ابو وجدان البرماوي
New member
مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة
خُلّتي وصحبي
-
-
كنتُ اليوم أسبح في بحار السنين ، فرجعتُ بالزمن القهقرى ، حتى وصلتُ إلى المئة السابعة من الهجرة النبوية الشريفة ، توقفتُ عند ذلك التأريخ وعند تلك المئة، بالطبع غالبنا يعرف أن في تلك المئة عاش عَلَمٌ من الأعلام وإمام من الأئمة وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، لستُ في صدد الحديث عن شيخ الإسلام ، ولم يخطر ببالي شيخُ الإسلام ، إلا أنني ـ يا رعاكم الله ـ سرحتُ بخاطري في أبناء تلك المئة من العامّة ، في أولئك الناس الذين عاشوا وماتوا وما عرفهم التأريخ وما عرفناهم ! غير أن ربك يعرفهم ..
أتخيّل أسماءهم ، عبدَالله ومحمداً وعبدالقادر وأحمدَ وعلياً وعبدَالعزيز وعبدالمعطي ، وليلى وسُعدى والرباب وفاطمة وعائشة وخديجة وسلمى وسعاد ..
أتخيلهم وقد أظلهم شهرُ رمضان ، فيخرجون يهنيءُ بعضهم بعضاً ، يلتقي عبدالله بعليٍّ فيهنئه ، وتلتقي ليلى بفاطمة فتهنئها ، والناس في فرحٍ غامر ، والأرض تهتزّ من الناس جِيئةً وذهابا ، والمساجد تصدح بالقرآن الكريم ، والعلماء قد تركوا حِلَقَ العلم وأقبلوا إلى شهر القرآن ..
أتخيّل منازلهم ، وأتخيّل أسرة سالم ، ذاك الرجل الذي عاش في تلك المئة ، كأني أراه جالساً في فناء منزله على مائدة الإفطار، حوله زوجته وبنوه قد اصفرّت أجسادهم من الجوع والعطش، وقد أدبر النهار وأقبل الليل ، وأكفُّهمْ مرفوعةً إلى السماء ، يدعون يطلبون من الله مغفرة الذنوب وقبول الصيام ، فأذّن المؤذن لصلاة المغرب ، فمدّوا أيديَهم إلى تمراتٍ وماء ، فبُلّتْ عروقهم ، ونشطت أجسادهم ..
في ذلك الزمن الغابر ، عاشت أسماء وأسماء ما عرفهم التأريخ ولا عرفَتْهم الأجيال اللاحقة ، توسّطَ زمنُهم بيننا وبين الهجرة النبوية ، فبينهم وبين الهجرة سبعمائة عام، وبينهم وبيننا سبعمائة عام
صدقوني ! كدتُ أبكي
عاش أولئك وصاموا وقاموا رمضانَ ورمضانَ ورمضان، فمنهم من أدرك ليلة القدر ، ومنهم من شمّر عن ساعده ولَجّ في الباقيات الصالحات، ومنهم من بذل ماله في الصدقات ، ومنهم ومنهم ! ثم انتقلوا جميعاً إلى الدار الآخرة ، لم تبْقَ منهم نفْسٌ منفوسةٌ لم يهجم عليها هادم اللذات ومفرِّق الجماعات ! حتى سالمٌ وزوجته وبنوه ، جاءهم الموت فماتوا وتفرَّقوا في القبور ، هذا قبر سالم ، وذاك قبر زوجته ، وتلك قبور أبنائه ..
ماتوا وبادوا وإلى الدار الآخرة انتقلوا ، وبيْنَا هم كانوا من عُمّار الدُّور ، أصبحوا منذ ذلك التأريخ البعيد من سكان القبور ، سبعمائة عامٍ لم تكتحل عينا سالمٍ برؤية زوجته، وسبعمائة عامٍ لم يشم رائحة بنيه ، وسبعمائة عامٍ لم تر الأمُّ بنيها ولا بعْلها ، وسبعمائة عامٍ لم يرْتمِ الأبناء في حضن أبيهم ولا حضن أمهم !
سبحانك ربي سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ..
الله أكبر، يا سعْد من أصلح منهم عمله ، ويا سعادة من أقبل على الله بصفحة نقيةٍ بيضاء ، ليس فيها إلا أرتال الطاعات ، وليس فيها إلا ركعاتٌ وصدقاتٌ وعقيدة إسلامية سليمة ..
أترون يا سادة أن الدائرة ستدور علينا !
أتظنون أنْ سَيَلْتَهِمنا ما التهمهم! ويبتلعنا ما ابتلعهم!
ولربما كتب كاتبٌ بعد سبعمائة عام من الآن ، عن زماننا هذا ، وأخذ يتعجّب كما نحن اليوم نتعجب من أبناء المئة السابعة ، وأخذ يطلق الآهاتِ والزفراتِ كما نطلقها اليوم ، فيقول في معرض حديثه : " ... ونحن في هذه السنة من عام مائة بعد الألفين من الهجرة النبوية ، نتذكّر إخواناً لنا ، عاشوا قبل سبعمائة عام ، في المئة الرابعة بعد الألف من الهجرة ، عاشوا وصاموا وماتوا ، لا نعرف أسماءهم ولكن الله يعرفهم ، ونجهلهم ولكن الله يعلمهم ، ولم تبْق منهم نفْسٌ منفوسة إلا رجعتْ إلى ربها ، حتى أحمد الحربي وزوجته وبنوه ، أسرةٌ عاشت وصامت وماتت في ذلك الزمن الغابر ..."
إنها الذِّكرى أيها الساحاتيون ..
إنها الأيام والأعوام تتصرّم في سرعة
وتتساقط تساقط أوراق الشجر
وما هي إلا ها وتا !
ويكون قد مضى على موتنا مئات السنين ..
رُحْماك ربي رحماك ..
- حديث قدسي -
عن ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" أتاني ربي في أحسنِ صورة ، فقال يا محمد ، قلتُ : لبيك ربي وسعديك ، قال ، فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلتُ : ربي لا أدري ، فوضع يده بين كتفيّ ، فوجدتُ بَرْدها بين ثدييّ ، فعلمتُ ما بين المشرق والمغرب ، قال : يا محمد ، فقلتُ لبيك ربي وسعديك ، قال : : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الدرجات ، والكفّارات ، وفي نقل الأقدام إلى الجماعات ، وإسباغ الوضوء في المكروهات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، ومن يحافظْ عليهن عاش بخير ، ومات بخير ، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه "
- ومضة -
أتيتُ القـــبور فناديتها
-----------------------------------أين المعظّم والمحتقرْ
فصمّوا جميعاً فما مخبرٌ
-----------------------------------وماتوا جميعاً ومات الخبرْ
تروح وتغدو بنات الثرى
-----------------------------------فتمحوا محاسن تلك الصورْ
فيا سائلي عن أناس مضوا
-----------------------------------أما لك فيما مضى معتبرْ
منقول
اسم الموضوع : (رمضان والتأريخ)
|
المصدر : .: أشتات وشذرات :.