الأسيف
مراقب عام
من وحي الطفولة ..
هل تذكرين أختاه ( ز . ب ) تلك الأيام الخوالي التي كنا نخرج فيها سوياً لالتقاط الدمى ، تجمعنا براءة الطفولة وطلاقة تفيض بالبهجة .. ؟
هل تذكرين تماماً تلك الأرض التي كانت مهوى المناقع والدّمن .. ؟
( المناقع جمع منقع وهو المستنقع والدمن جمع دمنة وهي المزبلة )
( المناقع جمع منقع وهو المستنقع والدمن جمع دمنة وهي المزبلة )
هل تذكرين سرورنا وابتساماتنا التي كانت تحمل سرّ الحياة .. وكيف كنا نتمايل طرباً ورقصاً كلما وجدنا ألعوبة بالية أو دمية متقطعة .. ؟
هل تذكرين كيف كنا نشعر بتدفق الحيَاة في أجسامنا ، وإشراقة الصفاء في نفوسنا ، وانبثاق الحبّ في قلوبنا .. ؟
هل تذكرينَ .. كيف كنا ننظر إلى الحياة بتفاؤل وأمل ، حتى كنّا نرى الجمال الباهر في وجهِ العجوز الشمطاء ، ونسمع في صوت الرعد القاصف ألحان الغناء .. !
كنا يا أختاه نتحسس مع فقرنا السلام في المجتمع ، ونلمس الوئام في الأسرة ، والسكينة في النفس ، والرّضا في العيش ، والصفاء في المعاملة ، والسعادة في الحيَاة ..
كنا ننَام أختاه على هدهدَة الأحلام ومُناغاة المنى .. نتَرقَّبُ بُزوغَ فجرٍ جديد يشيع في أركان البيت نورًا .. ويملأ الكوخ فرحة وسروراً ..
يا رحمة الله على تلك الأيام !
إنها أختاه دنيا الماضي .. علها تحمل في أصدائهَا الباقية ما يؤنسنَا في هذه الوحشة بعد افتراقنا هذه السنين الطوال ..
نشأنا في كوخ واحد وسْط شِعْب من جبل .. كما تنشأ الزهرتان المتعانقتان في مغرس واحد ومن غصن واحد ..
نشأنا في كوخ واحد وسْط شِعْب من جبل .. كما تنشأ الزهرتان المتعانقتان في مغرس واحد ومن غصن واحد ..
صحيحٌ أننا ذقنا لذعة الفقر في ميعة صبانا ، ولم نحفل بالحلوى التي كان يتمتع بها أطفال الجيران ، ولم نرفل في العيد بالأثواب المطرزة والغلائل المرصّعة التي كنا نرجوها بأمنياتنا الطفولية ..
إلا أننا محونا الضيقة والفاقة والخصاصة .. وكل أجناس الفقر ، بوقفاتنا الطويلة متأملين صنوف المناظر وأفانين المشاهد على الصخور البارزة قرب المطل السحري فوق الجبل ، وأعدنا البسمة إلى شفاهنا بتلألؤ نجوم السماء الزاهرة ، وبسمَاع أغاني الحيَاة عند مطلع الشمس ، ونغمَات السعادة عند إقبال الليل ، وبترديد أناشيد الرعاة ، وضوضاء الأغنام التي كانت تصول وتجول في غدوّهها ورواحها بين شعاب الجبل ..
يالهُ من جبَل .. ضمّ بين جنبيه كلّ هذه الذكريات الحلوة .. !
إلا أننا محونا الضيقة والفاقة والخصاصة .. وكل أجناس الفقر ، بوقفاتنا الطويلة متأملين صنوف المناظر وأفانين المشاهد على الصخور البارزة قرب المطل السحري فوق الجبل ، وأعدنا البسمة إلى شفاهنا بتلألؤ نجوم السماء الزاهرة ، وبسمَاع أغاني الحيَاة عند مطلع الشمس ، ونغمَات السعادة عند إقبال الليل ، وبترديد أناشيد الرعاة ، وضوضاء الأغنام التي كانت تصول وتجول في غدوّهها ورواحها بين شعاب الجبل ..
يالهُ من جبَل .. ضمّ بين جنبيه كلّ هذه الذكريات الحلوة .. !
أختاه .. كلما تذكرت تلك الأيام الغابرة يغيب حسّي في سكرة من سكرات الأحلام ، وتتراءى لي في خلالها أطياف من تعاجيب الزمان وتبدّلها ، وتتراقص أحلامي نشوى في أزقة ( البلدية ) ، فتعيد ليَ البسمة ، وتشيعُ فيّ الذكرى ..
إنها أختاه ورب الكعبة عينُ السّعادة التي تشرقُ على القلوب الفقيرة فيُسعدها ، والأجنحة الكسيرَة فيُريشها ، والأفئدَة الحالكة فينيرها ..
إن طيفاً من أحلام الماضي ، وومضة من صور الأيام ، وخيالاً من عالم الطفولة ، كفيل لإنارة قلبَينَا ، وإفراج ما اشتدّ من أزماتنا ..
لنحيا حيَاة السعداء بتذكّر الطلول الدوارس التي محتهَا الأيام والليالي ، ونجعل منهَا فلسفة نعيش بين أفنانها لذة ، كما جعلنا للفقر لذّة .. !
أخوكِ الصغير /
الأسيف .. 1430 هـ
في الحلقة القادمة : سأنقل ما كتبت إليّ ، وما حملت رسالتها من لغة رفيعة المعنى ، قوية المبنى .. بالنسبة لي .
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : متعة الطفولة .. ولذة الفقر ! ( 2 )
|
المصدر : .: بوح المشاعر :-: خاص بأقلام الأعضاء :.