عام هجري نبوي جديد ترجى القراءته باهتمام

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة
إنضم
1 مايو 2009
المشاركات
117
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
المملكة العربية السعودية

الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وآله وصحبه ومن والاه .. وبعد :
أيها الإخوة ، جمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم فيقال إن بعضهم قال : أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملك أرخوا بولاية من بعده فكره الصاحبة ذلك فقال بعضهم : أرخوا بتاريخ الروم فكرهوا ذلك أيضا فقال بعضهم : أرخوا من مولد النبي وقال آخرون: من مبعثه وقال آخرون : من مهاجره فقال عمر الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداء السنة فقال بعضهم : من رمضان الذي قدم فيه النبي المدينة مهاجرا واختار عمر وعثمان علي أن يكون من المحرم لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي والعزيمة على الهجرة فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام ..
أيها الإخوة ، إن من المؤسف حق أن يعدل المسلمون أكثرهم اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت إلى دينهم بصلة ولئن كان بعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم وغشمهم ولقد سمعتم ما قيل من أن الصحابة رضي الله عنهم كرهوا التأريخ بتاريخ الفرس والروم ..
أيها الإخوة ، إننا نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجريا شهوره الشهور الهلالية التي هي عند الله تعالى في كتابه كما قال تعالى : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ) .
الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للعالم كلهم قال الله عز وجل : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ) مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص لا فرق بين عرب وعجم ذلك لأنها علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه فمتى رؤي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق .. ليست كالشهور الإفرنجية شهورا وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس بل هي شهور اصطلاحية مختلفة بعضهم واحد وثلاثون يوما وبعضهم ثمانية وعشرين يوما وبعضهم بين ذلك لا يعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول أو محسوس ولهذا طرحت مشروعات في الآونة الأخيرة لتغيير هذه الأشهر على وجه منضبط لكنها عورضت من قبل الأحبار والرهبان ..
فتأمل أيها المسلم كيف يعارض رجال دين اليهود والنصارى في تغيير أشهر وهمية مختلفة إلى اصطلاح أضبط لأنهم يعلمون ما لذلك من خطر ورجال دين الإسلام ساكتون بل مقرون لتغيير التوقيت بالشهور الإسلامية بل العالمية التي جعلها الله لعباده حيث عدل عنها المسلمون لتغيير التوقيت بالشهور الإفرنجية .. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله فقيل له : إن للفرس أياما وشهورا يسمونها بأسماء لا تعرف فكره ذلك أشد الكراهية وروي عن مجاهد أنه كان يكره أن يقال : آذارماه ..
أيها الإخوة ، إننا هذه الأيام نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجريا ليس من السنة أن نحدث عيدا لدخوله أو نعتاد التهاني ببلوغه فليس الغبطة بكثرة السنين وإنما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة مولاه فكثرة السنين خير لمن أمضاها في طاعة ربه ، شر لمن أمضاها في معصية الله والتمرد على طاعته وشر الناس من طال عمره وساء عمله ، إن علينا أن نستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربنا ومحاسبة أنفسنا وإصلاح ما فسد من أعمالنا ومراقبة من ولانا الله تعالى عليه من الأهل من زوجات وأولاد بنين وبنات وأقارب ..
فاتقوا الله - أيها الإخوة - وقوموا بما أنتم به معنيون وعنه يوم القيامة مسؤولون : قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة قوموا بذلك على الوجه الأتم الأكمل أو على الأقل بالواجب واعلموا أن أعضاءكم ستكون عليكم بمنزلة الخصوم يوم القيامة يوم يختم على الأفواه وتكلم الأيدي والأرجل بما كسب الإنسان قال الله تعالى : ( حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ) ..
أيها الإخوة ، إن كل عام يجد يعد المرء نفسه بالعزيمة الصادقة والجد ولكن تمضي عليه الأيام وتنطوي الساعات وحاله لم تتغير إلى أصلح فيبوء بالخيبة والخسران ثم لا يفلح ولا ينجح فاغتنموا الأوقات أيها الإخوة بطاعة الله وكونوا كل عام أصلح من العام الذي قبله فإن كل عام يمر بكم يقربكم من القبور عاما ويبعدكم عن القصور عاما يقربكم من الانفراد بأعمالكم ويبعدكم من التمتع بأهليكم وأولادكم وأموالكم ..
يقول الله جل وعلا: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ . يُخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة, عن ذاتِ الأهلة , وسببِ خلقِها , وفائدتِها وحكمتِها, حيث جعلها الله بِلُطفِه ورحمتِه على هذا التدبير , يبدو الهلالُ ضعيفاً أولَ الشهر, ثم يتزايد إلى أن يكتمل في نِصْفِه , ثم يَشْرَع في النقص إلى كَمالِه , وهكذا , ليعرف الناس بذلك مواقيت عباداتِهم من الصيام , وأوقاتِ الزكاة , والكفارات , وأوقاتِ الحج , وآجالَ الدُّيُون , وعِدَّةَ النساء ..
وهذا ما جعل المسلمين يعتمدون الأشهرَ الهِلالية , أو القمرية العربية , فَهُوَ سِمَةٌ من سماتهم , لموافقتِه لِظاهرِ القرآن كما سمعتم في الآية , ولقوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ .
وهذا ما جعل الخليفةَ الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه , يعتمده ويأمر الناس بالعمل به , ويجعله أمراً أساسياً في تَوارِيخِهم , عندما رأى أن الدواوين والكتابات بين المسلمين في وقائعهم وما يحتاجون إلى ضبطه لا تأريخ يضبطه , فجمع الصحابة واستشارهم في ذلك , فقال بعضهم : يبدأُ من مولد الرسول صلى الله عليه وسلم , وقال بعضهم : من وفاتِه , وقال بعضهم : من السنة التي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , لأنها السنة التي كان فيها قيام دولة الإسلام , فأجمعوا على أن تكون السنة التي يبدؤون منها هي سنَةَ هجرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ثم تَشاوَرُوا في أي شهرٍ يكون من تلك السنة , فقال بعضهم : من شهر ربيع الأول , لأنه الشهر الذي هاجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم , وقال بعضهم : من رمضان لأنه الشهر الذي أُنْزِلَ فيه القرآن , وقال بعضهم : من شهر محرم لأنه يأتي بعد منصرف الناس من حجهم الذي هو ختام مواسم أسواقِهم .. ولأنه الشهر الذي استهلَّ بعد بيعة العقبة بين الأنصار والنبي صلى الله عليه وسلم , فكأَنَّ الهجرةَ بدأت في ذلك الوقت , لأن تلك البيعة هي أولُ أسباب العزم على الهجرة , والإذنِ بها , وكان أول هلالٍ يُهِل بعد الإذن , هو هلال شهر محرم .. فاتفقوا على أن يكون شهر محرم أولَ أشهر السنة , وأجمع ساداتُ الأُمَّة من المهاجرين والأنصار على ذلك , وتَلقَّت الأمةُ بأسرها في القرون الثلاثة الأولى ذلك بالقبول , وهي القرون المفضلة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) .
فشهرُ محرم هو أول أشهر السنة بإجماع القرون المفضلة , وفضائِلُه معلومة في السنة , فهو من الأشهر الأربعة الحُرُم التي عظمها الله , ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ..
ومنها أن صيامه أفضل الصيام بعد شهر رمضان . لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة , وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال : ( أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة , الصلاة في جوف الليل , وأفضل الصيام بعد صيام رمضان , صيام شهر الله المحرم ) .
أيها الإخوة ، قامت الدنيا إلا بقيام الدين ولا نال العز والكرامة والرفعة إلا من خضع لرب العالمين ولا دام الأمن والطمأنينة والرخاء إلا باتباع منهج المرسلين ولئن استمرت زهرة الدنيا مع المعاصي والانحراف إن ذلك لاستدراج يعقبه الإهلاك والإتلاف فاعتصموا بطاعة الله عن عقوبتكم : وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ..

 
أعلى