دأبت الأم الواعية "أم مؤمن" على مراجعة ترتيب حقائب أبنائها المدرسية، ومتابعة سيرهم الدراسي من خلال كراسات المتابعة الخاصة بهم، ولأنها كانت تقوم بنفسها بهذا العمل، ولا تنتظر الأبناء أطلعوها على شئونهم المدرسية أم لم يطلعوها؛ أتاح لها ذلك التعرف على أدوات جديدة وغريبة بين أدوات ابنها مؤمن .. مما دعاها لسؤاله مباشرةً عن تلك الأشياء:
الأم: "مؤمن" لقد وجدت هذه الأدوات في حقيبتك، إنها ليست أدواتك .. "مؤمن" .. من أين لك بها؟ فأجاب مؤمن: "إنها أدوات زميلي "مهند" قد نسيها معي..!
ولكن الأم لم تتوقف عن متابعة حقيبة "مؤمن"؛ ليتبين لها بعد وقت يسير أن ولدها يسرق متعلقات زملائه المدرسية، وأحيانًا بعض شطائرهم، أو نقودهم..!
عزيزي المربي..
هل تعلم أنَّ 25 ألف طفل أمريكي يحالون سنويًا إلى محكمة الأحداث بسبب السرقة؟ وأن السرقة لو استمرت بعد سن عشر سنوات فهي علامة على وجود اضطراب انفعالي خطير عند الطفل[محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات، ص:135].
إنها ليست نهاية العالم، ولن يسجل الطفل في سجل المجرمين بسبب مثل هذه المواقف؛ ولكن بشرط: أن نأخذ الأمر مأخذ الجد في تفهُّم الدوافع والأسباب التي حدت بالطفل أن ينحو هذا الاتجاه السلوكي الخاطئ، ثم لا نتوانى في علاجها حتى لا تتكرر في تاريخه مرة أخرى.
فهلم لنتعرف سويًا على ظاهرة السرقة في عالم الطفل، كسلوك جانح تجب معالجته أو وقاية الطفل من الوقوع فيه.
مفهوم الملكية وتطوره لدى الطفل:
يبدأ شعور الطفل بالتملك في سن مبكرة، ولعل أول مظهر لذلك الشعور هو حرص الرضيع في الشهور الأولى من عمره على أن يحتفظ بصدر أمه لأطول فترة ممكنة، كما يتعلم أن هناك أشياء خاصة تنتمي إليه مثل: زجاجة الحليب، واللهَّاية، والكأس الذي يشرب به، والملعقة التي يأكل بها.
وخلال الثلاث سنوات الأولى من حياة الطفل يعرف اسمه الذي ينادى به، ويعرف اسم أبيه واسم أمه، ثم نجده خلال السنة الرابعة من عمره أصبح يتقبل بعض المعايير السلوكية التي يفرضها الكبار، ويدرك تدريجيًا أن هناك آخرين لهم نفس اسمه الأول ولكنهم يختلفون عنه .. وهكذا ينمو مفهوم "الأنا " و"الغير" لدى الطفل، حيث يدرك أن ما هو له لا يكون للغير، وما هو للغير لا يكون له، وهذه نقطة جوهرية في نمو مفهوم الملكية بطريقة سوية لدى الطفل [د. أحمد محمد الزعبي: مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والدراسية، ص: 121].
مفهوم السرقة وطبيعتها:
السرقة هي أخذ الشئ في خفية، يقال استرق السمع أي سمع مستخفيًا و في القرآن الكريم {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18].
فالسرقة مشكلة اجتماعية تظهر في صورة عدوان غير مشروع على ما يمتلكه الآخرون، سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد، بغرض امتلاك شيء لا يخصه، ولكن لا يوصف السلوك عند الطفل بأنه "سرقة"، إلا إذا صدر منه بعد علمه أنه من الخطأ أخذ ممتلكات الغير بدون إذنه، وأنه إذا فعل ذلك سوف يعاقب عليه.
السرقة البريئة:
والسرقة البسيطة كثيرة الانتشار عند الأطفال في الطفولتين المبكرة والوسطى، وتبلغ ذروتها في حوالي "5-8"، ثم تميل بعدها إلى التناقص التدريجي مع نمو الضمير عند الطفل وابتعاده عن التمركز حول الذات، ولكن استمرار السرقة عند الطفل بعد سن العاشرة من العمر، دليل على وجود الاضطراب النفسي، ويكون بحاجة إلى مساعدة متخصصة.
أما السرقة التي تحدث دون سن العاشرة من العمر، وتكون نادرة الحدوث، أو تكون لمرة واحدة فقط، فلا نعلق عليها من المخاطر، لأن السرقة تصبح مشكلة أو تكون حالة مرضية عندما يتكرر حدوثها، وتصبح عادة أو شبه عادة عند الطفل[د.محمد أحمد الزعبي: مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والدراسية،ص:124].
دوافع السرقة وأسبابها:
إذا صدر سلوك السرقة من الطفل؛ فإن كثيرًا من الآباء يستشعر أن الطفل قد تحول بالفعل إلى مجرم وأن مستقبله سوف يكون مظلمًا في غياهب السجون، بينما أهم خطوة لعلاج السرقة تتمثل في محاولة فهم الوالدين للأسباب والدوافع التي أدت به إلى ذلك، إذ أنَّ التعامل العنيف إزاء السلوك السيئ لن يزيده إلا تثبيتًا واستفحالًا، بينما فهم الدوافع في كل حالة وفهم الغاية التي تحققها السرقة في حياة كل طفل؛ يساعدنا كي نجد الحل لتلك المشكلة.
وإليك .. عزيزي المربي ـ أهم الدوافع والأسباب الكامنة وراء سلوك السرقة عند الأطفال:
- هناك طفل يسرق لحاجة مادية: فالطفل المحروم يسرق لشراء بعض الأشياء التي يرغب فيها، وقد تكون المسروقات في هذه الحالة نقودًا، سلعًا، أو أطعمة من العربات أو المحلات التجارية، وقد تظهر دوافع تلك السرقة نتيجة وفاة الوالد، أو عجزه عن مساعدة الأسرة، أو بخله الشديد.
- وآخر يسرق لافتقاده الحنان والرعاية: كأن ينشأ الطفل في بيئة تتسم بالنبذ التام للطفل، وغياب التوجيه داخل الأسرة، وعدم وجود معايير أخلاقية ثابتة بها، أو مثل عليا يقتدي الطفل بها.
- أو لأن أساليب معاملة الوالدين له غير مناسبة: مثل انتهاج القسوة، وأساليب العقاب الغير صحيحة، أو نتيجة التدليل الزائد من قبل الوالدين، كما أن التضارب في أسلوب معاملة الطفل وتربيته؛ يؤدي إلى شعوره بعدم الأمن أو الاستقرار، مما يؤدي به إلى سلوك غير متوافق مثل اللجوء للسرقة.
- أو يسرق الطفل بدافع لا شعوري للانتقام وكرد فعل لافتقاده الحنان من والديه: وهنا من خلال سلوك السرقة يبرهن الطفل على كراهيته لوالديه أو أحدهما، وكتسوية حساب عن ظلم حقيقي أو متخيل يلحق بالطفل، فهي مواجهة انتقامية ينفِّس من خلالها عن مشاعره.
- تعويض الشعور بالنقص وتدعيم احترام الذات: وهنا يسرق ويعطي لآخرين ويعطي لزملائه ليثبت لهم رجولته وكفاءته على مجاراتهم في النفقات، كما أن إعطاء الزملاء الأشياء المادية التي يسرقها؛ يجعله مقبولًا عندهم، وقد يسرق الطفل لإشباع حس المغامرة والإثارة فيها.
- الأفلام التلفزيونية، والمجلات البوليسية: إن مشاهدة الطفل لما يعرض من أفلام تحتوي على مضمون السرقة والسطو، يدفعه للإعجاب بهذه العمليات ومن ثم يحاول أن يقلدها ويحاكيها، وعادة ما يكون ذلك إذا افتقد الطفل الرقابة والتوجيه للمواد التي يشاهدها أو يقرؤها.
- التساهل في السرقات المنزلية: بمعنى أن يسكت الوالدان إزاء سرقة الطفل بحجة أنه ما قام بسرقته في إطار ممتلكات الأسرة وليس لأحد خارجها، وهذا خطأ كبير إذ أن مفهوم السرقة مفهوم عام لا يتجزَّأ، ومن يسرق من أخيه سيسرق من الآخرين.
- المرض النفسي أو العقلي: فقد يسرق الطفل بسبب وجود مرض نفسي أو عقلي أو بسبب كونه يعانى من الضعف العقلي وانخفاض الذكاء؛ مما يجعله سهل الوقوع تحت سيطرة أولاد أكبر منه قد يوجهونه نحو السرقة.
- والأخير: يخرج عن نطاق التربية وأسلوب معاملة الوالدين "تكوين شخصية الطفل"، فقد تكون السرقة في هذه الحالة ليست بسبب الاحتياج، وإنما بسبب حب التملك للأشياء، أو نتيجة لبيئة إجرامية ذات سلوك الشاذ، وهي تلك التي يكون الوالدان أو أحدهما بعيدين فيها عن الالتزام بالمبادئ والمثل العليا، بل يمثلون قدوة سيئة ويصدر منهم السلوكيات المعوجة مثل: شرب الخمر وإدمان العقاقير أو ممارسة السرقة نفسها، وهذا النوع من الدوافع يهيئ الطفل للسلوك الإجرامي في الكبر؛ لأن البيئة أصلًا بيئة غير سوية [د.محمد السقا عيد: ابنك وصحته النفسية، ص:119، بتصرف].
كيف تتصرف في أول مرة يسرق فيها الطفل:
إذا أخذ الوالدان الإجراءات التربوية السليمة تجاه أول مرة يسرق فيها الطفل، فإن السرقة سوف تتوقف في أغلب الحالات عندما يكبر الطفل، وينصح خبراء الطب النفسي للأطفال بأن يقوم الوالدان بما يلي عند اكتشافهم لجوء ابنهم إلى السرقة:
1. إخبار الطفل بأن السرقة سلوك خاطئ.
2. مساعدة الصغير على دفع أو رد المسروقات.
3. التأكد من أن الطفل لا يستفيد من السرقة بأي طريقة من الطرق.
4. تجنب إشعار الطفل بالمستقبل الأسود الذي سينتظره إذا استمر على حاله، أو قولهم له أنك الآن شخص سيئ أو لص.
5. توضيح أن هذا السلوك غير مقبول بالمرة داخل أعراف وتقاليد الأسرة والمجتمع والدين، وأنه سوف يتعرض للعقاب الشديد إذا كرَّره.
ولا تثريب على التائب:
إذا استجاب الطفل لتوجيهات الكبار عند أول سرقة يرتكبها، وقام بدفع أو إرجاع المسروقات، فلا ينبغي على الوالدين إثارة الموضوع مرة أخرى، وذلك من أجل مساعدة الطفل على بدء صفحة جديدة.
فإذا كانت السرقة متواصلة وصاحبها مشاكل في السلوك أو أعراض انحراف فإن السرقة في هذه الحالة علامة على وجود مشاكل أكبر خطورة في النمو العاطفي للطفل، أو دليل على وجود مشاكل أسرية؛ وعندئذ يحتاج الوالدين أو المربي إلى مساعدة المختصين في حل المشكلة وعلاج الطفل من هذا السلوك المنحرف.
وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في الحلقة الثانية من هذا المقال إن شاء الله تعالى، فتابعونا نلقاكم على خير.
المصادر:
مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والدراسية: د.محمد أحمد الزعبي.
ابنك وصحته النفسية: د.محمد السقا عيد.
مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء: محمد سعيد مرسي.
								الأم: "مؤمن" لقد وجدت هذه الأدوات في حقيبتك، إنها ليست أدواتك .. "مؤمن" .. من أين لك بها؟ فأجاب مؤمن: "إنها أدوات زميلي "مهند" قد نسيها معي..!
ولكن الأم لم تتوقف عن متابعة حقيبة "مؤمن"؛ ليتبين لها بعد وقت يسير أن ولدها يسرق متعلقات زملائه المدرسية، وأحيانًا بعض شطائرهم، أو نقودهم..!
عزيزي المربي..
هل تعلم أنَّ 25 ألف طفل أمريكي يحالون سنويًا إلى محكمة الأحداث بسبب السرقة؟ وأن السرقة لو استمرت بعد سن عشر سنوات فهي علامة على وجود اضطراب انفعالي خطير عند الطفل[محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات، ص:135].
إنها ليست نهاية العالم، ولن يسجل الطفل في سجل المجرمين بسبب مثل هذه المواقف؛ ولكن بشرط: أن نأخذ الأمر مأخذ الجد في تفهُّم الدوافع والأسباب التي حدت بالطفل أن ينحو هذا الاتجاه السلوكي الخاطئ، ثم لا نتوانى في علاجها حتى لا تتكرر في تاريخه مرة أخرى.
فهلم لنتعرف سويًا على ظاهرة السرقة في عالم الطفل، كسلوك جانح تجب معالجته أو وقاية الطفل من الوقوع فيه.
مفهوم الملكية وتطوره لدى الطفل:
يبدأ شعور الطفل بالتملك في سن مبكرة، ولعل أول مظهر لذلك الشعور هو حرص الرضيع في الشهور الأولى من عمره على أن يحتفظ بصدر أمه لأطول فترة ممكنة، كما يتعلم أن هناك أشياء خاصة تنتمي إليه مثل: زجاجة الحليب، واللهَّاية، والكأس الذي يشرب به، والملعقة التي يأكل بها.
وخلال الثلاث سنوات الأولى من حياة الطفل يعرف اسمه الذي ينادى به، ويعرف اسم أبيه واسم أمه، ثم نجده خلال السنة الرابعة من عمره أصبح يتقبل بعض المعايير السلوكية التي يفرضها الكبار، ويدرك تدريجيًا أن هناك آخرين لهم نفس اسمه الأول ولكنهم يختلفون عنه .. وهكذا ينمو مفهوم "الأنا " و"الغير" لدى الطفل، حيث يدرك أن ما هو له لا يكون للغير، وما هو للغير لا يكون له، وهذه نقطة جوهرية في نمو مفهوم الملكية بطريقة سوية لدى الطفل [د. أحمد محمد الزعبي: مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والدراسية، ص: 121].
مفهوم السرقة وطبيعتها:
السرقة هي أخذ الشئ في خفية، يقال استرق السمع أي سمع مستخفيًا و في القرآن الكريم {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18].
فالسرقة مشكلة اجتماعية تظهر في صورة عدوان غير مشروع على ما يمتلكه الآخرون، سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد، بغرض امتلاك شيء لا يخصه، ولكن لا يوصف السلوك عند الطفل بأنه "سرقة"، إلا إذا صدر منه بعد علمه أنه من الخطأ أخذ ممتلكات الغير بدون إذنه، وأنه إذا فعل ذلك سوف يعاقب عليه.
السرقة البريئة:
والسرقة البسيطة كثيرة الانتشار عند الأطفال في الطفولتين المبكرة والوسطى، وتبلغ ذروتها في حوالي "5-8"، ثم تميل بعدها إلى التناقص التدريجي مع نمو الضمير عند الطفل وابتعاده عن التمركز حول الذات، ولكن استمرار السرقة عند الطفل بعد سن العاشرة من العمر، دليل على وجود الاضطراب النفسي، ويكون بحاجة إلى مساعدة متخصصة.
أما السرقة التي تحدث دون سن العاشرة من العمر، وتكون نادرة الحدوث، أو تكون لمرة واحدة فقط، فلا نعلق عليها من المخاطر، لأن السرقة تصبح مشكلة أو تكون حالة مرضية عندما يتكرر حدوثها، وتصبح عادة أو شبه عادة عند الطفل[د.محمد أحمد الزعبي: مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والدراسية،ص:124].
دوافع السرقة وأسبابها:
إذا صدر سلوك السرقة من الطفل؛ فإن كثيرًا من الآباء يستشعر أن الطفل قد تحول بالفعل إلى مجرم وأن مستقبله سوف يكون مظلمًا في غياهب السجون، بينما أهم خطوة لعلاج السرقة تتمثل في محاولة فهم الوالدين للأسباب والدوافع التي أدت به إلى ذلك، إذ أنَّ التعامل العنيف إزاء السلوك السيئ لن يزيده إلا تثبيتًا واستفحالًا، بينما فهم الدوافع في كل حالة وفهم الغاية التي تحققها السرقة في حياة كل طفل؛ يساعدنا كي نجد الحل لتلك المشكلة.
وإليك .. عزيزي المربي ـ أهم الدوافع والأسباب الكامنة وراء سلوك السرقة عند الأطفال:
- هناك طفل يسرق لحاجة مادية: فالطفل المحروم يسرق لشراء بعض الأشياء التي يرغب فيها، وقد تكون المسروقات في هذه الحالة نقودًا، سلعًا، أو أطعمة من العربات أو المحلات التجارية، وقد تظهر دوافع تلك السرقة نتيجة وفاة الوالد، أو عجزه عن مساعدة الأسرة، أو بخله الشديد.
- وآخر يسرق لافتقاده الحنان والرعاية: كأن ينشأ الطفل في بيئة تتسم بالنبذ التام للطفل، وغياب التوجيه داخل الأسرة، وعدم وجود معايير أخلاقية ثابتة بها، أو مثل عليا يقتدي الطفل بها.
- أو لأن أساليب معاملة الوالدين له غير مناسبة: مثل انتهاج القسوة، وأساليب العقاب الغير صحيحة، أو نتيجة التدليل الزائد من قبل الوالدين، كما أن التضارب في أسلوب معاملة الطفل وتربيته؛ يؤدي إلى شعوره بعدم الأمن أو الاستقرار، مما يؤدي به إلى سلوك غير متوافق مثل اللجوء للسرقة.
- أو يسرق الطفل بدافع لا شعوري للانتقام وكرد فعل لافتقاده الحنان من والديه: وهنا من خلال سلوك السرقة يبرهن الطفل على كراهيته لوالديه أو أحدهما، وكتسوية حساب عن ظلم حقيقي أو متخيل يلحق بالطفل، فهي مواجهة انتقامية ينفِّس من خلالها عن مشاعره.
- تعويض الشعور بالنقص وتدعيم احترام الذات: وهنا يسرق ويعطي لآخرين ويعطي لزملائه ليثبت لهم رجولته وكفاءته على مجاراتهم في النفقات، كما أن إعطاء الزملاء الأشياء المادية التي يسرقها؛ يجعله مقبولًا عندهم، وقد يسرق الطفل لإشباع حس المغامرة والإثارة فيها.
- الأفلام التلفزيونية، والمجلات البوليسية: إن مشاهدة الطفل لما يعرض من أفلام تحتوي على مضمون السرقة والسطو، يدفعه للإعجاب بهذه العمليات ومن ثم يحاول أن يقلدها ويحاكيها، وعادة ما يكون ذلك إذا افتقد الطفل الرقابة والتوجيه للمواد التي يشاهدها أو يقرؤها.
- التساهل في السرقات المنزلية: بمعنى أن يسكت الوالدان إزاء سرقة الطفل بحجة أنه ما قام بسرقته في إطار ممتلكات الأسرة وليس لأحد خارجها، وهذا خطأ كبير إذ أن مفهوم السرقة مفهوم عام لا يتجزَّأ، ومن يسرق من أخيه سيسرق من الآخرين.
- المرض النفسي أو العقلي: فقد يسرق الطفل بسبب وجود مرض نفسي أو عقلي أو بسبب كونه يعانى من الضعف العقلي وانخفاض الذكاء؛ مما يجعله سهل الوقوع تحت سيطرة أولاد أكبر منه قد يوجهونه نحو السرقة.
- والأخير: يخرج عن نطاق التربية وأسلوب معاملة الوالدين "تكوين شخصية الطفل"، فقد تكون السرقة في هذه الحالة ليست بسبب الاحتياج، وإنما بسبب حب التملك للأشياء، أو نتيجة لبيئة إجرامية ذات سلوك الشاذ، وهي تلك التي يكون الوالدان أو أحدهما بعيدين فيها عن الالتزام بالمبادئ والمثل العليا، بل يمثلون قدوة سيئة ويصدر منهم السلوكيات المعوجة مثل: شرب الخمر وإدمان العقاقير أو ممارسة السرقة نفسها، وهذا النوع من الدوافع يهيئ الطفل للسلوك الإجرامي في الكبر؛ لأن البيئة أصلًا بيئة غير سوية [د.محمد السقا عيد: ابنك وصحته النفسية، ص:119، بتصرف].
كيف تتصرف في أول مرة يسرق فيها الطفل:
إذا أخذ الوالدان الإجراءات التربوية السليمة تجاه أول مرة يسرق فيها الطفل، فإن السرقة سوف تتوقف في أغلب الحالات عندما يكبر الطفل، وينصح خبراء الطب النفسي للأطفال بأن يقوم الوالدان بما يلي عند اكتشافهم لجوء ابنهم إلى السرقة:
1. إخبار الطفل بأن السرقة سلوك خاطئ.
2. مساعدة الصغير على دفع أو رد المسروقات.
3. التأكد من أن الطفل لا يستفيد من السرقة بأي طريقة من الطرق.
4. تجنب إشعار الطفل بالمستقبل الأسود الذي سينتظره إذا استمر على حاله، أو قولهم له أنك الآن شخص سيئ أو لص.
5. توضيح أن هذا السلوك غير مقبول بالمرة داخل أعراف وتقاليد الأسرة والمجتمع والدين، وأنه سوف يتعرض للعقاب الشديد إذا كرَّره.
ولا تثريب على التائب:
إذا استجاب الطفل لتوجيهات الكبار عند أول سرقة يرتكبها، وقام بدفع أو إرجاع المسروقات، فلا ينبغي على الوالدين إثارة الموضوع مرة أخرى، وذلك من أجل مساعدة الطفل على بدء صفحة جديدة.
فإذا كانت السرقة متواصلة وصاحبها مشاكل في السلوك أو أعراض انحراف فإن السرقة في هذه الحالة علامة على وجود مشاكل أكبر خطورة في النمو العاطفي للطفل، أو دليل على وجود مشاكل أسرية؛ وعندئذ يحتاج الوالدين أو المربي إلى مساعدة المختصين في حل المشكلة وعلاج الطفل من هذا السلوك المنحرف.
وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في الحلقة الثانية من هذا المقال إن شاء الله تعالى، فتابعونا نلقاكم على خير.
المصادر:
مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية والدراسية: د.محمد أحمد الزعبي.
ابنك وصحته النفسية: د.محمد السقا عيد.
مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء: محمد سعيد مرسي.
        اسم الموضوع : ولدي ..من أين لك هذا؟
            |
        المصدر : .:  عالم المرأة  :.
        
			
					
				
				

