فيصلاوي
مراقب سابق
مع الملك فيصل
في حفل تخرجه ونيله درع الثانوية العامة بمدارس الفلاح بمكة
عبدالله محمد أبكر
من مكة المكرمة.. من الولادة بجبل السبع البنات و الرضاعة من زمزم.. من الصفا و المطاف.. من حارة أجياد المرتع إلى ذروة العنفوان بحارة المسفلة... من الفلاح (باشبيكة) الواجهة.. إلى جامعة (كورنيل) بأمريكا،من دائرة المعارف إلى أدب الجامعات وبنود الصارف،منجبال البلد الحرام إلى عالم الجيولوجيا و الإعلام.. من الجبال الأعالي إلى صاحب المعالي.. من كدى إلى كداء.. من كان يذكرنا بقول سيدنا حسان بن ثابت في فتح مكة :
عـــدمــنــا خـيـلـنــا إن لم تــروهــا
تــثــير الــنــقــع مــوعــدهــاكــداء
فــإمــاتــعــرضــواعــنــا اعــتــمــرنـا
وكـــان الـفــتــح وانــكــشــف الــغــطـاء
وإلا فــــاصـــــبروا لجـــــلاد يــوم
يــعــز الله فــيــه مـــن يــشــاء
وقـــــال الله أرســــلــــت عــبــدا
يــقـــول الحـــــق إن نـــفــع الـــبـــلاء
لــــنـــا في كـــل يــــوم مــــن مــعــد
ســــبــــاب أو قـــتـــال أو هـــــجـــاء
إلى أن يقول :
فــــإن أبـــــي وو الـــــده وعــرضــي
لـــعـــرض محـــمـــد مــنــكــم وقــاء
ها هو ابن مكة يخرج من أسافلها إلى أعاليها محمودا على الأكتاف ألى مقابر المغلاة بجاور السيدة خديجة أم المؤمنين و المؤمنات.
من هنا.. من مكة.. نبغ ابن مكة وسار.. منذ أيام المسفلة الخوالي حينما كانت أجواؤها تصور
التفاؤل في صورة مجسمة ملموسة. حينما كان الجد مثابرا في سيره إلى أبعد الخطى، حينما كانت الأعين تسبق الأقدام إلى العلا.
حينما كان الأب بتربيته وتوجيهه، والأم بحنوها ورعايتها، حينما كان مجتمع الكتاب و المدرسة و الحارة يقوم بالتعليم و التربية القويمة في اّن، ومما كان في غضون ذلك الاستفادة من مهارات تحضير البعثات وإعدادات المهد العلمي السعودي، وما بعد ذلك من الوسائل التي أهلت وأكسبت وذللت للفكر و الاختيار خلاصة النتاج و الحصاد.
ولم تكن (البسكليتة) التي كان يركبها ابن مكة بنشوى الفرح هي المساند الأول في قطع المسافة من المسفلة إلى مدرسة الفلاح بالشبيكة، وام يكن الريال مصروف المدرسة أو ركوب سيارة (الأنيسة) التي كان شكلها وصوتها يأخذان بمجامع الألباب، وتبدو فيها هيئة الجلوس بالإعجاب..؟ أو درع الطالب المثالي الذي ناله في مرحلة الثانوية بفلاح مكة. أو تلك المكافأة بـ(خمسة ريالات فضة) التي كانت تدفع للمتفوقين الأوائل، وكان ممن نالها الطالب أحمد حسن فتيحي بترتيبه الخامس في المرحلة الابتدائية بفلاح جدة..
فتيحي ليس من زملاء ابن مكة النابغ في الدراسة، بل كان من زملائه في فلاح مكة: السيد أمين عطاس،أحمد شافعي، بكر أحمد خضر بغدادي، غازي جميل بغدادي، حسين عبدالله محضر، وزميل لاحق.
أما أحمد فتيحي فهو شاهد من شواهد تلك المحركات والمشجعات والمعونات والإمدادات المادية والمعنوية التي كانت تتدفق بصدق من همم وعزائم أولئك الرجال و الأساتذة الكرام. نعم لم يكن كل ذلك السبب والدافع الأول في نهوضه، بل كانت النفس التي بين جنبيه تتفاءل وتتلمس
مع الملك فهد
مع الملك خالد
الفلاح من المدراس الفلاح، الفلاح الذي تفاءل به مؤسس المدارس الحاج محمد علي زينل رضا رحمه الله.
وتلك هي من أهم المحركات وأقواها الجارية بعجلتها التي كانت توجه الطلبة إلى المسار الصحيح و الخيار الصواب، باهتمام وتتبع الأساتذة الأفاضل الذين كانوا يحرقون (قتائل) أنفسهم وأكارهم ليستضيء بأنوارها وانوارهم تلامذتهم وأبناؤهم وأبناء قرابتهم الأقارب والأباعد.
أخص منهم بالذكر قيم مداس الفلاح المربي الفاضل السيد إسحاق عزوز-رحمه الله- الذي كان له الفضل الجزيل في توجيه كوكبة من خريجي مدارس الفلاح علميا وأدبيا وفكريا.
ومنهم ابن مكة هذا الذي استبدل بعض توجهه وتخصصه الجيولوجي بتيسير وتقريب نصوص السيرة النبوية، المعطرة بصاحبها عليه أفضل الصلاة و التسليم، بالدعوة إلى محبته ومحبة زوجه الكبرى السيدة خديجة، و زوجه الحبيبة السيدة عائشة و بضعته السيدة فاطمة رضي الله عنهن، ومن نسل من اّل بيته الأطهار
بهذا ترك أو تحول ابن مكة من التنقيب وراء قسوة الأحجار إلى لين الحديث ولطيفه بسيرة سيدنا المختار . نعم ترك الحجارة رغم علاقته برابط ولادته بجبل السبع البنات الجزء الجنوبي من جبل خندمة بأجياد الكبير.
ترك ذلك ليتجه إلى الاهتمام بقضايا الفكر الإسلامي بالديانات وحوار الحضارات، بالإعلام و التعليم و التربية، بالأدب والفلك والرياضة، بالاقتصاد و البنوك و المصارف الإسلامية، بقضايا فلسطين وإفريقياءالوطن، وهموم الأقليات المسلمة في العالم، بقضايا العوامة ومستجدات التكنولوجيا العصرية، بالشؤون السياسية والاجتماعية والثقافية بالزراعة والبيئة و الطبيعة، وفي غضون ذلك كله اتصاله وتواصله مع ملوك وأمراء اّل سعود في مجااسهم و محافلهم و في مناسبات الوطن، حتى بعد تركه كراسي المناصب الحكومية.
وفي دله الركة اشتد غرامه بالأعمال الخيرية الواسعة داخل زخارج المملكة وعلاقاته الإنسانية بالشخصيات على مختلف الأوضاع و المستويات،.. مجالات عدة يطول عرضها كان فيها البارز الرائد.
ولعل كل هذا أو جله بعض ما كان يهتف به موجهه الروحي السيد إسحاق عزوز رحمه الله ومما كان من نتاج تخطيط ورسم مناهج مدارس الفلاح في بدايات منابرها التي انطلقت منها أصوات إذاعية أشعلت هواية أبناء ذلك الجيل حتى استعد لاستقبال أثير الصحافة والثقافة والمعرفة العامة، إلى التفوق في الإلقاء إلى بيل شهادة الثانوية العامة التي كانت تعادل الدكتوراه..
الوالد عبدالله عبده يماني -رحمه الله
مؤسس مدارس الفلاح الحاج محمد علي زينل - رحمه الله
ناظر وقف مدارس الفلاح بمكة السيد اسحاق عقيل عزوز - رحمه الله
وقد سار تلميذ الفلاح.. بجد واجنهاد، بنتائج وعواقب كلها فلاح، بتحمل الموسؤولية، بخطوات راسخة في مختلف مراحلها وأوضاعها التعليمية والتربوية.
هكذا أو بمثل هذا استلهم مدرسو الفلاح.. الفلاح، ليخرجوا للجيل تلامذة مميزين يشار إليهم ببنان الإشادة والتمكين، وكان بروزا فريدا قل أن يوجد له نضير ، وهب أن هناك مقارنة.. إلا أن الفرق كان يظهر حتى في محتويات (الكشكول) وفي نوعية العلم المحصول، وما يلتمس من معاونة الزملاء المخلصين والأقران الصادقين.
أما زميله اللاحق في الدراسة بجامعة الرياض والمؤازر له في تطوير منهجية الصحبة و علاقة الأخوة حتى أضحى له (الأخ الذي لم تلده أمه)؛، بل أدى ذلك إلى تطور وتقوية هذه العلاقة الحميمة بالمصاهرة، وتعزيزها بالمجاروة، حيث اقترن بشقيقته السيدة القديرة مريم بنت عبدالله كامل أم أولاده لاحقا: ياسر وعبدالله وعبدالعزيز وفاطمعة وغالية وسارة.
إنه الشيخ صالح عبدالله كامل، الذي كانه له المساند الحثيث في السراء و الضراء حتى اللحظة الأخيرة من حياته.. كان له الدليل والعون الباذل قل أن يوجد له مثيل في هذه الاّونة. وقد كان لابن مكة هذا.. فضل الصحبة والمشاركة في إنشاء كيان دلة البركة وعلاقات (اقرأ الخيرية والإنسانية).
فكان الأساس، والغراس الأسري الذي نسج ابن مكة وزوجه في بيت الزوجية ثوبا متعدد الألوان ليرتديه لا حقا معتليا عرش الإعلام، وينقشه بنقوش هي الحمد و الثناء على تربية الاّباء.
ولكن..! منذ ذلك الزمن الذي كان فيه النبوغ والخروج من حارة المسفلة وحتى اّخر لحظة لا زالت الاّثار المتبقية بحارة المسفلة تشهد بما كان في مواطنالصبا وعنفوان الشباب من وثبات وذكريات لاتنسى.. ذكريات حلقات العلم بحصوات المسجد الحرام.. وروادها: السيد علوي مالكي و السيد أمين كتبي و الشيخ حسن سعيد يماني و الشيخ حسن مشاط و الشيخ يحيى أمان و الشيخ محمد نور سيف و الشيخ محمد العربي التباني. و غيرهم من الطبقة الأخيرة من علماء القرن الرابع عشر الهجري.
ذكريات الكتاتيب و المدرسة بغرف (الفلكة) وساحات (الفسحة).. بألعاب (كرة والبربر وتخطيط العنقلة وتدبير المقالب البريئة) بالوقوف تحت أشرعة المقاهي بعد (صرفة) المدارس، ثم بتجمعات (البشك وجمع الباي) للخرجات إلى البرك أو الجلوس في (البخشات)، ولقضاء أوقات القيلات و العصريات في المجالس والمقاعد وروشان البيوت.
ذكريات البيع المقترن بالترفيه في أزقة وبرحات الحارة.. حينما كان يبيع الأقرانه البليلة بالطرشي والمخلل مع المنقوش، وفي غضون ذلك لعب البرجون والكبت و الكبوش.
ذكريات بدايات العمل: حينما كان يحمل علف الحشيش على ظهور الحمير ويسوقها من زقاق إلى زقاق إلى البيوت و الدكاكين.. ذكريات والده حينما كان يعمل في الفرن مع الشيخ عبدالله كعكي بحوش الأشراف في حارة أجياد. ذكريات الأندية الرياضية: الوطن و العلمين والوحدة في ساحة إسلام بمكة وملعب الصبان بجدة.
ذكريات عبرت وسارت كان منشؤها وأساسها من هنا.. من أزقة مكة بتربتها الندية.
وذكريات أخرى تشهد له وزملاؤه فيها حضوره المتعاقد غراما بقاعات الدراسة والتدريس بجامعة الرياض، ثم إدارة و كالة المعارف ، ثم وكالة جامعة الملك عبد العزيز، ثم مديرا لها، ثم عودة أخرى إلى قاعاتها للتدريس وإلقاء المحاضرات في مختلف المجالات.. كما يشهد له معاونوه في ذلك ومنهم رفيق إدارته معالي الدكتور عبد العزيز خوجة الذي يشغل الاّن
في مقدمة الصورة معالي الشيخ أحمد زكي يماني ثم الدكتور محمد عبده يماني
الدكتور يماني في تخرج الدكتوراه سنة 1390هـ
عبدالله أبكر مع الدكتور يماني في مكتبته الخاصة بمنزله
مع الدكتور أحمد محمد علي
منصب اليماني الوزاري السابق.
وعلى رغم تجدد صروح التعليم العالي لا زالت جامعة الرياض جامعة الملك سعود حاليا لا زالت ترجع لابن مكة حتى اللحظة الأخيرة من حياته ذكرى تلك المساحات الجغرافية الخصة التي أقام فيها بأرض نجد رغم قصر المكوث، ولم يكن ابن مكة يؤثر ما يبعده عن مكة وحارة أجياد مسقط رأسه، وحارة المسفلة مرتع صباه وربيعان شبابه وابتداء تكوين شخصيته..، بل قد ظل وفيا بأم القرى.. فهي في قلبه أينما سار وارتحل.. تصاحبه علومه ومعارفه التي لم تشغله أو تنسه أعلام حارته الأخيرة المسفلة ومعالمها، وما استودعه فيها من ثروة أبويه الروحية والإنسانية التي أهلته وتابعته بالحث المعنوي والدعم المادي، بل ولاحقته من قبل بصادق الدعاء مناصرة ومؤازرة إلى قبيل انتقاله إلى الديار الأخرة.
واليوم.. وبعد تلك الحياة المجلجلة بأعمال جمة وشتى.. بعد تلك التنقلات والأسفار والرحلات.. وبعد أن تقدم به الزمن لم يزل أودا وأخيرا هو: ( ولد من مكة ) ينظر إلى كل قرين له (مشرد، بلا خطيءة) يلحظه بعين مشفقة، جاعلا من (اليد السفلى) يدا عليا جانية وبلسما على (جراح البحر) ومقدما من وحي
عبدالمقصود خوجة والدتورمحمدعبده يماني والشيخ صالح كامل
جبل السبع البنات أخلاق وصفات (أم المؤمنين خديجة بنت خوليد.. سيدة في قلب المصطفى) ومؤكدا ببضعة النبي (إنها فاطمة الزهراء) وواصفا (امرأة في الضلال)، بل خرج من مكة إلى أجزاء الوطن لينصف (فتاة من حائل)، بل إلىخارج الوطن سائلا: (لماذا إفريقيا ..؟) ومخبرا عن عاصمة الصين الشعبية بقوله
وها هو اليوم يرحل إلى عالم أخر بيقين قوله: (لسنا وحدنا في هذا الكون) وبدعوة سابقة إلى (التأمين بالدعاء) ها هو قد رحل وترك الأمة في أوضاع ( المعادلة الحرجة) بعيدا عن عمله الأول ((الجيولوجيا الأقتصادية)، بل مذكرا بـ(علموا أو لادكم محبة رسول الله) و (علموا أو لادكم محبة اّل بيت النبي) والعمل الأخير الذي مات عنه: (علموا أو لادكم حب القراّن الكريم)..
رحل وترك قلمه الأخضر في إجراء الخير يندبه ويبكيه.. يبكيه مكتبه ورجاله، داره وجاره، رحله ورحاله أعماله وحسن سيلاته في المجالس والمحافل، وفي مقدمتهم: الأسر المعوزة والأرامل والأيتام والفقراء والمساكين وطالبو الشفاعات والحاجات.
فرحم الله الدكتور محمد عبدالله عبده يماني رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع سيد المحبين، اللهم اختم لنا بأحسن ختام إذا دنا الانصرام وحان حين الحمام وزاد رشح الجبين.
اسم الموضوع : الدكتور يماني : من أجياد و المسفلة إلى المعلاة
|
المصدر : .: حديث الإعلام :.
