أسباب لعن اليهود في القرآن الكريم
الحمد لله حمد الشاكرين والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحابته الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وأحذركم ونفسي من مخالفة أمره وعصيانه ، لاجتناب غضبه وسخطه حيث يقول عز وجل :
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) [ آل عمران : 102 ] .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) [ الأحزاب : 70 - 71 ] .
أيها المسلمون : ولقد بين لنا القرآن أسباب لعن الله اليهود .. وبين لكم فيما مضى السبب الأول وهو تركهم العمل بالعلم .. والسبب الثاني وهو أنهم نبذوا كتاب الله وصدوا عن سبيله واتبعوا الشياطين .. والسبب الثالث من أسباب لعن اليهود : هو الكفر بآيات الله .. السبب الرابع من تلكم الأسباب وهو : أنهم استبدلوا الإيمان بما يعبد من دونه وهو الإيمان بالجبت والكفر بالله .. وها اليوم نتناول السبب الخامس من تلكم الأسباب وهو : أنهم لم يقبلوا الحكم بما أنزل الله والتحاكم لكتابه ..
والمشكلة أن كثيرا من المسلمين يقلد اليهود في ذلك .. يدعي اليهود أنهم ملتزمون بتعاليم التوراة عاملون بما فيها لكن الله تعالى فضحهم وبين أن هذا مجرد ادعاء لا أصل له فهم رفضوا الإيمان بالقرآن وأصروا على الإيمان بالتوراة دون سواها حسب زعمهم فرد الله عليهم قولهم ووبخهم فهم يدعون إيمانهم بالتوراة ولم يعملوا بما فيها ، إذا فهم لم يؤمنوا بالقرآن ولا بالتوراة التي يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا بما أنزل إليهم فيها ، فقال الله تعالى :
(( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين )) .
إن اليهود رغم ادعائهم الإيمان بالتوراة لم يرضوا بالتحاكم إليها ، ورفضوا ذلك لأن التوراة التي أنزلها الله على نبيه موسى عليه السلام ليس فيها ما يدعون ولا ما يفترون على الله ولهذا بين الله عز وجل حال اليهود في التحاكم للتوراة فقال الله عنهم :
(( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون )) .
هذه الآية أيها الأخوة فيها تعجيب من صنيع الكفار من اليهود فيهم يدعوا تحاكمهم للتوراة ولما دعوا للتحاكم إليها أعرضوا عما يدعوه فأي جهل هذا وأي قبح والله .. جاء في تفسير القرطبي : قال ابن عباس : هذه الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله. فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني على ملة إبراهيم " . فقالا : فإن إبراهيم كان يهوديا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم " . فأبيا عليه فنزلت الآية. وذكر النقاش أنها نزلت لأن جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " هلموا إلى التوراة ففيها صفتي " فأبوا. فنزلت الآية .
أيها الإخوة في الله ، هؤلاء هم اليهود يدعون التزامهم حكم الله وهم أبعد الناس عنه مع أن الله تعالى قد بين لنا في القرآن الحكيم أن التوراة فيها هدى ونور للحكم فيما بينهم وأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ، قال تعالى :
(( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون * وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) .
قال ابن عباس رضي الله عنه وذكره السيطي في الدرر والطبراني في المعجم الكبير : أنزل الله الآية في طائفتين من اليهود كانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ولك قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا لنا بمائة وسق فقالت الذليلة وهل كان في حين دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد دية بعضهم نصف دية بعض إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا وفرقاً منكم فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، ثم ذكرت العزيزة ، فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا وقهراً لهم فأرسلوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتوه وإن لم يعطيكم حذرتم فلم تحكموه فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا وأنزل قوله من سورة المائدة :
(( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم * سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين * وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون * وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون * وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين * وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )) .
معشر المسلمين ، إيانا وما فعله اليهود إيانا وترك الحكم بما أنزل الله فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا طريق النجاة ..
فقال : ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) أخرجه الحاكم والدارقطني ، صححه الألباني في صحيح الجامع .
أخي طالب العلم ، أرعني سمعك .. هذه همسة في أذنك لا تجعل همك الأكبر أن تتعلم لأجل أنتنال الدنيا ثم تأخذ بعد ذلك منصبا كبيرا .. تلك لك غاية لها نهاية ..
لا .. بل اجعل همك أن يخرق عالم الأرض والسماء حتى يصل إلى الله خالقك ورازقك الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ..
وهو النعمة العظمى في حياة المؤمن الذين يريد وجه الله .. وهو العمل بهذا العلم والوصول للحق ، ورفعة كلمة الله ، والدعوة إلى الله .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
والتفاني في إصلاح شؤون العباد والبلاد وخدمة بني قوم خاصة .. والمسلمين عامة .. والناس أجمعين مؤمنيهم وكفارهم .. حتى العجماورات كن لها رفيقا رقيقا .. بغض النظر عن البشر الذين هم أولى بذلك ..
نعم الامتحان ينتهي وطلبنا العظيم هو أن يحيينا حياة طيبة في الدارين ..
ولا تخش أبدا .. من له المولى فله كل .. وعواض الدنيا تزول ..
هذا .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسم الموضوع : رسـ9ـالة إلى الأمة المسلمة في العالم
|
المصدر : .: أشتات وشذرات :.
