حكم المتعة في الفقه الإسلامي
جمع وترتيب
العبد الفقير إلى عفو ربه
كريم الله بن محمد أمين بن مولا علي
البرماوي المكي
غفر الله له ولوالديه
ولمشايخه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الذي بين الحلال والحرام للمسلمين، وخلق الإنسان وبث منه الزوجين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، ونسأل الله سبحانه ولي المؤمنين، أن ينفعنا بعلوم الدين، ويا من أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، يا من لا يُمله الدعاء، ولا ينقص من خزائنه العطاء، ولا يخيب فيه الرجاء، يا من يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يا من بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
أما بعد فكنت أجد في نفسي ارتياحاً لكتابة البحوث وأرغب في البحث اللائق المريح، حتى أرشدني فضيلة الشيخ محمد وريس خان، إلى موضوع جيد ومفيد للأمة الإسلامية، بعنوان(حكم المتعة في الفقه الإسلامي) وكلفني بهذا البحث جز الله عنا خير الجزاء.
التمهيد
لقد قمت بتقديم باب النكاح عن باقي الأبواب لأنه المشروع في الإسلام، رغم أن فضيلة الشيخ محمد رويس خان رتب الرسالة على النحو التالي:ـ
المتعة ـ النكاح ـ الزنا.
إلا أنني قدمت باب النكاح لأنه هو الأصل والصحيح، والمتعة جعلتها في المرتبة الثانية لأنه كانت مشروعة في بداية الإسلام، ثم حرمت بعد نهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم القيامة، لذلك قدمتها عن الزنا، وجعلت آخر باب هو الزنا لأنه لا أصل له وهو الفجور والفساد، ولم يكن مشروعاً ولا أصل له.
المتعة ـ النكاح ـ الزنا
تعريف المتعة لغة: هي متعة المرأة ما وصلت به بعد الطلاق، من نحو القميص والإزار والملحقة، وهي متعة الطلاق.
ونكاح المتعة هو المؤقت في العقد.
ومتع النهار كَمَنَعَ منوعاً، ارتفع قبل الزوال، والضحى بلغ آخر غايته وهو عند الضحى الأكبر.
المتعة اصطلاحاً: أن تتزوج امرأة تتمتع بها أياماً ثم تخلي سبيلها.
تعريف النكاح لغة: هو الجمع والضم.
وفي المبسوط هو الوطء.
النكاح في الاصطلاح: هو العقد بشروط، قال: فخر الإسلام، هو العقد الشرعي.
قال السادة الحنفية: الأصح أنه حقيقة في الوطء، خاصة لوجود معنى الضم فيه حقيقة.
قال السادة الشافعية: هو عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ أنكاح، أو تزويج، أو ترجمته.
وفي قول آخر أنه عبارة عن العقد.
قال السادة المالكية: أن النكاح في اللغة هو حقيقة في الوطء، ومجاز في العقد، وفي الاصطلاح فعلى العكس، أي حقيقة في العقد، ومجاز في الوطء.
قال السادة الحنابلة: في الشرع هو عقد التزويج، فعند إطلاق لفظه يتصرف إليه مالم يصرفه دليل.
تعريف الزنا لغة: هو الفجور.
الزنى: بالقصر في لغة أهل الحجاز.
الزنا: بالمد في لغة أهل نجد وهو الفجور.
والنسبة إلى المقصور ـ زَنَويٌ، وإلى الممدود ـ زِناءيٌ,
تعريف الزنا اصطلاحا: هو كل اتصال جنسي قائم على أساس غير شرعي.
النكاح
تعريف النكاح شرعاً: اختلف في تعريفه شرعاً على أقوال كما سنبينها.
أقوال السادة المذاهب الأربعة:
من أقوال السادة الأحناف، قال صاحب الاختيار، النكاح عبارة عن ضم وجمع مخصوص وهو الوطء.
من أقوال السادة الشافعية: أن النكاح حقيقة شرعية في العقد مجاز في الوطء، كما جاء به القرآن والأخبار.
من أقوال السادة المالكية: قال صاحب مواهب الجليل، النكاح حقيقة التداخل ويطلق في الشرع على العقد والوطء وأكثر استعماله في العقد.
من أقوال السادة الحنابلة: قال صاحب المغني، النكاح في الشرع هو عقد التزويج، فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل، فهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء.
أدلة السادة الأحناف
يرى الحنفية من قول النكاح هو الوطء لأن الشارع قد استعمل كثيراً لفظ نكاح في الوطء.
فمن الكتاب قوله تعالى (( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا)) سورة النساء أية رقم(22). ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم(( يحل للرجل من امرأته الحائض كل شيء إلا النكاح)) والمراد بالنكاح هنا بمعنى الوطء كما جاء في كتاب الاختيار لتعليل المختار لـ عبد الله بن محمود بن مودود.
أدلة الجمهور
يقول المالكية والشافعية والحنابلة: بأن لفظ نكاح لم يستعمل بمعنى الوطء في كتاب الله إلا في قوله تعالى(( حتى تنكح زوجاً غيره)) الأية سورة البقرة رقم(220) وقد دل ذلك على أن النكاح في عرف الشارع هو العقد لا الوطء. وأن إطلاقه على الوطء من قبيل المجاز.
فصل: (عقد النكاح ـ وحكمه ـ وشروطه).
عند سادتنا الأحناف: هو عقد موضوع لملك المتعة، والمراد بالعقد هو الإيجاب والقبول، والإيجاب هو الصادر أولاً، والقبول هو الصادر ثانياً رداً على إيجاب الموجب. قال به محمد عبد الحي صاحب كتاب شرح الوقاية.
وعند سادتنا الحنابلة: النكاح بأنه عقد التزويج، أي عقد يعتبر فيه لفظ إنكاح، أو تزويج، أو ترجمته.
حكم النكاح
يطلق الحكم ويراد منه الأثر المترتب على فعل المكلف، ففي عقد النكاح مثلاً الأثر المترتب عليه هو حِلُ استمتاع الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل على الوجه المأذون فيه شرعاً.
أخذ من قوله تعالى (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)) سورة البقرة آية رقم (222).
شروط صحة الزواج
يشترط لصحة الزواج عشرة شروط بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه وهي كالتالي:ـ
1. المحلية والفرعية.
2. التأبيد في صيغة العقد.
3. الشهادة.
4. الرضا والأختيار.
5. تعيين الزوجين.
6. عدم الإحرام بالحج أو العمرة.
7. أن يكون بصداق.
8. عدم التواطء بالكتمان.
9. ألا يكون أحد الزوجين أو كلاهما في مرض مخوف.
10. الولي.
الوصف الشرعي للنكاح
1. في حالة من يخاف على نفسه مواقعة المحظور إن ترك النكاح وعنده قدرة على مؤن النكاح، ويرى الفقهاء أن النكاح هنا فرض وواجب بلا خلاف بينهم، ويستدلون على ذلك بالكتاب والسنة.
أما استدلالهم من الكتاب، فقوله جل وعلا (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)) سورة النساء آية رقم (3)
وقوله سبحانه وتعالى (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً)) سورة الإسراء آية رقم(32)
أما استدلالهم من السنة، عن علقمة، قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه. فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة، لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك. قال فقال عبد الله: لئن قلت ذلك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم(( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطيع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). رواه البخاري ومسلم.
وفي حالة الاعتدال، أي الحالة التي تتوق فيها نفس الإنسان إلى النساء لكنه لا يخش على نفسه الوقوع في الزنا إن لم يتزوج، وهو قادر على المهر والنفقة، وقد اختلف الفقهاء في الوصف
في الوصف الشرعي للنكاح في هذه الحالة على التفصيل الآتي:ـ
آراء فقهاء الأحناف هي:ـ
القول الأول: بأن النكاح في هذه الحالة واجب عيني عملاً لا اعتقادا على سبيل التعيين كصلاة الوتر.
القول الثاني: بأن النكاح في هذه الحالة واجب على سبيل الكفاية كرد السلام.
القول الثالث: بأنه مستحب ومندوب، وإليه ذهب الكرخي، وهو أولى من التخلي لنوافل العبادات.
رأي الشافعية:ـ
يرى الشافعية بأن النكاح في هذه الحالة مستحب، والأفضل التخلي عنه لعبادة الله تعالى.
رأي المالكية:ـ
يكون النكاح مندوباًَ في هذه الحالة للراغب فيه، ولم يخش العنت رجاء النسل أولى، ولو قطعه عن عبادة غير واجبة.
رأي الحنابلة:ـ
ويرى الحنابلة رأي الشافعية في استحباب النكاح في هذه الحالة، لكنهم يخالفون في مسألة التخلي عنه والاشتغال بنوافل العبادات، فيرى الحنابلة عكس ذلك.
إذ عندهم النكاح أفضل في هذه الحالة من التخلي لنوافل العبادات
رأي الشيعة الإمامية:ـ
ويرى الشيعة الإمامية أن النكاح مستحب مؤكد لمن يمكنه فعله، ولا يخاف بتركه الوقوع في محرم.
رأي الظاهرية:ـ
ويرى داود بن علي الأصفهاني من أصحاب الظاهرية أن النكاح فرض عين بمنزلة الصوم والصلاة وغيرهما من فروض الأعيان حتى أن من تركه مع القدرة على المهر والنفقة والوطء يأثم.
رأي الشيعة :ـ
قال شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي من علماء الشيعة الأثنى عشرية في كتابه (مختصر التحفة الأثنى عشرية) يستحب ترك النكاح مع التوقان وخوف الفتنة. مع أنه خلاف سنة الأنبياء والأوصياء.
ويقولون: النكاح مكروه إذا كان القمر في العقرب أو تحت الشعاع وفي المحاق.
وهذا مخالف لمقاصد الشرع الذي جاء لأبطال النجوم.
وأيضاً يقولون: إن وطء جارية لم يكمل لها تسع سنين حرام، وإن كانت ضخمة تطيق الجماع. ولا أصل لهذا الحكم في الشرع.
ويجوزون في النكاح المباح أن يشترط الناكح مرات الجماع في زمان معين، ويكون لكل منهما مطالبة الآخر على وفق الشرط.
وقد قال تعالى(( لا تواعدوهن سراً إلا أن تقول قولاً معروفاً)) سورة البقرة أية رقم (235)
يرى الحنفية والمالكية والحنابلة والشيعة الإمامية عن ترك النكاح للتخلي لنوافل العبادات، وهو قول أصحاب الظاهرية.أن الاشتغال بالنكاح لمن عنده توقان للنساء وقدرة عليه ـ لكنه يستطيع أن يمنع نفسه من الوقوع في المحظورات إن لم يتزوج ـ أفضل من ترك النكاح والاشتغال بنوافل العبادات.
ويرى الشافعية أن التخلي عنه لنوافل العبادات أفضل.
2. الحالة الثانية: وهي حالة عدم الشهوة، لكبر في السن أول لمرض، وكذلك حالة وجود الشهوة، لكن لا توجد لدى صاحبها قدرة مالية يستطيع بها أداء المهر الحال والنفقة.
في هذه الحالة يرى الحنفية والشافعية والحنابلة ـ إلا في رأي مرجوح ـ أن ترك النكاح والتخلي عنه للعبادات أفضل أنه يكره النكاح في هذه الحالة.
وهناك رأي في المذهب الحنبلي يقول: إن النكاح مستحب للرجل القادر على النفقة والمهر ولا شهوة له.
وأما رأي السادة المالكية أن النكاح يكون مكروهاً لمن لا يشتهيه، ويقطعه عن عبادته، أو خشي ألا يقوم بما وجب عليه فيه، ويكون النكاح حراماً على من لم يخف العنت، وعجز عن الجماع والنفقة من كسب حلال.
والمرأة كالرجل في هذه الحالة عند المالكية إلا في التسري.
والتسري: هو السير في عالم الليل كقوله تعالى (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) سورة الإسراء آية رقم (1)
أنكحة الجاهلية
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كانت مناكح أهل الجاهلية على أربعة أقسام
أحدها: مناكح الرايات، وهو أن المرأة كانت تنصب على بابها راية، لتعرف أنها عاهرة فيأتيها الناس. والعاهرة معناه من عهر عهراً وعهارةً وعُهورةً أي أتاها ليلا للفجور وهي الزانية.
الثاني: أن الرهط من القبيلة أو الناحية كانوا يجتمعون على وطء امرأة لا يخالطهم غيرهم. فإذا جاءت بولد ألحق بأشبههم.
والثالث: نكاح الاستخبار وهو أن المرأة إذا أرادت أن يكون ولدها كريماً بذلت نفسها لعدة من فحول القبائل ليكون ولدها كأحدهم.
الرابع: النكاح الصحيح وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولدت من نكاح لا سفاحاً.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، قبل النبوة من عمها ورقة بن نوفل، وكان الذي خطبها له عمه أبو طالب، فقال الحمد لله الذي جعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوجاً، وجعلنا سدنته، وهذا محمد قد علمتم مكانه من العقل والنبل، وإن كان في المال قل، إلا أن المال ظل زائل، وعارية مسترجعة، وما أردتم من المال فعليّ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك، فزوجها منه عمها.
المتعة
اتفقت المذاهب الأربعة وجماهير الصحابة على أن زواج المتعة ونحوه حرام باطل.
إلا أن الإمام زفر اعتبر الزواج المؤقت صحيحاً وشرط التوقيت فاسداً أو باطلاً، لأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، ورد عليه بأن العقد المؤقت في معنى المتعة والعبرة في العقود والمعاني لا للألفاظ.
الفرق بين النكاح المؤقت ونكاح المتعة
اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة، على أنه لا فرق بين الاثنين فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة.
والمشهور عند الحنفية أن نكاح المتعة يشترط فيه أن يكون بلفظ المتعة، كأن يقول لها متعيني بنفسك، أو أتمتع بك، أو متعتك بنفسي، فإن كان غير لفظ المتعة فهو ليس بنكاح المتعة. ولكن قال الجمهور على أن ذلك لم يثبت، وعلى هذا يكون نكاح المتعة هو النكاح المؤقت بلا فرق كما ذهب إليه جمهور العلماء.
حقيقة نكاح المتعة
فهو أن يقيد عقد الزواج بوقت معين كأن يقول لها: زوجيني نفسك شهراً، أو تزوجتك مدة سنة، أو متعيني بنفسك مدة سنة، أو أتمتع بك مدة كذا وكذا، أو نحو ذلك.
وسواء كان ذلك صادر أمام شهود ومباشرة ولي، أو لا.
وسواء كان نكاح المتعة هو عين النكاح المؤقت، أو غيره، فهو باطل باتفاق.
وإذا وقع عن أحد استحق عليه التعزير، لا الحد.
والتعزير: جمع عذر، وهو اللوم، والعزر والتعزير، ضرب دون الحد، لمنع الجاني المعاودة وردعه من المعصية.
أصل مشروعية نكاح المتعة
فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في قلة تقضي عليهم بمناضلة أعدائهم باستمرار، وهذه حالة لا يستطيعون معها القيام بتكاليف الزوجية، وتربية الأسرة، خصوصاً أن حالتهم المالية كانت سيئة إلى أقصى مدى، ولأنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربو فيها قبل الإسلام، وهي قوض الشهوات في النساء، حتى كان الواحد منهم يجمع تحته ما شاء من النساء، فيقرب ما يحب ويقصي من يشاء، ولذلك شرعت نكاح المتعة، أو نكاح المؤقت، وشرعت لضرورة الحرب، وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم، ولا يستطيعون الزواج الدائم، كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية.
والحديث الذي رواه مسلم يدل على تشريع نكاح المتعة، أو النكاح المؤقت، عن هيس قال: سمعت عبد الله يقول: (( كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقال: آلا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا: أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل)) قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ـ باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة. وترجم في المنتقى بـ ( باب ما جاء في نكاح المتعة، وبيان نسخه))
تحريم نكاح المتعة، أو نكاح المؤقت
وقد روى مسلم أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء (يوم خيبر) وعن أكل لحوم الحمر الأنسية. والحمر الأنسية: هي الحمير الأهلية المستعملة بين الناس في المدن وهو غير الحمر الوحشية، والحمر جمع حمار.
وقد روى ابن ماجة عن الربيع بن سعيد عن أبيه فساق الحديث إلى أن قال: ((ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع آلا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها)).الحديث
قال الإمام النووي: أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة (وهو يوم أوطاس) لاتصالهما، ثم حرمت يومئذٍـ بعد ثلاثة أيام ـ تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة، واستمر التحريم.
قال السيل
استمتع بعض الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فليس هذا ببدع، فقد يخفى الحكم عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم.
ولهذا صرح عن الفاروق رضي الله عنه بالنهي عن ذلك واسند إلى نهيه صلى الله عليه وسلم لما بلغه.
وأن بعض الصحابة تمتع، فالحجة إنما هي في الثابت عن رسول
لله صلى الله عليه وسلم لا فيما فعله فرداً أو أفراداً من الصحابة.أهـ.
تعريف المتعة
قال المالكية: نكاح المتعة، هو أن يكون لفظ العقد مؤقتاًَ بوقت كأن يقول للولي: زوجني فلانة شهراً بكذا.
قال إذا تزوج بهذه الألفاظ السابقة فالنكاح باطل ويعاقب فاعل نكاح المتعة. ولكن لا يحد.
الشافعية ـ قالوا: نكاح المتعة، هو النكاح لأجل، فلو قال للولي زوجني فلانة شهراً، فإنه يكون نكاح متعة وهو باطل بالإتفاق.
ومثل ذلك إذا ما قال له الولي(زوجتك فلانة مدة عمرها، بطل العقد). وعليه قول الحنابلة.
قالت الحنفية: نكاح المتعة هو أن يقول: لامرأة خالية من الموانع، أتمتع بك، أو متعيني بنفسك أيام، أو عشرة أيام بكذا، فتقول له: قبلت. فيجب ذكر لفظ المتعة خلافاً للجمهور.
قال: الشيعة الإمامية، يجوز المتعة، أو النكاح المنقطع بالمرأة المسلمة، أو الكتابية، ويكره بالزانية.
بشرط ذكر المهر، وتُحد الأجل، أي المدة.
وينعقد بأحد الألفاظ الثلاثة وهي:ـ
زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك.
وأحكامه عند الإمامية كما يأتي:ـ
1. الإخلال. بذكر المهر مع ذكر الأجل، يبطل العقد، وذكر المهر دون الأجل يقبله دائماً.
2. لا حكم للشروط قبل العقد، ويلزم لو ذكرت فيه.
3. يجوز اشتراط إتيانها ليلاً أو نهاراً، وألا يطؤها في الفرج ، والعزل من دون إذنها، ويلحق الولد بالأب وإن عزل. لكن لو نفاه لم يحتاج إلى اللعان.
4. لا يقع بالمتعة طلاق بإجماع الشيعة، ولا لعان على الأظهر، ويعقع الظهار على تردد.
5.لا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين، وأما الولد فإنه يرثهما ويرثانه من غير إخلاف.
6. إذا انقضى أجلها، فالعدة حيضتان على الأشهر، وعدة غير الحائض خمسة وأربعون يوماً، وعدة الوفاة، لو مات عنها زوجها في أشبه الروايتين، أربعة أشهر وعشرة أيام.
7. لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل، ولو أراده وهبها ما بقي من المدة واستأنف.
اتفق الجمهور على حرمته، وسنذكر أدلة الجمهور على ذلك.
استدل الجمهور على تحريم نكاح المتعة بالقرآن، والسنة، والإجماع، والمعقول.
1. أما القرآن : فقوله تعالى } والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيما نهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون{ سورة المعارج اية رقم (29 30-31)
فهذه الآيات الكريمات حرمت الاستمتاع بالنساء إلا من طريقين، الزواج ، و ملك اليمين ، وليست المتعة ، زواجاً صحيحاً ، ولا ملك يمين فتكون محرمة، ودليل أنها ليست زواجاً، أنها ترتفع من غير طلاق، ولا نفقة ، ولا يثبت بها التوارث.
2. أما من السنة فالأحاديث كثيرة.
منها ما ذكرناها عن أبي طالب، في رواية مسلم، وعن الربيع بن سعيد، في رواية أبن ماجة، راجع صفحة 21
3. أما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على تحريم زواج المتعة، ولو كان جائزاً لأفتوا به، إلا الإمامية أجازوا زواج المتعة.
قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، أي في المتعة، ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها، إلا بعض الرافضة ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها، إلا الروافض.
4. أما المعقول: فإن الزواج إنما شرع مؤبداً لأغراض ومقاصد اجتماعية. مثل، سكن النفس وإنجاب الأولاد، وتكوين الأسرة، وليس في المتعة إلا قضاء الشهوة بنحو مؤقت، فهو كالزنا تماماً.
وعلى هذا تبين لنا بتحريم نكاح المتعة من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرنا من الأدلة من القرآن والسنة الإجماع والمعقول والمنقول، ولا عبرة لما قالته الشيعة في تحليل نكاح المتعة. والله أعلم
جمع وترتيب
العبد الفقير إلى عفو ربه
كريم الله بن محمد أمين بن مولا علي
البرماوي المكي
غفر الله له ولوالديه
ولمشايخه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الذي بين الحلال والحرام للمسلمين، وخلق الإنسان وبث منه الزوجين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، ونسأل الله سبحانه ولي المؤمنين، أن ينفعنا بعلوم الدين، ويا من أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، يا من لا يُمله الدعاء، ولا ينقص من خزائنه العطاء، ولا يخيب فيه الرجاء، يا من يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يا من بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
أما بعد فكنت أجد في نفسي ارتياحاً لكتابة البحوث وأرغب في البحث اللائق المريح، حتى أرشدني فضيلة الشيخ محمد وريس خان، إلى موضوع جيد ومفيد للأمة الإسلامية، بعنوان(حكم المتعة في الفقه الإسلامي) وكلفني بهذا البحث جز الله عنا خير الجزاء.
التمهيد
لقد قمت بتقديم باب النكاح عن باقي الأبواب لأنه المشروع في الإسلام، رغم أن فضيلة الشيخ محمد رويس خان رتب الرسالة على النحو التالي:ـ
المتعة ـ النكاح ـ الزنا.
إلا أنني قدمت باب النكاح لأنه هو الأصل والصحيح، والمتعة جعلتها في المرتبة الثانية لأنه كانت مشروعة في بداية الإسلام، ثم حرمت بعد نهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم القيامة، لذلك قدمتها عن الزنا، وجعلت آخر باب هو الزنا لأنه لا أصل له وهو الفجور والفساد، ولم يكن مشروعاً ولا أصل له.
المتعة ـ النكاح ـ الزنا
تعريف المتعة لغة: هي متعة المرأة ما وصلت به بعد الطلاق، من نحو القميص والإزار والملحقة، وهي متعة الطلاق.
ونكاح المتعة هو المؤقت في العقد.
ومتع النهار كَمَنَعَ منوعاً، ارتفع قبل الزوال، والضحى بلغ آخر غايته وهو عند الضحى الأكبر.
المتعة اصطلاحاً: أن تتزوج امرأة تتمتع بها أياماً ثم تخلي سبيلها.
تعريف النكاح لغة: هو الجمع والضم.
وفي المبسوط هو الوطء.
النكاح في الاصطلاح: هو العقد بشروط، قال: فخر الإسلام، هو العقد الشرعي.
قال السادة الحنفية: الأصح أنه حقيقة في الوطء، خاصة لوجود معنى الضم فيه حقيقة.
قال السادة الشافعية: هو عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ أنكاح، أو تزويج، أو ترجمته.
وفي قول آخر أنه عبارة عن العقد.
قال السادة المالكية: أن النكاح في اللغة هو حقيقة في الوطء، ومجاز في العقد، وفي الاصطلاح فعلى العكس، أي حقيقة في العقد، ومجاز في الوطء.
قال السادة الحنابلة: في الشرع هو عقد التزويج، فعند إطلاق لفظه يتصرف إليه مالم يصرفه دليل.
تعريف الزنا لغة: هو الفجور.
الزنى: بالقصر في لغة أهل الحجاز.
الزنا: بالمد في لغة أهل نجد وهو الفجور.
والنسبة إلى المقصور ـ زَنَويٌ، وإلى الممدود ـ زِناءيٌ,
تعريف الزنا اصطلاحا: هو كل اتصال جنسي قائم على أساس غير شرعي.
النكاح
تعريف النكاح شرعاً: اختلف في تعريفه شرعاً على أقوال كما سنبينها.
أقوال السادة المذاهب الأربعة:
من أقوال السادة الأحناف، قال صاحب الاختيار، النكاح عبارة عن ضم وجمع مخصوص وهو الوطء.
من أقوال السادة الشافعية: أن النكاح حقيقة شرعية في العقد مجاز في الوطء، كما جاء به القرآن والأخبار.
من أقوال السادة المالكية: قال صاحب مواهب الجليل، النكاح حقيقة التداخل ويطلق في الشرع على العقد والوطء وأكثر استعماله في العقد.
من أقوال السادة الحنابلة: قال صاحب المغني، النكاح في الشرع هو عقد التزويج، فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل، فهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء.
أدلة السادة الأحناف
يرى الحنفية من قول النكاح هو الوطء لأن الشارع قد استعمل كثيراً لفظ نكاح في الوطء.
فمن الكتاب قوله تعالى (( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا)) سورة النساء أية رقم(22). ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم(( يحل للرجل من امرأته الحائض كل شيء إلا النكاح)) والمراد بالنكاح هنا بمعنى الوطء كما جاء في كتاب الاختيار لتعليل المختار لـ عبد الله بن محمود بن مودود.
أدلة الجمهور
يقول المالكية والشافعية والحنابلة: بأن لفظ نكاح لم يستعمل بمعنى الوطء في كتاب الله إلا في قوله تعالى(( حتى تنكح زوجاً غيره)) الأية سورة البقرة رقم(220) وقد دل ذلك على أن النكاح في عرف الشارع هو العقد لا الوطء. وأن إطلاقه على الوطء من قبيل المجاز.
فصل: (عقد النكاح ـ وحكمه ـ وشروطه).
عند سادتنا الأحناف: هو عقد موضوع لملك المتعة، والمراد بالعقد هو الإيجاب والقبول، والإيجاب هو الصادر أولاً، والقبول هو الصادر ثانياً رداً على إيجاب الموجب. قال به محمد عبد الحي صاحب كتاب شرح الوقاية.
وعند سادتنا الحنابلة: النكاح بأنه عقد التزويج، أي عقد يعتبر فيه لفظ إنكاح، أو تزويج، أو ترجمته.
حكم النكاح
يطلق الحكم ويراد منه الأثر المترتب على فعل المكلف، ففي عقد النكاح مثلاً الأثر المترتب عليه هو حِلُ استمتاع الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل على الوجه المأذون فيه شرعاً.
أخذ من قوله تعالى (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)) سورة البقرة آية رقم (222).
شروط صحة الزواج
يشترط لصحة الزواج عشرة شروط بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه وهي كالتالي:ـ
1. المحلية والفرعية.
2. التأبيد في صيغة العقد.
3. الشهادة.
4. الرضا والأختيار.
5. تعيين الزوجين.
6. عدم الإحرام بالحج أو العمرة.
7. أن يكون بصداق.
8. عدم التواطء بالكتمان.
9. ألا يكون أحد الزوجين أو كلاهما في مرض مخوف.
10. الولي.
الوصف الشرعي للنكاح
1. في حالة من يخاف على نفسه مواقعة المحظور إن ترك النكاح وعنده قدرة على مؤن النكاح، ويرى الفقهاء أن النكاح هنا فرض وواجب بلا خلاف بينهم، ويستدلون على ذلك بالكتاب والسنة.
أما استدلالهم من الكتاب، فقوله جل وعلا (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)) سورة النساء آية رقم (3)
وقوله سبحانه وتعالى (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً)) سورة الإسراء آية رقم(32)
أما استدلالهم من السنة، عن علقمة، قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه. فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة، لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك. قال فقال عبد الله: لئن قلت ذلك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم(( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطيع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). رواه البخاري ومسلم.
وفي حالة الاعتدال، أي الحالة التي تتوق فيها نفس الإنسان إلى النساء لكنه لا يخش على نفسه الوقوع في الزنا إن لم يتزوج، وهو قادر على المهر والنفقة، وقد اختلف الفقهاء في الوصف
في الوصف الشرعي للنكاح في هذه الحالة على التفصيل الآتي:ـ
آراء فقهاء الأحناف هي:ـ
القول الأول: بأن النكاح في هذه الحالة واجب عيني عملاً لا اعتقادا على سبيل التعيين كصلاة الوتر.
القول الثاني: بأن النكاح في هذه الحالة واجب على سبيل الكفاية كرد السلام.
القول الثالث: بأنه مستحب ومندوب، وإليه ذهب الكرخي، وهو أولى من التخلي لنوافل العبادات.
رأي الشافعية:ـ
يرى الشافعية بأن النكاح في هذه الحالة مستحب، والأفضل التخلي عنه لعبادة الله تعالى.
رأي المالكية:ـ
يكون النكاح مندوباًَ في هذه الحالة للراغب فيه، ولم يخش العنت رجاء النسل أولى، ولو قطعه عن عبادة غير واجبة.
رأي الحنابلة:ـ
ويرى الحنابلة رأي الشافعية في استحباب النكاح في هذه الحالة، لكنهم يخالفون في مسألة التخلي عنه والاشتغال بنوافل العبادات، فيرى الحنابلة عكس ذلك.
إذ عندهم النكاح أفضل في هذه الحالة من التخلي لنوافل العبادات
رأي الشيعة الإمامية:ـ
ويرى الشيعة الإمامية أن النكاح مستحب مؤكد لمن يمكنه فعله، ولا يخاف بتركه الوقوع في محرم.
رأي الظاهرية:ـ
ويرى داود بن علي الأصفهاني من أصحاب الظاهرية أن النكاح فرض عين بمنزلة الصوم والصلاة وغيرهما من فروض الأعيان حتى أن من تركه مع القدرة على المهر والنفقة والوطء يأثم.
رأي الشيعة :ـ
قال شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي من علماء الشيعة الأثنى عشرية في كتابه (مختصر التحفة الأثنى عشرية) يستحب ترك النكاح مع التوقان وخوف الفتنة. مع أنه خلاف سنة الأنبياء والأوصياء.
ويقولون: النكاح مكروه إذا كان القمر في العقرب أو تحت الشعاع وفي المحاق.
وهذا مخالف لمقاصد الشرع الذي جاء لأبطال النجوم.
وأيضاً يقولون: إن وطء جارية لم يكمل لها تسع سنين حرام، وإن كانت ضخمة تطيق الجماع. ولا أصل لهذا الحكم في الشرع.
ويجوزون في النكاح المباح أن يشترط الناكح مرات الجماع في زمان معين، ويكون لكل منهما مطالبة الآخر على وفق الشرط.
وقد قال تعالى(( لا تواعدوهن سراً إلا أن تقول قولاً معروفاً)) سورة البقرة أية رقم (235)
يرى الحنفية والمالكية والحنابلة والشيعة الإمامية عن ترك النكاح للتخلي لنوافل العبادات، وهو قول أصحاب الظاهرية.أن الاشتغال بالنكاح لمن عنده توقان للنساء وقدرة عليه ـ لكنه يستطيع أن يمنع نفسه من الوقوع في المحظورات إن لم يتزوج ـ أفضل من ترك النكاح والاشتغال بنوافل العبادات.
ويرى الشافعية أن التخلي عنه لنوافل العبادات أفضل.
2. الحالة الثانية: وهي حالة عدم الشهوة، لكبر في السن أول لمرض، وكذلك حالة وجود الشهوة، لكن لا توجد لدى صاحبها قدرة مالية يستطيع بها أداء المهر الحال والنفقة.
في هذه الحالة يرى الحنفية والشافعية والحنابلة ـ إلا في رأي مرجوح ـ أن ترك النكاح والتخلي عنه للعبادات أفضل أنه يكره النكاح في هذه الحالة.
وهناك رأي في المذهب الحنبلي يقول: إن النكاح مستحب للرجل القادر على النفقة والمهر ولا شهوة له.
وأما رأي السادة المالكية أن النكاح يكون مكروهاً لمن لا يشتهيه، ويقطعه عن عبادته، أو خشي ألا يقوم بما وجب عليه فيه، ويكون النكاح حراماً على من لم يخف العنت، وعجز عن الجماع والنفقة من كسب حلال.
والمرأة كالرجل في هذه الحالة عند المالكية إلا في التسري.
والتسري: هو السير في عالم الليل كقوله تعالى (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) سورة الإسراء آية رقم (1)
أنكحة الجاهلية
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كانت مناكح أهل الجاهلية على أربعة أقسام
أحدها: مناكح الرايات، وهو أن المرأة كانت تنصب على بابها راية، لتعرف أنها عاهرة فيأتيها الناس. والعاهرة معناه من عهر عهراً وعهارةً وعُهورةً أي أتاها ليلا للفجور وهي الزانية.
الثاني: أن الرهط من القبيلة أو الناحية كانوا يجتمعون على وطء امرأة لا يخالطهم غيرهم. فإذا جاءت بولد ألحق بأشبههم.
والثالث: نكاح الاستخبار وهو أن المرأة إذا أرادت أن يكون ولدها كريماً بذلت نفسها لعدة من فحول القبائل ليكون ولدها كأحدهم.
الرابع: النكاح الصحيح وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولدت من نكاح لا سفاحاً.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، قبل النبوة من عمها ورقة بن نوفل، وكان الذي خطبها له عمه أبو طالب، فقال الحمد لله الذي جعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوجاً، وجعلنا سدنته، وهذا محمد قد علمتم مكانه من العقل والنبل، وإن كان في المال قل، إلا أن المال ظل زائل، وعارية مسترجعة، وما أردتم من المال فعليّ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك، فزوجها منه عمها.
المتعة
اتفقت المذاهب الأربعة وجماهير الصحابة على أن زواج المتعة ونحوه حرام باطل.
إلا أن الإمام زفر اعتبر الزواج المؤقت صحيحاً وشرط التوقيت فاسداً أو باطلاً، لأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، ورد عليه بأن العقد المؤقت في معنى المتعة والعبرة في العقود والمعاني لا للألفاظ.
الفرق بين النكاح المؤقت ونكاح المتعة
اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة، على أنه لا فرق بين الاثنين فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة.
والمشهور عند الحنفية أن نكاح المتعة يشترط فيه أن يكون بلفظ المتعة، كأن يقول لها متعيني بنفسك، أو أتمتع بك، أو متعتك بنفسي، فإن كان غير لفظ المتعة فهو ليس بنكاح المتعة. ولكن قال الجمهور على أن ذلك لم يثبت، وعلى هذا يكون نكاح المتعة هو النكاح المؤقت بلا فرق كما ذهب إليه جمهور العلماء.
حقيقة نكاح المتعة
فهو أن يقيد عقد الزواج بوقت معين كأن يقول لها: زوجيني نفسك شهراً، أو تزوجتك مدة سنة، أو متعيني بنفسك مدة سنة، أو أتمتع بك مدة كذا وكذا، أو نحو ذلك.
وسواء كان ذلك صادر أمام شهود ومباشرة ولي، أو لا.
وسواء كان نكاح المتعة هو عين النكاح المؤقت، أو غيره، فهو باطل باتفاق.
وإذا وقع عن أحد استحق عليه التعزير، لا الحد.
والتعزير: جمع عذر، وهو اللوم، والعزر والتعزير، ضرب دون الحد، لمنع الجاني المعاودة وردعه من المعصية.
أصل مشروعية نكاح المتعة
فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في قلة تقضي عليهم بمناضلة أعدائهم باستمرار، وهذه حالة لا يستطيعون معها القيام بتكاليف الزوجية، وتربية الأسرة، خصوصاً أن حالتهم المالية كانت سيئة إلى أقصى مدى، ولأنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربو فيها قبل الإسلام، وهي قوض الشهوات في النساء، حتى كان الواحد منهم يجمع تحته ما شاء من النساء، فيقرب ما يحب ويقصي من يشاء، ولذلك شرعت نكاح المتعة، أو نكاح المؤقت، وشرعت لضرورة الحرب، وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم، ولا يستطيعون الزواج الدائم، كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية.
والحديث الذي رواه مسلم يدل على تشريع نكاح المتعة، أو النكاح المؤقت، عن هيس قال: سمعت عبد الله يقول: (( كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقال: آلا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا: أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل)) قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ـ باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة. وترجم في المنتقى بـ ( باب ما جاء في نكاح المتعة، وبيان نسخه))
تحريم نكاح المتعة، أو نكاح المؤقت
وقد روى مسلم أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء (يوم خيبر) وعن أكل لحوم الحمر الأنسية. والحمر الأنسية: هي الحمير الأهلية المستعملة بين الناس في المدن وهو غير الحمر الوحشية، والحمر جمع حمار.
وقد روى ابن ماجة عن الربيع بن سعيد عن أبيه فساق الحديث إلى أن قال: ((ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع آلا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها)).الحديث
قال الإمام النووي: أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة (وهو يوم أوطاس) لاتصالهما، ثم حرمت يومئذٍـ بعد ثلاثة أيام ـ تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة، واستمر التحريم.
قال السيل
استمتع بعض الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فليس هذا ببدع، فقد يخفى الحكم عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم.
ولهذا صرح عن الفاروق رضي الله عنه بالنهي عن ذلك واسند إلى نهيه صلى الله عليه وسلم لما بلغه.
وأن بعض الصحابة تمتع، فالحجة إنما هي في الثابت عن رسول
لله صلى الله عليه وسلم لا فيما فعله فرداً أو أفراداً من الصحابة.أهـ.
تعريف المتعة
قال المالكية: نكاح المتعة، هو أن يكون لفظ العقد مؤقتاًَ بوقت كأن يقول للولي: زوجني فلانة شهراً بكذا.
قال إذا تزوج بهذه الألفاظ السابقة فالنكاح باطل ويعاقب فاعل نكاح المتعة. ولكن لا يحد.
الشافعية ـ قالوا: نكاح المتعة، هو النكاح لأجل، فلو قال للولي زوجني فلانة شهراً، فإنه يكون نكاح متعة وهو باطل بالإتفاق.
ومثل ذلك إذا ما قال له الولي(زوجتك فلانة مدة عمرها، بطل العقد). وعليه قول الحنابلة.
قالت الحنفية: نكاح المتعة هو أن يقول: لامرأة خالية من الموانع، أتمتع بك، أو متعيني بنفسك أيام، أو عشرة أيام بكذا، فتقول له: قبلت. فيجب ذكر لفظ المتعة خلافاً للجمهور.
قال: الشيعة الإمامية، يجوز المتعة، أو النكاح المنقطع بالمرأة المسلمة، أو الكتابية، ويكره بالزانية.
بشرط ذكر المهر، وتُحد الأجل، أي المدة.
وينعقد بأحد الألفاظ الثلاثة وهي:ـ
زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك.
وأحكامه عند الإمامية كما يأتي:ـ
1. الإخلال. بذكر المهر مع ذكر الأجل، يبطل العقد، وذكر المهر دون الأجل يقبله دائماً.
2. لا حكم للشروط قبل العقد، ويلزم لو ذكرت فيه.
3. يجوز اشتراط إتيانها ليلاً أو نهاراً، وألا يطؤها في الفرج ، والعزل من دون إذنها، ويلحق الولد بالأب وإن عزل. لكن لو نفاه لم يحتاج إلى اللعان.
4. لا يقع بالمتعة طلاق بإجماع الشيعة، ولا لعان على الأظهر، ويعقع الظهار على تردد.
5.لا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين، وأما الولد فإنه يرثهما ويرثانه من غير إخلاف.
6. إذا انقضى أجلها، فالعدة حيضتان على الأشهر، وعدة غير الحائض خمسة وأربعون يوماً، وعدة الوفاة، لو مات عنها زوجها في أشبه الروايتين، أربعة أشهر وعشرة أيام.
7. لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل، ولو أراده وهبها ما بقي من المدة واستأنف.
اتفق الجمهور على حرمته، وسنذكر أدلة الجمهور على ذلك.
استدل الجمهور على تحريم نكاح المتعة بالقرآن، والسنة، والإجماع، والمعقول.
1. أما القرآن : فقوله تعالى } والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيما نهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون{ سورة المعارج اية رقم (29 30-31)
فهذه الآيات الكريمات حرمت الاستمتاع بالنساء إلا من طريقين، الزواج ، و ملك اليمين ، وليست المتعة ، زواجاً صحيحاً ، ولا ملك يمين فتكون محرمة، ودليل أنها ليست زواجاً، أنها ترتفع من غير طلاق، ولا نفقة ، ولا يثبت بها التوارث.
2. أما من السنة فالأحاديث كثيرة.
منها ما ذكرناها عن أبي طالب، في رواية مسلم، وعن الربيع بن سعيد، في رواية أبن ماجة، راجع صفحة 21
3. أما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على تحريم زواج المتعة، ولو كان جائزاً لأفتوا به، إلا الإمامية أجازوا زواج المتعة.
قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، أي في المتعة، ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها، إلا بعض الرافضة ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها، إلا الروافض.
4. أما المعقول: فإن الزواج إنما شرع مؤبداً لأغراض ومقاصد اجتماعية. مثل، سكن النفس وإنجاب الأولاد، وتكوين الأسرة، وليس في المتعة إلا قضاء الشهوة بنحو مؤقت، فهو كالزنا تماماً.
وعلى هذا تبين لنا بتحريم نكاح المتعة من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرنا من الأدلة من القرآن والسنة الإجماع والمعقول والمنقول، ولا عبرة لما قالته الشيعة في تحليل نكاح المتعة. والله أعلم
اسم الموضوع : حكم المتعة في الفقه الإسلامي
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.