الهدف الأكبر لا ينافي الهدف الأصغر
إذا تصورنا أن هناك دائرتين متداخلتين, إحداهما أكبر من الأخرى, فإننا نجد أن الدائرة الصغرى تسير داخل الدائرة الكبرى, وإذا توسعنا قليلا وجدنا أنفسنا نخترق الدائرة الصغرى متجهين إلى محيط الدائرة الكبرى, لا نتجاوزها, لكن النطاق أوسع, والفرص أكثر, وهكذا نسير في حياتنا ومشوارنا الدعوي.
لو افترضنا أن الدائرة الكبرى هي الإسلام, والدائرة الصغرى هي الشيشان, فهناك دوائر أخرى داخل الإسلام كثيرة, فهناك دائرة الملايو, ودائرة العرب بجميع دولها, ودوائر ودوائر..
فالعمل للدائرة الكبرى (وهي الإسلام) لا ينافي العمل في المحيط الإقليمي لكل قُطرٍ من أقطار المسلمين, بل إن الإنسان يستطيع العمل في أكثر من دائرة من هذه الدوائر بما يستطيع, وعلى قدر الطاقة, وكلما توسع الإنسان في الخير كان ذلك ذخرًا له عند الله..
إن الإشكال فيمن يضيّق على نفسه الهدف, ويعيش في دائرة ضيقة كأنه لم يُخلق إلا لها.
العمل الدعوي في النطاق الضيق, أو في الدائرة الواحدة مهم, بل إن المنطلق ينبغي أن يكون كذلك في أي عمل, لكن التوقف على هذه الدائرة, وجَعْلها المسيطر على كل الدوائر, هذا هو محل الإشكال, فأبواب الخير كثيرة, والطاقات كبيرة..
هذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ينذر عشيرته الأقربين, لكنه لم يقف على هذه الدائرة, بل أُرسل للعالمين, كما قال عليه السلام: "وكان الرسول يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة".
ولهذا نخطئ عندما نربي أجيالنا على أهداف صغيرة فقط, بينما هم يملكون طاقات كبيرة, يستطيع الواحد منهم أن ينفع نفسَه وأمتَه في أي قُطرٍ كان, هذا هو الإسلام بوجهه العام, ومفهومه الشمولي..
إن التربية على وضوح الهدف مهم جدًّا من الصِغر؛ لأن الشاب يتحرك, ويبذل ويضحي غالبًا بما انبنى عليه فكره.
وحتى أُلَمْلم الموضوع, أعود وأقول:
أولًا: مَنْ يجدُ نفسَه غيرَ قادرٍ على التوسع= فليدعُ في دائرته, فلأن يدعو في دائرة ضيقة خيرٌ من أن يترك الدعوة بالكليَّة.
وليبدأ بأضيق الدوائر, ويمكن ترتيبها كالآتي: دائرة البيت, ثم القرابة, ثم الحي, ثم المجتمع من حوله.
ثانيًا: من يجد في نفسِه همةً في نفع أمته في أي مجال كان = فليفعل.
ثالثًا: تربية الأجيال الصاعدة يكون على تأصيل الدائرة الكبرى وتعميق جذورها في النفوس, مع عدم إغفال الدوائر الصغرى, فتحقيق الهدف الأكبر هو في الحقيقة نصر للدوائر الصغرى.
وقاعدة الأجور في الدعوة تقول: كلَّما عم النفع, وكثُر المهتدون والمستفيدون= عظُم الأجر والثواب بعددِ مَن استفاد, وكلما طال النفع وامتدَّ أمدُه = كان ذلك نفعًا لصاحبه في يومٍ أحوجَ ما يكون فيه إلى الحسنة, ولأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم.
كتبه: فوزي فطاني
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : الهدف الأكبر لا ينافي الهدف الأصغر
|
المصدر : .: زاد المسلم :.
