أبو مهند الأركاني
New member
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سألني بعض المحبين: ما النصيحة بشأن ما حدث ويُتوقَّع في منطقة العيص؟
فالجواب: أن ما يحدث في العيص - وقد يمتد إلى غيرها - من الأمور الكونية التي يجريها الله - جل وعلا - في خلقه وعباده لحكم كثيرة لا يحيط بها إلا هو سبحانه، ومنها:
"تخويف عباده أهل تلك المنطقة وغيرهم من عامة سكان المملكة ليراجعوا أنفسهم، ويتوبوا من ذنوبهم، وينيبوا إلى ربهم، ويعرفوا قدر النعمة بضدها"، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16]، أي: تميل وتضطرب.
وقال سبحانه: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً} [الإسراء: 68].
وقال - صلى الله عليه وسلم - بشأن الكسوف والخسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله؛ يخوِّف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)).
ولما زلزلت المدينة في عهد عمر - رضي الله عنه - مرتين قال: "إنكم أحدثتم حدثًا"؛ يعني: ذنبًا. والمعنى: توبوا إلى الله تعالى، وارجعوا إليه؛ فإن ما حدث بسبب بعض ذنوبكم، يعظكم الله به لعلكم ترجعون، فتُحدثون توبة وإصلاحًا بعد تقصير وذنب وغفلة.
وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
وقال سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
ومن حكمة ذلك أيضًا: تكفير الخطايا؛ فإنه لا يصيب المسلم همٌّ ولا نَصَبٌ - أي تعب ولا وَصَبٌ أي مرض -إلا كفَّر الله به من خطاياه، وقد جاء بمعنى هذا أحاديث كثيرة صحيحة شهيرة؛ أن البلايا والمخاوف مما تُحطُّ به الخطيئات.
فالنصيحة في هذا الشأن ونحوه، من أقدار الله المؤلمة، والحوادث المخوِّفة:
أولاً: الصبر عندها وعليها؛ فإن الصبر ضياء، وإنه من يتصبَّر يصبِّره الله، وما أعطى أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر، وإن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد؛ فلا إيمان لمَن لا صبر له، وإنه من عزم الأمور، ومن دلائل قوة الإيمان وصحة اليقين وصدق التوكل.
وقد ذُكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من ثمانين موضعًا، وتظاهرت الأحاديث النبوية الصحيحة في الأمر به، والثناء على أهله، وبيان حسن عواقبه، وحسبكم قول الحق سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وقوله سبحانه: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25].
الثاني: الضراعة إلى الله تعالى بالذِّكر والدعاء والصلاة، والصدقة والإحسان إلى مستحقِّه، والعفو عن الناس، والرحمة بالخَلْق، وترْك المظالم من الربا، ونحوه من كبائر الذنوب؛ كالتشاحن والبغي والحسد والقطيعة، والتوبة إلى الله تعالى من هذه العظائم وغيرها، وتقوية جانب الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على أيدي السفهاء وأهل الفساد، وأطرهم على الحق أطرًا، وقصرهم على الحق قصرًا.
الثالث: الثبات والطمأنينة، ولزوم أهل العيص وجيرانهم ديارَهم، وحسن ظنهم بالله تعالى، والإعراض عن إرجاف المرجفين، وتهويلات ضعفاء الإيمان والمفسدين، وفي حكمهم: مَنْ يبالغ في تضخيم الأمور؛ ليسيء سمعة الولاية، ويتاجر بالمصائب، أو ليشهر نفسه وما عنده؛ فإنه لا مفرَّ إلى الله إلا إليه: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: 11]، وربما يكون فرار المرء إلى أَجَلِه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة: 8].
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يا عباد الله، اثبتوا))، ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - لما زلزلت المدينة في عهد عمر - رضي الله عنه - لم يخرجوا منها خوفًا من الزلزال، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس إذا وقع الطاعون في بلادهم ألاَّ يخرجوا منها، ولا يدخل أحدٌ عليهم فيها، فكما أن من حكمة ذلك الوقاية - أي الحيلولة دون انتشار الوباء بسبب التنقل - فقد يكون من حكمته تثبيت الناس على الإيمان، وحملهم على الرضا بالقضاء والقدر، فيما قد لا تنفع فيه الأسباب، أو يكون نفعها لأفراد قليلين مقابل ضرر آخرين كثيرين، ولأن ترك الأوطان ليس سببًا قطعيًّا للسلامة، وربما يحدث في البلاد بسببه فوضى وشرٌّ، ومن أسباب خفة الناس، ومن أسباب الطيش، والأمور التي تُرجف بهم وبالآخرين.
الرابع: تثبيت الناس وطمأنتهم، وحملهم على الإنابة إلى الله تعالى، والثقة بكفايتهم، فإن من أصول أهل السنة والجماعة: تثبيت الناس عند النوازل والزلال والأوبئة والفتن، وتقوية الإيمان في قلوبهم، وتذكيرهم بنِعَم الله تعالى، ومتنوِّع ألطافه، وقُرْب فَرَجِه، وتغييره الشدَّة بالفرج؛ ليَحْسُنَ ظنهم بالله، ويَعْظُم رجاؤهم له، ولإبعادهم عن سوء الاعتقاد في الله تعالى بسبب شبهات المشبهين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يعجب ربُّك من قنوط عباده وقرب غِيَره، ينظر إليكم أزلين قنطين، وهو يعلم أن ما بكم سينكشف))؛ أي: فرجُكُم قريبٌ.
وفي حديث آخر؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((واعلم أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)).
وفي حديث ثالث؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي؛ فليظُنَّ بي ما يشاء)).
فالواجب على أهل العلم والإيمان، وأولي العزم والنُّهى: أن يقابلوا هذه النازلة بالثبات والتثبيت، وردِّ الناس إلى ربهم، وتذكيرهم بعظيم نِعَم الله تعالى عليهم، وتذكيرهم بأنواع ألطافه وسعة عفوه؛ حتى يشعروا بالطمأنينة، ويذوقوا حلاوة الإيمان، ويزول عنهم إرجاف الشياطين؛ فإن من شأن أهل الإيمان والتقوى: الثبات، والثِّقَل، وترك الخفَّة والطيش والعَجَلة.
الخامس: التعاون مع ولاة الأمور على توفير الإمكانات وأنواع الخدمات اللازمة والمحتملة، وشكرهم على اهتمامهم وعنايتهم بأمر الرعية، وقضايا الأمة المصيرية، وإبراز جهودهم الخيِّرة ومواقفهم المشكورة، وبيان أنهم - بحمد الله - رحمةٌ على الأمة، وغيظٌ لأعداء الملَّة، وأنهم مع الأمَّة في السرَّاء والضرَّاء، والثقة بإدارتهم وحكمتهم في إجراءاتهم، والنصيحة لهم بهذا الشأن وكل شأن، وتقديم المشورة ممَّن له دراية وخبرة، وترك الإرجاف والتهويل وإشاعة الشائعات، التي تُحدث الاضطراب والقلق وسوء الظن بالله تعالى؛ فإن من أسباب البلاء والخسران والعقوبات العاجلة والآجلة - سوء الظن بالله؛ قال تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23].السادس: كما يجب على عامة المسلمين - وعلى الأخصِّ كتَّاب الصحف والإنترنت - أن يتقوا الله، ويَكِلوا الأمر إلى أهله، وأن يتركوا التنبُّؤات والأمور التي من شأنها إساءة الظن بالله تعالى، وإيقاع الهلع في الناس؛ فإن في الخوض في هذا الأمر على هذا النحو من القول على الله تعالى وإساءة الظن به وفتنة عباده - ما هو من كبائر الذنوب ومحبطات الأعمال، والتسبُّب في شماتة الأشرار والحاسدين، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 57-62].
سابعًا: أما القنوت أو إقامة صلاة عامة بهذه المناسبة - كصلاة الكسوف والخسوف - فهذا محل خلاف بين أهل العلم، ولعل الراجح فيه والله أعلم- أنه يرجع إلى اجتهاد أولي الأمر، من وَلِيِّ الأمر العام، ومجتهدي أهل الفُتيا، الذين هم مرجع الأمة عند النوازل وأمور الأمن والخوف، واتفاقهم على ذلك.
وأخيرًا:
فإني أحمد الله تعالى، وأشكره على لُطْفِه، ثم أشكر ولاة الأمر، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وسموّ وليِّ العهد، وسموّ النائب الثاني، وكافة الأمراء والمسؤولين الذين باشروا في موقع الحدث، وطمأنوا الناس، وقدَّموا لهم الخدمات اللازمة حسب توجيه القيادة الرشيدة، وأخصُّ بالذِّكر: سموّ أمير منطقة تبوك، الذي زار موقع الحدث، وطمأن الناس، وبلغني أنه بات في بلدتهم، وهذا أبلغ ما يكون في حسن الظن بالله تعالى، وطمأنة وتثبيت الرعية؛ فإني بهذه المناسبة أهنئه، وأهنئ القيادة به وبأمثاله من الأمراء، على تلك المواقف الشجاعة والتصرفات الحكيمة.
هذا ما فَتَح الله به - وله الحمد والمنَّة - من النصيحة بهذا الشأن، نظرًا للحاجة إلى البيان؛ فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأستغفر الله من الخَطَل، وزَلَل القول والعمل، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
الشيخ عبدالله بن صالح القصير
منقول للفائدة
فقد سألني بعض المحبين: ما النصيحة بشأن ما حدث ويُتوقَّع في منطقة العيص؟
فالجواب: أن ما يحدث في العيص - وقد يمتد إلى غيرها - من الأمور الكونية التي يجريها الله - جل وعلا - في خلقه وعباده لحكم كثيرة لا يحيط بها إلا هو سبحانه، ومنها:
"تخويف عباده أهل تلك المنطقة وغيرهم من عامة سكان المملكة ليراجعوا أنفسهم، ويتوبوا من ذنوبهم، وينيبوا إلى ربهم، ويعرفوا قدر النعمة بضدها"، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16]، أي: تميل وتضطرب.
وقال سبحانه: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً} [الإسراء: 68].
وقال - صلى الله عليه وسلم - بشأن الكسوف والخسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله؛ يخوِّف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)).
ولما زلزلت المدينة في عهد عمر - رضي الله عنه - مرتين قال: "إنكم أحدثتم حدثًا"؛ يعني: ذنبًا. والمعنى: توبوا إلى الله تعالى، وارجعوا إليه؛ فإن ما حدث بسبب بعض ذنوبكم، يعظكم الله به لعلكم ترجعون، فتُحدثون توبة وإصلاحًا بعد تقصير وذنب وغفلة.
وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
وقال سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
ومن حكمة ذلك أيضًا: تكفير الخطايا؛ فإنه لا يصيب المسلم همٌّ ولا نَصَبٌ - أي تعب ولا وَصَبٌ أي مرض -إلا كفَّر الله به من خطاياه، وقد جاء بمعنى هذا أحاديث كثيرة صحيحة شهيرة؛ أن البلايا والمخاوف مما تُحطُّ به الخطيئات.
فالنصيحة في هذا الشأن ونحوه، من أقدار الله المؤلمة، والحوادث المخوِّفة:
أولاً: الصبر عندها وعليها؛ فإن الصبر ضياء، وإنه من يتصبَّر يصبِّره الله، وما أعطى أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر، وإن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد؛ فلا إيمان لمَن لا صبر له، وإنه من عزم الأمور، ومن دلائل قوة الإيمان وصحة اليقين وصدق التوكل.
وقد ذُكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من ثمانين موضعًا، وتظاهرت الأحاديث النبوية الصحيحة في الأمر به، والثناء على أهله، وبيان حسن عواقبه، وحسبكم قول الحق سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وقوله سبحانه: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25].
الثاني: الضراعة إلى الله تعالى بالذِّكر والدعاء والصلاة، والصدقة والإحسان إلى مستحقِّه، والعفو عن الناس، والرحمة بالخَلْق، وترْك المظالم من الربا، ونحوه من كبائر الذنوب؛ كالتشاحن والبغي والحسد والقطيعة، والتوبة إلى الله تعالى من هذه العظائم وغيرها، وتقوية جانب الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على أيدي السفهاء وأهل الفساد، وأطرهم على الحق أطرًا، وقصرهم على الحق قصرًا.
الثالث: الثبات والطمأنينة، ولزوم أهل العيص وجيرانهم ديارَهم، وحسن ظنهم بالله تعالى، والإعراض عن إرجاف المرجفين، وتهويلات ضعفاء الإيمان والمفسدين، وفي حكمهم: مَنْ يبالغ في تضخيم الأمور؛ ليسيء سمعة الولاية، ويتاجر بالمصائب، أو ليشهر نفسه وما عنده؛ فإنه لا مفرَّ إلى الله إلا إليه: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: 11]، وربما يكون فرار المرء إلى أَجَلِه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة: 8].
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يا عباد الله، اثبتوا))، ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - لما زلزلت المدينة في عهد عمر - رضي الله عنه - لم يخرجوا منها خوفًا من الزلزال، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس إذا وقع الطاعون في بلادهم ألاَّ يخرجوا منها، ولا يدخل أحدٌ عليهم فيها، فكما أن من حكمة ذلك الوقاية - أي الحيلولة دون انتشار الوباء بسبب التنقل - فقد يكون من حكمته تثبيت الناس على الإيمان، وحملهم على الرضا بالقضاء والقدر، فيما قد لا تنفع فيه الأسباب، أو يكون نفعها لأفراد قليلين مقابل ضرر آخرين كثيرين، ولأن ترك الأوطان ليس سببًا قطعيًّا للسلامة، وربما يحدث في البلاد بسببه فوضى وشرٌّ، ومن أسباب خفة الناس، ومن أسباب الطيش، والأمور التي تُرجف بهم وبالآخرين.
الرابع: تثبيت الناس وطمأنتهم، وحملهم على الإنابة إلى الله تعالى، والثقة بكفايتهم، فإن من أصول أهل السنة والجماعة: تثبيت الناس عند النوازل والزلال والأوبئة والفتن، وتقوية الإيمان في قلوبهم، وتذكيرهم بنِعَم الله تعالى، ومتنوِّع ألطافه، وقُرْب فَرَجِه، وتغييره الشدَّة بالفرج؛ ليَحْسُنَ ظنهم بالله، ويَعْظُم رجاؤهم له، ولإبعادهم عن سوء الاعتقاد في الله تعالى بسبب شبهات المشبهين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يعجب ربُّك من قنوط عباده وقرب غِيَره، ينظر إليكم أزلين قنطين، وهو يعلم أن ما بكم سينكشف))؛ أي: فرجُكُم قريبٌ.
وفي حديث آخر؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((واعلم أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)).
وفي حديث ثالث؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي؛ فليظُنَّ بي ما يشاء)).
فالواجب على أهل العلم والإيمان، وأولي العزم والنُّهى: أن يقابلوا هذه النازلة بالثبات والتثبيت، وردِّ الناس إلى ربهم، وتذكيرهم بعظيم نِعَم الله تعالى عليهم، وتذكيرهم بأنواع ألطافه وسعة عفوه؛ حتى يشعروا بالطمأنينة، ويذوقوا حلاوة الإيمان، ويزول عنهم إرجاف الشياطين؛ فإن من شأن أهل الإيمان والتقوى: الثبات، والثِّقَل، وترك الخفَّة والطيش والعَجَلة.
الخامس: التعاون مع ولاة الأمور على توفير الإمكانات وأنواع الخدمات اللازمة والمحتملة، وشكرهم على اهتمامهم وعنايتهم بأمر الرعية، وقضايا الأمة المصيرية، وإبراز جهودهم الخيِّرة ومواقفهم المشكورة، وبيان أنهم - بحمد الله - رحمةٌ على الأمة، وغيظٌ لأعداء الملَّة، وأنهم مع الأمَّة في السرَّاء والضرَّاء، والثقة بإدارتهم وحكمتهم في إجراءاتهم، والنصيحة لهم بهذا الشأن وكل شأن، وتقديم المشورة ممَّن له دراية وخبرة، وترك الإرجاف والتهويل وإشاعة الشائعات، التي تُحدث الاضطراب والقلق وسوء الظن بالله تعالى؛ فإن من أسباب البلاء والخسران والعقوبات العاجلة والآجلة - سوء الظن بالله؛ قال تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23].السادس: كما يجب على عامة المسلمين - وعلى الأخصِّ كتَّاب الصحف والإنترنت - أن يتقوا الله، ويَكِلوا الأمر إلى أهله، وأن يتركوا التنبُّؤات والأمور التي من شأنها إساءة الظن بالله تعالى، وإيقاع الهلع في الناس؛ فإن في الخوض في هذا الأمر على هذا النحو من القول على الله تعالى وإساءة الظن به وفتنة عباده - ما هو من كبائر الذنوب ومحبطات الأعمال، والتسبُّب في شماتة الأشرار والحاسدين، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 57-62].
سابعًا: أما القنوت أو إقامة صلاة عامة بهذه المناسبة - كصلاة الكسوف والخسوف - فهذا محل خلاف بين أهل العلم، ولعل الراجح فيه والله أعلم- أنه يرجع إلى اجتهاد أولي الأمر، من وَلِيِّ الأمر العام، ومجتهدي أهل الفُتيا، الذين هم مرجع الأمة عند النوازل وأمور الأمن والخوف، واتفاقهم على ذلك.
وأخيرًا:
فإني أحمد الله تعالى، وأشكره على لُطْفِه، ثم أشكر ولاة الأمر، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وسموّ وليِّ العهد، وسموّ النائب الثاني، وكافة الأمراء والمسؤولين الذين باشروا في موقع الحدث، وطمأنوا الناس، وقدَّموا لهم الخدمات اللازمة حسب توجيه القيادة الرشيدة، وأخصُّ بالذِّكر: سموّ أمير منطقة تبوك، الذي زار موقع الحدث، وطمأن الناس، وبلغني أنه بات في بلدتهم، وهذا أبلغ ما يكون في حسن الظن بالله تعالى، وطمأنة وتثبيت الرعية؛ فإني بهذه المناسبة أهنئه، وأهنئ القيادة به وبأمثاله من الأمراء، على تلك المواقف الشجاعة والتصرفات الحكيمة.
هذا ما فَتَح الله به - وله الحمد والمنَّة - من النصيحة بهذا الشأن، نظرًا للحاجة إلى البيان؛ فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأستغفر الله من الخَطَل، وزَلَل القول والعمل، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
الشيخ عبدالله بن صالح القصير
منقول للفائدة
اسم الموضوع : النصيحة بشأن ما حدث في العيص
|
المصدر : .: أشتات وشذرات :.