محمد بن أحمد الرشيد
استمراراً للحديث عن التمسك باللغة العربية - لغة تعلم وتعليم -
في المملكة العربية السعودية وجدت أن من واجبي الديني والوطني أن ألفت الأنظار
إلى ضرورة تعليم أبنائنا في المدارس (حكومية كانت أم أهلية) بلغتنا العربية،
وأن التنظيم الجديد الصادر من وزارة التربية والتعليم بتاريخ 1427/12/23ه الذي
سمح للمدارس الأهلية (بنين وبنات)، التي تحتضن أبناءنا السعوديين بالتدريس بلغة
غير عربية (باستثناء العلوم الدينية والعربية) تنظيم ينبغي إعادة النظر فيه، كما وجدت
من واجبي أن ألفت الأنظار إلى الحقائق الآتية:
الأولى: حتى حين صدور هذا التنظيم الجديد فإن اللائحة المعمول بها والمقرة من مجلس
الوزراء بناءً على قرار مجلس الشورى تعدّ إلحاق الطلاب السعوديين في المدارس الأجنبية
أمراً غير نظامي، وذلك لأن التدريس فيها بغير اللغة العربية.
الثانية: يوجد في المملكة أكثر من ستين مدرسة أجنبية، استعرضتُ برامجها،
ومناهجها، فوجدتُها - دون استثناء - تعلم بلغتها القومية: فمن يتحدث الفرنسية
يعلّم بها، ومن يتحدث الأردو يعلم بها، ومن يتحدث التركية يعلم بها، وهلم جرا...
وهي - في معظمها - أهلية وتجارية، فلم ير أهل أي لغة - مهما كانت مكانتها
- أن يتنازلوا عن التعليم بلغتهم، ولنتذكر أن التنظيم الجديد للتعليم الأهلي يسمح
للراغبين من ملاك المدارس في عقر دارنا أن يختاروا لغة أخرى للتعليم غير اللغة العربية.
الثالثة: لو أن المدارس الأهلية المتميزة اختارت للتعليم لغة غير العربية فإنه لن يكون
من بين المواطنين مؤهل للتدريس في تلك المدارس، وستعتمد على متعاقدين من
الناطقين باللغة المختارة.
الرابعة: حتى تنجح المدرسة (أو أي مؤسسة أخرى) فإن على إدارتها أن تكون
متمكنة من التفاهم مع العاملين معها بلغتهم، وعندئذ سيندر أن نجد إدارة قادرة
على ذلك في مدارسنا الأهلية، بحكم أن غالبية المعلمين فيها من الناطقين بغير العربية.
الخامسة: شاركت في كثير من الدراسات التقويمية للتعليم العام والتعليم العالي
في المملكة وخارجها ولم يتبين لنا أن التعليم باللغة العربية كان عامل ضعف في أيّ
من مخرجات التعليم، بل على العكس، كان عدم التمكن من اللغة العربية هو السبب
الرئيسي في أي ضعف بدا على مسيرة أي مدرسة!!
السادسة: لا أعرف على الإطلاق متفوقاً من أبناء المملكة، في أي مجال من مجالات
الحياة العملية، سواءً كانت سياسية، أو اقتصادية، أو إدارية، أو عسكرية، أو تجارية
، أو طبية، أو زراعية، أو فنية، أو هندسية، أو غيرها. كان مردّ تفوقه أنه تعلم في
مدرسته بغير العربية، ويحضرني قول أحد مشاهير علماء اللغة "من لا يفكر بلغته
الأم لا يبدع".
السابعة: يعرف الجميع أن الرابط الوثيق بين أبناء أي بلد - وبلادنا على وجه
الخصوص - هو المصدر التعليمي والثقافي الواحد، فإذا اختلف الإعداد، واختلفت
لغات التعليم فإن ذلك يعني اهتزازاً لأهم الروابط الوثيقة التي توحد توجهنا.
الثامنة: يتخوف بعض الناس من تعليم اللغة الإنجليزية لغة ثانية في المدارس لأنها قد
تؤثر على مستوى اللغة العربية، وفي كل مرة (ومنذ أربعين سنة) كان المسؤولون
عن صياغة الخطط الدراسية في وزارة المعارف (آنذاك) "وزارة التربية والتعليم حالياً"
حين يفكرون في تعليم لغة ثانية ضمن المنهج الدراسي لأي مرحلة من مراحل التعليم،
كان الشرط الأول: ألا تؤثر على مستوى الطلاب في إتقانهم للغة العربية. وفي
التنظيم الجديد للمدارس الأهلية فإن الأمر يتعدى تعليم اللغة الأجنبية إلى التعليم
باللغة الأجنبية!! وشتان بين الأمرين!! والقاعدة العلمية المؤكدة هي: أن تعلم
الطالب في مراحل التعليم العام كافة العلوم والفنون بلغتهم الأم أدعى لإتقانه لغته،
وفهمه للمادة العلمية.
التاسعة: لا أعتقد أن هناك تعبيراً عن الشعور بالنقص في الذات والهوية أكبر من
عزوف الفرد عن لغته واختيار لغة أخرى. وكنت أقول للكثيرين من أبنائي الطلاب:
"إنه أمر جيد أن يتقن الإنسان لغة أخرى، لكن الأجود هو إتقانكم للغتكم العربية،
وبراعتكم في التعبير بها - في كل شأن من شؤون الحياة، وفي كل علم وفن
- بفصاحة وبلاغة".
العاشرة: إننا في المملكة العربية السعودية نحتضن في قلوبنا مهبط الوحي ولقب
ملكنا هو: "خادم الحرمين الشريفين"، ونحن قلب العروبة النابض، وينبغي أن
نكون في مقدمة حرّاس الدين الإسلامي، ووعائه اللغوي (اللغة العربية الخالدة)،
وكل تصرف منا يوحي بانتقاصنا للغة العربية، وعدم الوثوق بها، لغة علم وحضارة
هو تصرف غير مقبول. نحن قدوة لكثيرين وينبغي أن نظل قدوة حسنة، وعلينا ألا
نلتفت لقلة منا اختاروا غير هذا النهج، نحترمهم وفي الوقت ذاته نأخذ برأي الكثرة
الكاثرة التي تخالفهم.
الحادية عشرة: إننا باختيارنا لغة غير العربية للتعليم نكون قد سننا سنّة غير حسنة،
وابتدعنا بدعة سيئة قد تكون سبباً في ضعف حماس بعض الدول العربية التي اختارت
اللغة العربية لتعليمها بعد أمد طويل من الاستعمار الذي فرض عليها أن تعلم
أبناءها بلغته (كالجزائر والمغرب وتونس).
الثانية عشرة: فيما يخص العلوم الطبيعية، والتقنية، والرياضيات، فقد شاركت في
اختيار مناهجها لمدارس التعليم العام في جميع المراحل الدراسية في المملكة وبقية دول
مكتب التربية العربي لدول الخليج، وهي من أفضل المناهج على مستوى العالم إن لم
تكن أفضلها قاطبة، ومقر الشركة الناشرة في الغرب، وقد تضمن العقد مع وكيل
الشركة ترجمة تلك المناهج إلى اللغة العربية، وقد أشار علينا الخبراء في الشركة
الناشرة بضرورة تدريس هذه المناهج باللغة العربية لأن تدريسها باللغة الإنجليزية
يقلل من جدواها، وذكروا لنا أن دولاً غيرنا ناطقة بغير الإنجليزية اختارت
تلك السلاسل من المناهج لجميع مراحل التعليم ونجحت في تدريسها بلغتها القومية،
ومع البدء في تدريس تلك المناهج بلغتنا العربية قريباً في مدارسنا نكون بإذن الله قد
قفزنا قفزة نوعية ممتازة في تلك المجالات.
الثالثة عشرة: عندما استقلت الجزائر بعد أن رزحت تحت نير الاستعمار الفرنسي
زهاء قرن من الزمن، فقد خلاله الكثيرون من أبنائها لغتهم العربية، لم تنس الجزائر
أن أهم مقومات عروبتها هو أن تكون اللغة العربية هي لغة كل العلوم وضروب
المعارف، وعزمت على تعريب التعليم لكل المواد التعليمية، وعلى ندرة المعلمين من
السعوديين في ذلك الزمن أرسلت المملكة عدداً من خيرة القادة التربويين لا لتعليم
اللغة العربية فحسب، بل لتدريس الرياضيات والعلوم وغيرها بالعربية. فكانوا في
الجزائر العاصمة، وعنابة، ووهران، وغيرها من المدن الجزائرية، وكلهم زهوا بما
أنجزوه بعودة الجزائريين للغتهم العربية لغة علم وتعليم.
الرابعة عشرة: ومن حرص المملكة وعظيم إسهاماتها في نشر اللغة العربية لغة
للعلم والثقافة بصورة عامة أنها كانت - ولا تزال - ترسل معلمين سعوديين وتتعاقد
مع معلمين عرب ليعلّموا أبناء الجاليات العربية في الدول المختلفة بما في ذلك دول
في أمريكا الجنوبية.
الخامسة عشرة: لقد أتاحت لي المناصب التي تقلبت فيها حين كنت مستشاراً لمعالي
الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله أول وزير للتعليم العالي، وحين كنت
مديراً عاماً لمكتب التربية العربي لدول الخليج .. ثم أخيراً وزيراً للتربية والتعليم -
أن أشهد العديد من مبادرات المملكة في تعزيز مكانة اللغة العربية منها - على سبيل
المثال لا الحصر - تزويد دول عربية وإسلامية بالكتب العربية والمطابع وندب معلمين
سعوديين إلى بلدان مثل: (الصومال، وجزر القمر، وجيبوتي) إضافة إلى عمل دؤوب
لتتبوأ اللغة العربية مكانتها في المنظمات الدولية، وإن كريم بذل خادم الحرمين
الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز غير المحدود في الإنفاق على نشر اللغة العربية
وتعليمها في بلاد أجنبية كثيرة مثل الاتحاد الروسي لدليل ناصع على ما توليه القيادة
للعناية بلغة القرآن الكريم، وآخر الإسهامات في هذا المجال هو التبرع السخي من ولي
العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز لليونسكو من أجل تعزيز
النشر والتأليف باللغة العربية، وأن تكون في مصاف اللغات الرئيسية في تلك المنظمة.
السادسة عشرة: افتتحت المملكة معاهد عدة في عدد من دول العالم مثل:
(طوكيو، جاكرتا، واشنطن) تدرس اللغة العربية وعلومها، وتدرس باللغة العربية
العلوم الشرعية وغيرها... إيماناً بأهمية لغتنا المجيدة والآن نسمح أن يدرس أبناؤنا
بغير العربية في مدارسنا الأهلية في عقر دارنا. ألا يدعو هذا للعجب والاستغراب؟؟
السابعة عشرة: قابلت عدداً من العلماء الأجلاء والأثرياء الفضلاء يحملون جنسيات
أمريكية وكندية وأوروبية وهم من أصول عربية، يبحثون عن وسيلة لإرسال أولادهم
الصغار إلى بلدان عربية حتى يتلقوا التعليم الأساسي في المواد كافة باللغة العربية،
ولا ينتهي بهم الأمر إلى عجمة اللسان.
الثامنة عشرة: ينص التنظيم الجديد للمدارس الأهلية - الذي صدر عن وزارة التربية
والتعليم - على أن المدارس الأكثر حظاً في مبانيها، وتجهيزاتها وإمكاناتها المادية كافة،
والتي أثبتت نجاحاً دلت عليه نتائجها الباهرة في السنتين الأخيرتين هي التي لها حق
اختيار المناهج ولغة التعليم مما يعني أن المناهج السعودية واللغة العربية هي للمدارس التي
لم تكتمل تجهيزاتها، وليست في مبنى مناسب معد لأن يكون مدرسة ولم تحقق تفوقاً
في السنتين الماضيتين، وماذا يعني هذا؟!
التاسعة عشرة: الذين يظنون أن التدريس بلغة غير العربية (اللغة الإنجليزية مثلاً) سوف
يسهل على أبنائهم القبول في الجامعات الأجنبية واهمون واهمون؛ إذ لم تكن
الشهادة الثانوية السعودية - يوماً ما - سبباً في رفض أي طالب تنطبق عليه شروط
القبول من حيث معدله الدراسي.
العشرون: اتصل بي مذكراً مستغرباً وزير سابق للتربية والتعليم في إحدى الدول
العربية الشقيقة، بعدأن قرأ عن السماح للمدارس الأهلية عندنا بالتدريس بلغة أجنبية
وقال: أتذكر يا أبا أحمد حين اقترحت علينا المؤسسة التربوية الأجنبية الفلانية أن ندرس
في مدارس بلدنا العلوم الطبيعية والرياضيات بالإنجليزية، أتذكر كيف غضبت أمام
الملأ، ونهيتني بقسوة تشبه التأنيب حين رأيت مني بوادر الاقتناع؟! ثم تابع الوزير
قائلاً: (الله يا صديقي من يصدق أننا نشهد هذا اليوم الذي ننافح فيه عن اللغة
العربية عند من يُظن بأنهم من أنصارها وأنهم - بعد الله - ضمن حماتها!!).
وأخيراً: لعل مما يوقظ بعض القلوب الغافية في هذه المناسبة قصيدة الشاعر الراحل
حافظ إبراهيم (رحمه الله) التي ينعى فيها حظ اللغة العربية بين أهلها، وفيها يقول
على لسان اللغة العربية:
وسعتُ كتابَ الله لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات؟
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم - وإن عز الدواء -أُساتي؟
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أرى لرجال الغرب عزاً ومنعة
وكم عزَّ أقوامٌ بعزّ لغات
إن لغة القرآن الكريم، والسنَّة المطهرة لغة ودود ولود، فلا تظنوها عقيماً،
ولا تلقوا عليها ظلال ضعف الناطقين بها، وعجزهم، وجهلهم.
وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها.
اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.
نقله إليكم : وضيح الأركاني
من الرابط : http://www.imamu.edu.sa/colleg_inst...s/learn_********************************.aspxاستمراراً للحديث عن التمسك باللغة العربية - لغة تعلم وتعليم -
في المملكة العربية السعودية وجدت أن من واجبي الديني والوطني أن ألفت الأنظار
إلى ضرورة تعليم أبنائنا في المدارس (حكومية كانت أم أهلية) بلغتنا العربية،
وأن التنظيم الجديد الصادر من وزارة التربية والتعليم بتاريخ 1427/12/23ه الذي
سمح للمدارس الأهلية (بنين وبنات)، التي تحتضن أبناءنا السعوديين بالتدريس بلغة
غير عربية (باستثناء العلوم الدينية والعربية) تنظيم ينبغي إعادة النظر فيه، كما وجدت
من واجبي أن ألفت الأنظار إلى الحقائق الآتية:
الأولى: حتى حين صدور هذا التنظيم الجديد فإن اللائحة المعمول بها والمقرة من مجلس
الوزراء بناءً على قرار مجلس الشورى تعدّ إلحاق الطلاب السعوديين في المدارس الأجنبية
أمراً غير نظامي، وذلك لأن التدريس فيها بغير اللغة العربية.
الثانية: يوجد في المملكة أكثر من ستين مدرسة أجنبية، استعرضتُ برامجها،
ومناهجها، فوجدتُها - دون استثناء - تعلم بلغتها القومية: فمن يتحدث الفرنسية
يعلّم بها، ومن يتحدث الأردو يعلم بها، ومن يتحدث التركية يعلم بها، وهلم جرا...
وهي - في معظمها - أهلية وتجارية، فلم ير أهل أي لغة - مهما كانت مكانتها
- أن يتنازلوا عن التعليم بلغتهم، ولنتذكر أن التنظيم الجديد للتعليم الأهلي يسمح
للراغبين من ملاك المدارس في عقر دارنا أن يختاروا لغة أخرى للتعليم غير اللغة العربية.
الثالثة: لو أن المدارس الأهلية المتميزة اختارت للتعليم لغة غير العربية فإنه لن يكون
من بين المواطنين مؤهل للتدريس في تلك المدارس، وستعتمد على متعاقدين من
الناطقين باللغة المختارة.
الرابعة: حتى تنجح المدرسة (أو أي مؤسسة أخرى) فإن على إدارتها أن تكون
متمكنة من التفاهم مع العاملين معها بلغتهم، وعندئذ سيندر أن نجد إدارة قادرة
على ذلك في مدارسنا الأهلية، بحكم أن غالبية المعلمين فيها من الناطقين بغير العربية.
الخامسة: شاركت في كثير من الدراسات التقويمية للتعليم العام والتعليم العالي
في المملكة وخارجها ولم يتبين لنا أن التعليم باللغة العربية كان عامل ضعف في أيّ
من مخرجات التعليم، بل على العكس، كان عدم التمكن من اللغة العربية هو السبب
الرئيسي في أي ضعف بدا على مسيرة أي مدرسة!!
السادسة: لا أعرف على الإطلاق متفوقاً من أبناء المملكة، في أي مجال من مجالات
الحياة العملية، سواءً كانت سياسية، أو اقتصادية، أو إدارية، أو عسكرية، أو تجارية
، أو طبية، أو زراعية، أو فنية، أو هندسية، أو غيرها. كان مردّ تفوقه أنه تعلم في
مدرسته بغير العربية، ويحضرني قول أحد مشاهير علماء اللغة "من لا يفكر بلغته
الأم لا يبدع".
السابعة: يعرف الجميع أن الرابط الوثيق بين أبناء أي بلد - وبلادنا على وجه
الخصوص - هو المصدر التعليمي والثقافي الواحد، فإذا اختلف الإعداد، واختلفت
لغات التعليم فإن ذلك يعني اهتزازاً لأهم الروابط الوثيقة التي توحد توجهنا.
الثامنة: يتخوف بعض الناس من تعليم اللغة الإنجليزية لغة ثانية في المدارس لأنها قد
تؤثر على مستوى اللغة العربية، وفي كل مرة (ومنذ أربعين سنة) كان المسؤولون
عن صياغة الخطط الدراسية في وزارة المعارف (آنذاك) "وزارة التربية والتعليم حالياً"
حين يفكرون في تعليم لغة ثانية ضمن المنهج الدراسي لأي مرحلة من مراحل التعليم،
كان الشرط الأول: ألا تؤثر على مستوى الطلاب في إتقانهم للغة العربية. وفي
التنظيم الجديد للمدارس الأهلية فإن الأمر يتعدى تعليم اللغة الأجنبية إلى التعليم
باللغة الأجنبية!! وشتان بين الأمرين!! والقاعدة العلمية المؤكدة هي: أن تعلم
الطالب في مراحل التعليم العام كافة العلوم والفنون بلغتهم الأم أدعى لإتقانه لغته،
وفهمه للمادة العلمية.
التاسعة: لا أعتقد أن هناك تعبيراً عن الشعور بالنقص في الذات والهوية أكبر من
عزوف الفرد عن لغته واختيار لغة أخرى. وكنت أقول للكثيرين من أبنائي الطلاب:
"إنه أمر جيد أن يتقن الإنسان لغة أخرى، لكن الأجود هو إتقانكم للغتكم العربية،
وبراعتكم في التعبير بها - في كل شأن من شؤون الحياة، وفي كل علم وفن
- بفصاحة وبلاغة".
العاشرة: إننا في المملكة العربية السعودية نحتضن في قلوبنا مهبط الوحي ولقب
ملكنا هو: "خادم الحرمين الشريفين"، ونحن قلب العروبة النابض، وينبغي أن
نكون في مقدمة حرّاس الدين الإسلامي، ووعائه اللغوي (اللغة العربية الخالدة)،
وكل تصرف منا يوحي بانتقاصنا للغة العربية، وعدم الوثوق بها، لغة علم وحضارة
هو تصرف غير مقبول. نحن قدوة لكثيرين وينبغي أن نظل قدوة حسنة، وعلينا ألا
نلتفت لقلة منا اختاروا غير هذا النهج، نحترمهم وفي الوقت ذاته نأخذ برأي الكثرة
الكاثرة التي تخالفهم.
الحادية عشرة: إننا باختيارنا لغة غير العربية للتعليم نكون قد سننا سنّة غير حسنة،
وابتدعنا بدعة سيئة قد تكون سبباً في ضعف حماس بعض الدول العربية التي اختارت
اللغة العربية لتعليمها بعد أمد طويل من الاستعمار الذي فرض عليها أن تعلم
أبناءها بلغته (كالجزائر والمغرب وتونس).
الثانية عشرة: فيما يخص العلوم الطبيعية، والتقنية، والرياضيات، فقد شاركت في
اختيار مناهجها لمدارس التعليم العام في جميع المراحل الدراسية في المملكة وبقية دول
مكتب التربية العربي لدول الخليج، وهي من أفضل المناهج على مستوى العالم إن لم
تكن أفضلها قاطبة، ومقر الشركة الناشرة في الغرب، وقد تضمن العقد مع وكيل
الشركة ترجمة تلك المناهج إلى اللغة العربية، وقد أشار علينا الخبراء في الشركة
الناشرة بضرورة تدريس هذه المناهج باللغة العربية لأن تدريسها باللغة الإنجليزية
يقلل من جدواها، وذكروا لنا أن دولاً غيرنا ناطقة بغير الإنجليزية اختارت
تلك السلاسل من المناهج لجميع مراحل التعليم ونجحت في تدريسها بلغتها القومية،
ومع البدء في تدريس تلك المناهج بلغتنا العربية قريباً في مدارسنا نكون بإذن الله قد
قفزنا قفزة نوعية ممتازة في تلك المجالات.
الثالثة عشرة: عندما استقلت الجزائر بعد أن رزحت تحت نير الاستعمار الفرنسي
زهاء قرن من الزمن، فقد خلاله الكثيرون من أبنائها لغتهم العربية، لم تنس الجزائر
أن أهم مقومات عروبتها هو أن تكون اللغة العربية هي لغة كل العلوم وضروب
المعارف، وعزمت على تعريب التعليم لكل المواد التعليمية، وعلى ندرة المعلمين من
السعوديين في ذلك الزمن أرسلت المملكة عدداً من خيرة القادة التربويين لا لتعليم
اللغة العربية فحسب، بل لتدريس الرياضيات والعلوم وغيرها بالعربية. فكانوا في
الجزائر العاصمة، وعنابة، ووهران، وغيرها من المدن الجزائرية، وكلهم زهوا بما
أنجزوه بعودة الجزائريين للغتهم العربية لغة علم وتعليم.
الرابعة عشرة: ومن حرص المملكة وعظيم إسهاماتها في نشر اللغة العربية لغة
للعلم والثقافة بصورة عامة أنها كانت - ولا تزال - ترسل معلمين سعوديين وتتعاقد
مع معلمين عرب ليعلّموا أبناء الجاليات العربية في الدول المختلفة بما في ذلك دول
في أمريكا الجنوبية.
الخامسة عشرة: لقد أتاحت لي المناصب التي تقلبت فيها حين كنت مستشاراً لمعالي
الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله أول وزير للتعليم العالي، وحين كنت
مديراً عاماً لمكتب التربية العربي لدول الخليج .. ثم أخيراً وزيراً للتربية والتعليم -
أن أشهد العديد من مبادرات المملكة في تعزيز مكانة اللغة العربية منها - على سبيل
المثال لا الحصر - تزويد دول عربية وإسلامية بالكتب العربية والمطابع وندب معلمين
سعوديين إلى بلدان مثل: (الصومال، وجزر القمر، وجيبوتي) إضافة إلى عمل دؤوب
لتتبوأ اللغة العربية مكانتها في المنظمات الدولية، وإن كريم بذل خادم الحرمين
الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز غير المحدود في الإنفاق على نشر اللغة العربية
وتعليمها في بلاد أجنبية كثيرة مثل الاتحاد الروسي لدليل ناصع على ما توليه القيادة
للعناية بلغة القرآن الكريم، وآخر الإسهامات في هذا المجال هو التبرع السخي من ولي
العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز لليونسكو من أجل تعزيز
النشر والتأليف باللغة العربية، وأن تكون في مصاف اللغات الرئيسية في تلك المنظمة.
السادسة عشرة: افتتحت المملكة معاهد عدة في عدد من دول العالم مثل:
(طوكيو، جاكرتا، واشنطن) تدرس اللغة العربية وعلومها، وتدرس باللغة العربية
العلوم الشرعية وغيرها... إيماناً بأهمية لغتنا المجيدة والآن نسمح أن يدرس أبناؤنا
بغير العربية في مدارسنا الأهلية في عقر دارنا. ألا يدعو هذا للعجب والاستغراب؟؟
السابعة عشرة: قابلت عدداً من العلماء الأجلاء والأثرياء الفضلاء يحملون جنسيات
أمريكية وكندية وأوروبية وهم من أصول عربية، يبحثون عن وسيلة لإرسال أولادهم
الصغار إلى بلدان عربية حتى يتلقوا التعليم الأساسي في المواد كافة باللغة العربية،
ولا ينتهي بهم الأمر إلى عجمة اللسان.
الثامنة عشرة: ينص التنظيم الجديد للمدارس الأهلية - الذي صدر عن وزارة التربية
والتعليم - على أن المدارس الأكثر حظاً في مبانيها، وتجهيزاتها وإمكاناتها المادية كافة،
والتي أثبتت نجاحاً دلت عليه نتائجها الباهرة في السنتين الأخيرتين هي التي لها حق
اختيار المناهج ولغة التعليم مما يعني أن المناهج السعودية واللغة العربية هي للمدارس التي
لم تكتمل تجهيزاتها، وليست في مبنى مناسب معد لأن يكون مدرسة ولم تحقق تفوقاً
في السنتين الماضيتين، وماذا يعني هذا؟!
التاسعة عشرة: الذين يظنون أن التدريس بلغة غير العربية (اللغة الإنجليزية مثلاً) سوف
يسهل على أبنائهم القبول في الجامعات الأجنبية واهمون واهمون؛ إذ لم تكن
الشهادة الثانوية السعودية - يوماً ما - سبباً في رفض أي طالب تنطبق عليه شروط
القبول من حيث معدله الدراسي.
العشرون: اتصل بي مذكراً مستغرباً وزير سابق للتربية والتعليم في إحدى الدول
العربية الشقيقة، بعدأن قرأ عن السماح للمدارس الأهلية عندنا بالتدريس بلغة أجنبية
وقال: أتذكر يا أبا أحمد حين اقترحت علينا المؤسسة التربوية الأجنبية الفلانية أن ندرس
في مدارس بلدنا العلوم الطبيعية والرياضيات بالإنجليزية، أتذكر كيف غضبت أمام
الملأ، ونهيتني بقسوة تشبه التأنيب حين رأيت مني بوادر الاقتناع؟! ثم تابع الوزير
قائلاً: (الله يا صديقي من يصدق أننا نشهد هذا اليوم الذي ننافح فيه عن اللغة
العربية عند من يُظن بأنهم من أنصارها وأنهم - بعد الله - ضمن حماتها!!).
وأخيراً: لعل مما يوقظ بعض القلوب الغافية في هذه المناسبة قصيدة الشاعر الراحل
حافظ إبراهيم (رحمه الله) التي ينعى فيها حظ اللغة العربية بين أهلها، وفيها يقول
على لسان اللغة العربية:
وسعتُ كتابَ الله لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات؟
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم - وإن عز الدواء -أُساتي؟
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أرى لرجال الغرب عزاً ومنعة
وكم عزَّ أقوامٌ بعزّ لغات
إن لغة القرآن الكريم، والسنَّة المطهرة لغة ودود ولود، فلا تظنوها عقيماً،
ولا تلقوا عليها ظلال ضعف الناطقين بها، وعجزهم، وجهلهم.
وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها.
اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.
نقله إليكم : وضيح الأركاني
الرابط
اسم الموضوع : لا تقرأه ... ذا الحين ...
|
المصدر : .: أشتات وشذرات :.