أهلاً وسهلاً بكل محبي ابن اللذينا ومبغضيه في مشارق الأرض ومغاربها وأبث لكم جميعاً أحبائي حرارة شوقي ولهفي وخاصة أولئك الذين سألوا عني خلال الفترة الماضية ومن طريف ما حصل لي قبل أيام أني كنت في عرس من الأعراس البرماوية التي ذكرها الراحل الباشا في مواضيعه بشيء من الذم وكالعادة كنت "متجنتلاً" والعقال يزيّن هامتي ورائحة عطر "دينهل" تفوح مني كأشذى ما تكون وبينما أنا جالس في القاعة إذ بي ألحظ شاباً وسيماً كان يجلس في الصف الأمامي يحدّق فيّ النظر ويأخذني بعينه من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى وأنا أتشاغل عنه برهة من الزمن ثم أنظر إليه وإذ به لم يزل يلمحني بكل ما أوتي من قوة في النظر والتأمل اقتربت منه قليلاً فإذا به يصوب النظر أكثر فأكثر تبادلنا النظرات وتحادثنا بالنظرات وأنا أقول في نفسي: مالهذا الشاب اليافع ينظر إليّ هكذا ويحدّق في عيني اللتين تعلوهما نظارة إيطالية جديدة كنت قد اشتريتها قبيل العيد بأيام الله يستر ...
وفجأة اقترب مني هذا الشاب وسلم بكل أدب واحترام وفي وجهه ابتسامة لو رآها المغضب لانطفأ غضبه وقال لي بكل رقة وتحنان: أبغى أتعرف عليك .. وسوس شيطاني وقال: شكله الرجال معجب فيك يا ابن اللذينا ألحق فقلت له : حياك الله تفضل وكلي سرور وغبطة !! جلس بجانبي هذا الشاب وقد سمّرت عيني في ابتسابته الرقيقة وأول سؤال يوجهه لي هذا الشاب بعد الترحيب به: هل أنت الكاتب المعروف ابن اللذينا ؟ لما قال ابن اللذينا عرفت أنه أراد شراً وأنه من جماعة البحث عن المعرفات المخفية فأصبحت "ألف وأدور" و "أطلع وأنزل" وأتحدث في أشياء أعرفها وأشياء لا أعرفه خوفاً من الإجابة على هذا السؤال المحرج وبدأت أعطيه في السياسة والاجتماع وعلم الفلك والانثربلوجيا والأحياء الدقيقة وأخبار ياسر الخبيث وآخر أخبار البرنامج النووي الإيراني وقصة الفتاة الجزائرية وآخر رواية للراحل غازي القصيبي (الزهايمر) التي كتبها في فراش مرضه الأخير ولا أنصح المراهقين وأشباه المراهقين بقراءتها وتحدثت معه عن ارتفاع سعر الطماطم إلى 10 ريالات ودجاج الشواية إلى 14 ريال ودخلت معه في الفكر والحداثة وبعض قاذورات ما يسمى بالليبرالية الحديثة حتى كوّنت صداقة حميمة مع هذا الشاب وظننت أنه نسي سؤاله الأساس .. وبعد هذه النشرة الإخبارية المفصلة التي لو علمت بها وكالات الأنباء ومحطات الأخبار الفضائية لأرسلت مراسليها لإجراء مقابلة مع ابن اللذينا ..
وبعد النشرة ابتسم هذا الشاب وعدّل شماغه وثبّت عقاله بإحكام وقال لي: جاوبني بصراحة هل إنت ابن اللذينا فبادرته لماذا تبحث عن هذا الذي يدعى "ابن اللذينا" فقال يا أخي نفسي أتعرف عليه وأتحدث معه و"أشوفه" لأني بسببه أدخلت الانترنت في منزلي لكي أتابع مقالاته في منتدى الجالية وأنا أحلم في اللقاء به كل يوم !! بدأتْ اسطوانتي من جديد وأعطيته هذه المرة في الأنظمة الجديدة في الجوازات والمرور ونظام ساهر الذي أهلك الحرث والنسل وأن قسيمة تحميل الركاب أصبحت بمثابة تذكرة سفر أقصد تسفير وفي رواية أخرى "ترحيل" وأن الجواز البنغالي من جرف لدحديرة ويا قلب لا تحزن وأن الجالية البرماوية أصبح نصف أفرادها من فئة "مجهولي الهوية" بسبب هذا الجواز التحفة وثمة أخبار عن تفشي ظاهرة "العنوسة المنظمة" أو إن شئت فقل: "النظامية" في أوساط الجالية بسبب انتهاء الإقامات أو فسادها وتعطل الشباب عن العمل وكسب الرزق .. والمدارس الخيرية البرماوية المهددة بالإغلاق باتت تستقبل يومياً أعداداً غفيرة ممن فقدوا إقاماتهم أو ظلت حبيسة أدراج المعقبين "الحرامية" لا بارك الله في أموالهم وأن التحركات والمساعي لم تأت بخير إلى الآن وأن البرماوي أصبح في معاناة ومشاكل لا حصر لها بسبب هذه الإقامات الخضراء والبيضاء التي أكلت "التنبول الأخضر" و "الفوفل اليابس" و "الرخام السائل" حتى وصلت إلى الحديدة ولا نعلم متى ستسقط هذه الحديدة بمن عليها ولا ندري مالذي تخبئه لنا الأيام المقبلة ...
وبعد انتهائي من هذه النشرة الحزينة رأيت علامات الأسى في وجه هذا الشاب بالطبع فإنه تأثر وتذمر و"خرّبت" عليه فرحة العرس بهذه الأخبار الأليمة والأوضاع المأساوية وندم أشد الندم على تعرفه عليّ وبالتأكيد فإنه نسي من الذي يتحدث معه هل "ابن اللذينا" أم شخص برماوي قد انتهت هويته منذ عام ويبحث عن مخرج !! ودعته وقبل الوداع سألني هل تعرف من يجدد لي إقامتي ؟! قلت له: الآن ابحث عن ابن اللذينا جدّد الله الإقامة في جيبك والإيمان في قلبك .. وداعاً وداعاً
تنويه: لم أقصد إيراد هذه القصة لذاتها وإنما أردت ذكر بعض ما يختلج في نفوسنا يومياً وما نعيشه من مآسٍ لو تحدثت عن نفسها لقتلتها .. نسجتها في هذه القصة الحقيقية التي حصلت معي وللكل حبي وتقديري ،،،
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : ابن اللذينا مع الشاب البرماوي .. ومحاولة تعرّف فاشلة
|
المصدر : .: أشتات وشذرات :.
