وبكيت عند لقائه

تنبيه مهم:

  • المنتدى عبارة عن أرشيف محفوظ للتصفح فقط وغير متاح التسجيل أو المشاركة

الدكتور أبو أحمد المدني

مستشارالمنتدى
إنضم
17 مايو 2009
المشاركات
515
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
المدينة المنورة
[align=center][tabletext="width:90%;background-image:url('http://www.burma-ksa.com/vb/backgrounds/1.gif');border:3px double red;"][cell="filter:;"][align=center]وبكيت عند لقائه

كان لقائي به العام الماضي .. زارني كما يزور غيري من الناس ، وعاش معي في نفس البيت كما هي عادته أن يعيش مع كل إنسان في نفس بيته ! ولقيته تلك الأيام في كل مساحة من الأرض يملؤها حباً وجمالاً كما يملؤها زهاءً وتألقاً بل عزةً ورفعة!

أعجب شيء فيه أنه يكتب الفرحة على كل وجه ، ويأخذ القلب من الأرض ليعانق به السماء ، ويجمع شمل الفُرقاء من أزمان ليجمعهم في بساط حبه في أيام ولحظات.

كان ضيفي, كما هو ضيف كل إنسان ، وكان روحي كما هو روح كل إنسان ، وكان أيامي وحياتي وقلبي وآمالي كما هو مع كل إنسان !
ثم افترقنا ...!!
وفي ليلة الفراق بكيت بكاء الثكالى ، بكيت أن كان الوداع على غفلة ، والرحلة دون استئذان .. وتمنيت تلك اللحظة أن يأخذ مني كل شيء فيعود .. لكنها الأيام .. !

وذهبت بي الدنيا في لهوها ، ونسيته ، وضاع دمع الحب في أحداث الحياة ، ولم يكن له في قلبي حنيناً كما هي تلك الأيام لحظة فراق كل عزيز.

وفجأة ، وفي يوم من الأيام , انتبهت على طارق يطرق الباب برفق ، يحدثني من وراء الباب: أنا ضيفك الراحل عدت ..! استذكرت أيامي ، وجمعت أفكاري ، واستعدت ذاكرتي فلم أكن على ميعاد ضيف منتظر ، ولا محبوب مؤمل ...
فتحت الباب فإذا بالمفاجأة الكبرى في حياتي .. صديقي الراحل من عمري عاد .. صديقي الذي بكيت في فراقه منذ عام .. حبيبي الذي ما استجمع قلبي فرحاً لمثله ، ولا دمعت عيني للقاء حبيب كدمعها في فراقه ولقائه ..
صديقي الغائب ماثل أمامي بعد فرقة عام ، ماثل أمامي ضعيف الحال بالِ الثياب, عجوزاً أشيبا ( أي شاب شعر رأسه), وفي يده سراج يضيء به ليله ، ويحمل في قلبه روحاً تملأ لياليه فرحاً وحبوراً .. رأيته هو بذاته, فتعانقنا عناق المحبين .. بكيت, ولي زمن من البكاء .. بكيت وأنا أشعر أن قلبي يكاد يطير من السرور ، وروحي تكاد تفارق جسدي من الأفراح ..
وطال عناقنا كثيراً ... ثم سآلته :
ما هذا السراج في يدك صديقي ولا تحتاج إلى ضوء ؟! فحدثني حديث المحبين قائلاً :
هذه ذكرياتي .. ! هذه أيامي! فلقد كنت أزور أجدادك وآتيهم بمثل ما أتيتك به الآن لكن بحال غير حالكم! .. جئت هذا العام أذكركم مجداً تليداً بأيديكم أضعتموه ، أذكركم رجالاً أضاءوا بهذا السراج بعض ليلي ! فرشوا العدل والأمان والخير على ربوع البسيطة .

لقد كنت في سلفكم قرآنا وصياما وصلاة, وبرا وكرما وصدقة, وتوبة ومغفرة وطاعة. وكنت أخوّة ووحدة ومودة, وصلة رحم وقرابة. وكنت مجلس علم ودرس وأدب وأخلاق, وكنت جهادا وفتحا ونصرا.

فكيف صرت اليوم فيكم؟ وأي حال ألقاكم؟ بل إني ما عاد لي دور كما افترضه ربي لي أن أكون عليه!
تذكرت ليالي عشت بعض دقائقها مع أجدادكم ، كنت أزورهم لأسمع ذكرياتهم بل أعيشها معهم .. وأزورهم لأجد بعض حياتهم في عنائهم وجهدهم وفتوحاتهم ..

فمن أزور هذه الأيام وقد رحلوا ؟ ومن أزور اليوم وقد ذهبوا ؟ هاهي بيوتهم كما كانت ! وآثارهم لازالت؟!
فأين وحدتكم وأين رايتكم وأين مجدكم؟ أين الذي يعزر من انتهك حرمتي، وجاهر بمعصية ربه في شهري هذا؟ أين الذي يسلسل شياطين الإنس الذين يغتنمون شهري ليكثروا فيه الفساد، بعدما كفاكم الله شر شياطين الجن فأصفدهم ؟ أين الذي يحي فيكم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويحي فيكم تقوى القلوب؟ أين الذي يقوي علاقتكم بربكم، ويرفع كرامتكم، ويرد إليكم عزتكم ومكانتكم.

يا عباد الرحمن : إنني الشهر الذي اصطفاني ربي من بين الشهور، ففي أنزل القرآن, وفي فرض عليكم الصيام. ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]. فإني لكم شهر عظيم، وشهر كريم. فكيف حالكم في؟. لقد أتيتكم وأنتم ممزقون ومتفرقون, وحتى عن هلالي مختلفون. فكيّفتم مطالعي حسب أقطاركم.. أو لم يأمركم الله بصيامي عند رؤية هلالي، إذ قال جل من قائل ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة:185]. أولم يبين لكم رسولكم - صلى الله عليه وسلم - متى تصومون، ومتى تفطرون في الحديث الذي رواه البخاري " عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " [رواه البخاري]. فلم لا تتعبدون ربكم بهذه المواقيت التي أخبر بها في قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ).

يا عباد الرحمن: إني شهر عظيم, شهر البركات. ففي تصفد الشياطين, وفي تتنزل عليكم رحمة رب العالمين. " عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ" [رواه البخاري].
فمالي أرى شياطينكم ترتع وتمرح على أرضكم, فتكثر الفساد والإفساد، وتخرب الأخلاق وتدمر القيم, أتستبدلون الرحمة بالنقمة في هذا الشهر. ألا ترون أن صفوتي من بين الأشهر قد دنست, وأن حرمتي قد انتهكت. فهذا عاص يتبجح بمعصيته, , وذاك صخّاب بالأسواق وغاش للناس وباخس في المكيال,.
وهذا إعلام فاسد وماجن يفرغ عليكم قاذوراته في بيوتكم، ليفسد عليكم نسائكم وأبناءكم, ويشغلكم عن طاعاتكم,. وهذه موائد قمار قد انتصبت, وهناك سمر ولهو وترف, ورقص وخمرة وفاحشة. فانقلبت ليالي إلى ليال رمضانية حمراء تؤزكم فيها شياطين الإنس أزّا. أو ليست لي حرمة بينكم, يا خير أمة أخرجت للناس, وقد شرفني الله بكم وشرفكم بي من دون الناس.

يا عباد الرحمن: إني كنت لكم شهر الفتوحات والإنتصارات. ففي شهري العظيم نقشت بطولات أمجادكم, وانتصارات أسلافكم. أولا تسمعون صدى وقع سنابك خيولهم وصهيلها, وقعقعة سيوفهم وتكبيراتهم تتردد عليكم من قاع التاريخ, أفلا تتشوقون إلى مجد كمجدهم وعز كعزهم. أولا تذكرون يوم الفرقان, يوم فرق الله بين الكفر والإيمان, في معركة بدر الكبرى, أولا تذكرون فتح مكة وكسر الأوثان وسقوط الطواغيت, أولا تذكرون فتح الأندلس وفتح القسطنطينية. أولا تذكرون معركة حطين وعين جالوت. كل هذه الانتصارات والفتوحات حققها أسلافكم في مثل هذا الشهر, فأين أنتم من هذا؟.

يا عباد الرحمن: إني شهر التوبة والغفران, فلماذا تحزن بعدي المساجد، وتطفأ فيها المصابيح، وتشكوا لربها قلة الراكعين والساجدين والعابدين. أين ذهب التائبون, أين راح الراكعون, أين اختفى الذين رأيتهم في شهري لربهم ساجدين؟. فهل بعدي تموت القلوب, وتغور الدموع في العيون, فإني على حالي فيكم لحزين.

عدت لأعانق صاحبي مطأطأ الرأس خجلا على شكواه منا, وما إن أقبلت على صاحبي إلا وجموع غفيرة تعانق صاحبي ، فالمكان مزدحم ، والرؤية تكاد تنحجب ، وذهب صاحبي في اجتماع القوم ..
تُرى متى يعود صاحبي يوماً شاباً فتيّاً متقلداً سيفه ليعود كما كان أيام أجدادي , شهر فتوحات وانتصارات, شهر عبادة وطاعات, شهر يُصفّد فيه شياطين الأنس بعد أن كفانا الله شياطين الجن؟!!
(( وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا )) [الإسراء:51]

أخوكم : أبو أحمد ( المدينة النبوية المنورة)[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
 
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : وبكيت عند لقائه | المصدر : من وحي رمضان

هيمو_

New member
إنضم
6 يوليو 2009
المشاركات
2,323
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
 
إنضم
3 يونيو 2009
المشاركات
276
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
دنيا الإبتسامة
شكرا على هذه الكلمات النقية

فكيف لا وهو زينة الشهور ..

أسأل الله الكريم أن يدخلنا وإياك الجنة وأن يتقبل من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال

وكل عام وأنتم إلى عفوه ورحمته أقرب ..
 
أعلى