لم أكن أخصّص وقتاَ لاستذكار دروسي ولم يكن الاستذكار يَشْغَل بالي كثيرا حتى أقبلتْ أيام الإختبارات فأصبحتُ في صراع شديد مع نفسي كادت توقعني في أوحال الخمول إلا أنني تمكّنتُ أن أصرعها بشِّدة حين بدأت بعض رفيقاتي يترددن عليّ لمراجعة المقررات استعداداً للاختبارات .
لاح من بين الموادّ كتاب يغلب عليه سمة الوعورة ، يبدو وكأنه صخرة صمّاء ،لا يقوى على مناطحتها أحد . أخذ يوم الاختبارات يقترب بسرعة وخيّل إليّ أنه يعدو نحوي متأبطاَ شراَّ . أحسست بالملل من طول منهج الكتاب ولم أستطع إكمال مراجعته .
بينما الأيام تمضي إذ فوجئت بغتةً بالتهاب شديد في حلقي أنهك جسدي وازداد إرهاقي حين دهمتْني الحمّى لاذعه . حاصرتني كآبة خانقة . ضاقت عليّ الأرض برحابتها . وجعلت الهموم تلاحقني . وطفِقتْ الوساوس تطاردني : يا تُرى هل أستطيع إكمال المراجعة ؟ أتضيع من عمري سنة كاملة ؟ تماسكت وأطلقت داخل نفسي صرخة مكتومة : ليكن ما أراده الله . لما أدركت رفيقاتي ما بلغ بي من ضنىً أشفقن عليّ ورثّين لحالي .
اجتمعنا يوم الخميس نواصل المراجعة في الكتاب فإذا بي أترنّح يمنةً ويسرةً . انقضّ عليّ الغثيان انقضاضاّ فخارت قواي . ولما اشتدت حالتي نقلتُ إلى الطوارئ . نوّمت فيها طويلاَ . ثم رجعت إلى داري . قالت إحداهن لي مودّعةً : لا تنسيْ إكمال الكتاب ، ولم يبق سوى يوم واحد . قلت في حزم : لن أنسى إن شاء الله مضتِ الليلة وأقبل يوم الجمعة وأنا أتقلّب على فراش المرض . راودتني وساوس متلاحقة : هل أستطيع الانتصار على الكتاب ؟ هل أتمكن أن أغلب الاختبار ؟ هل .. وهل .. ؟
أسدل الليل ستاره . انتابني شعور بقلق . هزّتني قُشَعريرة في نفسي .عاودتني شدة المرض فأخذ يلسعني من كل جانب حتى أورث فيَّ الأرَق فقدتُ الشهية. عافت نفسي الطعام . أجهد في الجوع. أصبتُ بإحباط شديد أحسست وكأن ملك الموت ينتزع روحي انتزاعا . فكدتُ أقرر عدم المشاركة في الاختبار .
تناولتّ الكتاب في ضعف ووهن ،فما زلت أتصفحه بنظراتِ ممتزجةٍ بالفتور حتى أذّن المؤذن للفجر . أطلقتُ آهاتٍ وزفراتٍ ألهبتْ نفسي : يا ربّاه ! لم أكمل الكتاب ! ماذا أفعل ؟!
انطلقتُ بعد الصلاة للمدرسة بخطوات مرتعشة ومطارق الحمى تدكّ رأسي دكاّ . دخلتُ قاعة الامتحانات.
وُزّعت أوراق الأسئلة . فما مضى ثلث الوقت حتى بدأ ( المكّيف ) يوجّه طعناته إلى جسدي ويبثّ سمومه مع الحمّى. فقدتُ وعيي وأَسِّرة المستشفى أخذت تتراءى أمامي .أكملت الإجابة بصعوبة من غير إدراك لأسرع إلى المستشفى . خرجتُ مسرعةً من القاعة وجسدي يعتصر تلهباً من الحمى . لماّ عاد إليّ وعيي في المستشفى بدأت أتمتم في ذهول : ورقتي ! متى سلّمتها ؟! كيف ؟! حتى توقفتُ واجمةً.
بزغ صباح يوم النتائج . ساورتْني هموم متقطّعة : هل أحصل على درجة التفوّق ؟ خرجت على وجل إلى المدرسة وخطايَ لا تطاوعني . توجّهت بتثاقل صوب النتائج أبحث عن اسمي وقد غشيتْ عينيَّ غمامةُ رقيقة . ما إن انتهيت من قراءة أرقامي حتى انهالت من لساني في لمح البصر :الله أكبر ! نصر ساحق ! حمداً لله .
حينَئذً تنفّستُ الصُّعداء .
بريشة قلمي
								لاح من بين الموادّ كتاب يغلب عليه سمة الوعورة ، يبدو وكأنه صخرة صمّاء ،لا يقوى على مناطحتها أحد . أخذ يوم الاختبارات يقترب بسرعة وخيّل إليّ أنه يعدو نحوي متأبطاَ شراَّ . أحسست بالملل من طول منهج الكتاب ولم أستطع إكمال مراجعته .
بينما الأيام تمضي إذ فوجئت بغتةً بالتهاب شديد في حلقي أنهك جسدي وازداد إرهاقي حين دهمتْني الحمّى لاذعه . حاصرتني كآبة خانقة . ضاقت عليّ الأرض برحابتها . وجعلت الهموم تلاحقني . وطفِقتْ الوساوس تطاردني : يا تُرى هل أستطيع إكمال المراجعة ؟ أتضيع من عمري سنة كاملة ؟ تماسكت وأطلقت داخل نفسي صرخة مكتومة : ليكن ما أراده الله . لما أدركت رفيقاتي ما بلغ بي من ضنىً أشفقن عليّ ورثّين لحالي .
اجتمعنا يوم الخميس نواصل المراجعة في الكتاب فإذا بي أترنّح يمنةً ويسرةً . انقضّ عليّ الغثيان انقضاضاّ فخارت قواي . ولما اشتدت حالتي نقلتُ إلى الطوارئ . نوّمت فيها طويلاَ . ثم رجعت إلى داري . قالت إحداهن لي مودّعةً : لا تنسيْ إكمال الكتاب ، ولم يبق سوى يوم واحد . قلت في حزم : لن أنسى إن شاء الله مضتِ الليلة وأقبل يوم الجمعة وأنا أتقلّب على فراش المرض . راودتني وساوس متلاحقة : هل أستطيع الانتصار على الكتاب ؟ هل أتمكن أن أغلب الاختبار ؟ هل .. وهل .. ؟
أسدل الليل ستاره . انتابني شعور بقلق . هزّتني قُشَعريرة في نفسي .عاودتني شدة المرض فأخذ يلسعني من كل جانب حتى أورث فيَّ الأرَق فقدتُ الشهية. عافت نفسي الطعام . أجهد في الجوع. أصبتُ بإحباط شديد أحسست وكأن ملك الموت ينتزع روحي انتزاعا . فكدتُ أقرر عدم المشاركة في الاختبار .
تناولتّ الكتاب في ضعف ووهن ،فما زلت أتصفحه بنظراتِ ممتزجةٍ بالفتور حتى أذّن المؤذن للفجر . أطلقتُ آهاتٍ وزفراتٍ ألهبتْ نفسي : يا ربّاه ! لم أكمل الكتاب ! ماذا أفعل ؟!
انطلقتُ بعد الصلاة للمدرسة بخطوات مرتعشة ومطارق الحمى تدكّ رأسي دكاّ . دخلتُ قاعة الامتحانات.
وُزّعت أوراق الأسئلة . فما مضى ثلث الوقت حتى بدأ ( المكّيف ) يوجّه طعناته إلى جسدي ويبثّ سمومه مع الحمّى. فقدتُ وعيي وأَسِّرة المستشفى أخذت تتراءى أمامي .أكملت الإجابة بصعوبة من غير إدراك لأسرع إلى المستشفى . خرجتُ مسرعةً من القاعة وجسدي يعتصر تلهباً من الحمى . لماّ عاد إليّ وعيي في المستشفى بدأت أتمتم في ذهول : ورقتي ! متى سلّمتها ؟! كيف ؟! حتى توقفتُ واجمةً.
بزغ صباح يوم النتائج . ساورتْني هموم متقطّعة : هل أحصل على درجة التفوّق ؟ خرجت على وجل إلى المدرسة وخطايَ لا تطاوعني . توجّهت بتثاقل صوب النتائج أبحث عن اسمي وقد غشيتْ عينيَّ غمامةُ رقيقة . ما إن انتهيت من قراءة أرقامي حتى انهالت من لساني في لمح البصر :الله أكبر ! نصر ساحق ! حمداً لله .
حينَئذً تنفّستُ الصُّعداء .
بريشة قلمي
        اسم الموضوع : ~ حِينَئِذٍ تَنَفَّسْتُ الصُّعَدَاءَ ~
            |
        المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.
        
			
					
				
				