- إنضم
- 3 أغسطس 2009
-
- المشاركات
- 31
-
- مستوى التفاعل
- 0
-
- النقاط
- 0
أضافني أحد أصدقائي بمنزله، وجلسنا نتسامر حتى هرب منَّا الليلُ، وارتفع من حولنا أذان الفجر.
خرجنا إلى الصَّلاة، وعند عودتنا أبصرتُ أمامنا جويريةً صغيرةً تجرجر سلَّة ممتلئة خلفها.
فقلتُ له: من هذه؟
قال: هذه ابنةُ جارنا، فقدت أمَّها، وتزوَّج أبوها بأخرى وهي تعيش معهم.
لم أشعر بنفسي وصديقي يُتمُّ جملته إلاَّ وأنا أحملُ عنها سلَّتها، وأمشي بجوارها حتى أوصلتها إلى باب شُقتِّها، نظرَت إليَّ فزِعة، ثم ابتسمت ابتسامة شعرتُ أنها تنتزعها انتزاعًا من صدرها.
تحاشيتُ النظر إلى عينيها، وأنا أهمسُ لصديقي: يا إلهي! لقد نسيتِ الصغيرةُ كيف تبتسم.
وعندما خلوتُ بنفسي: خلوتُ بذكرى تمتدُّ إلى الوراء أكثر من خمس وعشرين سنة، لم أكن قد تعاطيتُ الحبَّ في سنيِّ عمري ذاك، أو أدركَ كنهَه أو وصفَه، ولكن الشيء الذي أدركتُه وأيقنته أني لم أستطع تجاهل الجمال الذي سكن عينيها، تزوَّج والدها بأرملةٍ بعد أمها، وكانت تلك الأرملة مثقلة بعدد من الأبناء، بخلاف أبيها الذي لم يكن يضم سواها.
وبالرغم من إحساسي بحزنها العميق وشرود عينيها المستمر، إلا أني كنتُ أرى نفسي دائمًا في عينيها، أو هكذا خُيِّل إليَّ، فأنا من ابتسم لها، وأدرك جمال عينيها، وسحر ابتسامتها، فلم يكن أحدٌ - من أبناء زوجة أبيها - يعيرها اهتمامًا، بل أظنهم كانوا يعدُّونها في البيت من سقط المتاع، فاغتالوا طفولتها في وقت مبكر.
كان من طبائع الناس في تلك الأيام أن أبناء الجيران لا يفرِّقون في مرقدهم أيّ بيت آواهم الليل؛ إذ كانتِ النُّفوسُ ساذَجة، والبيوت يضوعُ بين أرجائها المحبة والألفة.
ألِفت قدماي اللَّعبَ عند عتبة دارهم مع إخوتها غير الأشقاء (تجوَّزًا، ولا يصحُّ حقيقةً)، فكنتُ أراها دائمة الانشغال بأعمال البيت، تستيقظ في وقت مبكر لتقوم بأعمالٍ ما كان لمن في مثل سنِّها أن يقوم به، تكنس البيت، وتغسل ما تكدَّس في المطبخ من أوانٍ وغير ذلك.
لم أشعر بنفسي إلاَّ وأنا أشاركها الاستيقاظ المبكر، وأشاركها أعمالها التي كانت تقوم به على خُفية من أهل الدار، كنتُ أجد متعةً في مشاركتها أعمالاً أتنصل من القيام بها في بيتي لم أدرك في صغري ذلك ألم فقدها، إلاّ بعد أيامٍ من انتقالهم، شعرتُ بألم الوحدة ووحشتها مع مشرق كل صباح، ولصغر سني لم أستطع أن أعرف إلى أيِّ جهة توجَّهوا.
مرَّت السنون الطوال، ومع ذلك لم تستطع معاولها أن تهدمَ صورتَها من خيالي، أدرك الآن: أنَّ ما أحسستُه يومَها لم يكن حبًّا، ولكنه كان - دون شكٍّ - عقدُ صداقة بريئة في زمن الطفولة الجميلة.
ذكرتُ تلك الصَّغيرة .. فأحسستُ بألمٍ في صدري: حقًّا ما أقسى الإنسانَ حين يسرق من الطُّفولة ابتسامتها !!
خرجنا إلى الصَّلاة، وعند عودتنا أبصرتُ أمامنا جويريةً صغيرةً تجرجر سلَّة ممتلئة خلفها.
فقلتُ له: من هذه؟
قال: هذه ابنةُ جارنا، فقدت أمَّها، وتزوَّج أبوها بأخرى وهي تعيش معهم.
لم أشعر بنفسي وصديقي يُتمُّ جملته إلاَّ وأنا أحملُ عنها سلَّتها، وأمشي بجوارها حتى أوصلتها إلى باب شُقتِّها، نظرَت إليَّ فزِعة، ثم ابتسمت ابتسامة شعرتُ أنها تنتزعها انتزاعًا من صدرها.
تحاشيتُ النظر إلى عينيها، وأنا أهمسُ لصديقي: يا إلهي! لقد نسيتِ الصغيرةُ كيف تبتسم.
وعندما خلوتُ بنفسي: خلوتُ بذكرى تمتدُّ إلى الوراء أكثر من خمس وعشرين سنة، لم أكن قد تعاطيتُ الحبَّ في سنيِّ عمري ذاك، أو أدركَ كنهَه أو وصفَه، ولكن الشيء الذي أدركتُه وأيقنته أني لم أستطع تجاهل الجمال الذي سكن عينيها، تزوَّج والدها بأرملةٍ بعد أمها، وكانت تلك الأرملة مثقلة بعدد من الأبناء، بخلاف أبيها الذي لم يكن يضم سواها.
وبالرغم من إحساسي بحزنها العميق وشرود عينيها المستمر، إلا أني كنتُ أرى نفسي دائمًا في عينيها، أو هكذا خُيِّل إليَّ، فأنا من ابتسم لها، وأدرك جمال عينيها، وسحر ابتسامتها، فلم يكن أحدٌ - من أبناء زوجة أبيها - يعيرها اهتمامًا، بل أظنهم كانوا يعدُّونها في البيت من سقط المتاع، فاغتالوا طفولتها في وقت مبكر.
كان من طبائع الناس في تلك الأيام أن أبناء الجيران لا يفرِّقون في مرقدهم أيّ بيت آواهم الليل؛ إذ كانتِ النُّفوسُ ساذَجة، والبيوت يضوعُ بين أرجائها المحبة والألفة.
ألِفت قدماي اللَّعبَ عند عتبة دارهم مع إخوتها غير الأشقاء (تجوَّزًا، ولا يصحُّ حقيقةً)، فكنتُ أراها دائمة الانشغال بأعمال البيت، تستيقظ في وقت مبكر لتقوم بأعمالٍ ما كان لمن في مثل سنِّها أن يقوم به، تكنس البيت، وتغسل ما تكدَّس في المطبخ من أوانٍ وغير ذلك.
لم أشعر بنفسي إلاَّ وأنا أشاركها الاستيقاظ المبكر، وأشاركها أعمالها التي كانت تقوم به على خُفية من أهل الدار، كنتُ أجد متعةً في مشاركتها أعمالاً أتنصل من القيام بها في بيتي لم أدرك في صغري ذلك ألم فقدها، إلاّ بعد أيامٍ من انتقالهم، شعرتُ بألم الوحدة ووحشتها مع مشرق كل صباح، ولصغر سني لم أستطع أن أعرف إلى أيِّ جهة توجَّهوا.
مرَّت السنون الطوال، ومع ذلك لم تستطع معاولها أن تهدمَ صورتَها من خيالي، أدرك الآن: أنَّ ما أحسستُه يومَها لم يكن حبًّا، ولكنه كان - دون شكٍّ - عقدُ صداقة بريئة في زمن الطفولة الجميلة.
ذكرتُ تلك الصَّغيرة .. فأحسستُ بألمٍ في صدري: حقًّا ما أقسى الإنسانَ حين يسرق من الطُّفولة ابتسامتها !!
اسم الموضوع : براءة مغتالة !!
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.
