المؤرخ
New member
إهداء
إلى صديقي ورفيق دربي فهد إقبال حسين الذي كان بجانبي في شدتي ورخائي في العسر واليسر , كان ومازال أروع مثال للصديق المخلص الوفي الناصح, وإلى خطيبته التي ستكون زوجته في القريب العاجل وسنفرح بهما إن شاء الله .....
سعيد العلي,
المقدمة
مقدمة جزئية
كنت قد نويت بأن أقدم هذه الرواية هديةً لصديقي ورفيق دربي فهد مع الخاتم المذكور في الرواية, وفي المناسبة المذكورة, وفي اليوم الموعود, ولكنني قدمت الخاتم ولم أقدم الرواية لأنني لم أستطيع إكمالها لسببٍ ما, ربما أذكره في يوم من الأيام, سببٌ انتزع مني دافع الكتابة, وإنني الساعة أكتب هذه المقدمة بعدما عدت ليلة أمس وربما صباح اليوم من منزل صديقي بعد حضوري ومشاركته هذه المناسبة السعيدة, ورغم ما أعانيه من متاعب وإجهاد وإرهاق لسهرنا وسمرنا عدة ليال قبل المناسبة إلا أنني استطعت أن أكمل الرواية وها أنا أضع لها مقدمة, وقد ضربت بالسبب الذي جعلني لا أكمل الرواية بعرض الحائط عندما شاهدت مظاهر الفرحة والبهجة والسرور, وما أحسست به من مشاعر حينما شاهدت صديقي فرحاً مسروراً, وحينما شاهدت أيضاً فرح وسعادة والديه وإخوته وأقاربه وأصدقائه, وكل من شاهد أو شارك في هذه المناسبة السعيدة, وما شعرت به من فرح وسعادة جعلتني أحتقر السبب, ولا أحتقر المتسبب سامحه الله لكي لا أتعرض إلى أسباب أخرى أنا في غنى عنها, وأبدأ في الكتابة والطباعة معاً, فهذه هي الرواية مع أجمل أمنياتي وأصدق تمنياتي لصديقي وأخي ورفيق دربي.. فهد... مقدمة جزئية
سـعيد العـلي
11/07/1427هـ
مكـــة المكـرمة
11/07/1427هـ
مكـــة المكـرمة
الهدية والمناسبة[/center]
كانت الساعة الحادية عشر صباحاً وقد تجهز طارق واستعد للخروج من منزله لأداء صلاة الجمعة فاليوم يوم جمعة يوم فضيل وقد تناول هاتفه النقال ليتصل بصديقه راشد ويأتي صوته من الجانب الآخر:
- نعم طارق.
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- ها أنا على استعداد تام للخروج, هل ستأتي الآن؟
- نعم حالاً أنا في طريقي إليك.
- إذاً مع السلامة سأكون في انتظارك.
- مع السلامة.
راشد أيضاً أستعد وخرج من منزله ثم مر على ابن خاله سليم وأخذه معه ومن ثم المرور على صديقه طارق بسيارته ليذهبوا إلى الحرم المكي الشريف لأداء صلاة الجمعة ومعهما سليم.
وصل راشد ومعه سليم ليأخذا طارق من عند منزله وركب طارق السيارة, وأثناء ركوبه سمع النقاش الذي يدور بين راشد وسليم وكان بخصوص مناسبة قراءة الفاتحة لـراشد.
***
وهي مناسبة جرت العادة لأبناء الشعب الأراكاني أن يجعلوها لمن يتقدم بخطبة فتاة للزواج منها, وتأتي هذه المناسبة بعد موافقة الطرفين وتحديد المهر المطلوب ويقومون أيضاً بتحديد موعد قراءة الفاتحة ولإقامتها مراسم معينة وتقاليد خاصة وأولها أن يكون موعد هذه المناسبة في عطلة نهاية الأسبوع أي يوم الخميس أو يوم الجمعة لتوسيع دائرة المشاركة لكل الأقارب والأصدقاء والتي تنحصر أيضاً لكبار السن فقط فأما الآن فغالبية المشاركين من الشباب وهذه المشاركة الشبابية تعطي انطباعاً خاصاً للفرح والسرور وتدخل البهجة في النفوس.
***
وتبدأ بعد صلاة العصر المراسم ويقوم بتوافد الأهـل والأقـارب والجيران والأصـدقاء إلى بيت الفتاة ( العروس ) من جهة الشاب المتقدم ( العريس ) برفقة كبير العائلة الذي غالباً ما يكون الأب أو الجد أو العم أو الأخ الأكبر أو من ينيبهم في ذلك, حاملين معهم التورتة والشابورة والحلويات والمشروبات الغازية عدد كـرتون واحد لكل ألـف من قيمة المهر( الببسي والميراند والحمضيات والسفن آب ) وهذه كلها تحسينات أدخلت في العقود المتلاحقة حيث أن هذه الأشياء تخلتف كثيراً عما كان عليه في الماضي البعيد.
وتقوم أسرة الفتاة بدورهم بترتيب المكان للضيوف ويستقبلون الوفود بالقهوة العربيـة والحلـويات وهـذه أيضـاً من التحسينـات الجميلـة التـي أضيـفت مؤخراً وبعد استراحة قصيرة يقدمون العصيرات والماء للضيوف ثم يقدمون التورتة والمشروبات الغازية وتنتهي فترة الطعام بالشاي الحليب مع الشابورة.
تأتي فترة الإعلان فيقوم الأب أو من يمثله أو كبير الأسرة من الطرفين فيسود الصمت في المجلس ويتوجه الأنظار إليهما ويعلن ممثل المتقدم:
- بعد توفيق الله عز وجل خطبنا لإبننا من ابنتهم المصونة ( هنا يتعمد الحضور بمقاطعته " نحن لا نسمع ") ثم يعيد من جديد بصوت مرتفع وهي حجة يتخذها بعض الحضور وخاصةً من الشباب لإضافة البهجة فوق بهجتهم وسروراً فوق سرورهم.
- بعد توفيق الله عز وجل خطبنا لإبننا من ابنتهم المصونة بمهر وقدره (ثم يعلن مقدار المهر) ويقدم جزاءً أو دفعة من مبلغ المهر مبلغ وقدره ( ثم يعلن قيمة الدفعة ) ويسأل الله عز وجل بالتوفيق لهما ثم يطلب من الحضور الدعاء فيختم مجلسهم بالدعاء إلى الله سبحانه, تقام هذه المناسبة قبل عقد القران
ومن التقاليد في هذه المناسبة عدم حضور المتقدم (العريس), ومن مظاهر هذه المناسبة أنها تتسم بروح الجماعة للخير, ولم شمل الأقارب, والتعاون على البر والتقوى, وتسعد الأنفس وتفرح القلوب.
***
انطلقت السيارة بسرعة لكي لا يفوت عليهم دخول المسجد الحرام قبل النداء الأول وأوقف راشد السيارة بمواقف (كدي) واستقلوا سيارة أجرة تذهب بهم إلى الحرم, نزلوا من سيارة الأجرة وقد بدا في الأفق صوت المؤذن من مآذن المسجد الحرام وهو ينادي النداء الأول معلناً بدخول وقت صلاة الجمعة إنه صوت الحق (الله أكبر, الله أكبر, أ شهد أن لا إله إلا الله, أ شهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمداً رسول الله, أشهد أن محمداً رسول الله,........)
صوتٌ يهزم الشيطان, صوتٌ يدعوا إلى عبادة الخالق صوتٌ يدعوا إلى الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر, صوتٌ يملئ قلب المؤمن بشحنات إيمانية تقوي عزمه وتعينه على دحر كل خبيث من عمل الشيطان, صوتٌ يشعر سامعه بعظمة الخالق, إنه لحقٌ صوت الحق.. في أفضل بقاع الأرض, أرض شرفها الله ببيته العتيق, في مهبط الوحي, ومولد سيد الأنام, في أم القرى...
(1) للشاعر الأديب حسين عرب, اختير ضمن الشخصيات السعودية المكرمة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالرياض عام 1417هـ.
فمكانة مكة عظيمة في نفوس أبنائها بل في نفوس جميع أبناء المسلمين.
يا مكة الخيـر .. بي شوق يتـيـمني(1) إلى حمـاك ويستـهــوي هواك دمـي
فمن ثــراك نمـا جسمـي ومقدرتـي ورحـمـة الله جـاءت بي من العــدم
فكنت مـوطن أحـلامي .. وتنشـئـتي بين القـداسـة عبـر الأشهـر الحـرم
وحـول كعبتـك الغـراء كـم سـبحت نفـسـي ونـاجت لدى ركـن وملتـزم
وكـم تـعهـدني الإسـلام في كـنـف في منـزل الـوحي والأخلاق والقــيم
إن كـان كـل محـب شـاقـة وطـن مثـلـي فـحـسـبي جـيـرة الحـرم
لئـن سعـدت بـأني إبن تـربـتهــا فإنني مـن ذنوبـي .. حيـلتي نـدمـي
تطـوف بـي ذكـريات عنك مبعـثهـا منـذ الطفـولـة تمـضـي بـلا سـأم
ثم مشوا قليلاً حتى صاروا بداخل توسعة الملك فهد رحمه الله بالحرم المكي الشريف, فصلوا ركعتا تحية المسجد ثم ألقى إمام المسجد الحرام السلام على جموع المسلمين ونادى المؤذن النداء الثاني ثم ألقى الإمام خطبتي الجمعة وصلى على النبي المختار صلى الله عليه وسلم ودعا للمسلمين ثم صلى بالمسلمين وسلم.
وأثناء خروجهم من المسجد الحرام اقترح راشد على طارق وسليم بالتجول في سوق مشروع شركة مكة, ومثل هذه المشاريع تمثل واجهة حضارية ومعمارية لأم القرى ولا سيّما أنها تحتضن العديد من هذه المشاريع العملاقة., تركز تجوالهم لمحلات الخواتم, فقد كان راشد يريد أن يبتاع لنفسه خاتماً.
(1) للشاعر الأديب علي أبو العلا.
أعجب راشد بالخاتم, وقد لاحظ طارق ذلك عليه عندما طلب من البائع بإلقاء نظرة عليه وتفحصه بشكل دقيق عدة مرات, وسأل البائع عن ثمنه, وأرد أن يخفض قليلاً من ثمنه فقام البائع بسرد مواصفاته ومميزاته ودقة تصميمه, وأنه لا يوجد له مثيل في المحلات المجاورة, ويستطيع أن يتأكد من ذلك إن أراد في المحلات المجاورة, وتدخل أيضاً صديقه طارق محاولاً أن يخفض ثمنه إلا أنه عجز عن ذلك, وطلب من راشد التجول في المحلات المجاورة علّه يجد له مثيل, وبالفعل تجول الثلاث في جميع المحلات ولم يتمكنوا من العثور على خاتمٍ مثيل.
عند ذلك خطر لطارق فكرة وذلك عندما لاحظ إعجاب راشد بذلك الخاتم, وتعلقه به, واهتمامه الشديد للحصول عليه, وهي أن يحاول مع راشد بقدر ما يستطيع أن يصرف نظره عن هذا الخاتم, ويفاجئه به يوم قراءة الفاتحة بتقديمه له كهدية في هذه المناسبة السعيدة وخصوصاً أنها باتت قريبة, وعندما طلب راشد رأي طارق استغل طارق هذه الفرصة وقال له بأن الثمن غير مناسب وأن من الأفضل أن يتريث قليلاً ولا يستعجل.
نجح طارق في تنفيذ حيلته وأقنع راشد برأيه وحال بينه وبين الخاتم الذي أعجب به.
وبعد مرور ثلاث أسابيع أستغل طارق عدم وجود راشد معه حيث كانا في الغالب يؤديان صلاة الجمعـة معاً في المسجد الحـرام؛ عندما سافـر مع أهله إلى المدينة المنـورة لحضـور مناسـبة زواج عند أخـوالـه, وأراد الـذهاب إلى
نفس المحل, وقد عصف برأسه أفكاراً مزعجة وسيطر على نفسه القلق حينما خيل إليه بأن البائع قد باع هذا الخاتم لشخص آخر, وإن حصل ذلك سيندم أشد الندم بأن يكون هو سبباً في عدم حصول راشد هذا الخاتم, وهو الذي كان ينتظر أيضاً مفاجأة راشد بشيءٍ أعجب به في مناسبته السعيدة هذه, يتبخر كل شيء حينما يصل إلى المحل ولم يجد الخاتم, ويرجع خائباً من حيث أتى.
كانت هذه الأفكار تتثاقل رأسه وخطواته معاً وبدأ اليأس يعمل عمله في قلبه وعند هذا الحد وصل إلى المحل, وبشيءٍ من الذهول قام بالبحث عن الخاتم وكاد أن يغمي عليه عندما لمح الخاتم وإذ بنفس البائع فطلب منه الخاتم ودفع ثمنه ولم يتكلم بشيء, بدا في وجه البائع علامات الدهشة من تصرف طارق الذي بدا هو الآخر كالذي يحصل على شيءٍ نادر وثمين بعد طول كدٍّ وعناء, هكذا هي الأشياء أشياء لا قيمة لها, إلا إذا ارتبط بإنسانٍ عزيز أو إذا حاز على تقدير إنسانٍ عظيم, وهكذا تصبح الأشياء النادرة نادرٌ وتضيف قيمة كبيرة على قيمة بسيطة لتصبح قيّمة لا مثيل لها في الوجود أو يُندر وجودها.
وهكذا حصل صاحبنا طارق على ما كان يتمناه وتخيل هذه المناسبة السعيدة قبل موعدها, وانتظر ليقدم إلى أعز أصدقائه راشد هذه الهدية الثمينة والنادرة....
تمت
المرفقات
اسم الموضوع : الهدية والمناسبة ( رواية قصيرة )
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.