(الـرحـمـة)

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة

صدى الحجاز

مراقب سابق
إنضم
21 يونيو 2009
المشاركات
745
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
مكة المكرمة
أقلقهم تأخرُّه وملُّوا من طول الانتظار، فخرجوا يبحثون عنه في كل اتجاه، فمنهم من اتجه إلى الفصول القريبة عله يجده في أحدها، ومنهم من اتجه إلى المقصف، فربما كان مشغولاً بفطوره، ومنهم من اتجه إلى دورات المياه عسى أن يجده عائداً منها متوضئاً، ومنهم من هَمَّ بالنزول إلى الدور الأرضي حيث غرفة المدرسين، إلا أن خوفَه من عقابٍ قد يتعرَّضُ له من أحدِهِم منعه من ذلك، فاكتفى بالبقاء قريباً من الدَّرج، يُطِلُّ منه إلى الأسفل بعد كل حين وحين، ثمَّ عاد الجميع أدراجهم يذوقون مرارة الخيبة- وما أقساها على براعم مثل الزهور-، ومع كل دقيقة وثانية تمضيان من الوقت تتمزق قلوبهم الصغيرة البريئة ألماً وحسرةً وهم يرون فرصتَهم الوحيدةَ اليتيمةَ في الأسبوع تضيع منهم، وشوقاً إلى هذا الحبيب المنتظَر.

وفجأة يُطْرَقُ الباب ثم يُفْتَحُ ليدخل مسلِّماً عليهم من انتظروه كل هذا الوقت، فإذا بهم يصيحون بصوت واحدٍ: جاء الأستاااااااااااااااذ... جاء الأستاااااااااااااااذ، وقفزوا من أماكنهم نحوه... هذا يسلِّم عليه، وهذا يتشبَّثُ بثوبه، وهذا يُقَبِّلُ يدَه لا يريد أن يتركَها...
- يلاَّ يا أولاد... كلُّ واحدٍ في مكانِه.


وبعد جهدٍ استطاع أن يُجلِسَهُم في أماكِنِهم، فبدؤوا يُخْرِجُون ما تُكِنُّهُ أفئدتُهُم، وما يطغى قلوبَهم ويعتلج في صُدورِهِم:
فقال طالب: انتظرناك طويلاً يا أستاذ.
وقال آخر: اشتقنا إليك يا أستاذ.
وقال آخر: بحثنا عنكَ في كل مكانٍ يا أستاذ


- ولم يدرك المسكين أنه بخروجه من الفصل ارتكبَ خطأً يعاقب عليه نظام الإدارة حتى ولو كان سببُ الخرُوج البحثَ عن المدرِّس شوقاً إليه، فلن تشفعَ له براءتُه الطفولية -.
هكذا ينصُّ قانون المدرسة ومفهوم التربية والتأديب عند البعض، فلابد من ردعهم وزجرهم عن اللعب، وتعليمهم السكينة والوقار والهدوء والاحترام المتبادل بين الأطفال.


وقال آخر: يا أستاذ: عندما تأخرت علينا دعا اللهَ محمودٌ كي يأتي بك، فنحن لا نصبر عنك!!...
- ماذا؟!.. دعا اللهَ أن يأتي بي إليكم؟!..
- نعم نعم يا أستاذ.
التفتُّ إلى هذا الطفل الصغير محمودٍ، فإذا به ينظر إلى الأرض، فقد أخجله كلامُ زميله، فقلت: أصحيح ما يقوله صاحبك يا محمود؟!..
- ... ... .
- ما لك يا محمود؟ تكلَّم، هل دعوتَ لي فعلاً؟
- نعم يا أستاذ.
- بماذا دعوت؟
- بحثنا عنك في كل مكان فلم نجدك، فدعوتُ اللهَ أن يأتيَ بك إلينا.

وقَفتُ فاغراً فمي مِمَّا سمعتُ وكأن صاعقة أصابت مفرق رأسي، وأخذتُ أتساءل: من ذا الذي وجَّهَهُ إلى الدُّعاء وألهمه وأرشده؟!.. فما عهدنا التربية عندنا تَحُثُّ على هذا، إنما هي التفتيش والإلزام بالشماغ وقص الشعر وإن لم يرتكب مخالفة شرعية وما إلى ذلك من المظاهر فقط، فمن أين له هذا التوجُّه؟!... إنها الفطرة التي فطرهُ الله عليها.
وبدأت أفكر وأفكر وأسبح في بحر من المشاعر والأحاسيس.
ما أصفى هذه القلوب الصغيرة البريئة، وما أصدقها مع ربِّها، وما أنقاها على الفطرة السليمة السويَّة... التجاءٌ مباشرٌ إلى علاَّم الغيوب بدعوةٍ صادقةٍ من قلبٍ مشتاقٍ بأن يأتي إليهم بحبيبهم المنتظَرِ مدرِّسِ الفنية، وأن لا يُفِوِّتَ عليهم هذه الحصة، فيستجيبُ الله دعاءَه من فوق سبع سموات، ولا يكاد هذا الطالب الصغير ينتهي من دعائه حتى يدخُلَ عليهم مدرُّسهم تسوقه دعوة الطالب.
نظرتُ إلى وجوههم الصغيرة وبدأت أتأمل فيها... تُرَى أي قلب يضمُّهم، وأي مستقبل ينتظرهم، وهل ستظل قلوبهم كما هي الآن بريئةً نقيةً صافيةً حينما يكبرون قليلاً ويخرجون من رحم الطفولة ويرتقون إلى الصف الثالث والرابع؟
أم أن الأيام ستغيرها وتأخذ من براءتها وصفائها ونقائها؟!...

إيهٍ أيها الصغار.. لو تعلمون ما ينتظركم حين تكبرون قليلاً من الجلد وقصم الظهور وحسابات عسيرة لتمنيتم أن لو كنتم نسياً منسياً .. وسترون أموراً تنكرونها ..
ولا تغرنكم ابتسامة العيد وأهازيجه .. وفرحة العطلة وألعابها .. فما هي إلا أيام وسَنَسْمَعُ أنينَكم وصرخاتكم واستغاثاتكم تحت وطأة الجلد من مؤدبيكم ومعلميكم.


ولا عجبَ إذا وجدناهم بعد ذلك في الأسواق وفي حلقة الخضار متشردين ومتسولين.


أيها الإخوة المدرسين:
لا شيء يحميهم من غدر الزمان وفساد البيئة وجهل المجتمع إلا أن يستظلوا برحمة مدرِّسيهم ومربِّيهم بعد رحمة ربِّهم وخالقهم، فأين هي منهم هذه القلوب الرحيمة، وأين من يوجههم إلى خالقهم ومولاهم توجيهاً مباشراً، وهل سيجدونه أم لا؟- الله أعلم-.

أدرت ظهري عليهم، وتظاهرت بالانشغال برسم منظرٍ من تلك المناظر المحببة إلى قلوبهم على السبورة، ووالله إن قلبي ليبكي حناناً وشفقةً عليهم، وخوفاً من ضياعهم في ظلِّ هذه التربية الخاطئة.
ولا أملك إلا أن أسأل اللهَ العظيم رب العرش الكريم أن يأخذ بأيديهم جميعاً إلى ما يحب ويرضى، وأن يظلَّهم بتوفيقه، إنه أرحم الراحمين.
 
اسم الموضوع : (الـرحـمـة) | المصدر : .: أشتات وشذرات :.
إنضم
29 يوليو 2009
المشاركات
44
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
المملكة العربية السعودية - مكة المكرمة
أشكرك أخي صدى الحجاز على هذه اللفتة الأبوية الحانية ، فالموضوع جدير بأن نتناقش فيه .

نسمع دائما عن قصص تؤرق المضاجع من حكايات أشبه بالخيال ,, عن قصص العنف مع الطلاب واستخدام العقاب البدني والنفسي واللفظي كوسيلة لتقويم سلوك الطفل..

فهناك من يحمل الطالب الصغير باذنية ويلقية ارضا وهناك من يلقي عبارات التأنيب والسب الجارح. وهناك من يجلد جلد الحميـ.... ( أعزكم الله )

ان هذا قتل للطالب في عمر الزهور ليرمى به جثة هامدة

نعم يقتل .........

فقد قتل طموحه ......

وقتل حبه للمدرسة والعلم والمتعلمين وكل ما يمت للتعليم بصلة .....

نعم قتل فيه روح البراءة ...

واتقدت فيه روح الحقد والكراهية .......

قتل فيه روح العزة بالنفس , ليعيش ذليلا منذُ صغره في زمن القوة والانطلاق ..

والامثلة في المجتمع الحاضر كثيرة على ذلك ,, فمن الاجيال من لا يزال يبتهل الى الله بالانتقام من ذلك المعلم

الذي قتل فيه حب العلم والدراسة وجعل المدرسة ومعلميها وموادها كريهة بغيضة لديه الى نهاية حياته ,,

ان الدين الاسلامي يدعو الى الرفق , فهو دين الرحمة والتسامح والتربية بالتي احسن ..

اضافة الى ذلك تعليمات دولتنا الرشية ايدها الله ,, ممثلة في وزارة التربية والتعليم قد اصدرت تعاميمها بمنع

الضرب منعا باتا في جيمع مدارسها وتعاقب اشد العقوبات الوظيفية للمخالفين لذلك ..



وبالنقيض من ذلك :


من سمع منكم بضرب معلم من قبل مجموعة من الطلاب ..!!

من سمع منكم بالاعتداء على معلم بعد نهاية الامتحانات ,,!!

من سمع منكم بالاعتداء على مدير مدرسة بعد خروجه منها ,,او في الشارع او حول منزله ,,!!

من سمع منكم بتنسيم كفرات سيارة معلم ..!!

من سمع بالاعتداءات البدنية بين الطلاب ,, ضرب ,, قتل ,, طعن بالسكاكين ,, اختطاف واغتصاب
وما خفي كان اعظم ..

لا اختلف مع الكاتب في معظم كلامة وخاصة صغار السن من الطلاب والاطفال بصفة عامة ولكن لابد ان يكون

لكل شيء حدود ونوع في المعاملة التي تناسب سنه وكذلك في العقاب المناسب له .. فلا يترك الطفل او الطالب على

حريته المطلقة ويُوفر له كل ما لذ وطاب من انواع الثقافات المختلفة المرئية وغيرها .. فهي من اكبر المسببات لتغيير

سلوكه .. وانما يجب ان ننظر لأساس التربية من المنزل ويجب التعاون المستمر بين البيت والمدرسة ,, ويجب على

المدرسة ايضا وهذا امر مهم اطلاع ولي الامر على كل شيء حول ابنه اول باول حتى يكون على دراية كاملة بحال ابنه ..

ولكم تقديري واحترامي ,,,
 

صدى الحجاز

مراقب سابق
إنضم
21 يونيو 2009
المشاركات
745
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
مكة المكرمة
الأخ برماوي في قلوبهم:
أشكرك على المرور.
وبالنسبة لسؤالك، فأنا صاحب القصة، وطلابي الصغار قد تركتهم منذ أربع سنوات تقريباً بعد ما تقطع قلبي لفراقهم، وما زلت أسأل عنهم، وقد سمعت ما كنت أتوقعه وأخشاه عليهم من الجلد والسلخ من قبل بعض المدرسين والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخ أبو وجدان البرماوي:
أشكرك على إثرائك للموضوع وعلى الثناء الذي لا أستحقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخ سليمان كبير:
أشكر لك إضافاتك الرائعة، واستدراكاتك المهمة.
وبالنسبة لأخبار ضرب الطلاب للمعلمين والاعتداء عليهم في مرحلة الثانوية بالذات، فهذه نتيجة العنف الذي يفجر كوامن الغضب لدى المراهقين، وجرح مشاعرهم بمختلف الأساليب الخاطئة، وعدم إجادة احتوائهم.
وإلا فإني أعرف من مدرسي الثانوية من تعلق به طلابه ولازموه من شدة حبهم له حتى بعد أن تخرجوا من الجامعة وتزوجوا، وقد تأملت في سبب ذلك فلاحظت أن السر يكمن في اهتمامه بالجوانب الإيجابية لدى الطلاب فينميها ويشجعهم عليها، ويغض الطرف عن أخطائهم وزلاتهم، إضافة إلى أسلوبه الراقي في التعامل، مما يفرض على غيره احترامه وتقديره.
وأكرر لك شكري، وأسأل الله لك التوفيق.
 
التعديل الأخير:

هيمو_

New member
إنضم
6 يوليو 2009
المشاركات
2,323
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
يعطيك العافية
تقبل مروري
 
أعلى