الحرمين
New member
رأيت بأم عيني على حدود سورية
لا بد من تحرك سريع.. وإنني لهول ما رأيت بأم عيني من مجازر بشعة تفوق الوصف.. لأشدُّ على
عضد وزير خارجيتنا في ضرورة التدخّل العسكري وأوافقه في وصفه للوضع في سورية بأنه "مجزرة بشعة"
لقد أكرمني الله بالاستجابة لدعوة كريمة من "ليان"، و"ليان" فريق إعلامي خليجي تطوّعي مختص
بتغطية مأساة اللاجئين السوريين على الحدود السّورية اللبنانية (منطقة وادي خالد)، وقد استوحى
فريق العمل الاسم من وفاة الرضيعة السوريّة "ليان" والتي لا يتجاوز عمرها سبعة شهور بعد تدهور حالتها الصحية،
ورغم قيام والديها بكل ما يمكنهما لإنقاذ فلذة كبديهما فاجتازا المعابر وصولاً إلى وادي خالد،
فطلبا المعونة واتصلت المستشفيات على متبرّعين من الخليج، ولكن عندما وصلت المعونات
كانت ليان قد لفظت أنفاسها الأخيرة في ظل عدم وجود عناية طبيّة وإغاثة سريعة للاجئين.
ثمان وأربعون ساعة من عمري لا يمكن أن تُنسى.. رأيت فيها من المآسي والابتلاءات والمحن
ما سيبقى لي زاداً وعبرة طوال عمري، رأيت فيها عشرات العائلات من اللاجئين الذين انقلب
حالهم من عِزّ وغنى إلى فقر وعوز وتشريد، ومن صحّة إلى مرض وعاهات مستدامة،
ومن حياة رغيدة إلى موت مجهّز، يعيشون في بيوت من الصفيح في أزقة مظلمة
يصعب الوصول إليها أو في مناطق عشوائية تفتقد أبسط مقوّمات الحياة.
في كل بيت قصّة.. وفي كل قصة مواعظ وعبر.. ففي بيت تقطُنُه امرأة مع طفلها
ذي الاثني عشر عاماً، فقدت زوجها وثلاثة من أبنائها الأربعة.. زوجة شهيد وأم لثلاثة شهداء..
مدرسةٌ في الصّبر والرّضى بقضاء الله وقدره والإيمان الراسخ أنّهم منتصرون.. تُرينا على هاتفها الجوال
فيديو لأحد أبنائها الشهداء وهو يُشيّع.. أصرّت إلا أن تُطعِمنا وليس في بيتها شيء.
دخلنا بيتاً فيه عائلة كبيرة وفيها رجل ضرير حكى لنا أنه بالرغم من كونه رجلاً ضريراً إلا أن مجرمي
الأسد لم يراعوا عجزه فأمروه بالسجود لصورة بشّار فأبى، فما زالوا يضربونه حتى سقط مغشياً
عليه ينزف دماً.. وانشغلوا عنه بأخيه الضرير أيضآً يركلونه ويدوسونه فلم يتركوهما حتى قبّل الأب
حذاء الضابط المسؤول، ثم وجدوا أهل الخير وهربوا بهم جميعاً، في
هذا البيت رأينا الأطفال بمعنويات عالية، إنهم واثقون بنصر الله.
أما في المستشفيات فرأينا الكثير والكثير مما يشيب له الرأس.. رأيت فتاة في الثانية عشرة
من عمرها اسمها "غفران"، اخترقت رصاصة القنّاصة ركبتها اليمنى مما سبب لها قطعاً في العصب
وشللاً كاملاً من الركبة إلى أسفل الساق تاركة إياها بعاهة مستديمة، وعلمت آنذاك أن هناك المئات
من مثل غفران، فقنّاصة المجرم بشار يتعمّدون أن يسببّوا للأطفال عاهات مستديمة ليشغلوا أهليهم بهم عنهم.
الغالبية العظمى من الحالات التي شاهدناها هي لمدنيين وقصصهم متشابهة.. أصابهم القنّاصة
أو شظايا القنابل وهم يحاولون إحضار الخبز والزّاد لذويهم، ومنهم من صادهم رصاص
القنّاصة وهم يحاولون إسعاف جرحى فأصابوهم في الرأس أو في الظهر أو في الأطراف.
رأيت شخصاً يرقد مشلولاً شللاً كاملاً.. لا يستطيع إلا أن يحرّك عينيه وشفتيه ويتنفس من
خلال أنبوب في رقبته. كان طالباً للقانون وله ثلاثة أطفال.. خرج من بيته ليشتري خبزاً أو شيئاً
يؤكل عندما بدأ الرصاص يتراشق عليهم، فبدأ هو وزملاؤه في الهروب ولكن القنّاص تمكّن من أن يهديه
رصاصة في عموده الفقري وأخرى في الرّقبة فسقط مشلولاً في لحظته، فحمله أهل الخير وهرّبوه
إلى حدود سورية ثم إلى طرابلس.. زوجته لم تعلم عنه شيئاً منذ لم يعد إلى بيته، وأخيراً وجدته
في إحدى المستشفيات.. تبكي وهي ترى زوجها في حالته هذه وهو لم يفعل شيئاً إلا أنّه حاول إحضار طعامٍ لأهله.
رأيت شاباً يبلغ من العمر 15 عاماً.. يروي قصته العجيبة ..حيث كان من الذين قاموا بالمظاهرات
السّلمية في أول الثورة، وما زال يذكر اليوم.. التاسع والعشرين من إبريل 2011م.. هو وأصحابه
الخمس عشرة وقفوا أمام عناصر الجيش، فأتوهم بأربع دبابات حربية.. وقفوا أمامها ظانين أنهم
إخوانهم ولن يؤذوهم.. فجأة فتح الجيش النار عليهم.. مات كل رفقائه في لحظتها.. ولا يذكر ما حدث بعدها،
ولكنه سمع صوت الدبابات وهي تمشي فوق جثثهم فتهشّم عظامهم، وبعد مغادرة الجيش السوري
جاء الأهالي لحمل الجثث ففوجئوا أنه ما زال حياً.. يتحدث لنا في المستشفى بكل ثقة وإيمان ويوجه خطابه
لبشار قائلاً "قد تقتل منا من تقتل ولكنك لن تقتل عزيمتنا ولن تقتل كرامتنا"، يملؤك بمشاعر العزة والكرامة..
وجلّ حزنه كيف فاتته الشهادة بينما فاز بها كل زملائه. عزيّته بقولي "إنما اصطفاك الله لتكون لك شهادتان:
شهادة في الدنيا لتخبر العالم ما حدث لكم ذلك اليوم.. وشهادة في الآخرة"، فابتسم وكأنّ
جوابي قد أصاب استحسانه وخفّف من حسرته بفوات الشهادة عليه.
سمعنا ورأينا في إحدى المستشفيات نتائج استعمال الرصاص المحرّم دولياً الذي يسمي
بالرصاص الخارق الحارق المتفجر، فهو يخترق الجسد ويحرق كل ما يصل إليه ثم إذا استقر
داخل الجسد انفجر.. سمعنا عن قنّاصات تعمل بالبصمة فإن وقعت في يد غير صاحبها من جيش
الحرس الجمهوري انفجرت بحاملها، وسمعنا في مستشفى آخر عن الرّصاص الملوّث الذي إن
دخل الجسم قتله لانتشار البكتريا في الجسم وهو كذلك محرم دولياً.. سمعنا عن جنود من إيران
وحزب الله يشاركون في القتل والذبح والحرب على العزل من السلاح، لا يفرّقون بين رجل وامرأة صغيراً كان أو كبيراً.
حيث إنه لا توجد صورة واضحة عن انتهاء الأزمة السورية، فإننا نتوقع كارثةً إنسانيةً لتزايد النّازحين
وعدم وجود استعداد لاستقبالهم أو ترتيب أوضاعهم، من أجل هذا أنشئت حملة "ليان"، وبفضل الله
في خلال أسبوعين نكون قد وفرنا أول مستشفى متنقل على الحدود في منطقة وادي خالد.
إننا على مشارف كارثة إنسانية ولا بد من تحرك سريع كل منا على قدر طاقته.. وإنني لهول ما رأيت
بأم عيني من مجازر بشعة تفوق الوصف.. لأشدُّ على عضد وزير خارجيتنا في ضرورة التدخّل العسكري
وأوافقه في وصفه للوضع في سورية كما يجب أن يوصف بأنه "مجزرة بشعة"، وقوله "نحن لم ندفعهم
للقتال ولكنهم يسعون للحرية والكرامة، والقتل من قبل الحكومة السورية مستمر، فهل نسمح
بذلك أم نعطي الشعب السوري حقّه في الدفاع عن أنفسهم؟ الناس بحاجة إلى مساعدة،
نعم نحن ندعم تسليح المعارضة السورية" قالها وزير خارجيتنا ابن الفيصل.
وإنني أناشد حكومات الدول العربية والإسلامية أن تسارع في ذلك فكل يوم تتفاقم المأساة
وتتزايد أعداد الضحايا الأبرياء.. ولن يوقف عدوان هذا النّظام الفاسق إلا القوة..
فهم لا يفهمون لغةً غيرها.. ولا عهد لهم ولا ذمة ولا ضمير يحتكمون إليه ولا عقود يوفون بها.
وليد فتيحي 2012-04-07 2:52 AMلا بد من تحرك سريع.. وإنني لهول ما رأيت بأم عيني من مجازر بشعة تفوق الوصف.. لأشدُّ على
عضد وزير خارجيتنا في ضرورة التدخّل العسكري وأوافقه في وصفه للوضع في سورية بأنه "مجزرة بشعة"
لقد أكرمني الله بالاستجابة لدعوة كريمة من "ليان"، و"ليان" فريق إعلامي خليجي تطوّعي مختص
بتغطية مأساة اللاجئين السوريين على الحدود السّورية اللبنانية (منطقة وادي خالد)، وقد استوحى
فريق العمل الاسم من وفاة الرضيعة السوريّة "ليان" والتي لا يتجاوز عمرها سبعة شهور بعد تدهور حالتها الصحية،
ورغم قيام والديها بكل ما يمكنهما لإنقاذ فلذة كبديهما فاجتازا المعابر وصولاً إلى وادي خالد،
فطلبا المعونة واتصلت المستشفيات على متبرّعين من الخليج، ولكن عندما وصلت المعونات
كانت ليان قد لفظت أنفاسها الأخيرة في ظل عدم وجود عناية طبيّة وإغاثة سريعة للاجئين.
ثمان وأربعون ساعة من عمري لا يمكن أن تُنسى.. رأيت فيها من المآسي والابتلاءات والمحن
ما سيبقى لي زاداً وعبرة طوال عمري، رأيت فيها عشرات العائلات من اللاجئين الذين انقلب
حالهم من عِزّ وغنى إلى فقر وعوز وتشريد، ومن صحّة إلى مرض وعاهات مستدامة،
ومن حياة رغيدة إلى موت مجهّز، يعيشون في بيوت من الصفيح في أزقة مظلمة
يصعب الوصول إليها أو في مناطق عشوائية تفتقد أبسط مقوّمات الحياة.
في كل بيت قصّة.. وفي كل قصة مواعظ وعبر.. ففي بيت تقطُنُه امرأة مع طفلها
ذي الاثني عشر عاماً، فقدت زوجها وثلاثة من أبنائها الأربعة.. زوجة شهيد وأم لثلاثة شهداء..
مدرسةٌ في الصّبر والرّضى بقضاء الله وقدره والإيمان الراسخ أنّهم منتصرون.. تُرينا على هاتفها الجوال
فيديو لأحد أبنائها الشهداء وهو يُشيّع.. أصرّت إلا أن تُطعِمنا وليس في بيتها شيء.
دخلنا بيتاً فيه عائلة كبيرة وفيها رجل ضرير حكى لنا أنه بالرغم من كونه رجلاً ضريراً إلا أن مجرمي
الأسد لم يراعوا عجزه فأمروه بالسجود لصورة بشّار فأبى، فما زالوا يضربونه حتى سقط مغشياً
عليه ينزف دماً.. وانشغلوا عنه بأخيه الضرير أيضآً يركلونه ويدوسونه فلم يتركوهما حتى قبّل الأب
حذاء الضابط المسؤول، ثم وجدوا أهل الخير وهربوا بهم جميعاً، في
هذا البيت رأينا الأطفال بمعنويات عالية، إنهم واثقون بنصر الله.
أما في المستشفيات فرأينا الكثير والكثير مما يشيب له الرأس.. رأيت فتاة في الثانية عشرة
من عمرها اسمها "غفران"، اخترقت رصاصة القنّاصة ركبتها اليمنى مما سبب لها قطعاً في العصب
وشللاً كاملاً من الركبة إلى أسفل الساق تاركة إياها بعاهة مستديمة، وعلمت آنذاك أن هناك المئات
من مثل غفران، فقنّاصة المجرم بشار يتعمّدون أن يسببّوا للأطفال عاهات مستديمة ليشغلوا أهليهم بهم عنهم.
الغالبية العظمى من الحالات التي شاهدناها هي لمدنيين وقصصهم متشابهة.. أصابهم القنّاصة
أو شظايا القنابل وهم يحاولون إحضار الخبز والزّاد لذويهم، ومنهم من صادهم رصاص
القنّاصة وهم يحاولون إسعاف جرحى فأصابوهم في الرأس أو في الظهر أو في الأطراف.
رأيت شخصاً يرقد مشلولاً شللاً كاملاً.. لا يستطيع إلا أن يحرّك عينيه وشفتيه ويتنفس من
خلال أنبوب في رقبته. كان طالباً للقانون وله ثلاثة أطفال.. خرج من بيته ليشتري خبزاً أو شيئاً
يؤكل عندما بدأ الرصاص يتراشق عليهم، فبدأ هو وزملاؤه في الهروب ولكن القنّاص تمكّن من أن يهديه
رصاصة في عموده الفقري وأخرى في الرّقبة فسقط مشلولاً في لحظته، فحمله أهل الخير وهرّبوه
إلى حدود سورية ثم إلى طرابلس.. زوجته لم تعلم عنه شيئاً منذ لم يعد إلى بيته، وأخيراً وجدته
في إحدى المستشفيات.. تبكي وهي ترى زوجها في حالته هذه وهو لم يفعل شيئاً إلا أنّه حاول إحضار طعامٍ لأهله.
رأيت شاباً يبلغ من العمر 15 عاماً.. يروي قصته العجيبة ..حيث كان من الذين قاموا بالمظاهرات
السّلمية في أول الثورة، وما زال يذكر اليوم.. التاسع والعشرين من إبريل 2011م.. هو وأصحابه
الخمس عشرة وقفوا أمام عناصر الجيش، فأتوهم بأربع دبابات حربية.. وقفوا أمامها ظانين أنهم
إخوانهم ولن يؤذوهم.. فجأة فتح الجيش النار عليهم.. مات كل رفقائه في لحظتها.. ولا يذكر ما حدث بعدها،
ولكنه سمع صوت الدبابات وهي تمشي فوق جثثهم فتهشّم عظامهم، وبعد مغادرة الجيش السوري
جاء الأهالي لحمل الجثث ففوجئوا أنه ما زال حياً.. يتحدث لنا في المستشفى بكل ثقة وإيمان ويوجه خطابه
لبشار قائلاً "قد تقتل منا من تقتل ولكنك لن تقتل عزيمتنا ولن تقتل كرامتنا"، يملؤك بمشاعر العزة والكرامة..
وجلّ حزنه كيف فاتته الشهادة بينما فاز بها كل زملائه. عزيّته بقولي "إنما اصطفاك الله لتكون لك شهادتان:
شهادة في الدنيا لتخبر العالم ما حدث لكم ذلك اليوم.. وشهادة في الآخرة"، فابتسم وكأنّ
جوابي قد أصاب استحسانه وخفّف من حسرته بفوات الشهادة عليه.
سمعنا ورأينا في إحدى المستشفيات نتائج استعمال الرصاص المحرّم دولياً الذي يسمي
بالرصاص الخارق الحارق المتفجر، فهو يخترق الجسد ويحرق كل ما يصل إليه ثم إذا استقر
داخل الجسد انفجر.. سمعنا عن قنّاصات تعمل بالبصمة فإن وقعت في يد غير صاحبها من جيش
الحرس الجمهوري انفجرت بحاملها، وسمعنا في مستشفى آخر عن الرّصاص الملوّث الذي إن
دخل الجسم قتله لانتشار البكتريا في الجسم وهو كذلك محرم دولياً.. سمعنا عن جنود من إيران
وحزب الله يشاركون في القتل والذبح والحرب على العزل من السلاح، لا يفرّقون بين رجل وامرأة صغيراً كان أو كبيراً.
حيث إنه لا توجد صورة واضحة عن انتهاء الأزمة السورية، فإننا نتوقع كارثةً إنسانيةً لتزايد النّازحين
وعدم وجود استعداد لاستقبالهم أو ترتيب أوضاعهم، من أجل هذا أنشئت حملة "ليان"، وبفضل الله
في خلال أسبوعين نكون قد وفرنا أول مستشفى متنقل على الحدود في منطقة وادي خالد.
إننا على مشارف كارثة إنسانية ولا بد من تحرك سريع كل منا على قدر طاقته.. وإنني لهول ما رأيت
بأم عيني من مجازر بشعة تفوق الوصف.. لأشدُّ على عضد وزير خارجيتنا في ضرورة التدخّل العسكري
وأوافقه في وصفه للوضع في سورية كما يجب أن يوصف بأنه "مجزرة بشعة"، وقوله "نحن لم ندفعهم
للقتال ولكنهم يسعون للحرية والكرامة، والقتل من قبل الحكومة السورية مستمر، فهل نسمح
بذلك أم نعطي الشعب السوري حقّه في الدفاع عن أنفسهم؟ الناس بحاجة إلى مساعدة،
نعم نحن ندعم تسليح المعارضة السورية" قالها وزير خارجيتنا ابن الفيصل.
وإنني أناشد حكومات الدول العربية والإسلامية أن تسارع في ذلك فكل يوم تتفاقم المأساة
وتتزايد أعداد الضحايا الأبرياء.. ولن يوقف عدوان هذا النّظام الفاسق إلا القوة..
فهم لا يفهمون لغةً غيرها.. ولا عهد لهم ولا ذمة ولا ضمير يحتكمون إليه ولا عقود يوفون بها.
اسم الموضوع : رأيت بأم عيني على حدود سورية
|
المصدر : .: حديث الإعلام :.