الشيخ في آخر أيامه)
لقد لحظت على سماحة الشيخ في أيامه الأخيره ملحوظات عجيبة غريبة منها:
1_ أنه منذ شهر رمضان كان كأنه يستعد لفراق هذه الدنيا؛ حيث كان يكثر من ترداد كلمات معينة كقوله: الله يحسن لنا الختام، الله يتوب علينا، ويميتنا على الإسلام.
2_ وأنه قد أوفى كل ما يتعلق بذمته.
3_ وأنه قد سامح كل من لديه حق لسماحته، من ديون أو غير ذلك.
4_ وأنه كان حريصاً كل الحرص على إنجاز كل ما لديه من الأعمال، والمعاملات وغيرها، ونرى عليه الفرح بما ينجز من المعاملات، وقضاء حاجات الناس.
5_ وأن ذاكرته تزداد، وتقوى.
6_وأن خلقه وطيب نفسه، وانشراح صدره، وقوة تحمله لا أقول كان على مثل ما كان عليه، بل كان أكثر وأعظم مما عليه من الخلق، وطيب النفس، وانشراح الصدر، وقوة التحمل.
7_ وأنه لما كان في المستشفى في أيامه الأخيرة لم يكن يهمل أي رسالة تأتيه برغم شدة وطأة المرض عليه، حتى إن أحد الناس أرسل إلى سماحته رسالة أبان خلالها عن عظيم محبته ومحبة الناس لسماحته، ودعا له دعوات عظيمة، وبَلَّغه دعوات الناس له.
فرد عليه سماحته بجواب مناسب له، حيث ضمنه شكره، والدعاء له بالتوفيق، وسؤال الله أن يميته وإياه على الإسلام.
8_ وأنه كان لا يلهيه المرض عمن حوله؛ فكان لا يترك أحداً ممن كانوا معه إلا ويسأله عن أهله، وعن أولاده، وعن أحوالهم، ويقول لهم: عساكم تتصلون على أهليكم، خصوصاً وأن بعض من في الطائف مع سماحته كان أهلوهم في الرياض.
9_ وكذلك الآتون إليه يسألهم عن أحوالهم، وعن أحوال المسلمين.
10_ وأنه لم يترك سنة من السنن الراتبة القبلية والبعدية، ولم يترك ذكراً من الأذكار، أو سنة من السنن التي كان يقوم بها إبان صحته.
ولقد تقصَّدت مراقبته في أيامه الأخيرة في صلاته؛ فكان يجافي بين عضديه، ويجلس في مصلاه بعد الصلاة ليأتي بالأذكار، وإذا سلم عليه أحد وهو يؤديها أشار إليه أن انتظر قليلاً.
بل لقد شاهدته يطبق سنن الصلاة كاملة يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ أي قبل وفاته بيومين، وقد لفت انتباهي عنايته بتطبيق السنة.
11_ ولما دخل المستشفى في 20/1/1420هـ بعد أن أنهكه المرض، وفتك بجوفه، وأَنْحَل جسمه كنا نراه أحياناً يضع يده على موضع الألم، ومع هذا لا تراه يشكو إلى أحد، ولا يظهر أنه يعاني من شدة المرض.
بل تراه كلما استعاد نشاطه وأعطيت له المغذيات والمهدئات بدأ يستقبل عرض المعاملات وهو على سريره إما وهو مستلقٍ على ظهره أو جنبه.
(محاولات إرساله للخارج للعلاج)
مر قبل قليل أن سماحته مكث في المستشفى إلى يوم الثلاثاء 25/1/1420هـ وفي ذلك اليوم طلب الخروج؛ لأنه لم يجد فائدة من وجوده في المستشفى.
وبعد ذلك توالت الاتصالات من المسؤولين الكبار لأجل إقناعه بالسفر إلى الخارج للعلاج؛ فخرج سماحته من المستشفى، وقد بلغ به الإعياء مبلغه، حيث تورمت قدماه، وصار مشيه ضعيفاً، ولم ينم تلك الليلة التي خرج فيها من المستشفى، وكأنه في تلك الأثناء قد انشرح صدره للسفر إلى الخارج، والذين حوله يلتمسون الخيرة في سفره أو بقائه.
هنالك قال له ابنه الشيخ أحمد: ليتك يا والدي تتأمل أكثر وأكثر في موضوع السفر.
وفي تلك الأثناء اتصل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله ولي العهد يريد رأي سماحة الشيخ في السفر؛ فقال سماحته: نتأمل.
(آخر يوم في حياة سماحة لشيخ)
وفي يوم الأربعاء 26/1/1420هـ أخذ سماحته ضحى ذلك اليوم قسطاً من الراحة؛ لأنه لم ينم في الليلة التي قبلها.
وبعد الظهر كنت أنا والدكتور محمد الشويعر، والشيخ عبدالرحمن ابن عتيق في مكتب البيت، فخرج علينا الشيخ أحمد، وقال: الوالد جالس داخل المنزل؛ لعلكم تأتون إليه؛ لأنه يرغب في عرض ما لديكم من المعاملات عليه، فحضرنا عنده جميعاً وكان معنا_أيضاً_ابناه عبدالله وعبدالرحمن، فلما جلسنا إليه وجدناه مرتاح البال، منشرح الصدر، فاستبشرنا كثيراً وحمدنا الله على سلامته.
وقال لنا: لقد تأملت موضوع السفر كثيراً، واتفقت أنا والأبناء على أنه يذهب بعضهم إلى أمريكا، ويعرض التقارير على المستشفيات المشهورة هناك، ويؤخذ رأيهم، وبعد ذلك ننتظر ماذا يختار الله لنا.
وهكذا كتب الله لسماحة الشيخ أن لا يغادر البلاد أبداً، وألا تُجْرى له أي عملية جراحية طيلة حياته.
وبعد ذلك سأل عن أخبار ذلك اليوم، وكان الدكتور محمد الشويعر معه صحف ذلك اليوم فاستعرضها عليه، وقرأ النشرة الإخبارية، ثم شرعنا بقراءة ما معنا من المعاملات من طلاق وغيره، وأخذت أتناوب مع معالي الدكتور محمد، فقرأنا عليه في تلك الجلسة ما يقارب خمساً وعشرين معاملة، وبعض المعاملات تبلغ ثلاث صفحات أو أكثر أو أقل، ويقدر مجموع ما قرأناه ثلاثين صفحة أو تزيد، خصوصاً وأن الدكتور محمد سريع القراءة، حسن العرض، فأجرى سماحته عليها اللازم.
ومن بين تلك المعاملات رسالة جاءت من إحدى البلاد الأوربية بواسطة الفاكس، حيث ذكروا فيها أن =فلاناً+ من المعروفين لدى سماحة الشيخ سيَقْدُم علينا، وهو الوحيد الذي نستفيد منه، وكانوا قد استعدوا للقاء كبير، واجتماع للبحث في أمور الدعوة، وقالوا: إنه وصلنا بعض الأشرطة =لفلان+ من الناس يحذر من هذا الرجل، ويقول: إنه حزبي، وإنه ينتمي إلى الجماعة =الفلانية+، ونحن نرغب من سماحتكم إفادتنا عنه، هل نقبله ؟ أو أن ما قاله عنه ذلك القائل صحيح، وحينئذ نرده ؟
فأجابهم سماحته: بأن ذلك الشخص المقدوح فيه من أهل السنة والعقيدة الطيبة، وما قاله عنه فلان غير صحيح، وأُرسل جوابُ سماحته بواسطة الفاكس، وتم الاجتماع، وانتهت الفتنة.
وبعد ذلك سأل سماحة الشيخ عن الساعة فقلنا: الساعة الآن الثالثة إلا خمس عشرة دقيقة؛ فقال: تغدوا مع الضيوف، وأنا سوف أجلس بعد المغرب للناس؛ فقمنا للضيوف، واستبشرنا بذلك، وبشرنا الناس بسلامة الشيخ، وتذكرنا مرض الرسول"وخروجه للناس.
ثم أصبح الناس يتناقلون البشرى بسلامة الشيخ، ومن قدر على المجيء حضر إلى الطائف، ومن لم يقدر اتصل بالهاتف.
وبعد صلاة المغرب جاء الناس إلى منزل سماحته، واكتظ بهم المجلس، وانتظموا للسلام عليه وهم على أحر من الجمر؛ شوقاً لرؤياه، ثم جاء سماحته إلى المجلس على العربة يقوده ابنه الشيخ أحمد، ودخل على الناس قادماً من طريق غير طريقه المعتاد؛ حيث دخل المجلس من طريق الغرفة التي يوضع فيها الطعام، وربما كان ذلك بتوجيه منه؛ حتى لا يراه الناس وهو يسير على العربة؛ فيتكدروا، ولما اقترب من المجلس ترجَّل من العربة، وسار على قدميه؛ ليريهم أنه بخير وعافية.
ثم دخل المجلس مبتسماً يتهلل وجهه بشراً، وسكينة، وسروراً؛ فقلنا: هذا هو شيخنا كأنه في شبابه؛ فلما أقبل على الناس ألقى عليهم السلام، وحياهم، وأخذ مكانه في المجلس، فبدأ الناس يسلمون عليه أرسالاً تلو أرسال، وكل من سلَّم عليه خرج من المجلس؛ حيث لم يبق مكان للجلوس من كثرة الناس.
وبعد ذلك جلست عن يساره، والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز عن يمينه، وبأيدينا جملة من المعاملات من طلاق وغيره كالعادة، وبدأنا عرضها عليه، والناس لا يزالوا يتوافدون، والهاتف يرن بين الفينة والأخرى.
وبعد عشر دقائق من جلوسه تحسس سماعة الهاتف وعلى غير عادته رفعها ووضعها جانباً؛ حتى يتوقف رنين الهاتف، ثم أقبل على الحاضرين، وقال: كيف حال الإخوان، الله يستعملنا وإياكم فيما يرضيه، الله يتوب على الجميع، ثم دعا لهم، وأطال الحديث والدعاء، وتوصية الناس بتقوى الله، والتمسك بالكتاب والسنة.
وبعد ذلك أرجع سماعة الهاتف إلى وضعها الأول، وبدأ يرد على المتصلين، ويستمع إلى عرض المعاملات، والناس في تلك الأثناء يواصلون السلام عليه، وبلغ مجموع ما قرأنا عليه في ذلك المجلس ثمان معاملات، وبعض المعاملات أحالها على اللجنة، وبعضها إلى المكتب.
وبعد أن سمع الأذان أجاب المؤذن كعادته، ثم سلم على الحاضرين، وودعهم ودخل بيته.
وفي تلك الليلة عشنا أسعد ليلة مرت بنا في الطائف، بعد أن رأينا سماحة الشيخ على هذه الحال.
ولما دخل إلى بيته جلس مع أسرته وبعض أقاربه الذين قدموا للسلام عليه من الرياض والمدينة، حيث مكث معهم إلى الساعة الثانية عشرة، وهو في أنس، وسرور، وراحة بال تامة، ثم انصرفوا عنه؛ لينام، فأخذ يذكر الله ويسبحه.
يقول ابنه الشيخ أحمد: =وجلست معه بعد ذلك حتى الساعة الواحدة والنصف، وسألني عن الساعة، فأخبرته، فقال: توكل على الله، نَمْ، وصلى ما شاء الله أن يصلي، واضطجع على فراشه، والوالدة كانت جالسة عنده.
ولما كانت الساعة الثانية والنصف جلس×وضحك، ثم اضطجع، وبعد ذلك ارتفع نفسه، وحشرج صدره، وحاولت الوالدة أن تنبهه، ولكنه لا يرد.
وبعد ذلك جئت إليه أنا وإخوتي، واستمر على هذه الحال، فاتصلنا بمستشفى الملك فيصل، فأرسلوا سيارة إسعاف، وحُمِل سماحته إلى المستشفى، وعند حمله فاضت روحه إلى بارئها+.
أما أنا فقد بتُّ تلك الليلة في منزل سماحته، فلما استيقظت مع أذان الفجر، وإذا بأحد الموظفين واقف يبكي، ويحوقل، ويقول: إن سماحة الشيخ متعب جداً، وقد طُلب له سيارة إسعاف.
وبعد ذلك بقليل جاءت سيارة الإسعاف ورأيتهم يحملون سماحته فذهبت إلى المسجد لصلاة الفجر والأسى يكاد يقطع قلبي، وقد ترجح عندي أن سماحته سيفارق الحياة.
وبعد أن عدت إلى المنزل اتصلت بالأخ صلاح الدين عثمان أمين مكتبة الشيخ عبر الهاتف الجوال؛ لأنه كان مع أبناء الشيخ، لما نقلوه إلى المستشفى، فلما كلمته لم يستطع الرد من البكاء فأيقنت أن سماحته قد توفي.
 
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
375
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
مكة الحبيبة
وفاة سماحة الشيخ
وبعد وقت قصير جاء أبناء سماحة الشيخ إلى المنزل، وأفادوا بأن والدهم قد فارق الحياة، وكان ذلك قبيل فجر الخميس 27/1/1420هـ.
وبعد أن توفي وضع في ثلاجة الموتى في مستشفى الملك فيصل في الطائف، ثم نقل إلى مستشفى القوات المسلحة في الهدا، ووضع في الثلاجة إلى أن جاء وقت تغسيله.

(انتشار خبر الوفاة)
وبعد وقت قصير من وفاته ذاع الخبر، وعم أقطار الدنيا، وحل بالمسلمين من اللوعة والأسى ما لا يعلم مداه إلا الله.
(المداولات في وقت الصلاة عليه، ومكانها، ومكان دفنه)
وبعد أن ذاع خبر الوفاة بدأت المداولات بين المسؤولين وأبناء سماحة الشيخ حول وقت الصلاة عليها، ومكانها، ومكان دفنه؛ فاستقر الرأي على أن يصلى عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الجمعة 28/1/1420هـ، وأن يدفن في مقبرة العدل في مكة المكرمة؛ حيث أعلن الديوان الملكي خبر الوفاة، ومكان الصلاة على سماحته، ووقتها.

(توافد الناس إلى مكة)
وبعد أن أعلن ذلك النبأ بدأت وفود الناس تتقاطر إلى مكة من كل حدب وصوب، وأقبل الناس من قريب، ومن بعيد، عبر الجو والبر، داخل المملكة وخارجها.
(تغسيل سماحة الشيخ وتكفينه)
وفي صبيحة يوم الجمعة نقل جثمان سماحة الشيخ من ثلاجة مستشفى الهدا عبر سيارة الإسعاف إلى منزل سماحته في مكة المكرمة؛ حيث تم تغسيله، وتكفينه هناك.
وقد قام بذلك كل من صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن الحمود الزيد مدير إدارة البحوث العلمية والإفتاء، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الغيث، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز ابن محمد الوهيبي.
(حضور العلماء والمشايخ في وقت تغسيل سماحته وتكفينه)
وفي الوقت الذي كان سماحة الشيخ يجهز فيه_حضر إلى منزل سماحته في مكة جمع كبير من العلماء والمشايخ.
ومنهم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي عام المملكة، وأصحاب الفضيلة الشيخ عبدالله بن قعود، والشيخ عبدالمحسن العباد، والشيخ عبدالرحمن البراك، ومعالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية آنذاك، ومعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية حالياً، والشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد، والشيخ الدكتور عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد، والشيخ متعب بن سليمان الطيار والشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم القاسم، وغيرهم كثير ممن لا تحضرني أسماؤهم.
(الدخول عليه بعد تجهيزه)
وبعد أن غسل وكفِّن دخل عليه جمع من الحاضرين في ذلك الوقت، حيث تقدموا لتقبيله، ورؤيته قبل الذهاب به للصلاة عليه.
وبعضهم قبله قبل أن يغطى رأسه، وبعضهم بعد أن تم تغطيته.
ومن هؤلاء الذين دخلوا عليه سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالمحسن العباد، وابنه الشيخ الدكتور عبدالرزاق، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم القاسم وغيرهم.
(صلاة أهل بيته عليه في منزله)
وبعد ذلك جاء أهل بيت سماحة الشيخ×من زوجاته، وبناته، وغيرهن، وتقدم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة، ومعه أبناء سماحة الشيخ؛ حيث صلى بالنساء على سماحة الشيخ×.
(الصلاة عليه في الحرم)
وبعد ذلك تم نقله إلى المسجد الحرام؛ للصلاة عليه؛ حيث وصل جثمانه إلى الحرم في حدود الساعة الحادية عشرة تقريباً.
ولقد جاء الناس إلى المسجد الحرام في وقت مبكر؛ فامتلأت بهم جنبات الحرم، ولا ترى إلا باكياً حزيناً، مكفكفاً دموعه، منطوياً على نفسه.
ولما حان وقت الخطبة، وأذن الأذان الآخر لصلاة الجمعة خطب الجمعة سماحة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام، ورئيس شؤون الحرمين آنذاك، وقد تكلم في خطبته على فضل العلم والعلماء، وذكر بعض مآثر الفقيد، وعزى الأمة به، وصبَّر الناس، ودعا لسماحة الشيخ.
وبعد صلاة الجمعة قدمت الجنازة وما كادت تصل إلى المكان الذي هو قرب الإمام، حيث صارت تموج إلى أن وضعت أمام الإمام، فصلى بالناس على سماحة الشيخ إمام الحرم الشيخ محمد السبيل.
وكان على رأس المصلين على سماحة الشيخ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وولي عهده الأمير عبدالله، وسمو النائب الثاني، الأمير سلطان، وسمو وزير الداخلية الأمير نايف، وسمو الأمير سلمان، وجمع كبير من الأمراء.
(دفن سماحة الشيخ)
وبعد الصلاة على سماحته حملت الجنازة إلى خارج المسجد الحرام، ووضعت في سيارة الإسعاف، وسارت بها السيارة وسط الجموع إلى مقبرة العدل. ثم دخل مجموع يسيرة إلى المقبرة يتقدمهم سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين×.
وقد منع الناس في بداية دخول الجنازة المقبرة من الدخول؛ لأنهم لو دخلوا في ذلك لطالت مدة الدفن.
وبعد ذلك تم دفنه في وقت قصير، ثم فتحت أبواب المقبرة؛ فدخل الناس أفواجاً تلو أفواج، ثم وقفوا على القبر، ودعوا لصاحبه، وسألوا له التثبيت عند السؤال، ثم خرجوا من المقبرة.
=ملحوظات في يوم دفن الجنازة+
من الملحوظات الغريبة في ذلك اليوم أن الناس توافدوا إلى مكة في وقت قصير جداً؛ فمع أن الوقت كان ضيقاً حيث لم يعلن رسمياً عن مكان الصلاة عليه ودفنه وزمانه إلا في وقت متأخر من يوم الخميس، ومع بُعد المسافة بين مكة وبين كثير من البلدان التي قدم منها الناس، ومع أن الوقت كان وقت امتحانات المدارس_إلا أنه لم يسمع بأي حادث مروري ذلك اليوم، بل سارت الأمور كما ينبغي، وسارت الجنازة من الحرم في دقائق معدودة مع أن الناس محيطة بها من كل جانب، ودفنت في وقت قصير ومن الملحوظات أن كثيراً من الناس ممن حضروا ذلك يقولون: إننا حضرنا ونحن على درجة من الإعياء كبيرة، ولم نكن نظن أننا إذا وصلنا إلى مكة، ونصلي على الجنازة إلا وقد لزمنا الفراش من التعب.
ولكننا_بحمد الله_أُعِنّا على ذلك، وأمدَّنا الله بالقوة.
ولعل ذلك من كرمات سماحة الشيخ.
وفي ذلك المشهد العظيم تذكرتُ كلمة قالها سماحة الشيخ قبل وفاته بخمس عشرة سنة تقريباً، وذلك لما جاءه بعض الغيورين، وحدثوه على الأوضاع، ولاموه، وأغلظوا عليه بالقول، وقالوا: الواجب عليك أكبر مما تقوم به؛ لأنك إمام وقدوة، ولك مكانتك عند الجميع.
وما علم أولئك بعِظم الدور الذي يقوم به.
ولما سمع سماحة الشيخ منهم ذلك الكلام تأثر تأثراً كبيراً، ولم يُرِدْ أن يطلعهم على ما يقوم به، ولكنه قال: إذا أنا متُّ عرفتموني كما عرف الشيخ محمد بن إبراهيم بعد وفاته.
 
أعلى