صدى الحجاز
مراقب سابق
إمام مسجد للبيع
ابتلي صياد بزوجة ماكرة كثيرة المقالب حتى غدت هاجساً يؤرقه كل لحظة، فلم تكن له من حيلة يتقي مقالبها سوى الالتجاء إلى ربه ومولاه بالدعاء بعد كل صلاة فجر رافعاً يديه: اللهم إني أعوذ بك من كيد النساء، ثم ينطلق للصيد.
انتبه إمام المسجد إلى شيء غير طبيعي في حياة الصياد يجعله يدعو بهذا الدعاء كل يوم، فقال له ذات يوم أمام الجماعة:
يا هذا ما أشد خوفك من كيد النساء، وهل للنساء كيد؟!..
ضجت جماعة المسجد المتواضع في تلك القرية البسيطة بالضحك، فخرج الرجل وقد ازداد هماً إلى هم، ودخل داره والحزن بادٍ على وجهه.
لمحت زوجته الذكية ما بالرجل، فسألته فأخبرها بما كان من خبر الإمام وجماعة المسجد.
شعرت الزوجة بأن الوقت قد حان لإعطاء درس لذلك الإمام، وقالت له:
أتأذن لي أن أصنع له كيداً؟!..
قال: نعم.
قالت: وآخذ منه مالاً.
قال: يا ليت.
فخططت وفكرت ودبرت ثم أخبرت زوجها بالخطة، فبدءا في تنفيذها على الفور.
أصلح الرجل صندوقاً خشبياً يسع لإنسان واحد، ووضعه في مجلس البيت، ثم جهز عدة الصيد من الليل، ولما سمع النداء لصلاة الفجر، أخذ دابته وعليها الزاد والعدة وانطلق إلى المسجد وربطها عند بابه، فلما صلى الفجر قام وانطلق بدابته متجهاً إلى الصحراء على مرأى من الإمام، حتى إذا غاب عن الأنظار توارى خلف بعض الجدران وأخذ يراقب منزله.
ومع شروق الشمس أغلق الإمام المسجد وخرج راجعاً إلى بيته ماراً في طريقه ببيت الصياد، فخرجت له زوجته الماكرة، وعرضت عليه أن يتفضل ويدخل مجلس المنزل ليشرب الشاهي مع الحليب وكانت الأمور والأحوال في البوادي والقرى بسيطة جداً آنذاك -، فاعتذر الإمام خشية الشبهة، إلا أنها أغرته بأن الحليب طازج وأن زوجها نسي أن يأخذه معه في رحلته، وأن الحليب سوف يتلف ويُرمى إن لم يُشرب.
سال لعاب الإمام للحليب الطازج، وبعد تفكير بسيط رأى أن لا يخسر هذا العرض المجاني، ولا بأس أن يدخل منزلها لعدة دقائق.
وما إن استقر في المجلس وتناول طاسة الحليب الطازج حتى سمع طرقاً شديداً على باب المنزل، ففزع فزعاً شديداً وقام يلتفت يمنة ويسرة بحثاً عن مخرج، وتظاهرت الزوجة بالخوف الشديد، ولم تجد ما تستره به إلا أن قدمت له الصندوق الخشبي وطلبت منه الاختباء فيه ريثما يخرج زوجها مرة أخرى ليعود إلى صيده.
قفز فضيلة الشيخ إلى الصندوق قفزة لا إرادية، وأغلقت الزوجة عليه بإحكام، ثم فتحت الباب لزوجها الصياد الذي دخل صارخاً:
- مالكِ لا تفتحين الباب ..
اعتذرت ببعض أشغالها ثم قالت: آمل أن تكون قد رجعت بصيد وافرٍ.
رد الرجل: لم أجد شيئاً اليوم.
فولولت وقالت: ومن أين نأكل ونطعم عيالنا؟!..
- ليس لنا إلا أن نبيع هذا الصندوق الذي لا نفع فيه- والإمام يسمع حوارهما، ويبكي داعياً الله أن يستره من هذه المصيبة-.
- إذن خذه إلى السوق موفقاً مباركاً إن شاء الله.
وجيء بالبعير وحُمل عليه الصندوق وانطلق به الرجل إلى السوق لبيعه في مزاد علني.
هنا انطلقت الزوجة الماكرة إلى بيت الإمام، فأبلغت أهله وأولاده بأن الإمام سيباع في السوق داخل صندوق خشبي، وأن عليهم أن يلحقوا زوجها ويشتروه منه قبل أن يشتريه غيرهم فيفتضح، فلم يصدقوها، وعندما أحسوا بتأخره عن العودة على خلاف العادة ساورهم الشك، وأخذوا مبلغاً كبيراً من المال وانطلقوا إلى السوق، وإذا بالصندوق يحرَّج عليه في مزاد علني، فتأكدوا من صحة الخبر، وأخذوا يساومون ويزيدون في السعر حتى أعجزوا الناس فانصرفوا وتركوهم، فدفع الرجل الصندوق إليهم وقبض الثمن وعاد إلى منزله.
وانطلق أبناء الإمام بالصندوق إلى منزلهم، فلما فتحوه صاحوا به وصاح بهم: أين أنا الآن؟!
قالوا له: أنت في منزلك، وكيف آل أمرك إلى هنا؟!..
قال لهم: سأخبركم لاحقاً.
فخرج وسجد سجود الشكر، ثم أخبرهم الخبر.
فلما صلى بالناس صلاة الفجر من الغد، قام الصياد كعادته ورفع يديه داعياً: اللهم إني أعوذ بك من كيد النساء.
فوقف الإمام بجانبه مسرعاً يقول: آمين آمين.
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : إمام مسجد للبيع
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.
