من الموضوعات التي اهتمت بها صحافتنا المحلية وجعلتها قضية من القضايا؛ تدبّج فيها المقالات وتجرى عليها التحقيقات وتدار بشأنها الحوارات قضية مكبرات الأصوات الخارجية بالمساجد، فمنذ سنوات طويلة وهذا الموضوع يشغل الرأي العام بين كل فترة وأخرى، ونسمع آراءً متباينة ونقاشات طويلة وتعاميم كثيرة تخرجها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ..
وهنا تذكرت أن أحد الزملاء الكرام يبحث منذ أمد بعيد عن موضوع لرسالة الماجستير ليكتب فيه وفاتني أن أدله على هذا الموضوع الحيوي الهام الذي لو جمعنا ما كتب عنه في الصحافة فقط لزاد على حمل بعير، مكبرات الأصوات الخارجية بالمساجد اتٌّهمت وعلى مدى سنوات بترويع الآمنين وإيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين والإجهاز على المرضى والمدمنين ومن شايعهم إلا أن هناك سماعات داخلية وبأعداد كبيرة وفي كل المساجد وينطلق دوي أصواتها في معظم الصلوات وتمارس هذه المكبرات بأمر أصحابها كل وسائل الاضطهاد وحرق الأعصاب ولم تنل هذه المكبرات الاهتمام المطلوب وتسليط ضوء الإعلام الحارق عليها..
المكبرات الخارجية للمساجد لا ترتفع إلا بذكر الله إما بأذان أو صلاة أو كلمة حق وهداية وأما هذه المكبرات الداخلية فلا ترتفع غالباً إلا بالموسيقى الصاخبة والأغنية الماجنة والنغمة الهائفة (ولا أقصد هنا سيئة الذكر هيفاء وهبي أجاركم الله)، أظنكم عرفتم المكبرات التي أعنيها إنها مكبرات الجوالات التي أحدثت من البلبلة والفوضى في بيوت الله ما لا يخفى على عاقل، فلا تكاد تصلي في مسجد من المساجد إلا وتخرم أذنيك عشرات الأصوات والنغمات التي تنطلق من جوالات بعض المصلين الذين يتركون جوالاتهم مفتوحة وعلى نغمات فاضحة مدوية تهتز منها جنبات المساجد..
والأمر العجيب الذي يتعجب منه ابن اللذينا ذلكم الخشوع الذي ينزل بالبعض أثناء الصلاة فيظل جواله يرن بأغنية فاجرة أو بنغمة موسيقية مجلجلة إلا أن هذا المسيكين من شدة خشوعه وخضوعه في الصلاة لا يسمع رنين جواله من قوة الخشوع كحال ذلك التابعي الذي أمر ببتر ساقه حين يدخل للصلاة فيترك جواله يرنّ على مسامع المصلين ويذهب بعيداً يفكر في ملكوت السموات والأرض ويسبح مع آيات الله البينات والأعجب منه ذلك الفقيه الأعور الذي يتورع من أن يدخل يده في جيبه ويغلق جواله ويخشى أن تفسد هذه الحركة صلاته في الوقت الذي لم يعرف حركة من الحركات منذ أن سقط من بطن أمه إلا وهو يفعلها في صلاته، ولكن عندما يرنّ جواله يهبط عليه الورع والزهد ومخافة الله والتفكر في لحظة الوقوف بين يدي الحق سبحانه، فيظل جواله مسلطاً على مسامع خلق الله، ألا قبح الله هذا الورع وأخزى هذا الخشوع الكاذب..
وما دمنا في سير هؤلاء المزعجين ومكبراتهم الصوتية كم هو مخزٍٍ حد الأسى ومبكٍ حد الشفقة أن تجد بعض المصلين يخرج جواله من جيبه وهو يرن في الصلاة وإحدى يديه على بطنه ثم يرفع جواله حذو أنفه ليشاهد رقم المتصل واسمه ثم يفكر بعد ذلك في الإجراء المنبغي اتخاذه مع هذا المتصل: هل يغلق الجوال في وجهه أو يتلطف معه معه ويضغط على زر الصامت أم يغلق الجوال نهائياً وكل هذا العصف الذهني وورشة العمل وهو في الصلاة وبمجرد أن تنتهي الصلاة ويبدأ المصلون بالاستغفار تجد هذا المغفّل يرفع عقيرته بابتسامة خبيثة (ألو نعم .. إي نعم .. معك أبو عبدالله .. هلا وغلا) ويطنش جميع المصلين الذين يرمونه بأبصارهم وأعينهم وأحداقهم وأجفانهم كأن لم يفعل شيئاً وينتهي هذا المشهد الدراماتيكي الكلاسيكي...
في صلاة العصر قبل أيام صلى ابن اللذينا ومن معه بالجامع أربع ركعات بأربع نغمات مختلفة ! نعم بأربع نغمات في كل ركعة نغمة ثلاث نغمات منها محرمة بالإجماع ونغمة واحدة عبارة عن دعاء شهير من أدعية القنوت للشيخ السديس (اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء والنصر على الأعداء ... ) ولا أشك أن عدداً من المصلين تجاوبوا مع هذه الأدعية في صلاتهم وقالوا بخشوع بعد أن أغمضوا أعينهم: (آمين) وقال بعضهم كما في الرواية الثانية ( آمين يارب) ...
سؤالي: المكبرات الخارجية للمساجد أزعجت الجماهير وكثر من يطالب بإغلاقها فمن للمكبرات الداخلية؟!
اسم الموضوع : هل جربت أن تصلي أربع ركعات بأربع نغمات بالمكبرات الداخلية؟
|
المصدر : .: ساحة الرأي :.
