إسحاق حاجي
New member
آداب الحوار الصحيح
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
لقد قيض الله لهذا الدين أنصارا من أمم وشعوب شتى ينافحون عنه ،
ويدعون إليه ، ويبينونه للناس ، فعلى من اختاره الله لهذه المهمة النبيلة
أن يكون لبقا ، حكيما في دعوته ، وأمره ونهيه ، واضعا نصب
قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتي هي أحسن ...)
إن الكلمة الطيبة التي يلقيها الداعية الصادق في أذن امرىء شارد عن الطريق
فيغرس بها بذرة الهداية في قلبه ، تعود على الداعي بثواب عظيم ، وأجر جزيل ،
قال عنه المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر
مثل أجور من تبعه ، لا ينقص من أجورهم شيئا)
ولأن الحاجة إلى الحوار ضرورية وملحة في الدعوة الإسلامية فقد
رسم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أروع الأخلاق في الحوار وأحسنها،
بل وأسماها وأنبلها؛ لأنها مطلب إلهي أوصى الله به رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
في كثير من الآيات القرآنية العظيمة، والتي من بينها
قوله تعالى: ( وجادلهم بالتي هي أحسن )
و لقد اهتم الإسلام بالحوار اهتماماً كبيراً، وذلك لأن الإسلام يرى
بأن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار ، أو الجدال
كما يطلق عليه القرآن الكريم في وصفه للإنسان : ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا )
بل إن صفة الحوار ، أو الجدال لدى الإنسان في نظر الإسلام تمتد حتى إلى ما بعد الموت
، إلى يوم الحساب كما يخبرنا القرآن الكريم
في قوله تعالى: ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها )
تعريف الحوار
الحوار : من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام .
والحوار والجدال ذو دلالة واحدة ، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى
: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1)
ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ،
يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ،
وردُّ الفاسد من القول والرأي .
عليه فإن للحوار أصولا متبعة ، وللحديث قواعد ينبغي مراعاتها ،
وعلى من يريد المشاركة في أي حوار أن يكون على دراية تامة بأصول الحوار المتبعة ؛
لينجح ـ بحول الله ـ في مسعاه ، ويحقق ما يرمي إليه ، ومن آداب الحوار وأصوله ما يلي:
أولاً: حسن المقصد: إخلاص النية لله ـ تعالى ـ
وهي لب الأمر وأساسه ، و أن يكون الهدف هو الوصول إلى الحقيقة ،
متبعا في ذلك قاعدة :
( قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
فليس المقصود من الحوار العلو في الأرض، ولا الفساد، ولا الانتصار للنفس،
ولكن المقصود الوصول إلى الحق .
ثانيًا: التواضع بالقول والفعل:
من آداب الحوار: التواضع، وتجنُّب ما يدل على العجب والغرور والكبرياء.،
وحب الظهور ولفت أنظار الآخرين .
حسن الخطاب وعدم استفزاز وازدراء الغير، فالحوار غير الجدال ،
واحترام أراء الآخرين أمر مطلوب ، ولنا في حوار الأنبياء مع أقوامهم أسوه حسنة،
فموسى وهارون أمرا أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى .
ثالثًا: الإصغاء وحسن الاستماع:
الإصغاء إلى الآخرين فن قَلَّ من يجيده، فأكثرنا يجيد الحديث أكثر من الاستماع،
والله سبحانه وتعالى جعل لك لسانًا واحدًا، وجعل لك أذنين حتى تسمع أكثر مما تتكلم،
فلابد أن تستمع جيدًا، وأن تستوعب جيدًا ما يقوله الآخرون.
رابعًا: الإنصاف:
وهو أن تكون الحقيقة ضالتك المنشودة، تبحث عنها في كل مكان، وفي كل عقل.
جرِّد نفسك، ولا تبالِ بالناس رضوا أم سخطوا، وكن باحثًا عن الحقيقة،
وليعلم ربك من قلبك أنه ليس في قلبك إلا محبة الله تعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم،
وحب الحق الذي يحبه الله ورسوله.
فلتستخلص الحق من خصمك، ولو من بين ركام الباطل الكثير الذي ربما جاء به.
وربما أجرى الله تعالى كلمة الحق على لسان الفاسق، أو حتى على لسان الكافر أحيانًا
التراجع عن الخطأ والاعتراف به ، فالرجوع إلى الحق فضيلة .
خامسًا: البدء بمواضع الاتفاق والإجماع والمسلَّمات والبدهيات
: فمن المصلحة ألا تبدأ الحوار بقضية مختلف فيها؛ بل ابدأ بموضوع متفق عليه،
أو بقاعدة كلية مسلَّمة أو بدهية، وتدرج منها إلى ما يشبهها أو يقاربها، ثم إلى مواضع الخلاف.
سادسًا: ترك التعصب لغير الحق:
فلو حاورت إنسانًا، فتناول معهدًا تعمل فيه، أو مقالة كتبتها، أو كتابًا ألَّفته،
أو محاضرة ألقيتها، أو تناول جهة تُحسب أنت عليها- بالانتقاص والسب وتتبع الأخطاء،
فإياك أن تتعصب لهذا الشيء الذي تنتمي وتنتسب إليه، ثم تبادر بالرد،
وتقوم بتقديم كشف بالإيجابيات والحسنات في مقابل الكشف الذي قدمه هو بالأخطاء،
والسلبيات..، لا؛ بل عليك بالأمور التالية:
- أولاً: دع زمام الحديث بيده حتى ينتهي -.
- ثانيًا: اعترف بصوابه فيما أصاب فيه، والحق ضالة المؤمن -.
- ثالثًا: إذا انتهى فانقد الخطأ بطريقة علمية، بعيدة عن العواطف.
سابعًا: احترام الطرف الآخرأو فهم نفسية الطرف الآخر ،
ومعرفة مستواه العلمي ،وقدراته الفكرية سواء كان فردا أو مجموعة ؛ ليخاطبهم بحسب ما يفهمون .
فنحن مأمورون أن نُنـزل الناس منازلهم، وألا نبخس الناس أشياءهم.
.
ثامنًا: الموضوعية:[/
color] الموضوعية تعني: رعاية الموضوع، وعدم الخروج عنه. وعدم الدخول في موضوعات أخرى
تاسعًا: عدم الإلزام بما لا يلزم أو المؤاخذة باللازم:
فإذا خالف إنسان أحد العلماء في قول، تأتي فتقول له: يا أخي، أنت خالفت فلانًا العالم،
وهذا يلزم منه أنك ترى نفسك أعلم منه.
وهذا غير صحيح،
فلا يلزم من قوله وخلافه للعالم الفلاني ذلك، فقد يخالفه في هذه المسألة باجتهاده،
وهو يعرف أن هذا العالم أعلم منه في كل المسائل،
لكن هذه المسألة لا يسعه أن يقلده فيها، كما لا يلزم من مخالفته له أن أن يخطِّئه أو يضلِّله .
عاشرًا: اعتدال الصوت:
لا تبالغ في رفع الصوت أثناء الحوار، بل كلَّما كان الإنسان أهدأ كان أعمق؛
ولهذا تجد ضجيج البحر وصخبه على الشاطئ، حيث الصخور والمياه الضحلة،
وحيث لا جواهر ولا درر،
فإذا مشيت إلى عمق البحر ولجته وجدت الهدوء ، حيث الماء العميق ونفائس البحر وكنوزه؛
لذلك يقول المثل الغربي: "الماء العميق أهدأ".
البعد عن اللجج ، والفحش في الكلام ،
الحدي عشر- التروي وعدم الاستعجال ،
وعدم إصدار الكلام إلا بعد التفكر والتأملفي مضمونه ، وما يترتب عليه.
إذا فالحوار الإيجابي الصحي هو الحوار الموضوعي الذي يرى الحسنات
والسلبيات في ذات الوقت ، ويرى العقبات ويرى أيضا إمكانيات التغلب عليها ،
وهو حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها وهو الحوار المتكافئ
الذي يعطى لكلا الطرفين فرصة التعبير والإبداع الحقيقي ويحترم الرأي الآخر
ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله .
وبالله التوفيق
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : فن الحوار
|
المصدر : .: ساحة الرأي :.