"
"
- ستُقلعُ الطّائرة بعدَ ساعتين من الآن والمتوجّهة إلى [ القاهِرة ] ! ..
يُمسكُ بالجريدةِ التي تعوّد أن يُصافحَ أسطرها كلّ صباح ليتذوّقَ [ الوطنَ ]
مع ارتِشافاتِ القهوة التي يختلفُ مذاقها مع اختِلافِ أجواء / أحداث هذهِ الجريدة ..
أثارت انتباههُ صورةَ مُطربٍ تمّ تقليدهُ بالجنسية , لأنّهُ أطربَ النّاسَ بصوته وحسّهِ المُرهف ..
فكانت مكافأتهُ انتماءٌ لأرضٍ لمْ يبكِ عليها يوماً , ولم يقبّل رمالها يوماً ..
ولمْ يوخزَ بشوكها وأدمتَ قدماهُ يوماً , لم يمُت فيها أبداً ! ..
اشتدّ قبضتهُ على هذهِ الصّفحة ثمّ ابتسمَ حسرةً وبكلّ رفقٍ وضعَ تلك الجريدةَ
على الكرسي المجاور وكأنّهُ طفلٌ تثاوبَ لأكثرِ من مرّة ..
بدأ يُمارسُ هوايته التّي أدمنها وهيَ الغرقُ في محيطاتٍ واسِعة من التّفكير ..
ينظرُ إلى وجوهِ المسافرينَ , يُحاولُ كشفَ أقنعتهم ورؤية الرّموز في ملامحهم وفكّ شفراتها ..
وفجأةً وبدونِ سابقِ إنذار استقلّ قِطارُ الذّاكرة ورحلَ إلى مدنِ الماضي ..
سكنَ مبانيها , تناولَ وجاباتهُ في مطاعمها , تمرّغ بجمالِ الغروب ووحشة الليل على شواطئها ..
سارَ مُثقلاً بالتشتّتِ على أرصِفتها , استظلّ بأشجارِها , تبلّل بأمطارها , استمتعَ بنسائها ! ..
.......
تذكّر الألمَ المُسنّن وهو ينهشُ قلبه عندما سلبَ منهُ قريبهُ المبلغَ الذي ربحهُ عندما باعَ أسهمه في شركةٍ تجارية ..
حيثُ أنّ في تلك الأرض يُمنعُ لـ [ الأجنبي ] الاكتتابُ في الأسهم فاضطرّ أن يكتتب باسمِ هذا القريب
الذي غدرَ بهِ وفعلَ مالمْ يفعلهُ غريبٌ معه , حينها سقطت الثّقة من قاموسه , شدّ قميص الوطنِ وهزّه :
هل أنتَ راضٍ الآن ؟
تذكّر زميلهُ [ ماجِد ] كانا يتنافسانِ على المراتب الأولى في المرحلةِ الثّانوية , رسما بعض أحلامهما على أفقٍ واحد ..
وُلدا على أرضٍ واحِدة , ذات المأكل ذات المشرب ذات الدّين ذات المذهب ذات الملبس ذات اللهجة ..
ذات الانتماء ولكنْ : ماجد ابنُ البلد استطاع أن يلتحقَ بالجامعة ويسلكَ الطريق الذي رسماهُ سوياً ..
وهو لم يقبلوه تطبيقاً للأنظِمة التي تنصّ على أنّ تلك المقاعدِ لأبناءِ الوطنِ فقط !!
غصّةٌ تتبعها غصّة , وجلدةٌ تتبعها جلدة حتّى أدمت روحهُ وانسلّ اليأسُ إلى عروقه ,
كان يخشى دوماً أن يتحطّم طموحهُ وتتبخّر أحلامه , وأنْ يطولَ إقامتهُ الجبريّة تحت سقفِ الغربة واللاوطن ..
انتفضَ كطيرٍ مذبوح حينَ أودتْ بهِ الذّاكِرة إلى أشلاءِ حبّه الذي مات مسموماً بعدَ أن تجرّع
صديد العادات والتقاليد , بعدَ أن طرق الباب مراراً ولم يُفتحُ له , بحجّة أنّ هذا [ الأجنبي ]
مستقبلهُ ضبابيّ غير واضحة المعالم تحفّه الأشواك والأوجاع , أيقنَ أنّه غير مرغوب به ..
وأنّهُ لن يستطيع توفير الحياة الكريمة لها من وجهةِ نظرهم التي لامست بعض الصّواب ! ..
وبينما هو متّسخٌ بوحولِ الذّاكرة جاء صوتُ موظّف المطارِ كـ اغتسِال :
- الرّجاء من المسافرين إلى القاهِرة التوجّه إلى بوّابةِ الخروجِ .
حمل حقيبتهُ ونفضَ غبارُ الماضي عن فكره , واتجّه متحدّياً ذاتهُ وغربتهُ وماضيه إلى بوّابةِ الخروجِ من وإلى [ الوطن ] ! ..
"
- ستُقلعُ الطّائرة بعدَ ساعتين من الآن والمتوجّهة إلى [ القاهِرة ] ! ..
يُمسكُ بالجريدةِ التي تعوّد أن يُصافحَ أسطرها كلّ صباح ليتذوّقَ [ الوطنَ ]
مع ارتِشافاتِ القهوة التي يختلفُ مذاقها مع اختِلافِ أجواء / أحداث هذهِ الجريدة ..
أثارت انتباههُ صورةَ مُطربٍ تمّ تقليدهُ بالجنسية , لأنّهُ أطربَ النّاسَ بصوته وحسّهِ المُرهف ..
فكانت مكافأتهُ انتماءٌ لأرضٍ لمْ يبكِ عليها يوماً , ولم يقبّل رمالها يوماً ..
ولمْ يوخزَ بشوكها وأدمتَ قدماهُ يوماً , لم يمُت فيها أبداً ! ..
اشتدّ قبضتهُ على هذهِ الصّفحة ثمّ ابتسمَ حسرةً وبكلّ رفقٍ وضعَ تلك الجريدةَ
على الكرسي المجاور وكأنّهُ طفلٌ تثاوبَ لأكثرِ من مرّة ..
بدأ يُمارسُ هوايته التّي أدمنها وهيَ الغرقُ في محيطاتٍ واسِعة من التّفكير ..
ينظرُ إلى وجوهِ المسافرينَ , يُحاولُ كشفَ أقنعتهم ورؤية الرّموز في ملامحهم وفكّ شفراتها ..
وفجأةً وبدونِ سابقِ إنذار استقلّ قِطارُ الذّاكرة ورحلَ إلى مدنِ الماضي ..
سكنَ مبانيها , تناولَ وجاباتهُ في مطاعمها , تمرّغ بجمالِ الغروب ووحشة الليل على شواطئها ..
سارَ مُثقلاً بالتشتّتِ على أرصِفتها , استظلّ بأشجارِها , تبلّل بأمطارها , استمتعَ بنسائها ! ..
.......
تذكّر الألمَ المُسنّن وهو ينهشُ قلبه عندما سلبَ منهُ قريبهُ المبلغَ الذي ربحهُ عندما باعَ أسهمه في شركةٍ تجارية ..
حيثُ أنّ في تلك الأرض يُمنعُ لـ [ الأجنبي ] الاكتتابُ في الأسهم فاضطرّ أن يكتتب باسمِ هذا القريب
الذي غدرَ بهِ وفعلَ مالمْ يفعلهُ غريبٌ معه , حينها سقطت الثّقة من قاموسه , شدّ قميص الوطنِ وهزّه :
هل أنتَ راضٍ الآن ؟
تذكّر زميلهُ [ ماجِد ] كانا يتنافسانِ على المراتب الأولى في المرحلةِ الثّانوية , رسما بعض أحلامهما على أفقٍ واحد ..
وُلدا على أرضٍ واحِدة , ذات المأكل ذات المشرب ذات الدّين ذات المذهب ذات الملبس ذات اللهجة ..
ذات الانتماء ولكنْ : ماجد ابنُ البلد استطاع أن يلتحقَ بالجامعة ويسلكَ الطريق الذي رسماهُ سوياً ..
وهو لم يقبلوه تطبيقاً للأنظِمة التي تنصّ على أنّ تلك المقاعدِ لأبناءِ الوطنِ فقط !!
غصّةٌ تتبعها غصّة , وجلدةٌ تتبعها جلدة حتّى أدمت روحهُ وانسلّ اليأسُ إلى عروقه ,
كان يخشى دوماً أن يتحطّم طموحهُ وتتبخّر أحلامه , وأنْ يطولَ إقامتهُ الجبريّة تحت سقفِ الغربة واللاوطن ..
انتفضَ كطيرٍ مذبوح حينَ أودتْ بهِ الذّاكِرة إلى أشلاءِ حبّه الذي مات مسموماً بعدَ أن تجرّع
صديد العادات والتقاليد , بعدَ أن طرق الباب مراراً ولم يُفتحُ له , بحجّة أنّ هذا [ الأجنبي ]
مستقبلهُ ضبابيّ غير واضحة المعالم تحفّه الأشواك والأوجاع , أيقنَ أنّه غير مرغوب به ..
وأنّهُ لن يستطيع توفير الحياة الكريمة لها من وجهةِ نظرهم التي لامست بعض الصّواب ! ..
وبينما هو متّسخٌ بوحولِ الذّاكرة جاء صوتُ موظّف المطارِ كـ اغتسِال :
- الرّجاء من المسافرين إلى القاهِرة التوجّه إلى بوّابةِ الخروجِ .
حمل حقيبتهُ ونفضَ غبارُ الماضي عن فكره , واتجّه متحدّياً ذاتهُ وغربتهُ وماضيه إلى بوّابةِ الخروجِ من وإلى [ الوطن ] ! ..
- من صالة الانتظار , 9:00 a.m .
اسم الموضوع : عُقْدَةُ [ وَطَنْ ] ! ..
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.
