[frame="6 90"]
( 1 )
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة شركات التأمين
د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان
عضو هيئة الـتـدريـس فـي فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم،
وهو أستاذ متخصص في التأمين.
قـلـة مـن الـنـاس هـم أولـئـك الـذين يعرفون شركات التأمين على حقيقتها،
ويطَّلعون على خباياها وأسرارها. ويُرجِع الباحثون ذلك إلى أمور عدة أهمها:
الدعاية التي تُظهِر شركات التأمين على غير حقيقتها؛
حيث تـظـهـرهـا للناس حسب ما يحبون ويرغبون ويتمنون أن تكون عليه، وتخفي عنهم حقيقتها وواقع أمـرهـا الـذي لـو عرفه الناس لربما نفروا منها، ولما استجابوا لها، كما يقول باحث التأمين الألماني ديترميز. هـذا أمـر، وهـنــاك أمر آخر أعجب منه وأغرب، أمر أدهش كبار الباحثين وحيَّرهم، وهو: أن مجمل الناس لا يهتمون بمعرفة التأمين على حقيقته، ولا معرفة الشركات القائمة عليه رغم ارتباط الــنــاس بـــه وبشركاته، ورغم ما يدفعون من أموال طائلة إلى صناديق هذه الشركات. هذه الــظــاهــــرة العجيبة لم يجد لها كثير من الباحثين حلاً أو تفسيراً معقولاً. ولكن المتمعنين في حـقـيـقـة الـتـأمـيـن يـردُّون ذلك إلى مـا يـحـتويه التأمين من تعقيدات ـ مقصودة في الغالب ـ وإلى ما يكـتـنف شركاته من عدم الوضوح في المنهج والسلوك في أعمالها وتعاملها. كما يردُّون ذلك أيضاً إلى عدم اقتناع الناس بالـتـأمـين أصلاً أو بوجود حاجة إليه؛ حيث ثبت بالاستطلاع الإحصائي الدقيق أنه لا يُقْدِم كثير من الناس على التأمين بدافع الحاجة والاقتناع، وإنما يُقدِمون عليه بدافع الدعاية الواسعة إليه وبدافع التقليد، كما يقول هنز ديترمير.
وقد أجريتُ استطلاعاً عاماً في مـدن ألمانـية مثل: فرانكفورت، وكلونيا، وميونيخ، وشتوت قـارت حـول مـا يـدفـــع الناس إلى التأمين فوجدت أن ما يقرب من 58% ممن وُجِّه إليهم السؤال لا جواب لديهم سوى قولهم: كذا أو مثل الناس، أو نحو ذلك.
وتـتـضـح لـنـا حقيقة شركات التأمين، وطبيعة تفكيرها، وتعاملها من خلال الأمور الهامة الآتية:
أولاً: شروط شركات التأمين:
ليس لشركة في الـعـالم ماضية وحاضرة ما لشركات التأمين من شروط عامة وخاصة، ظاهرة وخفية. وإن أخـص مـا تخـتـص بــه هذه الشروط الصفة التعسفية، مما اضطر كل دولة في العالم أن تفرض رقابة خاصة على شركات التأمين لديها لتخفف شروطها على المواطنين.
وشروط شركات التأمين مـتنوعة: فـمـنـها ما يخص القسط، ومنها ما يخص مبلغ التأمين، ومنها ما يخص الخطر المؤمَّن ضده، ومـنـها ما يخص التعويض عن الحادث، ومنها العام الذي تشترك فيه جميع شركات التأمين، ومنها الخاص بشركة معينة، ومنها الظاهر الذي يعلمه أكثر الناس، ومنها الخفي الذي لا تعلمه إلا الخاصة من أصحاب الخبرة والممارسة ـ كما يقول صاحب كتاب: (الأمـن الـخـادع) برند كرشنر ـ. وإن من أبرز الشروط الخاصة بالتأمين ما يسمى بشرط الحلول. ومـقـتـضـــــاه: أن تحل شركة التأمين محل المؤمن له في مطالبة الغير بما تسبب من أضرار بممتلكات المـؤمَّــن له لحسابها الخاص، وأن يسقط حق المؤمَّن له في مطالبة المتسبب، وبهذا قد تأخذ شركة الـتـأمـيـن من المتسبب أكثر مما تدفعه تعويضاَ للمؤمَّن له، وذلك حينما يكون التلف أكبر من مبلغ الـتـأمـيـن، بـل إنها قد تأخذ العوض كاملاً من المتسبب وتحرم المؤمن له من أي تعويض. كما أنه ليس للمؤمَّن له حق في أخذ ما يزيد على مقدار تعويض الضرر الذي لحق به. ومنها سقوط حق المـطـالـبـة بمـبلـغ الـتـأمــيـن فـي الظروف غير العادية كالحروب، والزلازل،والاضطرابات العامة. وشـروط شركات التأمين كلها شروط إذعان، أي أنه على المؤمَّن له قبولها دون مناقشة، كما أن هذه الشروط تحمي شركات التأمين؛ حيث تُحكِم القبضة على المؤمَّن لهم في الانتظام في دفـع القسط، في الوقت الذي تضع فيه العراقيل دون حصولهم على مبلغ التأمين، كما يـقـول خبير التأمين هنز ديترمير.
ثانياً: أهداف شركات التأمين:
لا تـهـتـم شــركـات التأمين بشيء يضاهي اهتمامها بالربح؛ لذا نجد تركيزها الشديد عند الـتـخـطـيـط ووضــع نظامها الأساس ينصبُّ على الأخذ بكل وسيلة تجلب الربح وتجنِّب الـخـســارة؛ بغضِّ النظر عما قد تسببه هذه الوسائل من إحراجات، أو معارضة للدين أو الـخـلـق أو الـسـلـوك الـحـســـن. ويشاهد ذلك جلياً فيما تنطوي عليه شروطها من تعسف واستغلال، وخاصة في التأمينات التي تفرضها بعض الدول على مواطنيها. كما يشاهد ذلك جلياً أيضاً في استثماراتها الربوية لما تجمعه من أقساط دون المساهمة في أي مشروع خيري. كل هذه مـؤشرات إلى أنه ليس لها هدف في التعاون وخدمة الناس، وإن ألح بعض دعاتها في إقــنـاع الناس بذلك، وإنما هدفها المحقق المعلوم هو الربح والثراء السريع على حساب المؤمَّن لهم، كما يقول أنتون أندرياس في كتابه (فخ التأمين).
ثالثاً: عقود التأمين بين الظن والحقيقة:
يـعتـقـد كثير من الناس أن من وقَّع عقداً مع إحدى شركات التأمين ضد حادث معين فقـد أمِنَ شــر هــذا الحادث، ونسي همه إلى الأبد. وهذا خطأ فاحش وفهم قاصر لحقيقة عقود الـتـأمـيـن؛ فعقود التأمين ليست إلا أوراقاً عارية تهددها سهام موجهة يندر أن لا تصاب بأحدها. هذه السهام المعروفة بنظام شركات التأمين، بشروطها ورجالها المأمورين المدافعين عنها من الـتـابعين، والموالين، والمقررين، والمستشارين، والمحامين، والأطباء، والخبراء، وغيرهم من المختصين في حماية شركات التأمين، وإبطال أي دعوى تقام ضدها. نعم! تلك الشركات اسـتـمـالـــت واشترت بالمادة ذمم كثير من أولئك الناس الذين يتولون التحقيق في الـحـــوادث، وتـقـويـمـهـا، وبيان وجهة القانون فيها، وما يترتب عليها من مســؤوليات وتعويضات.
إنه ليس شيء أيسر على شـركــات الـتـأمـيــن مــن إيجاد السبب لإبطال عقد من العقود، والتحلل من التزاماته؛ فالظروف غير العادية ـ حسب نظامها ـ تجعلها في حل من جمـيع التزاماتها، وزيادة الخطر من مبطلات الالتزام ما لم يزد المؤمن له في قيمة القسط. والإخلال بشرط من شروطها مهما خفي أمره يعتبر لـديـهـا من أهم المحللات. وقد وضعت شروطها وأحكمتها بحيث لا يأتي بها كاملة إلا قلة من الناس، فيندر أن يســلــم أحد من المؤمن لهم من شر هذه الشروط التي تجد شركات التأمين فيها أعظم مجال لتصيُّد الثغرات والتحلل من الالتزامات.
والحاصل أن شركات التأمين تعقد الكثير، ولا تفي إلا بالقليل، كما يقول صاحب كــتاب (الأمــن الـخــادع). وكما يـقـول خبير التأمين الألماني أنتون جوها: إنه طبقاً لإحصائيات المكتب الفيدرالي الألماني فقد وقع في عام 1984م مليونا حادث عمل كلها مؤمَّن ضدها، ولم تعوض شركات التأمين منها إلا 2.9% فقط .
بهذا نرى أن شركات التأمين لها عقود وشروط لا تلتزم بشيءٍ منها إلا وهي راغمة، ومـن يستطيع أن يرغم جيوشها الجرارة من المحامين والعملاء والقضاة وسائر المنتفعين؟!.
آثار التأمين في حياة الناس:
قـد يـعـتـقـد بعض من لا يعرف حقيقة التأمين، وخاصة أولئك الذين يصغون أسماعهم لمـا تروِّجه شــركـــات التأمين من دعاية جذابة، ويقرؤون ما تنشره أقلام أتباعها من مؤلفـين وصحفيين وغيرهم قد يـعـتقـد أولئك أن التأمين خير لا شر فيه. ولكن الأمر عند من يعرف حقيقة التأمين يخـتـلـف؛ فإن كانت للتأمين بعض المحاسن، فمساوئه تطغى على كل أثر حسن وسأبيِّن ذلك من خلال بيان إيجابيات التأمين، وسلبياته، والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات من واقع الحياة.
الآثار الإيجابية في التأمين:
يقول أصحاب التأمين: إن من إيجابياته الأمور الآتية:
1 - تكوين رؤوس الأموال:
يُجْمِعُ رجال الأعمال والمال على أن أعـظم سبب لتكوين رؤوس الأموال التي عرفها العالم في الـقـديـم والـحـديـث نـظـام الـتـأمين؛ ذلك أنه ما من شيء يُتَصَوَّر في حياة من يأخذون بالتأمين إلا وللتأمين فيه حظ وافر ونصـيـب جزل، سواء كان ذلك مقابل تأمين الأنفس أو الأموال أو الممتلكات أو الحقوق أو مجرد الآمــال والأحــلام؛ حـتـى إن الـفـرد والجماعة والـدولـة في الـعـصر الحديث يخصصون بنداً ضخماً في ميزانياتهم السنوية لتكلفة التأمين، ويُعِدُّون لذلك الـعـدة الـصـعـبـة، بــل إن الأمـر قـد بلغ أن التكلفة التأمينية أجَّلت بعض المشاريع؛ وذلك لأن التأمينات لا تقـف عند حد؛ فبقدر ما تنتجه قريحة أصحاب التأمين من تـصـنـيـع للأخـطــار بـقدر ما تمتد يد التامين لتحصيل الأموال. ولدى شركات التأمين مـوهـبــة فائقة في تجسيم الأخطار، وإبرازها، وتقريبها من الناس. فأيسر الأخطار وأندرها بل وبعيدُ التصور منها تنفخ فيه شركات التأمين حتى تجعله الشبح المخيف الذي لا يصح تـجـاهـله، والذي ينبغي الإسراع إلى فعل ما يقي منه ويدفعه. وبهذا انهالت على أصحاب الـتـأمـيـن الأمـوال الـطـائلة والثروات الفاحشة. ويقول أصحاب التأمين: إن هذه الثروات مـفـيـدة للـنـاس؛ حـيـث إنـهــا تستخدم وتستثمر في المشاريع العامة المفيدة للجميع، كما يـقـولـون: إنها مفيدة للدولة؛ حيث إنها سندها عند الأزمات الاقتصادية، كما يقرر ذلك خبير التأمين ( هنز مير).
2 - المحافظة على عناصر الإنتاج:
إذا احترق المصنع، أو انفجر، أو تهدَّم، أو مــرض العامـل، أو توفــي أو تعطل، ولم يكن ما يعوض ذلك أو يصلحه فإنه قد تنحط عناصر الإنتاج البشرية والآلية، فيضعف إنتاجها أو يـتـوقـــف. ويقول أصحاب التأمين: إنه بالتأمين يستطاع منع ذلك، فلا تضعف عناصر الإنتاج، ولا تتوقــف؛ ذلك أنه إذا احترق المصنع أو انفجر، أو تهدم فإن شركات التأمين تعوض أصحاب المـصـانـع بدفع قيمة التأمين الذي يستطاع به إعادة بناء هذا المصنع. وإذا مرض العامل فإنها تعالـجــه، وإذا تعطل تعوضه، وإذا توفي تصرف لأسرته. ويعدون ذلك حسنة من حسنات التأمين وواحدة من إيجابياته.
3 - التحكم في التوازن الاقتصادي:
تعاني كثير من الدول ـ وخـاصـة الصناعية منها ـ من عدم التوازن الاقتصادي بين العرض والـطـلـب؛ فـقـد تكـثر النقود في أيدي الناس مع قلة السلع المعروضة في الأسواق، فيرتبك الاقـتـصـاد، وهـو مـا يعرف بحـالة التضخم. وقد تكثر السلع المعروضة في الأسواق مع قلة النقود في أيدي الناس فتبور السلع، وهو ما يعرف بالكساد. ويعتبر الاقتصاديون كلا هاتين الحالتين الاقتصاديتين غير صحيتين.
ويقول رجال التأمين: إنه يمكن بالتأمين تفادي هاتين الحالتين المضرتين بالاقتصاد؛ فإنه يمكن في حالة التضخم الاقتصادي التوسع في التأمينات الإجبارية لتعم أكثر قدر ممكن من الـناس، وخاصة التأمينات الاجتماعية، وبذلك يمكن سحب قدر كبير مما في أيدي الناس من الـنـقـود، فتقل القدرة الشرائية، فيتزن العرض والطلب. وفي حالة الكساد يمكن للدولة أن تـزيـد من مخـصـصـات المرضى، والعاطلين عن العمل، ونحوهم، فتكثر النقود في أيدي الـنـاس، فتزيد القدرة الشرائية، ويزول الكساد، ويعتبرون ذلك إحدى إيجابيات التأمين؛ كما يقول خبير التأمين بول برس في كتابه: (أثر التأمين في الاقتصاد القومي).
4 - اتقاء الأخطار:
تـرغـب شـركات التأمين في عدم حلول المصائب والأحداث في الأمور المؤمَّن ضدها حتى لا تـضـطـر إلى دفـع مبلغ التأمين الذي تعهدت به، ولذا فهي تضغط على المؤمَّن لهم وتشدد عليهم لـيـجـتـنبوا الأخطار ويبذلوا الجهد في المحافظة على الأموال المؤمن عليها؛ ويقول أصحاب التأمـيـن إن ذلك يؤدي إلى المحافظة على قوة الاقتصاد للبلد؛ فهو من إيجابيات التأمين كما يقول بول برس.
5 - زيادة الائتمان:
لا توافق المصارف ولا أصحاب الأموال على إقراض أحد الناس قرضاً ربوياً ما لم يوثق هذا الــقــرض بـوثـيـقــة ائتمان تضمن لهم حقوقهم، وهو ما يعرف بالرهن. وهم لا يقبلون هذه الرهون ما لم تكن مؤمنة ضد الفناء والهلاك. لذا فأصحاب الأموال يطالبون من يـقـرضونهم قروضاً ربوية بتوثيق ديونهم برهون معينة من عقار وغيره، ويطالبونهم أيضاً بالتأمين على وثائق الائتمان هذه، حتى إذا هلكت العين المرهونة قام التأمين مقامها.
-------
يتبع
[/frame]
( 1 )
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة شركات التأمين
د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان
عضو هيئة الـتـدريـس فـي فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم،
وهو أستاذ متخصص في التأمين.
قـلـة مـن الـنـاس هـم أولـئـك الـذين يعرفون شركات التأمين على حقيقتها،
ويطَّلعون على خباياها وأسرارها. ويُرجِع الباحثون ذلك إلى أمور عدة أهمها:
الدعاية التي تُظهِر شركات التأمين على غير حقيقتها؛
حيث تـظـهـرهـا للناس حسب ما يحبون ويرغبون ويتمنون أن تكون عليه، وتخفي عنهم حقيقتها وواقع أمـرهـا الـذي لـو عرفه الناس لربما نفروا منها، ولما استجابوا لها، كما يقول باحث التأمين الألماني ديترميز. هـذا أمـر، وهـنــاك أمر آخر أعجب منه وأغرب، أمر أدهش كبار الباحثين وحيَّرهم، وهو: أن مجمل الناس لا يهتمون بمعرفة التأمين على حقيقته، ولا معرفة الشركات القائمة عليه رغم ارتباط الــنــاس بـــه وبشركاته، ورغم ما يدفعون من أموال طائلة إلى صناديق هذه الشركات. هذه الــظــاهــــرة العجيبة لم يجد لها كثير من الباحثين حلاً أو تفسيراً معقولاً. ولكن المتمعنين في حـقـيـقـة الـتـأمـيـن يـردُّون ذلك إلى مـا يـحـتويه التأمين من تعقيدات ـ مقصودة في الغالب ـ وإلى ما يكـتـنف شركاته من عدم الوضوح في المنهج والسلوك في أعمالها وتعاملها. كما يردُّون ذلك أيضاً إلى عدم اقتناع الناس بالـتـأمـين أصلاً أو بوجود حاجة إليه؛ حيث ثبت بالاستطلاع الإحصائي الدقيق أنه لا يُقْدِم كثير من الناس على التأمين بدافع الحاجة والاقتناع، وإنما يُقدِمون عليه بدافع الدعاية الواسعة إليه وبدافع التقليد، كما يقول هنز ديترمير.
وقد أجريتُ استطلاعاً عاماً في مـدن ألمانـية مثل: فرانكفورت، وكلونيا، وميونيخ، وشتوت قـارت حـول مـا يـدفـــع الناس إلى التأمين فوجدت أن ما يقرب من 58% ممن وُجِّه إليهم السؤال لا جواب لديهم سوى قولهم: كذا أو مثل الناس، أو نحو ذلك.
وتـتـضـح لـنـا حقيقة شركات التأمين، وطبيعة تفكيرها، وتعاملها من خلال الأمور الهامة الآتية:
أولاً: شروط شركات التأمين:
ليس لشركة في الـعـالم ماضية وحاضرة ما لشركات التأمين من شروط عامة وخاصة، ظاهرة وخفية. وإن أخـص مـا تخـتـص بــه هذه الشروط الصفة التعسفية، مما اضطر كل دولة في العالم أن تفرض رقابة خاصة على شركات التأمين لديها لتخفف شروطها على المواطنين.
وشروط شركات التأمين مـتنوعة: فـمـنـها ما يخص القسط، ومنها ما يخص مبلغ التأمين، ومنها ما يخص الخطر المؤمَّن ضده، ومـنـها ما يخص التعويض عن الحادث، ومنها العام الذي تشترك فيه جميع شركات التأمين، ومنها الخاص بشركة معينة، ومنها الظاهر الذي يعلمه أكثر الناس، ومنها الخفي الذي لا تعلمه إلا الخاصة من أصحاب الخبرة والممارسة ـ كما يقول صاحب كتاب: (الأمـن الـخـادع) برند كرشنر ـ. وإن من أبرز الشروط الخاصة بالتأمين ما يسمى بشرط الحلول. ومـقـتـضـــــاه: أن تحل شركة التأمين محل المؤمن له في مطالبة الغير بما تسبب من أضرار بممتلكات المـؤمَّــن له لحسابها الخاص، وأن يسقط حق المؤمَّن له في مطالبة المتسبب، وبهذا قد تأخذ شركة الـتـأمـيـن من المتسبب أكثر مما تدفعه تعويضاَ للمؤمَّن له، وذلك حينما يكون التلف أكبر من مبلغ الـتـأمـيـن، بـل إنها قد تأخذ العوض كاملاً من المتسبب وتحرم المؤمن له من أي تعويض. كما أنه ليس للمؤمَّن له حق في أخذ ما يزيد على مقدار تعويض الضرر الذي لحق به. ومنها سقوط حق المـطـالـبـة بمـبلـغ الـتـأمــيـن فـي الظروف غير العادية كالحروب، والزلازل،والاضطرابات العامة. وشـروط شركات التأمين كلها شروط إذعان، أي أنه على المؤمَّن له قبولها دون مناقشة، كما أن هذه الشروط تحمي شركات التأمين؛ حيث تُحكِم القبضة على المؤمَّن لهم في الانتظام في دفـع القسط، في الوقت الذي تضع فيه العراقيل دون حصولهم على مبلغ التأمين، كما يـقـول خبير التأمين هنز ديترمير.
ثانياً: أهداف شركات التأمين:
لا تـهـتـم شــركـات التأمين بشيء يضاهي اهتمامها بالربح؛ لذا نجد تركيزها الشديد عند الـتـخـطـيـط ووضــع نظامها الأساس ينصبُّ على الأخذ بكل وسيلة تجلب الربح وتجنِّب الـخـســارة؛ بغضِّ النظر عما قد تسببه هذه الوسائل من إحراجات، أو معارضة للدين أو الـخـلـق أو الـسـلـوك الـحـســـن. ويشاهد ذلك جلياً فيما تنطوي عليه شروطها من تعسف واستغلال، وخاصة في التأمينات التي تفرضها بعض الدول على مواطنيها. كما يشاهد ذلك جلياً أيضاً في استثماراتها الربوية لما تجمعه من أقساط دون المساهمة في أي مشروع خيري. كل هذه مـؤشرات إلى أنه ليس لها هدف في التعاون وخدمة الناس، وإن ألح بعض دعاتها في إقــنـاع الناس بذلك، وإنما هدفها المحقق المعلوم هو الربح والثراء السريع على حساب المؤمَّن لهم، كما يقول أنتون أندرياس في كتابه (فخ التأمين).
ثالثاً: عقود التأمين بين الظن والحقيقة:
يـعتـقـد كثير من الناس أن من وقَّع عقداً مع إحدى شركات التأمين ضد حادث معين فقـد أمِنَ شــر هــذا الحادث، ونسي همه إلى الأبد. وهذا خطأ فاحش وفهم قاصر لحقيقة عقود الـتـأمـيـن؛ فعقود التأمين ليست إلا أوراقاً عارية تهددها سهام موجهة يندر أن لا تصاب بأحدها. هذه السهام المعروفة بنظام شركات التأمين، بشروطها ورجالها المأمورين المدافعين عنها من الـتـابعين، والموالين، والمقررين، والمستشارين، والمحامين، والأطباء، والخبراء، وغيرهم من المختصين في حماية شركات التأمين، وإبطال أي دعوى تقام ضدها. نعم! تلك الشركات اسـتـمـالـــت واشترت بالمادة ذمم كثير من أولئك الناس الذين يتولون التحقيق في الـحـــوادث، وتـقـويـمـهـا، وبيان وجهة القانون فيها، وما يترتب عليها من مســؤوليات وتعويضات.
إنه ليس شيء أيسر على شـركــات الـتـأمـيــن مــن إيجاد السبب لإبطال عقد من العقود، والتحلل من التزاماته؛ فالظروف غير العادية ـ حسب نظامها ـ تجعلها في حل من جمـيع التزاماتها، وزيادة الخطر من مبطلات الالتزام ما لم يزد المؤمن له في قيمة القسط. والإخلال بشرط من شروطها مهما خفي أمره يعتبر لـديـهـا من أهم المحللات. وقد وضعت شروطها وأحكمتها بحيث لا يأتي بها كاملة إلا قلة من الناس، فيندر أن يســلــم أحد من المؤمن لهم من شر هذه الشروط التي تجد شركات التأمين فيها أعظم مجال لتصيُّد الثغرات والتحلل من الالتزامات.
والحاصل أن شركات التأمين تعقد الكثير، ولا تفي إلا بالقليل، كما يقول صاحب كــتاب (الأمــن الـخــادع). وكما يـقـول خبير التأمين الألماني أنتون جوها: إنه طبقاً لإحصائيات المكتب الفيدرالي الألماني فقد وقع في عام 1984م مليونا حادث عمل كلها مؤمَّن ضدها، ولم تعوض شركات التأمين منها إلا 2.9% فقط .
بهذا نرى أن شركات التأمين لها عقود وشروط لا تلتزم بشيءٍ منها إلا وهي راغمة، ومـن يستطيع أن يرغم جيوشها الجرارة من المحامين والعملاء والقضاة وسائر المنتفعين؟!.
آثار التأمين في حياة الناس:
قـد يـعـتـقـد بعض من لا يعرف حقيقة التأمين، وخاصة أولئك الذين يصغون أسماعهم لمـا تروِّجه شــركـــات التأمين من دعاية جذابة، ويقرؤون ما تنشره أقلام أتباعها من مؤلفـين وصحفيين وغيرهم قد يـعـتقـد أولئك أن التأمين خير لا شر فيه. ولكن الأمر عند من يعرف حقيقة التأمين يخـتـلـف؛ فإن كانت للتأمين بعض المحاسن، فمساوئه تطغى على كل أثر حسن وسأبيِّن ذلك من خلال بيان إيجابيات التأمين، وسلبياته، والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات من واقع الحياة.
الآثار الإيجابية في التأمين:
يقول أصحاب التأمين: إن من إيجابياته الأمور الآتية:
1 - تكوين رؤوس الأموال:
يُجْمِعُ رجال الأعمال والمال على أن أعـظم سبب لتكوين رؤوس الأموال التي عرفها العالم في الـقـديـم والـحـديـث نـظـام الـتـأمين؛ ذلك أنه ما من شيء يُتَصَوَّر في حياة من يأخذون بالتأمين إلا وللتأمين فيه حظ وافر ونصـيـب جزل، سواء كان ذلك مقابل تأمين الأنفس أو الأموال أو الممتلكات أو الحقوق أو مجرد الآمــال والأحــلام؛ حـتـى إن الـفـرد والجماعة والـدولـة في الـعـصر الحديث يخصصون بنداً ضخماً في ميزانياتهم السنوية لتكلفة التأمين، ويُعِدُّون لذلك الـعـدة الـصـعـبـة، بــل إن الأمـر قـد بلغ أن التكلفة التأمينية أجَّلت بعض المشاريع؛ وذلك لأن التأمينات لا تقـف عند حد؛ فبقدر ما تنتجه قريحة أصحاب التأمين من تـصـنـيـع للأخـطــار بـقدر ما تمتد يد التامين لتحصيل الأموال. ولدى شركات التأمين مـوهـبــة فائقة في تجسيم الأخطار، وإبرازها، وتقريبها من الناس. فأيسر الأخطار وأندرها بل وبعيدُ التصور منها تنفخ فيه شركات التأمين حتى تجعله الشبح المخيف الذي لا يصح تـجـاهـله، والذي ينبغي الإسراع إلى فعل ما يقي منه ويدفعه. وبهذا انهالت على أصحاب الـتـأمـيـن الأمـوال الـطـائلة والثروات الفاحشة. ويقول أصحاب التأمين: إن هذه الثروات مـفـيـدة للـنـاس؛ حـيـث إنـهــا تستخدم وتستثمر في المشاريع العامة المفيدة للجميع، كما يـقـولـون: إنها مفيدة للدولة؛ حيث إنها سندها عند الأزمات الاقتصادية، كما يقرر ذلك خبير التأمين ( هنز مير).
2 - المحافظة على عناصر الإنتاج:
إذا احترق المصنع، أو انفجر، أو تهدَّم، أو مــرض العامـل، أو توفــي أو تعطل، ولم يكن ما يعوض ذلك أو يصلحه فإنه قد تنحط عناصر الإنتاج البشرية والآلية، فيضعف إنتاجها أو يـتـوقـــف. ويقول أصحاب التأمين: إنه بالتأمين يستطاع منع ذلك، فلا تضعف عناصر الإنتاج، ولا تتوقــف؛ ذلك أنه إذا احترق المصنع أو انفجر، أو تهدم فإن شركات التأمين تعوض أصحاب المـصـانـع بدفع قيمة التأمين الذي يستطاع به إعادة بناء هذا المصنع. وإذا مرض العامل فإنها تعالـجــه، وإذا تعطل تعوضه، وإذا توفي تصرف لأسرته. ويعدون ذلك حسنة من حسنات التأمين وواحدة من إيجابياته.
3 - التحكم في التوازن الاقتصادي:
تعاني كثير من الدول ـ وخـاصـة الصناعية منها ـ من عدم التوازن الاقتصادي بين العرض والـطـلـب؛ فـقـد تكـثر النقود في أيدي الناس مع قلة السلع المعروضة في الأسواق، فيرتبك الاقـتـصـاد، وهـو مـا يعرف بحـالة التضخم. وقد تكثر السلع المعروضة في الأسواق مع قلة النقود في أيدي الناس فتبور السلع، وهو ما يعرف بالكساد. ويعتبر الاقتصاديون كلا هاتين الحالتين الاقتصاديتين غير صحيتين.
ويقول رجال التأمين: إنه يمكن بالتأمين تفادي هاتين الحالتين المضرتين بالاقتصاد؛ فإنه يمكن في حالة التضخم الاقتصادي التوسع في التأمينات الإجبارية لتعم أكثر قدر ممكن من الـناس، وخاصة التأمينات الاجتماعية، وبذلك يمكن سحب قدر كبير مما في أيدي الناس من الـنـقـود، فتقل القدرة الشرائية، فيتزن العرض والطلب. وفي حالة الكساد يمكن للدولة أن تـزيـد من مخـصـصـات المرضى، والعاطلين عن العمل، ونحوهم، فتكثر النقود في أيدي الـنـاس، فتزيد القدرة الشرائية، ويزول الكساد، ويعتبرون ذلك إحدى إيجابيات التأمين؛ كما يقول خبير التأمين بول برس في كتابه: (أثر التأمين في الاقتصاد القومي).
4 - اتقاء الأخطار:
تـرغـب شـركات التأمين في عدم حلول المصائب والأحداث في الأمور المؤمَّن ضدها حتى لا تـضـطـر إلى دفـع مبلغ التأمين الذي تعهدت به، ولذا فهي تضغط على المؤمَّن لهم وتشدد عليهم لـيـجـتـنبوا الأخطار ويبذلوا الجهد في المحافظة على الأموال المؤمن عليها؛ ويقول أصحاب التأمـيـن إن ذلك يؤدي إلى المحافظة على قوة الاقتصاد للبلد؛ فهو من إيجابيات التأمين كما يقول بول برس.
5 - زيادة الائتمان:
لا توافق المصارف ولا أصحاب الأموال على إقراض أحد الناس قرضاً ربوياً ما لم يوثق هذا الــقــرض بـوثـيـقــة ائتمان تضمن لهم حقوقهم، وهو ما يعرف بالرهن. وهم لا يقبلون هذه الرهون ما لم تكن مؤمنة ضد الفناء والهلاك. لذا فأصحاب الأموال يطالبون من يـقـرضونهم قروضاً ربوية بتوثيق ديونهم برهون معينة من عقار وغيره، ويطالبونهم أيضاً بالتأمين على وثائق الائتمان هذه، حتى إذا هلكت العين المرهونة قام التأمين مقامها.
-------
يتبع
[/frame]
اسم الموضوع : حكم التأمين الصحي
|
المصدر : .: زاد المسلم :.