فتى أراكان
, مراقب قسم ساحة الرأي
حمامة
فتح النافذة .. هبّت عليه نسمة باردة .. ارتجف .. حيّته الشمس .. تجهّم لها .. حطّت بقربه حمامة .. ناحت .. سألها : ما يبكيكِ؟!.. أجابت:
- أحبابي تركوني ومضوا ..
- لا تحزني لا شكّ عائدون ..
- متى؟!..
- عمّا قريب ..
- فإن لم يأتوا أو تأخّروا ..
- تنتظرينهم عندي ..
- أين تضعني؟!..
- في القفص طبعاً ..
- لا أرضى العيش في سجن ..
- سيكون الباب مفتوحاً تدخلين وتخرجين كما تشائين ..
- ولو ..
- تأكلين وتشربين كلّ ما تشتهين ..
- ولو ..
- تلعبين وتمرحين كما ترغبين ..
- ولو ..
- ترقصين وتغنّين كما تريدين ..
- ولـ ..
أمسك بها فجأة .. أحاطها بيديه .. رفرفت .. قاومت .. حاولت .. لم تفلت من قبضته :
- تعيشين في السجن رغماً عنكِ ، شئتِ أو أبيتِ ..
أودعها القفص .. أغلق عليها الباب .. ظلّت حزينة .. لم تأكل .. لم تشرب .. لم تمرحْ أو تلعب .. لم تغنِّ أو ترقص .. لم تنم .. ظلّت تبكي .. سمع الليل بكاءها .. أشفق عليها .. بكى معها .. هطلت دموعه أمطاراً .. جرت في الشوارع أنهاراً .. جرّفت كلّ ما في طريقها .. هدّمت المنازل .. اكتسحت البيوت .. خرّبت الديار .. أغرقت الناس .. أفنت المزارع .. اقتلعت الأشجار .. أهلكت المواشي ؛ غضباً لحمامة ظلّت طوال الليل تبكي ..!
في الصباح .. عاد أحبابها .. لم يروها .. بحثوا عنها بين الآثار والأطلال .. طال بحثهم .. أخيراً .. وجدوا جثّتها .. طافيةً على ظهر سجّانها .. كما يطفو على ظهر السفينة العائمة ركّابها .. منكّسةَ الرأس .. فاردة الجناح .. متعبة منهوكة .. تشدّ على قميصه بمخالبها .. كأنما حاولت رفعه عن الماء بقدميها .. وتطيرَ به بجناحيها !..
تحلّقوا حولها .. طافين معها على ظهر سجّانها .. طأطأوا رؤوسهم .. قبضوا أجنحتهم .. سكنت جوارحهم .. هدأت أنفاسهم .. ذرفت عيونهم .. يلقون عليها نظرة الوداع ..
2/1/1426هـ
اسم الموضوع : حمامة
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.
