صدى الحجاز
مراقب سابق
يحكى أنه كانت هناك قرية تقع في وسط الغابة، يحكمها ملك حكيم.
أراد الملك يوما من الأيام أن يختبر شباب القرية ليعرف مدى قوتهم وشجاعتهم.
:fighter:
فأعلن عن رغبته في إقامة مسابقة جري بين الشباب، وتمت الترتيبات لذلك.
فرح الجميع ولم يحل مساء ذلك اليوم إلا وقد دخل الخبر كل بيت وشاع بين الجميع.
:clap:
وفي اليوم المحدد لإقامة المسابقة توجه الجميع إلى الميدان المعد لذلك.
توقفوا واصطفوا عند نقطة البداية في انتظار الإشارة من الحكم.
إلا أن الحكم فاجأهم بقوله: إن المسافة المطلوبة قطعها ثلاثة كيلوات.
أصبح المتسابقون في هرج ومرج، وكثر اللغط ما بين مؤيد للمسابقة ورافض لها بالكلية ومتردد يقدم رجلا ويؤخر أخرى.
ثم انقسموا إلى قسمين:
قسم أصر على خوض المسابقة بكل جدارة.
والقسم الآخر تراجع وانسحب من المسابقة، وقالوا: ليس لدينا استعداد لكي نتعب أنفسنا في مسابقة فاشلة.
انسحب المتراجعون واصطفوا على جانبي الميدان ليتفرجوا على المتسابقين المتهورين الأغبياء.
وبقي النصف ينتظرون الإشارة.
وبينما هم في انتظار الإشارة أخبرهم الحكم بأن المسابقة لا تنتهي بقطع المسافة المحددة فقط، بل عليهم أن يصعدوا ذلك البرج الموجود في آخر الميدان، ومن يصل إلى قمة البرج أولا يكون هو الفائز.
:surprised2:
هنا انهار نصف البقية وسقطوا على الأرض من هول ما سمعوا، ثم قاموا يجرون خطاهم منسحبين، قد رأوا أن خوض مثل هذه المسابقة إلقاءٌ بالنفس إلى التهلكة، فمجرد إمكانية قطع مثل هذه المسافة جريا أمر يكاد يكون مستحيلاً، ويكفي الوصول إلى نقطة النهاية، فيكف بالصعود إلى قمة برج بجسم متهالك أضناه الجري والعطش.
فانضموا إلى أخوانهم الذين انسحبوا قبل قليل.
بقي ربع العدد الأصلي من المتسابقين، قد قبلوا التحدي وأصروا على الفوز والنجاح.
أطلق الحكم رصاصة من مسدسه ليطلق المتسابقون سيقانهم للريح... صدورهم تكاد تسبق أقدامهم وأقدامهم تسبق أجسامهم.
وبدأ الجمهور في الصياح والصراخ بصوت واحد: مستحيل مستحيل ... فاشلين فاشلين .. مستحيل مستحيل ... فاشلين فاشلين.
قد أكلت الغيرة قلوبهم ومزقت أفئدتهم.
وما هي إلا ثوان وسقط أحد المتسابقين.
ثم تبعه الثاني بعد خطوات قليلة.
ثم لحق بهما الثالث بعد أمتار ليست بالكثيرة.
وما زالوا يتساقطون وينقصون حتى بقي ثلث المسافة، فبدؤوا يجرون خطاهم بأجسام هزيلة وينظرون إلى بعض كأنها نظرة وداع وفراق.
وما زال الجمهور في صراخهم وصياحهم.. مستحيل مستحيل .. فاشلين فاشلين.
قد ازدادت حدة الغيرة حتى كادوا يقفزون إلى داخل المجرى ليمنعوهم من الوصول إلى البرج.
بدأ المساكين يزحفون على الأرض زحفا حتى استطاع بعضهم الوصول إلى البرج بينما فضل بعضهم الراحة قبيل نهاية الميدان واستسلموا للنوم بعد عناء وجهد جهيد.
نظروا إلى أعلى البرج نظرة يائسة فسقط بعضهم خائري القوى.
لم يبق إلا عشرة أشخاص فقط، فيهم شيء من الروح، فبدؤوا بتسلق البرج أملاً في الفوز، ومن على ارتفاع أمتار فقط سقط أحدهم مبتسما قد أصابته سكرة وهلوسة.
ودعوه بنظرة مكتئبة ثم أكملوا الصعود، وبعد أمتار أخرى ابتسم لهم زميل آخر وودعهم إلى الهاوية ليشارك زميله في سكرته وهلوسته، وجلسا في انتظار زملائهم القادمين من الفضاء، يستقبلان واحدا تلو الآخر.
لم يبق إلا اثنان فقط قد أصرا على النجاح تنزلق قدم أحدهما فيتعلق بحديدة ويكاد يسقط الآخر فيتشبث بزاوية البرج، وهكذا حتى لم يبق على القمة إلا أمتار بسيطة، عندها التفت أحدهما إلى صاحبه ووصاه بأن لا ينساه من الجائزة وأن يكون له نصيب منها.
لم ينطق الآخر بكلمة، وإنما اكتفى بنظرة غريبة.
ثم ودعه الأول ليلحق بإخوانه، ومن علٍ كان السقوط، وما أقساه حين يكون من علٍ.
أكمل صاحبنا تقدمه وفي النهاية وقف على قمة البرج ورفع العلم ليعلن للجميع أن هناك من يصر على النجاح ويستميت في الوصول إليه، ثم سقط في مكانه.
سكت الجميع وعم المكان الهدوء كأنما ألجموا بلجام من حديد، وبعد دقائق استرجع الفائز أنفاسه ثم نهض وبدأ ينزل رويدا رويدا يكاد يسقط من شدة التعب والإعياء.
وهنا انقلب الجميع إلى مهنئين ومباركين بفوز الشاب وشجاعته وصبره وتحمله، وبدأوا يهتفون بصوت عال.. مبروك مبروك.
وهناك في أسفل البرج كان الصحفيون في انتظار الفائز لإجراء لقاء صحفي معه، وحولهم حشود الجماهير يهنئونه على الفوز، وحينما التقى بهم كانت المفاجأة التي ألجمت الجميع مرة أخرى وأسكتتهم عن بكرة أبيهم.
حيث اكتشفوا أنه أصم لم يسمع شيئًا من صراخهم وضجيجهم وهتافهم منذ بداية الجري.
فكم من المشاريع التي نبدأها فتفشل بسبب المثبطين والمحطمين، فعندما يصم الإنسان آذانه عن سماع نعيق الناعقين ربما يصل إلى النجاح بإذن الله.[/
المصدر :بناء
أراد الملك يوما من الأيام أن يختبر شباب القرية ليعرف مدى قوتهم وشجاعتهم.
:fighter:
فأعلن عن رغبته في إقامة مسابقة جري بين الشباب، وتمت الترتيبات لذلك.
فرح الجميع ولم يحل مساء ذلك اليوم إلا وقد دخل الخبر كل بيت وشاع بين الجميع.
:clap:
وفي اليوم المحدد لإقامة المسابقة توجه الجميع إلى الميدان المعد لذلك.
توقفوا واصطفوا عند نقطة البداية في انتظار الإشارة من الحكم.
إلا أن الحكم فاجأهم بقوله: إن المسافة المطلوبة قطعها ثلاثة كيلوات.
أصبح المتسابقون في هرج ومرج، وكثر اللغط ما بين مؤيد للمسابقة ورافض لها بالكلية ومتردد يقدم رجلا ويؤخر أخرى.
ثم انقسموا إلى قسمين:
قسم أصر على خوض المسابقة بكل جدارة.
والقسم الآخر تراجع وانسحب من المسابقة، وقالوا: ليس لدينا استعداد لكي نتعب أنفسنا في مسابقة فاشلة.
انسحب المتراجعون واصطفوا على جانبي الميدان ليتفرجوا على المتسابقين المتهورين الأغبياء.
وبقي النصف ينتظرون الإشارة.
وبينما هم في انتظار الإشارة أخبرهم الحكم بأن المسابقة لا تنتهي بقطع المسافة المحددة فقط، بل عليهم أن يصعدوا ذلك البرج الموجود في آخر الميدان، ومن يصل إلى قمة البرج أولا يكون هو الفائز.
:surprised2:
هنا انهار نصف البقية وسقطوا على الأرض من هول ما سمعوا، ثم قاموا يجرون خطاهم منسحبين، قد رأوا أن خوض مثل هذه المسابقة إلقاءٌ بالنفس إلى التهلكة، فمجرد إمكانية قطع مثل هذه المسافة جريا أمر يكاد يكون مستحيلاً، ويكفي الوصول إلى نقطة النهاية، فيكف بالصعود إلى قمة برج بجسم متهالك أضناه الجري والعطش.
فانضموا إلى أخوانهم الذين انسحبوا قبل قليل.
بقي ربع العدد الأصلي من المتسابقين، قد قبلوا التحدي وأصروا على الفوز والنجاح.
أطلق الحكم رصاصة من مسدسه ليطلق المتسابقون سيقانهم للريح... صدورهم تكاد تسبق أقدامهم وأقدامهم تسبق أجسامهم.
وبدأ الجمهور في الصياح والصراخ بصوت واحد: مستحيل مستحيل ... فاشلين فاشلين .. مستحيل مستحيل ... فاشلين فاشلين.
قد أكلت الغيرة قلوبهم ومزقت أفئدتهم.
وما هي إلا ثوان وسقط أحد المتسابقين.
ثم تبعه الثاني بعد خطوات قليلة.
ثم لحق بهما الثالث بعد أمتار ليست بالكثيرة.
وما زالوا يتساقطون وينقصون حتى بقي ثلث المسافة، فبدؤوا يجرون خطاهم بأجسام هزيلة وينظرون إلى بعض كأنها نظرة وداع وفراق.
وما زال الجمهور في صراخهم وصياحهم.. مستحيل مستحيل .. فاشلين فاشلين.
قد ازدادت حدة الغيرة حتى كادوا يقفزون إلى داخل المجرى ليمنعوهم من الوصول إلى البرج.
بدأ المساكين يزحفون على الأرض زحفا حتى استطاع بعضهم الوصول إلى البرج بينما فضل بعضهم الراحة قبيل نهاية الميدان واستسلموا للنوم بعد عناء وجهد جهيد.
نظروا إلى أعلى البرج نظرة يائسة فسقط بعضهم خائري القوى.
لم يبق إلا عشرة أشخاص فقط، فيهم شيء من الروح، فبدؤوا بتسلق البرج أملاً في الفوز، ومن على ارتفاع أمتار فقط سقط أحدهم مبتسما قد أصابته سكرة وهلوسة.
ودعوه بنظرة مكتئبة ثم أكملوا الصعود، وبعد أمتار أخرى ابتسم لهم زميل آخر وودعهم إلى الهاوية ليشارك زميله في سكرته وهلوسته، وجلسا في انتظار زملائهم القادمين من الفضاء، يستقبلان واحدا تلو الآخر.
لم يبق إلا اثنان فقط قد أصرا على النجاح تنزلق قدم أحدهما فيتعلق بحديدة ويكاد يسقط الآخر فيتشبث بزاوية البرج، وهكذا حتى لم يبق على القمة إلا أمتار بسيطة، عندها التفت أحدهما إلى صاحبه ووصاه بأن لا ينساه من الجائزة وأن يكون له نصيب منها.
لم ينطق الآخر بكلمة، وإنما اكتفى بنظرة غريبة.
ثم ودعه الأول ليلحق بإخوانه، ومن علٍ كان السقوط، وما أقساه حين يكون من علٍ.
أكمل صاحبنا تقدمه وفي النهاية وقف على قمة البرج ورفع العلم ليعلن للجميع أن هناك من يصر على النجاح ويستميت في الوصول إليه، ثم سقط في مكانه.
سكت الجميع وعم المكان الهدوء كأنما ألجموا بلجام من حديد، وبعد دقائق استرجع الفائز أنفاسه ثم نهض وبدأ ينزل رويدا رويدا يكاد يسقط من شدة التعب والإعياء.
وهنا انقلب الجميع إلى مهنئين ومباركين بفوز الشاب وشجاعته وصبره وتحمله، وبدأوا يهتفون بصوت عال.. مبروك مبروك.
وهناك في أسفل البرج كان الصحفيون في انتظار الفائز لإجراء لقاء صحفي معه، وحولهم حشود الجماهير يهنئونه على الفوز، وحينما التقى بهم كانت المفاجأة التي ألجمت الجميع مرة أخرى وأسكتتهم عن بكرة أبيهم.
حيث اكتشفوا أنه أصم لم يسمع شيئًا من صراخهم وضجيجهم وهتافهم منذ بداية الجري.
فكم من المشاريع التي نبدأها فتفشل بسبب المثبطين والمحطمين، فعندما يصم الإنسان آذانه عن سماع نعيق الناعقين ربما يصل إلى النجاح بإذن الله.[/
المصدر :بناء
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : مسابقة جري وسط الغابة
|
المصدر : .: حكايات وأقاصيص :.