[frame="2 10"]إن أكرمكم عند الله أتقاكم
تختلف المقاييس التي يعتمد عليها الناس في تقييمهم للأشخاص ،
ومدى استحقاقهم للتقدير والاحترام ،
فمنهم من تتفاوت قيمة الناس لديه حسب نَسَبِهم ،
وعراقة قبائلهم ، فأجدرهم بالاحترام ،
والتقدير أعلاهم نسباً ، وأعرقهم قبيلة ،
ومنهم من يعتبر الغنى والثراء وحجم الأرصدة
والممتلكات هي المقياس الحقيقي
لقدر الإنسان وعلو منزلته ،
ومنهم من ينظر إلى الموضوع من زاوية المنصب والجاه ،
والارتقاء في سلم الوظائف والدرجات ،
وبعضهم يرى أن الشهادات العلمية
التي حصل عليها الشخص هي التي تحدد قيمته ،
وتفرض احترامه .
إن جميع هذه المقاييس لا تتعدى كونها مقاييس
مادية بحتة ضيقة الأفق ،
فالإنسان الذي يفاضل بين الأشخاص على هذه الأسس ،
إنما ينظر إلى الحياة بمنظار ضيق جدا ،
فالشخص العريق النسب لا قيمة لنسبه مع انحطاط
في أخلاقه وقيمه الدينية والاجتماعية ،
ومهما بلغ الإنسان في عراقة نسبه ، فلن يصل إلى نسب أبي لهب
عم الرسول صلى الله عليه وسلم
الذي أنزلت فيه سورة كاملة تتوعده بالعذاب الأليم يوم القيامة ،
وقد كان كثير من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لا يملكون هذه العراقة في النسب ،
غير أن الله شرفهم بالانتماء لهذا الدين ،
والتضحية في سبيله ، فقد كان بعضهم أصله من الفرس ،
وبعضهم من الروم ،
وآخرون من الموالي والعبيد ،
ولم يقدم الرسول عليه الصلاة والسلام
سادة قريش وشرفائها عليهم لعراقة نسبهم :
خذلت أبا جهل أصالته ***** وبلال عبد جاوز السحبا
وكم من أحفاد لعظماء وعلماء لم يسلكوا سبيلهم ،
فلم يرفعهم انتماؤهم لأولئك العظماء نسبا .
وأما الثراء والغنى ،
فتكون قيمته على قدر خدمة صاحبه للمجتمع ،
وحرصه على تقديم الخير والمعونة للأمة ،
ولا قيمة لثراء رجل قد غل يده إلى عنقه وبخل بما فيها .،
أو رجل جمع من الأموال ما حل له وما لا يحل يتكبر بها
على الناس ويتعالى عليهم .
وما يقال في الغنى يقال في المنصب والجاه ،
فصاحب المنصب تتجسد قيمة منصبه
في حرصه على خدمة مجتمعه وأمته ،
والسهر على مصالحها ،
لا في حيازته للمنصب وارتقائه في السلم الوظيفي .
وبالنسبة للشهادات العلمية فإنها لا تصلح
أيضا لتكون مقياسا للآشخاص لثلاثة أسباب هامة :
أولا : أنها لا تعبر عن مقدار علم الشخص ،
وسعة اطلاعه ،
فكم من علماء أجلاء لا يحملون شهادات
بلغوا من العلم مبلغا عظيما ،
لا يحلم به أصحاب الشهادات في أشد أحلامهم سخاء ،
وكم من حاملي شهادات عالية كالدكتوراة وغيرها ،
وثقافاتهم ضحلة جدا ، حتى في مجال تخصصهم .
ثانيا : إن عدم حصول الشخص على هذه الشهادات
لا يعني عدم كفاءته لها ،
فربما لم تواته الظروف لذلك ،
أو حالت دون حصوله عليها موانع .
ثالثا : على افتراض سعة ثقافة حامل الشهادة ،
وتوسعه في الاطلاع فإن قيمته تكون بمقدار انتفاعه بعلمه ،
وتطبيقه لما علم ،
ومدى إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه
من تعليم الناس والحرص على تثقيفهم :
وما أنت بالعلم الكثير بمفلح ***** وما لك جد في التقاة كبير
كأين رأينا عالما ظل سعيه ***** وظل به جمع هناك غفير
معارفه بحر ويصرف وجهه ***** إلى الباطل الخداع وهو بصير
وقد أخبرنا الله تعالى أن مصير كل هذه الاعتبارات والمقاييس
إلى التلاشي يوم القيامة ، فمصير النسب
{ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ،
ومصير الغنى
{ وما يغني عنه ماله إذا تردى } ،
ومصير الجاه والمنزلة
{ هلك عني سلطانيه} .
والسؤال الذي يطرح نفسه ، ما هو المقياس الحقيقي لقيمة الأشخاص ؟
والجواب أرشدنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى :
{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ،
فالمرء يقاس بمقدار صلاحه واستقامته على منهج الله ،
وقيمة الإنسان في المجتمع إنما هي بمقدار نفعه لمجتمعه ،
وخدمته لأمته ، واستغلال ما آتاه الله من نعم
وما مكنه فيه في نشر الخير ومساعدة المحتاج وإعانة الضعيف ،
وسره على مصالح الأمة ومعرفته بحقوق الآخرين ،
فيجب علينا أن نحترم الناس على هذا المقياس ،
ونزنهم بهذا الميزان العادل .
فالإنسان الصالح ولو كان من الموالي
أجدر بالاحترام من إنسان عريق النسب
لا يعرف للصلاح مسلكا ولا للخير سبيلا ،
والإنسان الفقير صاحب الأخلاق والقيم
أجدر بالتقدير من غني لا يرعى حقوق الله ولا حقوق العباد في ماله ،
والعامل المخلص في عمله يستحق الاحترام أكثر من الموظف الكبير
الذي لا يرعى مسئوليته في العمل ، والابن المحترم عالي الأخلاق
الذي لم تسمح له الظروف بالحصول على الشهادات العالية
أجدر بالاحترام من قبل أبويه من الابن العاق
صاحب الشهادة الجامعية ،
وهكذا .
فالواجب على الإنسان أن يقيس الناس بالمقاييس الثابتة
الراسخة الجذور في الدنيا والآخرة
التي تَعَبَّــدَنَا الله بتقدير الأشخاص استنادا إليها .
وما قصدت إلا الخير والإصلاح
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
م
.[/frame]
								تختلف المقاييس التي يعتمد عليها الناس في تقييمهم للأشخاص ،
ومدى استحقاقهم للتقدير والاحترام ،
فمنهم من تتفاوت قيمة الناس لديه حسب نَسَبِهم ،
وعراقة قبائلهم ، فأجدرهم بالاحترام ،
والتقدير أعلاهم نسباً ، وأعرقهم قبيلة ،
ومنهم من يعتبر الغنى والثراء وحجم الأرصدة
والممتلكات هي المقياس الحقيقي
لقدر الإنسان وعلو منزلته ،
ومنهم من ينظر إلى الموضوع من زاوية المنصب والجاه ،
والارتقاء في سلم الوظائف والدرجات ،
وبعضهم يرى أن الشهادات العلمية
التي حصل عليها الشخص هي التي تحدد قيمته ،
وتفرض احترامه .
إن جميع هذه المقاييس لا تتعدى كونها مقاييس
مادية بحتة ضيقة الأفق ،
فالإنسان الذي يفاضل بين الأشخاص على هذه الأسس ،
إنما ينظر إلى الحياة بمنظار ضيق جدا ،
فالشخص العريق النسب لا قيمة لنسبه مع انحطاط
في أخلاقه وقيمه الدينية والاجتماعية ،
ومهما بلغ الإنسان في عراقة نسبه ، فلن يصل إلى نسب أبي لهب
عم الرسول صلى الله عليه وسلم
الذي أنزلت فيه سورة كاملة تتوعده بالعذاب الأليم يوم القيامة ،
وقد كان كثير من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لا يملكون هذه العراقة في النسب ،
غير أن الله شرفهم بالانتماء لهذا الدين ،
والتضحية في سبيله ، فقد كان بعضهم أصله من الفرس ،
وبعضهم من الروم ،
وآخرون من الموالي والعبيد ،
ولم يقدم الرسول عليه الصلاة والسلام
سادة قريش وشرفائها عليهم لعراقة نسبهم :
خذلت أبا جهل أصالته ***** وبلال عبد جاوز السحبا
وكم من أحفاد لعظماء وعلماء لم يسلكوا سبيلهم ،
فلم يرفعهم انتماؤهم لأولئك العظماء نسبا .
وأما الثراء والغنى ،
فتكون قيمته على قدر خدمة صاحبه للمجتمع ،
وحرصه على تقديم الخير والمعونة للأمة ،
ولا قيمة لثراء رجل قد غل يده إلى عنقه وبخل بما فيها .،
أو رجل جمع من الأموال ما حل له وما لا يحل يتكبر بها
على الناس ويتعالى عليهم .
وما يقال في الغنى يقال في المنصب والجاه ،
فصاحب المنصب تتجسد قيمة منصبه
في حرصه على خدمة مجتمعه وأمته ،
والسهر على مصالحها ،
لا في حيازته للمنصب وارتقائه في السلم الوظيفي .
وبالنسبة للشهادات العلمية فإنها لا تصلح
أيضا لتكون مقياسا للآشخاص لثلاثة أسباب هامة :
أولا : أنها لا تعبر عن مقدار علم الشخص ،
وسعة اطلاعه ،
فكم من علماء أجلاء لا يحملون شهادات
بلغوا من العلم مبلغا عظيما ،
لا يحلم به أصحاب الشهادات في أشد أحلامهم سخاء ،
وكم من حاملي شهادات عالية كالدكتوراة وغيرها ،
وثقافاتهم ضحلة جدا ، حتى في مجال تخصصهم .
ثانيا : إن عدم حصول الشخص على هذه الشهادات
لا يعني عدم كفاءته لها ،
فربما لم تواته الظروف لذلك ،
أو حالت دون حصوله عليها موانع .
ثالثا : على افتراض سعة ثقافة حامل الشهادة ،
وتوسعه في الاطلاع فإن قيمته تكون بمقدار انتفاعه بعلمه ،
وتطبيقه لما علم ،
ومدى إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه
من تعليم الناس والحرص على تثقيفهم :
وما أنت بالعلم الكثير بمفلح ***** وما لك جد في التقاة كبير
كأين رأينا عالما ظل سعيه ***** وظل به جمع هناك غفير
معارفه بحر ويصرف وجهه ***** إلى الباطل الخداع وهو بصير
وقد أخبرنا الله تعالى أن مصير كل هذه الاعتبارات والمقاييس
إلى التلاشي يوم القيامة ، فمصير النسب
{ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ،
ومصير الغنى
{ وما يغني عنه ماله إذا تردى } ،
ومصير الجاه والمنزلة
{ هلك عني سلطانيه} .
والسؤال الذي يطرح نفسه ، ما هو المقياس الحقيقي لقيمة الأشخاص ؟
والجواب أرشدنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى :
{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ،
فالمرء يقاس بمقدار صلاحه واستقامته على منهج الله ،
وقيمة الإنسان في المجتمع إنما هي بمقدار نفعه لمجتمعه ،
وخدمته لأمته ، واستغلال ما آتاه الله من نعم
وما مكنه فيه في نشر الخير ومساعدة المحتاج وإعانة الضعيف ،
وسره على مصالح الأمة ومعرفته بحقوق الآخرين ،
فيجب علينا أن نحترم الناس على هذا المقياس ،
ونزنهم بهذا الميزان العادل .
فالإنسان الصالح ولو كان من الموالي
أجدر بالاحترام من إنسان عريق النسب
لا يعرف للصلاح مسلكا ولا للخير سبيلا ،
والإنسان الفقير صاحب الأخلاق والقيم
أجدر بالتقدير من غني لا يرعى حقوق الله ولا حقوق العباد في ماله ،
والعامل المخلص في عمله يستحق الاحترام أكثر من الموظف الكبير
الذي لا يرعى مسئوليته في العمل ، والابن المحترم عالي الأخلاق
الذي لم تسمح له الظروف بالحصول على الشهادات العالية
أجدر بالاحترام من قبل أبويه من الابن العاق
صاحب الشهادة الجامعية ،
وهكذا .
فالواجب على الإنسان أن يقيس الناس بالمقاييس الثابتة
الراسخة الجذور في الدنيا والآخرة
التي تَعَبَّــدَنَا الله بتقدير الأشخاص استنادا إليها .
وما قصدت إلا الخير والإصلاح
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
م
.[/frame]
        اسم الموضوع : إن أكرمكم عند الله أتقاكم
            |
        المصدر : .: أشتات وشذرات :.