- إنضم
- 3 أغسطس 2009
-
- المشاركات
- 31
-
- مستوى التفاعل
- 0
-
- النقاط
- 0
الإنسان ابن بيئته، يعشق أرضها وترابها، وإذا غاب عنها هبَّت عليه النسائم بطيبها، فتنسَّم هواءها وهو على البعدِ عنها.
وتعزُّ عليه الأشياء التي نشأ وهي من حوله، ويحنُّ إليها حنين الناقة إلى فصيلها. ومهما ابتعدت به السنون فإنَّه لن يملك دمعتَه إذا اشتم يومًا ريَّاها.
أذكرُ أني حبستُ دمعتي في آخر مرَّة التقينا فيها، وقفنا نتأمل بعضنا بعضًا زمنًا شعرنا فيه أن عقاربَ الساعة توقفت عن الدوران، وأنَّ سكون الظلام من حولنا امتدَّ إلى الزمان فاستوقفه ليخلَّد هذه اللحظة الخاشعةِ في ذاكرته لحظة وداعٍ أخيرة.
كانت لغة العيون في تلك اللحظة أبلغ من أية لغة، ودون أن نتفوَّه بكلمةٍ واحدةٍ مشيتُ القهقرى وأنا أنظر إليه، وحين تواريتُ عنه، وأيقنتُ أنه لا يراني = أجهشتُ بالبكاءِ، بكيتُه كأني أبكي قطعةً مني أواريها التراب، بكيتُ حتى خِلتُ كل جزء من جسدي يبكيه، وحين آبت إليَّ نفسي؛ أخذتُ أعيدُ ذكرياتي معه، وبدأت الصور تعرض في مخليتي فأراه في كل صورةٍ من صور حياتي، يشاركنا أفراحنا وأحزاننا.
لقد شهد ولادتي وولادة إخوتي الصغار، يجمعنا في الليالي الشاتية ليحكي لنا حكاياته الدافئة فننام في حضنه، ونصحو على أنفاسه.
كانت ذكرياتنا بكل أرجائه، تتمثل شخوصنا أشباحًا تحكي ضحكات الفرح ودموع الألم التي عشناها، ما زال يذكر تفاصيلها، باقية حيَّة فيه.
كان دائمًا يقف على تلك الفسحة المرتفعة من جبل أبي قبيس شامخًا بكل عزة وكبرياء، ولكنه في الليلة التي ودَّعتُه فيها كان يحتضر ويتنفس أنفاسه الأخيرة، خُلعت أبوابه ونوافذه، كان فارغًا فراغًا تصفر الرِّياح في كل جوانبه، ونال الغبارُ من كبريائه فتكدس في كل زواية منه.
هذا ما تبقى منه مجرد هيكل شاخص يقومُ في ذلك الظلام كأمثاله من الهياكل التي قامت بجواره تنتظر الإزالة والهدم.
تلك الأبنية لم تهدم وتزال فحسب، بل أزيل ذلك الجزء من الجبل بأكمله، ولم يتبق منه إلاَّ ساحةٌ كبيرة تقف عليها اليوم حافلات النقل الجماعي.
ولكنك أيها البيت الكبير لم تزل ساكنًا بقلوبنا، وستظل عنوانًا خالدًا للحبِّ والعطاء.
وتعزُّ عليه الأشياء التي نشأ وهي من حوله، ويحنُّ إليها حنين الناقة إلى فصيلها. ومهما ابتعدت به السنون فإنَّه لن يملك دمعتَه إذا اشتم يومًا ريَّاها.
أذكرُ أني حبستُ دمعتي في آخر مرَّة التقينا فيها، وقفنا نتأمل بعضنا بعضًا زمنًا شعرنا فيه أن عقاربَ الساعة توقفت عن الدوران، وأنَّ سكون الظلام من حولنا امتدَّ إلى الزمان فاستوقفه ليخلَّد هذه اللحظة الخاشعةِ في ذاكرته لحظة وداعٍ أخيرة.
كانت لغة العيون في تلك اللحظة أبلغ من أية لغة، ودون أن نتفوَّه بكلمةٍ واحدةٍ مشيتُ القهقرى وأنا أنظر إليه، وحين تواريتُ عنه، وأيقنتُ أنه لا يراني = أجهشتُ بالبكاءِ، بكيتُه كأني أبكي قطعةً مني أواريها التراب، بكيتُ حتى خِلتُ كل جزء من جسدي يبكيه، وحين آبت إليَّ نفسي؛ أخذتُ أعيدُ ذكرياتي معه، وبدأت الصور تعرض في مخليتي فأراه في كل صورةٍ من صور حياتي، يشاركنا أفراحنا وأحزاننا.
لقد شهد ولادتي وولادة إخوتي الصغار، يجمعنا في الليالي الشاتية ليحكي لنا حكاياته الدافئة فننام في حضنه، ونصحو على أنفاسه.
كانت ذكرياتنا بكل أرجائه، تتمثل شخوصنا أشباحًا تحكي ضحكات الفرح ودموع الألم التي عشناها، ما زال يذكر تفاصيلها، باقية حيَّة فيه.
كان دائمًا يقف على تلك الفسحة المرتفعة من جبل أبي قبيس شامخًا بكل عزة وكبرياء، ولكنه في الليلة التي ودَّعتُه فيها كان يحتضر ويتنفس أنفاسه الأخيرة، خُلعت أبوابه ونوافذه، كان فارغًا فراغًا تصفر الرِّياح في كل جوانبه، ونال الغبارُ من كبريائه فتكدس في كل زواية منه.
هذا ما تبقى منه مجرد هيكل شاخص يقومُ في ذلك الظلام كأمثاله من الهياكل التي قامت بجواره تنتظر الإزالة والهدم.
تلك الأبنية لم تهدم وتزال فحسب، بل أزيل ذلك الجزء من الجبل بأكمله، ولم يتبق منه إلاَّ ساحةٌ كبيرة تقف عليها اليوم حافلات النقل الجماعي.
ولكنك أيها البيت الكبير لم تزل ساكنًا بقلوبنا، وستظل عنوانًا خالدًا للحبِّ والعطاء.
اسم الموضوع : أنفاس محتضرة
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.

