بدون كافيين
New member
الفكر.. هو نتاج الموروث الثقافي للشعوب المشتمل على مقومات الفكر الانساني من العادة القومية والمذهب الديني ..
ويعد الفكر الحديث أداةً التأصيل المستمرة لتقويم حضارات الشعوب في الحياة وتمايزها البيني فيما بينها ..
وتعد منطلقات الأفكار الحديثة من الموضوعات الشائكة التي يجب على من يناقشها أن يتميز بالحذر والتروّي قبل أن يصدر حكمه عليها ..
لا حكماً عليها بالأخذ أو بالتقليد لمنطقيات العقول المعلبة التي لا تعي من هذه المنطلقات ولا تبحث فيها الا ما تعده ذا ازدواجية مع مفهومها ورؤيتها للحياة المصوغة من الأصولية الدينية البحتة المحورة لمفهوم الحياة إلى أبجديات دينية لا روحاً للحياة فيها ..
وإن معرفة تحولات الفكر الإنساني وتأثره بالدين، ثم تأثيره على الدين, والإلمام بزمانهما ومكانهما اللذين يجسدان تلك التحولات الظرفية وتأصلها في الحياة ضروري قبل أن يستخدم رجل الدين أو الطويلب المتحذلق المتمسك بدينه فاه في صدها وردها بلسان أعمى ..
وقولي بهذا الطرح يهدف إلى تحقيق هدف إيجابي يجسد رؤية توافقية تنطلق من حقيقة مؤداها : أن التجديد سنة من سنن الكون، وشعيرة من شعائر الدين ، فلماذا إذاً نرفض أي تغيير أو تطوير يتماشى مع طبيعة العصر بحجة أن التحديث ينافي الدين ، ويتصدى له ، ويهاجمه ، ويخالف منطلقاته وتوجهاته ؟!
مع أملي بأن نجد من بين الكوادر العاملة بالجالية عقولاً تحمل هذا التوجه الفكري الحديث - القائم على التأصيل التوافقي مع معتقداتنا الدينية - ولا أظن أني قد أجد في أملي هذا نصيباً في الواقع ..
حيث إن البنية المجتمعية للجالية التي نشأ عليها أبناءها لا تشجع لتكوّن أو ظهور وصفة العقول المبدعة والمفكرة على النهج الفكري الحديث ..
بل إن النتاج الفكري الحالي هو مجرد نتاج تبلدي تقليدي منسوخ كربونياً من حياة تقليدية منغلقة ومعلبة بالعلبة الدينية وبنكهة الاقصاء لكل ما يباين هوى التشدد والتعصب المتخلف والمنغلق عن الحياة بصورتها الطبيعية المسنونة ..
كيف ..!!
نأتي لواقع الجالية ومستواها القيمي الذي تمثله اليوم في السلم الارتقائي للشعوب قياساً على المدى الفكري البيني بين شعوب العالم ..
وكون أن جاليتنا قصدت المَهاجِرَ إلى بلدان العالم على أساس المنطق الديني في الهجرة فإن أجيالها تمثل مدى رقيها الشكلي والجوهري المكتسب من قيم وثقافة بلاد المهجر الذي تقطن به عن الصورة البدائية التي تمثلتها عند الهجرة وعند الوصول لأرض المهجر ..
وبالتالي نقيس على ذلك مدى تواكبها على نمطية الحياة المزامنة للعصر .. والذي يشير بجهته إلى مدى رقيها الفكري للتوجه المستقبلي نحو تحديد مصيرها في الحياة وكيفية بناءها لصورتها البينية التي تمثلها كهوية قومية بين الشعوب والأمم ..
ولنضع المجهر ..
إن غالبية أجيال الجالية المقيمة في المملكة تعتنق وتؤمن بالقيمة المحافظة بشكليتها النوعية المكتسبة من الثقافة القيمية لشعب المملكة .. فنرى فيهم كثرة حفظة كتابة الله الكريم ومتخرجي التعليم الأدبي أو العلوم الدينية ..
وقد شكلت هذه الصورة بعمومها نتاجاً فكرياً تقليدياً منعكساً من الوسط المحافظ في المملكة بكل الانعكاسات الايجابية على المدى المصيري لها والتي تحوي في طياتها كذلك أبجديات تعتبر سلبية على الجالية قد تحط بكل البوادر الايجابية للجالية وتضعها على رف تصنيف مفروغ من أمره ..!!
فنحن حالياً نبتهج بهذه الصورة العامة التي قد تشكلت إلى ظاهرة طفرية يستلزم توجيهها وضبطها بمستويات تخرجية معتدلة سنوياً وإلا ستحل بالجالية صورة لا قيمة ولا قدر فيها ..
وحالياً نجد في الجالية طبقة واسعة متأثرة بالتقليد الديني المعلب .. ممن أصيب بتلك الحالة الهستيرية التي تسمى بالتغرب أو الغربة في آخر الزمان وما يعانيه هؤلاء من الانطواء السلوكي الغريب المتجرد من الزمان والمكان المعاصران لهم أو ذلك التعصب أو التشدد الديني المدبلج من تغليب الفهم الديني على منطق الحياة وسننها التي سنها الله عز وجل ولم ينزل ملكاً أو يرسل رسولاً ليعارضها ..
في المقابل قل ما نجد في الجالية رجال الفكر الحديث - المشتمل على نتاج الحضارة القومية والشعبية - بكل ما تمثله من قيم دينية واجتماعية - والفكرة الحديثة المهيئة إلى عنصر المواكبة المقومة للعادة الحياتية في المجتمع إلى المنحى الأفضل الذي يرتقي بها إلى السلم التبايني بين الشعوب وإلى المصاف التي يصبوا لها كل مصلح في الجالية..
ولنا في ذلك ضروباً من الأمثلة في العالم من شعوب وجاليات عاشت وقاست ما قاسته الجالية في مهجرها بل وبأكثر من ذلك ولكنها الآن قد أصبحت في مصاف الأمم حيث انتهجت تلكم, النهج الحديث مع المحافظة على حضارتها شكلاً وجوهراً بإضافة المادة والآلة الحديثة في إعادة البناء من الركام التي كانت تعاني منه إلى مغابط المراتب ..
ومن تلكم: اليابان - ماليزيا - بروناي - إسرائيل - الولايات المتحدة - الجاليات العراقية والهندية والباكستانية في بلاد المهجر .. وغير ذلك
أنا لا أقصد بمشاركتي هذه التقليل من شأن التدين أو المتدينين أو الصورة المحافظة التي تلصقت بأجيال الجالية ..
ولكن ما أقصده هو العمل لمعالجة السلبيات من انعكاسات الكسب القيمي على أجيال الجالية في مهاجرها لنخرج بجيل واعي ومثقف ينظر إلى الحياة بميزان السماء والأرض والتي تقوم عليه الحياة في كل يوم وعلى كل مخلوق ..
فكل من مشى شاخصاً بصره إلى السماء سيتعثر ويسقط وربما يزل إلى هاوية تهوي به إلى ظلمة لن يرى بعدها نور الحياة لا قدر الله , وكل من مشى مطبقاً نظره على الأرض سيظل الطريق ويظل تائهاً ولن يجد طريق العودة إلى أرض الله ..
أيها المسؤولون في الجالية .. إن هذه الجالية أمانة في أعناقكم .. فلا تبنوها لأجلكم !! بل ابنوها لأجل أجيالها ..
فما دمنا في مرحلة مبتدئة في البناء القيمي لجاليتنا فلنأخذ هذا البناء بكل الاعتبارات التي تضمن له جودته وتكيفه مع متغيرات الحياة المتقلبة بطبيعتها الغير مستقرة, ثم لنطلقها كي تحدد مصيرها ولن يخيب المسار يومئذٍ ..
من بينكم قلم
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : أيها البرماويون مشكلة ستحل قريباً في داركم ( الأزمة الفكرية )
|
المصدر : .: روائع المنتدى :.

