أبو عمار المكي
مراقب عام سابق
بعد أداء صلاة الفجر وعندما دخلتُ بيتي جائتْني ابنتي الغالية ..ونادتني : بابا ... بابا .... بابا
التفت إليها وقلت لها : نعم ياحبيبتي
قالت : (أبلتي) في المدرسة طلبت منّي أن أشارك في مسابقة (أحسن قصيدة)
قلت لها مختبرا ومتغابيا : طيب ، شاركي يانظر عيني
قالت : يا بآبا (بنبرة حنانية تلميحية كأن بين جنباتها معنى : افهمها يا بابا)
قلت : نعم (مازحا)
قالت : ساعدني
قلت متجاهلا : في ماذا ؟.
قالت لي مبتسمة ببراءة الطفولة : (شوف) لي قصيدة وإلا ..... (إنها تهددني بالحب!!) يا لها من ذكاء!!
قلت : وإلا إي .....
ابتسمتْ وقالت : يا بآبا
(كلمة بابا تُقطّع قلب الأب وتهزه، وخاصة إذا كانت من ابنته التي سكنتْ فؤاد أبيها واختلط حبها بكل قطرة دم تسيل في عروقه)
(آه .... يابابا : كلمة ... ما أجملها ، وما أعذبها ، وما أرقها ..
تدخل قلب الإنسان بلا استئذان)
قلت : يا نظر عيني ، لماذا لم تخبريني أمس ، فالوقت ضاق بنا وبعد قليل سأوصلك إلى المدرسة .
رجعتْ وقالتْ بنبرة أكثر حنانا وأشد وقعا : يا بآبا
(يبدوا أنها عرفت نقطة ضعفي)
عندها رفعتُ الراية البيضاء واستسلمت
(هنا أعترف أنها هزمتني بكلمتها العظيمة الرقيقة الفاتنة الشفافة الرقراقة (يا بآبا) إي والله هزمتني بكلمة واحدة ... يالها من كلمة عجيبة)
قلت : ياحبيبتي ، أمري إلى الله ، الآن سأنتقي لك قصيدة رائعة تناسب مقامك الرفيع العظيم في قلب أبيك
قالت بصوت لا أكاد أسمعه وبابتسامة عريضة : الحمد لله . (أكيد قالت في نفسها : هزمته شر هزيمة بكلمة واحدة)
دخلتُ جنتي أقصدي مكتبتي ، وبدأت أعصر ذهني ، ياربي ماذا أختار لها ، إنها قلبي ، طلبها أمر! ، ياربي ماذا ؟ ماذا ؟ ياربي الوقت ضيق! ....وأنا أتصفح ما في يدي ، إذ وقعتْ عيني على قصيدة بعنوان :
العاق وقلب الأم الحنون
وإليكم القصيدة التي اخترتها لابنتي ـ فلذة كبدي ـ التي تدرس في الصف الرابع الابتدائي، وبهذا الاختيار انتهت قصتي معها معلنا النصر العظيم لها ، وبدأت القصيدة تقول :
أغرى امرؤ يوما غلاما جاهلا
بنقوده كي ما ينال به ضرر
قال ائتني بفؤاد أمك يافتى
ولك الجواهر والدراهم والدرر
فمضى وأغمد خنجرا في صدرها
والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المقطع إذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفّـر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر؟
فكأن هذا الصوت رغم حنوه
غضب السماء على الغلام قد انهمر
فارتد نحو القلب يغسله بما
لم يأتها أحد سواه من البشر
واستل خنجره ليطعن نفسه
طعنا فيبقى عبرة لمن اعتبر
ويقول يا قلب انتقم مني ولا
تغفر فإن جريمتي لا تغتفر
ناداه قلب الأم كفّ يدا ولا
تذبح فؤادي مرتين على الأثر
يا لها من قصيدة رائعة تعبر عن قلب الأم وما فيه من حب عظيم عجيب غريب لايستطيع البلغاء ولا الفصحاء أن يصفوه مهما أوتوا من فصاحة وبلاغة وبيان .
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : حقيقة ليست خاطرة .. سطرتها عندما فجرتني كلمة ( بابا)
|
المصدر : .: بوح المشاعر :-: خاص بأقلام الأعضاء :.
