فتح باب الرجاء بالتوبة والإنابة إلى الله

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة
إنضم
21 مايو 2010
المشاركات
902
مستوى التفاعل
2
النقاط
0
العمر
42
الإقامة
دبي , دولة الامارات العربية المتحدة
الموقع الالكتروني
www.ahashare.com
Satellite





عن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».


هذا الحديث الشريف: من الأحاديث النبوية الشريفة التي تفتح باب الرجاء بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى أمام العاصين المذنبين من عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بالانغماس في بحار المعاصي، لأنه تعالى لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وهو القائل سبحانه: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً؛ إنه هو الغفور الرحيم».


وفيه من اللطائف البلاغية ما يلي:


1 ـ كلمات الحديث الشريف فصيحة صريحة، جلية نقية؛ يفهمها العامة والخاصة، فلا غموض فيها ولا تعقيد، ثم هي لجمال رصفها، وحسن إيقاعها، وروعة تقسيمها تكاد تنطبع على القلوب قبل أن تطرق الآذان! فهي شفافة شفافية معانيها، موحية إيحاء مبانيها.


2 ـ التأكيد في: (إن الله تعالى يبسط يده..) بإن وباسمية الجملة ـ وإن كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لا يكذبونه فيما يرويه عن ربه ـ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يؤكد مضمون الجملة للسامعين لغرابة التصوير بالنسبة لهم، حيث إن الله تعالى (يبسط يده) وهو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير؛ وإنما جاء بهذا التصوير تقريباً للمعاني من أفهام السامعين!


3 ـ والكناية في قوله: (يبسط يده بالليل) كناية عن قبول توبة العاصين بالنهار، وقوله: (يبسط يده بالنهار) كناية عن قبول توبة العاصين بالليل، فالله تعالى باسط يده ليلاً ونهاراً؛ أي باسط يده دائماً لقبول توبة العاصين حتى لا ييأسوا من رحمة الله تعالى.


4 ـ الفعل المضارع: (يبسط) أفاد التجدد والحدوث إشارة إلى إفادة تجدد البسط وحدوثه إلى أن تقوم الساعة، حتى لا ييأس المذنبون من رحمة الله تعالى. والفعل المضارع (يتوب) المفيد للتجدد والحدوث يفتح باب الأمل أمام العاصين للتوبة في المستقبل.


5 ـ والتعبير بلفظ الإلوهية (الله) دون غيره من الأسماء لإدخال الهيبة في النفوس؛ لأنه يحمل صفات الجلال والجمال معاً؛ فهو القاهر فوق عباده، وهو الرحيم بهم، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.


والتعريف بالإضافة في (مسيء الليل) و(مسيء النهار) للإشارة إلى أن الأول قد أصبح معروفاً بأنه: (مسيء الليل) فكأن إساءته ليلاً قد أصبحت من خصائصه فلا يعرف إلا بها، وللإشارة إلى أن الثاني قد أصبح معروفاً بأنه (مسيء النهار) فكأن إساءته نهاراً قد أصبحت من خصائصه فلا يعرف إلا بها، ولهذا عبر باسم الفاعل (مسيء) للإشارة إلى أن إساءته ثابتة دائمة ومستمرة؛ وعبر عن الذنوب (بالسيئات) لمحاولة تخفيفها عن المذنبين حتى لا ييأسوا من رحمة الله تعالى؛ وعبر (بالليل) و(النهار) ليشمل جميع الأوقات فالله تعالى يقبل التوبة عن عباده في جميع الأوقات.


6 ـ و(طلوع الشمس من مغربها) هو الوقت الذي تغلق فيه أبواب التوبة، وهو الآية التي أشار إليها قول الله تعالى: «يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل» وطلوع الشمس من مغربها من العلامات الكبرى لقيام الساعة؛ وهو ليس مستحيلاً على الله تعالى، فقد قال: «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون» ولأمر ما جعل الله تعالى عبارة: (كل في فلك) تقرأ من أولها كما تقرأ من آخرها وكأن ذلك أشارة إلى أن دوران الأرض يمكن تغييره، فتطلع الشمس من مغربها بدلاً من مشرقها!


7 ـ ومن المحسنات البديعية في الحديث الشريف: الطباق الذي يبرز المعنى ويوضحه بين (الليل)، و(النهار)، و(مسيء الليل) و(مسيء النهار) والعكس والتبديل؛ وهو: أن تقدم ما أخرت، وتؤخر ما قدمت كما في: (يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) ومراعاة النظير في الليل والنهار، والشمس والطلوع، والمغرب؛ وذلك مما يفيد الأسلوب رشاقة وجمالاً وتآلفاً واعتدالاً.


وبعد: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 
أعلى