مؤلفات العصر
إن كتابًا مثل لا تحزن (لعائض القرني), يكون الأكثر مبيعًا في العالم العربي - مع أنه ليس من دواوين الإسلام, ولا من كتب الحلال والحرام ليستدعي لنا وقفة تأمل, خذْ مثل ذلك كتاب: مع الله, وكتاب: بناتي(كلاهما لسلمان العودة) وهما أكثر الكتب مبيعًا في معرض الكتاب الأخير.هذه الكتب لا نستطيع الجزم ببساطة ونقول: بأن الله كتب لها القبول؛ لإخلاص أصحابها..
الإخلاص وحده لا يكفي, كما أن الدعاء مع دون الأخذ بالأسباب لا يكفي.
تأملتُ كثيرًا في مؤلفات الشيخين لأكتشف سر القبول لدى العامة قبل طلبة العلم, فوجدت أنهما يشتركان في أشياء قلّ أن تجتمع في غيرهما من المؤلِّفين..
أولًا: المخاطبة بلغة العصر.
ثانيًا: العناية بمقاصد التأليف, فليس الاستطراد في كل فن بمحمود دائمًا.
ثالثًا: وضوح العبارة, وسهولة هضمها, مع الاستشهاد بالأبيات والحِكَم التي تؤدي الغرض.
رابعًا: إضافة جديدة في الساحة الفكرية, والعلمية.
خامسًا: مخاطبة جميع شرائح المجتمع المثقَّف.
ففي هذه الخمس كفاية, لمن أراد أن يذّكّر, ويسطّرَ كتابًا..
هذا مع أني لا أقول: إن الكتب المتخصصة في كل فنٍّ ليست مهمة, بل أهميتها تكمن في معالجتها لقضايا كبيرة في مجالها, فهي تساعد في التنظير للعلم, ولا غنى للعالِم في الرجوع إليها, ثم إخراج ثمرتها لذَّةً للآكلين..
إن المصيبةَّ كلَّ المصيبةِ, والرزيةَ كلَّ الرزيةِ= فيمن لا يعرف مَنْ يخاطب, ولا في أي عصر يعيش, ولا يراعي مقصدَ التأليف, ولا يعالج قضيةً علمية ولا فكرية..
وأجدُ نماذج ذلك في مجتمعنا جليًّا, فعندما يقوم شخص بشرح كتابٍ ما.. لعصر ابن حجر ولغته, فهو في حقيقته, يرجع بنا إلى الوراء خمسة قرون من حيث يدري أو لا يدري, إن لكل عصر أهلَه ولغتَه وثقافتَه, ولهذا تجد أمثال هؤلاء يكاد لا يذكر أحدهم إلا آخر نازلة ذكرها ابن حجر في عصره, فأين نوازل العصر التي انفجرت مع تطور التكنولوجيا والصناعات؟!
وتجد بعضهم: لا يشرح كلمةً من الكتاب إلا ويقوم بإعرابها, وكأن مقصود الكتاب هو الإعراب, وأن الإنسان لا يمكن له أن يفهم آيةً من كتاب الله, أو حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الإعراب..
بل زاد بهم الأمر حتى أصبحوا لا يشرحون كتابًا في مصطلح الحديث إلا بعد إعرابه!!
يا لَله مِن هذه العقلية!!
إن الإعراب علمٌ مهم, ومعناه كما هو معلوم الإفصاح لمعاني الكلام بوضع علامات معروفة.
فمتى احتجنا إلى الإفصاح فعَلْنا ذلك, هذا هو منهج المتقدمين في التأليف, وهذه كتبهم بين أيدينا, لننظر إلى تفسير الطبري, وشرح ابن بطال على صحيح البخاري, والرسالة للشافعي, هل نجدهم يعربون كل شيء؟!!
كذلك؛ بعض المعاصرين لا زالوا بعيدين كلَّ البعد عن مقاصد التأليف؛ إذ ليس الغرض من التأليف أن تضخّمَ كتابًا أو تُخرجَ في كل شهرٍ مجلدًا, بل المهم, لماذا تؤلّف؟!
فالعبرة بالكيف لا بالكم..
ولأن يخرج الإنسانُ في كل عام أو عامين= كتابًا أو كتابينِ متقنَيْن, خيرٌ من غثٍّ لا يسمن ولا يغني من جوع.
وبعضهم قد يعترض ويقول: لأنْ يُخرجَ خيرٌ من أن يتكلم ولا يخرج شيئًا!!
هذا كلام جميل, لكنه مجملٌ..
فإن كان القصد بأنه يؤلف كتابًا مهمًّا للأمة, لكن عنده تردد في إخراجه, فنقول: لأَنْ تُخرِجَ وتتضح الفكرة خيرٌ من الإخفاء وموت الفكرة..
أما إن كان القصد بأنَّ مجرد الإخراج خيرٌ من الكلام بدون إخراج, فهذه مفاضلة غبيّة!!
كمن يفاضل بين أبي بكر الصديق والكعبة المشرّفة, ويقول: أبو بكر خيرٌ من الكعبة!!
فأين وجه الشبه في المفاضلة!!
بل نقول: من يجد نفسه أنه لم يُفتح له في الـتأليف فأبواب الخير كثيرة, فشارك في الدعوة, واكتب مطويّة, قمْ بالتعليم, أصلحْ بين المتخاصمَيْن, اصنعْ طلابَ العلم, انشر الفضيلة في المجتمعْ, اعملْ ما هو في حدود طاقتِك, ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها..
كتبه: فوزي فطاني
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : مؤلفات العصر
|
المصدر : .: زاد المسلم :.
