الرحّال
قلم متميز
- إنضم
- 2 مايو 2009
-
- المشاركات
- 1,092
-
- مستوى التفاعل
- 1
-
- النقاط
- 0
قبول أبناء المقيمين في الجامعات الحكومية.. الفرصة الضائعة
د. عدنان بن عبد الله الشيحة
القدرة على اكتشاف الإمكانات وتوظيفها وتحين الفرص واستغلالها وإدراك التحديات والإعداد لها والتعرف على المخاطر والتقليل من آثارها هي المعيار الرئيس لنجاح إدارة التنمية في أي مجتمع. وهو أمر يتطلب نظما إدارية قادرة على استشفاف المستقبل والتنبؤ بالمستجدات واستيعاب المتغيرات وصياغة خطط مستقبلية وصناعة قرارات حاسمة ووضع سياسات كفؤة. قد يبدو الأمر سهلا من الناحية النظرية إلا أن الواقع عكس ذلك تماما، فالثقافة الإدارية السائدة هي التي توجه وتسيطر على تفكير وميول وسلوك صناع القرار وموظفيهم وتقرر ما يصح وما لا يصح. وكلما كانت الثقافة الإدارية تشجع الإبداع والتجديد والتطوير والتغيير كان ذلك أدعى لصناعة قرارات فاعلة وذات كفاءة عالية تقود لإنجازات وطنية مميزة. ومع أن كثيرا من المجتمعات النامية تتفق مع هذا النهج والأسلوب الإداري وترى أنه من الضروري انتهاج نظم إدارية حكومية مرنة وإبداعية، إلا أن القليل منها ينجح في التوفيق بين القول والعمل. إن ما يصنع الفرق بين المجتمعات الناجحة المتطورة وتلك التي تقبع في ذيل القائمة هي الثقافة الإدارية المنفتحة على محيطها والقدرة على مناقشة جميع الموضوعات بشفافية ومهنية والوعي التام والسعي الدؤوب لتحقيق الرؤية الوطنية والمصالح العليا. وبقدر ما يكون هناك سيطرة وتحكم بالتنظيمات البيروقراطية وتطويعها لخدمة الأهداف الاستراتيجية وتقييم أدائها حسب إسهامها في تحقيق المشروع الوطني التنموي، تتحقق التنمية ويصل المجتمع إلى مستويات أعلى من التحضر والقدرة الاقتصادية.
التغيرات الاجتماعية لا تحدث فجأة وإنما تدريجيا وهذا مكمن الصعوبة والخطر! لأن التدرج لا يجعلنا نحس بها ولا ندركها ومع مضي الوقت تتحول إلى أزمات على حين غرة، بينما تغط المنظمات الحكومية في سبات عميق وهي تنعم بالدفء والبيات البيروقراطي. الإشكالية حينما يتلبسنا اعتقاد في أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان لنتوقف كثيرا عند محطة واحدة ونرتضي ما وصلنا إليه من إنجاز ولا نسعى للانتقال إلى مستوى أعلى ومحطة أخرى على طريق التنمية الطويل والشاق. المجتمعات كالأفراد قد تنمو إلا أن ذلك لا يعني أنها تتطور والفرق بين النمو والتطور أن الأول تغير كمي والثاني تغير نوعي وهو الفرق بين الدول الأكثر تقدما والدول الأقل حظا. فقد نغتر بالمباني الفارهة والطرقات الواسعة وغيرها من مظاهر النمو العمراني إلا أن ذلك لا يعني شيئا دون أن يترافق معه تطور ثقافي وسلوك حضاري في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والتي من أهمها نظم إدارية عالية الفاعلية تستجيب للمستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية. والحقيقة لن نستطيع إلى ذلك سبيلا في ظل سيطرة التنظيمات البيروقراطية الجامدة المنكفئة على ذاتها المنشغلة بالإجراءات اليومية، والتي ترى مسؤولياتها محصورة في تسيير العمل الروتيني اليومي وليس تحقيق النتائج والمساهمة في البناء التنموي. وما يزيد الطن بلة ذلك التشرذم الإداري الذي يجعل كل جهاز إداري حكومي يعمل بمعزل عن الآخر، بل الأسوأ أن يكون هناك تصادم بينها وتصارع على مصالح جهوية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية الكبرى شبه المغيبة. الكثير من البيروقراطيين يتلذذون بالسكون والركود ويحبذون المكوث في المنطقة المريحة وكأني بهم يتبعون نصيحة النحويين "سكن تسلم" فلا مبادرات خلاقة ولا تجارب جريئة ليتم اجترار الخبرات والدوران في حلقة مفرغة دون التطلع للأفق والبحث عن أوضاع أفضل.
هناك فرص كبيرة قد نفوتها وتحديات كثيرة نغفل عنها ما قد يجعلنا في وضع أقل مما نستطيعه. من أبرز الموضوعات الوطنية حساسية وشعبية التعليم الجامعي. لا شك أن هناك جهودا كبيرة بذلت لتجاوز أزمة القبول وتحسين أداء التعليم الجامعي بزيادة عدد الجامعات وتوفير البعثات الخارجية والداخلية وإقرار معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي ومبادرة بعض الجامعات في اجتذاب موارد جديدة، ولكن تبقى هناك ضرورة لتطوير العمل المؤسسي الذي يكون قادرا على صناعة قرارات استراتيجية حاسمة واقتناص الفرص وبناء القدرات الذاتية للجامعة. هذا لا يتأتى في ظل التنظيم الإداري البيروقراطي للجامعات وإنما من الضروري التحول إلى نظم إدارية أكثر مرونة وفاعلية وقد يكون تحويل الجامعات إلى مؤسسات أهلية غير ربحية، الأسلوب الأمثل لتطوير أداء الجامعات وجعله أكثر استجابة لاحتياجات المجتمع. من بين الفرص التي لم يلتف إليها وقد تكون الأوزة التي تبيض ذهبا ليس فقط من الناحية الاقتصادية ولكن من الناحية التعليمية والثقافية والسياسية هم خريجو الثانويات من أبناء المقيمين والذين يصل عددهم إلى ما يقارب النصف مليون، فإحصائيات تعداد 2007م تشير إلى أن غير السعوديين الذين أعمارهم بين 15 - 24 سنة يبلغ عددهم 638944، وهو عدد كبير يمثل فرصة استثمارية عالية وكسبهم ثقافيا إضافة إلى إثرائهم العملية التعليمية بالتنوع الثقافي ورفع سقف المنافسة بين الطلاب. هناك طلاب من أبناء المقيمين حصلوا على درجات كاملة في الثانوية وأعلى من التسعين درجة في اختباري القدرات والتحصيل ولم تتح لهم فرصة القبول! هؤلاء الطلاب يجب احتواؤهم وتقديم التعليم الجامعي برسوم تغطي التكلفة وتسهم في التوسع في المباني وجلب مزيد من أعضاء هيئة تدريس. هناك دول كثيرة مثل الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا تقدم منحا لأبناء الدول النامية بقصد تعريفهم بثقافتها وكسبهم لجانبها كقيادات واعدة في بلدانها. ومع هذه المنافع الجمة إلا أن الجامعات الحكومية السعودية توصد أبوابها ولا تكلف نفسها مجرد التفكير في البحث عن سبل لقبول ـ على الأقل ـ الأوائل والمتميزين. وأجزم لو أن الجامعات الحكومية كانت تدار كمؤسسات غير ربحية ولها مجالس أمناء تضم في عضويتها نخب المجتمع لاستفادت من هذا الطلب الكبير بالتهيئة لقبولهم، بدليل أن الجامعات الخاصة تستقطب الكثير منهم خاصة المبرزين وجامعة الملك عبد الله ليست عنا ببعيد ففكرتها رائدة في توثيق الصلة بين السعودية وباقي شعوب العالم عبر التواصل الثقافي والعلمي بما يعود بالنفع على الجميع. فهل تبادر الجامعات السعودية الحكومية إلى قبول المميزين من أبناء المقيمين؟!
اسم الموضوع : قبول أبناء المقيمين في الجامعات الحكومية.. الفرصة الضائعة
|
المصدر : .: حديث الإعلام :.
